الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)
.فصل [في كلاب الماشية والصيد]: (واتفقوا أن كلاب الماشية) المتخذة لحراستها وحفظها مما يعدو عليها من السارق والسبع ونحوهما (يجوز بيعها ككلب) أهل (البادية) الذي يحرس دورهم وأمتعتهم ليلاً ونهاراً، وما ذكره من الاتفاق هو ظاهر ابن سلمون أيضاً حيث قال: ويجوز بيع كلب الحرس والماشية وفي كلب الصيد والسباع قولان. اهـ. إلا أنهم بحثوا مع الناظم في حكاية الاتفاق في بيعه أقوالاً: الجواز والكراهة والمنع وهو أشهرها.قلت: لعله أراد بالاتفاق اتفاق المتأخرين لقول ابن أبي زيد: لو أدرك مالك زمننا لاتخذ أسداً ضارياً وكل ما يتخذ للانتفاع به انتفاعاً شرعياً تجوز المعاوضة عليه، فكأنهم فهموا أن كلاب الحراسة لتأكد منفعتها لا ينبغي أن يدخلها الخلاف، وأما ما قيل من أنه أراد بالاتفاق تقوية القول بالجواز إذ قال به ابن كنانة وسحنون وابن نافع، وشهره بعضهم فهو بعيد من لفظه إذ لو كان مقصوده ذلك لقال: ورجحوا أو شهروا أن كلاب الماشية إلخ. ثم إن الكلب إذا لم يؤذن في اتخاذه يضمن ربه ما أتلف مطلقاً، وأما ما أتلفه المأذون في اتخاذه فإنه يضمن ربه ما مزقه أو أتلفه إذا علم منه العداء. وتقدم الكلام فيه عند السلطان. (وعندهم قولان في ابتياع كلاب الاصطياد) أى الكلاب التي يصطاد بها فالمنع لابن القاسم وروايته عن مالك والجواز لابن كنانة ومن معه (و) عندهم أيضاً قولان في ابتياع (السباع) التي يصطاد بها كالمسمى عند العامة اليوم بالنمس والفهد ونحو ذلك. (وبيع ما) أي حيوان مأكول (كالشاة) والبقرة (واستثناء) أي مع استثناء (ثلثه) أو نصفه أو ثلاثة أرباعه إذ متى كان المستثنى جزءاً شائعاً (فيه الجواز جاء) اتفاقاً. واعلم أن هذه المسألة على ثلاثة أوجه: هذا أحدها. ولا يجبر الآبي منهما على الذبح في هذا الوجه فإن تشاحا فيه بيعت عليهما وأخذ كل واحد من ثمنها ما وجب له. الثاني: أن يستثنى أرطالاً من لحمها وهو معنى قوله: (أو قدر) بالجر عطف على ثلثه (رطلين معاً) أو ثلاثة أرطال أو أربعة قدر الثلث فدون (من شاة) ونحوها وفي البقرة والناقة يجوز استثناء نحو العشرة، والثمانية الأرطال مما هو قدر الثلث أيضاً فدون لأن ثلث كل شيء بحسبه كما قاله أبو الحسن، وارتضاه الشيخ الرهوني في حاشيته خلافاً لما في الشيخ بناني (و) إذا أراد البائع الذبح ليتوصل للأرطال وامتنع المشتري أو بالعكس فإنه (يجبر الآبي) منهما (على الذكاة) إذ لا يتوصل كل منهما لما دخل عليه من اللحم إلا بها، وأجرة الذبح والسلخ عليها في هذه وفي التي قبلها بحسب ما لكل، فلو أراد المشتري أن يعطيه لحماً من غيرها لتبقى له الشاة حية لم يجز وهو معنى قوله: (وليس) للمشتري أن (يعطى فيه) أي في المستثنى الذي هو الأرطال (للتصحيح) أي لتصح له الشاة وتبقى له حية (من غيره) أي من غير المستثنى منه وهو الشاة (لحماً) بل ولا غير اللحم كثوب أو دراهم ونحوها (على) القول (الصحيح) وهو لأشهب لما فيه من بيع الطعام قبل قبضه بناء على أن المستثنى مشترى، وأما على أنه مبقى فالعلة أنه من بيع اللحم المغيب وهو يمنع بلحم وغيره قاله (ز) ومقابل الصحيح رواه مطرف. الثالث: أن يستثنى الجلد والساقط وهما الرأس والأكارع وإليه أشار بقوله: (والخلف في) استثناء (الجلد وفي) استثناء (الرأس) والأكارع (صدر) أي: وقع بالمنع مطلقاً والجواز كذلك ثالثها (مشهورها الجواز في حال السفر) لخفة ثمنه فيه دون الحضر فيمنع فيه، فإن وقع واستثنى في الحضر فظاهر ضيح الفسخ، وفي الموازية أنه يكره، وأبقى أبو الحسن الكراهة على بابها قاله (ز) ومفهوم الجلد والرأس أن استثناء الكرش والكبد ونحوهما حكمها حكم اللحوم فيجري حكمها عليه من كون المستثنى قدر الثلث فدون فيجوز وإلاَّ فلا. وأجرة الذبح والسلخ والحفظ وغير ذلك في هذا الوجه على المشتري لأنه يجبر على الذبح إذ لو شاء دفع جلداً وساقطاً من عنده فصارا كأنهما في ذمته كما في ابن محرز خلافاً لابن يونس من أن الأجر عليهما معاً على قدر قيمة الجلد واللحم (خ) عاطفاً على الجائز ما نصه: وجلد وساقط بسفر فقط وتولاه المشتري. (وفي الضمان إن تفانى) أي مات الحيوان الذي استثنى أرطال منه أو جلد وساقطه (أو سلب) أي غصب أو سرق ثلاثة أقوال. الضمان من المشتري في الجميع وعدمه في الجميع (ثالثها) وهو مشهورها الضمان (في الجلد والرأس) والأكارع (يجب) عليه فقط لا في الأرطال فلا يضمنها كما لا يضمن في الجزء الشائع اتفاقاً (خ) ولو مات ما استثنى منه معين ضمن المشتري جلداً وساقطاً لا لحماً إلخ. ومراده بالمعين الجلد والساقط والأرطال. .فصل في بيع الدين بالدين والمقاصة فيه: أرادوا: اقتضاءه والمقاصة فيه فحذف عاطفاً ومعطوفاً بقرينة ذكره بعد قاله (ت) وهو ظاهر.(مما يجوز البيع) يتعلق بقوله مسوغ والعائد من الصلة محذوف (بيع الدين) مبتدأ (مسوغ) خبره (من عرض أو من عين) بيان لما والتقدير بيع الدين مسوغ أي جائز بالشيء الذي يجوز البيع به من عرض إن كان الدين عيناً أو طعاماً، ومن عين إن كان عرضاً أو طعاماً إذ هو لا يباع إلا بغير جنسه كما يأتي في قوله: وبيعه بغير جنس مرعي وهذا في بيعه لغير من هو عليه، وأما بيعه ممن هو عليه فسيأتي في قوله: والاقتضاء للديون إلخ. ثم إن مراده بالعرض ما قابل العين فيشمل الطعام فلا دور في كلامه خلافاً لمن ادعاه كما لا يخفى. (وإنما يجوز) بيع الدين لغير من هو عليه بشروط أشار لأولها وثانيها بقوله: (مع حضور من أقر بالدين) أي مع حضور المدين وإقراره فلا يجوز مع غيبة المدين ولا مع إنكاره لأنه مع الغيبة لا يدري حاله من فقر أو غنى، والثمن يختلف باختلاف حاله فيؤدي للجهل قاله المازري وغيره، وعن ابن القاسم في سماع موسى بن معاوية جواز شراء الدين على الغائب، وبه قال أصبغ في نوازله. ورواه أبو زيد عن مالك وبه العمل في مسألة قلب الرهن كما يأتي، وأما اشتراط الإقرار فلأنه وإن كان ثابتاً ببينة من شراء ما فيه خصومة وهو ممنوع على المشهور وهو معنى قول (خ) ومنع دين ميت وغائب ولو قربت غيبته وحاضر إلا أن يقر إلخ. ولثالثها بقوله: (و) مع (تعجيل الثمن) لأنه إذا لم يعجل في الحين كان من بيع الدين بالدين، ولا فرق بين أن يعجل حقيقة أو حكماً كبيعه بمنافع عين أو بمعين يتأخر قبضه إذ لا يمتنع ذلك في بيع الدين بخلاف فسخه. ولرابعها بقوله: (و) مع (كونه ليس طعام بيع) وإلا لم يجز لما تقدم من منع بيع طعام المعاوضة قبل قبضه. ولخامسها بقوله: (وبيعه بغير جنس مرعي) لأنه إذا بيع بجنسه كان سلفاً بزيادة لأن شأن الدين أن يباع بأقل.وحاصله؛ أنه إذا بيع بجنسه وكان الدين عيناً أو طعاماً امتنع مطلقاً ولو بعد حلوله لما فيه من ربا الفضل والنساء أو النساء فقط، وإن كان الدين عرضاً فكذلك إن بيع بأقل قدراً أو صفة لأن الشيء في مثله قرض فهو سلف بمنفعة، وإن بيع بأكثر قدراً أو صفة لأن الشيء في مثله قرض فهو سلف بمنفعة، وإن بيع بأكثر قدراً أو صفة وكان العرض من سلف فكذلك أيضاً، وإن كان من بيع ولم يحل فكذلك أيضاً لما فيه من حط الضمان وأزيدك، وإن حل جاز كما يجوز بالمثل حل أو لا. لكنه ليس من شأن العقلاء دفع عاجل ليأخذ أقل منه أو مثله في البيع، بل يفعلون ذلك في السلف فقط. وبقي على الناظم شرط سادس وهو أن لا يكون المشتري عدو للمدين، وسابع وهو أن لا يقصد بالشراء إعناته وضرره وإلاَّ رد بيعه (خ) في الضمان كأدائه رفقاً لا عنتاً فيرد كشرائه، وهل إن علم بائعه وهو الأظهر تأويلان الخ: أي: وإذا رد الشراء فيرجع المشتري على البائع بما دفع له، فإن فات بيده رد له عوضه وإن تعذر رده لغيبة البائع أقام الحاكم من يقبض من المدين ويدفع للمشتري قاله (ز) ونحوه ل (ح) وضيح عن اللخمي. قال أبو الحسن: وقصد الضرر من أفعال القلوب فلا يثبت إلا بإقرار المشتري أو بقرائن تدل الشهود على أنه قصد ذلك.تنبيهات:الأول: إذا بيع الدين أو وهب وكان فيه رهن أو حميل لم يدخل واحد منهما إلا بشرط مع حضور الحميل وإقراره بالحمالة وإن لم يرض بالتحمل لمن ملكه للسلامة من شراء ما فيه خصومة لكن لرب الرهن أن يطلب وضعه عند أمين قاله (ز).الثاني: قال في الدر النثير: انظر مسألة من قال لرجل: بعني دينك الذي على فلان وأنا أعلم وجوبه لك عليه وإقراره به لك، ففي نوازل أصبغ من كتاب جامع البيوع من البيان جواز البيع اتفاقاً وأنه إن أنكر بعده فمصيبة دخلت عليه. اهـ.الثالث: جرى العمل ببيع دين الغائب من غير حضوره ولا إقراره في المسألة الملقبة عند العامة اليوم بقلب الرهن وهي أن يكون بيد إنسان رهن في دين مؤجل فيحتاج إلى دينه قبل الأجل فيبيعه بما يباع به ولو مع غيبة راهنه، ويحل المشتري للدين محل بائعة في حوز الرهن والمنفعة إن كانت المنفعة جعلت له والبيع للرهن بالتفويض الذي جعل للمرتهن البائع للدين وغير ذلك ويكتب بظهر الوثيقة أو طرتها: اشترى فلان جميع الدين أعلاه أو محوله بكذا وقبض البائع جميع الثمن معاينة أو باعترافه بعد التقليب والرضا كما يجب، وأحل المشتري محله في الرهن والانتفاع به والحوز له والتفويض وتملك المشتري مشتراه إلى آخر الوثيقة قال (م): وهذا مع التنصيص على دخول الرهن في البيع وهو المعمول به في وقتنا، إذ هو المقصود بشراء الدين غالباً قال: وللراهن أن يجعل رهنه بيد المشتري أو يجعله بيد رجل غيره إذا لم تشترط منفعته وإلاَّ فلا خيار للراهن حيث باع المرتهن الدين والمنفعة معاً إلا لحقه ضرر بجعله بيد المشتري فيزال الضرر ويكرى ذلك لغير المشتري، والكراء له لأن المنفعة لمشترطها قال: وإن بيع الدين وسكت عن الرهن لم يدخل ويبقى الرهن بيد من هو بيده، وإذا اختلفا هل وقع البيع على شرط دخول الرهن حلفاً وفسخ انتهى باختصار. وإنما وجب التحالف لأن الرهن له حصة من الثمن فيرجع ذلك إلى الاختلاف في قدر الثمن. (وفي طعام إن يكن من قرض) يتعلق بقوله: (يجوز الابتياع قبل القبض) وهذا مفهوم قوله فيما مر: فلو استغنى عن هذا بمفهوم ما تقدم لكفاه، وفي معنى القرض كل طعام وجب بغير عوض كطعام الهبة والصدقة كما مرّ. (والاقتضاء للديون مختلف) حكمه فمنه ما هو جائز بالجنس وبغيره ومنه ما هو ممنوع كذلك وحاصل الصور العقلية في القضاء بالجنس الذي الكلام الآن فيه أربع وعشرون صورة لأن الدين إما عين أو عرض، وفي كل منهما إما من بيع أو قرض وكل من الأربعة إما حال أو مؤجل، فهذه ثمانية مضروبة في أحوال القضاء لأنه إما بمثل الدين قدراً أو صفة وإما بأقل قدراً أو صفة وإما بأكثر قدراً أو صفة ثلاثة في ثمانية بأربعة وعشرين فصور المثل الثمانية جائزة كلها كما قال: (والحكم قبل أجل لا يختلف) في الجواز والحالة هذه. (و) هي أن (المثل مطلوب) أي موجود (وذو اعتبار) عطف تفسير لو حذفه ما ضره (في الجنس والصفة والمقدار) فالجملة حال مربوطة بالواو كما قررنا ومفهوم قبل الأجل أن القضاء بالمثل بعد الأجل يجوز بالأحرى، فشمل كلامه الصور الثمانية الجائزة: أربعة منها بمنطوقه وأربعة منها بمفهومه ويشملها قول (خ) وقضاء قرض بمساوٍ ثم قال: وثمن المبيع من العين كذلك ومفهوم قوله: والمثل مطلوب إلخ. أن المثل إذا لم يوجد بل قضاه بأقل قدراً أو صفة أو بأكثر فيهما لم يجز وهو كذلك على تفصيل وهو أن يقال: فإن كان القضاء بأقل قدراً أو صفة جاز صور حلول الأجل الأربع وهي عين أو عرض من بيع أو قرض ومنعت صور ما قبل الأجل كذلك لما فيه من ضع وتعجل لأن المعجل مسلف وقد انتفع على سلفه بأدائه أقل أو أردأ، فهذه ثمانية في القضاء بأقل قدراً أو صفة كما ترى ويشملها أيضاً قول (خ) وإن حل الأجل بأقل صفة أو قدراً فمفهوم الشرط أنه لا يجوز ذلك قبل الحلول، وأما إن كان القضاء بأكثر صفة أو قدراً فيمتنع في الأكثر قدراً في القرض مطلقاً عيناً كان أو عرضاً قبل الأجل أو بعده لقول (خ) لا أزيد عدداً أو وزناً، وكذا يمتنع في العرض من بيع قبل الأجل لما فيه من حط الضمان وأزيدك: وجاز فيه ذلك بعد الأجل كما يجوز في العين من بيع مطلقاً قبل الأجل أو بعده لأن الحق في الأجل في العين لمن هو عليه فلا يدخله حط الضمان وأزيدك: وإن كان بأفضل صفة جاز في القرض مطلقاً وفي البيع بعد الأجل، وكذا قبله وهو عين وإلاَّ منع لما فيه من حط الضمان وأزيدك. والناظم تكلم بمنطوقه ومفهومه على الصور الجائزة الثمانية كما مر وسكت عما عداها في القضاء بالجنس.وأما القضاء بغير الجنس وهو بيع الدين ممن هو عليه فقد أشار له بقوله: (والعين فيه) الضمير للعين، وفي بمعنى (عن) أي وقضاء العين عن العين (مع بلوغ أجلا) أي مع حلول أجل الدين كقضاء ذهب عن فضة حل أجلها كانت من بيع أو قرض وبالعكس (صرف) جائز إن عجل المأخوذ ولم يقع فيه تأخير فقوله: بعد أن عجل محذوف من هنا لدلالة ما بعده عليه، وهذا هو المعبر عنه في الاصطلاح بصرف ما في الذمة وهو جائز على المشهور خلافاً لأشهب في منعه (وما) مبتدأ والخبر محذوف أو مفعول بفعل محذوف والتقدير ولك أخذ ما (تشاؤه) أي وخذ ما تشاؤه عن دين العين من عرض أو طعام أو حيوان أو عقار (إن عجلا) ذلك المأخوذ والا امتنع لما يلزم عليه من فسخ الدين في الدين إن كان المأخوذ غير معين، وإن كان معيناً فهو التصيير وفي تأخير حوزه وقبضه خلاف يأتي في فصله إن شاء الله. (وغير عين) مبتدأ على حذف مضاف والجملة الطلبية بعده خبره على وجه مرجوح أي ودين غير العين (بعده) أي بعد الأجل حال كونه (من سلف خذ فيه من معجل) من غير جنسه (ما تصطفي) وتختار من طعام أو عرض أو عقار أو حيوان كأخذك حيواناً عن ثوب في الذمة أو أخذك دراهم عن حيوان في الذمة، وهكذا بشرط التعجيل كما في النظم وإلا امتنع لما فيه من فسخ الدين أو التصيير الغير المقبوض بالفور كما تقدم في الذي قبله، وكلامه في القضاء بغير الجنس كما هو الموضوع، وأما قضاؤه بالجنس الموافق فقد تقدم في الأربع والعشرين صورة. ومفهوم قوله: وغير عين إلخ. تقدم في البيت قبله، ومفهوم بعده أنه قبل الأجل لا يجوز وليس كذلك لأنه إذا اختلف الجنس كما هو الموضوع فلا عليك في الأجل والمقدار كما في شراح (خ) عند قوله: وبغير الجنس إن جاز بيعه قبل قبضه إلخ. وحينئذ فلا مفهوم للظرف المذكور، ومفهوم قوله: من سلف هو ما أشار له بقوله: (وإن يكن) الذي هو غير العين ترتب في الذمة (من سلم) أي بيع (بعد الأمد) أي الأجل يتعلق بقوله جائز (فالوصف) مبتدأ (فيه) يتعلق بقوله جائز أيضاً (السمح) مبتدأ ثان (جائز) خبره (فقد) أي فحسب راجع لقوله: بعد الأمد، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر الأول، والجملة من الأول وخبره جواب الشرط، والتقدير؛ وإن يكن الدين الغير العين ترتب في الذمة من بيع فالسمح في وصفه جائز بعد الأجل فقط بأن يأخذ رب الدين أقل من صفة دينه أو يدفع المدين أجود منه، ويفهم منه أنه يجوز بأقل قدراً أو أكثر كذلك أيضاً لأن زيادة الوصف في قضاء دين البيع كزيادة القدر ونقصانه كنقصانه كما قال (خ) وجاز بأكثر وليس قوله: (فقد) راجعاً للوصف حتى يكون المعنى فالسمح جائز في الوصف فقط لا في القدر، بل هو راجع لقوله: بعد الأمد كما قررنا. ومفهوم بعد الأمد أنه قبل الأمد لا يجوز وهو كذلك لما فيه من حط الضمان، وأزيدك أو ضع وتعجل قال في النوادر: وإذا حل الدين وليس بذهب ولا فضة جاز أخذك أرفع أو أدنى أو أقل أو أكثر من صنفه أو من غير صنفه نقداً. وقال في المجموعة: ولو عجل عرضاً قبل أجله لم يجز إلا مع المساواة والانفراد فلو كان أجود أو أردأ وأضيف إليه شيء من أحد الجانبين ولو نفعاً بخطوة أو كلمة لم يجز لأنه منك وضيعة على تعجيل حق، ومنه طرح ضمان بزيادة. ثم إن كلام الناظم ظاهر في القضاء بالجنس فهو داخل في التحصيل المتقدم في القضاء بالجنس، وقد علمت أن الكلام في غيره، فلو قدم هذا البيت قبل قوله: والعين فيه إلخ. وقال مثلاً: ويكون أشار به للصور الثمانية الكائنة في القضاء بأقل قدراً أو صفة كما مر ثم يقول هاهنا: لوفى بشروط قضاء السلم بغير جنسه المشار إليها بقول (خ) وبغير جنسه إن جاز بيعه قبل قبضه وبيعه بالمسلم فيه مناجزة، وإن يسلم فيه رأس المال لا طعام ولحم بحيوان وذهب ورأس المال ورق وعكسه إلخ. وقد تقدمت الإشارة إليها في فصل العروض عند قوله: وما لبيع قبل قبض مانع. وبهذا يكون الكلام مرتبطاً بعضه ببعض ولا يبقى عليه شيء من شروط القضاء بغير الجنس، وأما بجنسه فقد دخل في التحصيل المتقدم وسلم من قولنا: وإن يصح سلم رأس المال يقرأ بسكون اللام للوزن، والحاصل أن قضاء الدين بغير جنسه وهو بيعه ممن هو عليه إن كان عيناً فإما أن يأخذ عنه عيناً أخرى أو عرضاً فالأول صرف يشترط فيه حلول الدين وتعجيل المأخوذ، والثاني يشترط تعجيله فقط وإن كان الدين غير عين فيشترط تعجيل المأخوذ أيضاً لا حلوله، ويزاد فيه إن كان من بيع أن يجوز بيعه قبل قبضه، وأن يسلم فيه رأس المال وأن يباع بالمسلم فيه مناجزة الخ والله أعلم.ولما تكلم على بيع الدين واقتضائه شرع في الكلام على المقاصة فيه فقال: (قد مضى) بالبناء للمفعول (الدين من الدين) أي يقتضي كل من ربي الدين دينه الذي له على صاحبه من نفسه، ويحتمل أن يكون المراد ويقتضي رب الدين دينه الذي له على صاحبه من الدين الذي لصاحبه عليه. هذا مراده وإلاَّ فعبارته تشمل الحوالة مع أن المراد خصوص المقاصة فلو قال: فما يكونان إلخ. لكان أحسن. وعرفها ابن عرفة بقوله: متاركة مطلوب بمماثل صنف ما عليه لمآله على طالبه فيما ذكر عليهما. فقوله: بمماثل متعلق بمطلوب وهو صفة لمحذوف أي بدين مماثل، وقوله: صنف بالرفع فاعل بمماثل، ويحتمل أن يقرأ بالإضافة من إضافة الصفة للموصوف أي مطلوب بصنف ما عليه المماثل لمآله على طالبه فيخرج به المختلفان نوعاً فيقتضي أن المقاصة فيهما لا تصح، وفيه نظر كما يأتي. وقوله: لمآله على طالبه يتعلق بمماثل على كلا الاحتمالين، واللام زائدة لتقوية العامل، وما مفعول واقعة على الدين، وعلى كون لفظ صنف فاعلاً لو حذف ما عليه وقال بمماثل صنفه لكان أحسن، وقوله: فيما ذكر متعلق بمتاركة وما ذكر هو الصنفية. وقوله: عليهما حال مما ذكر أي حال كون ذلك المذكور عليهما احترازاً مما إذا تاركه في حق لهما على شخص آخر فإن كان لهذا عليه عرض وللآخر عليه مثله في الصنفية وأخذ كل منهما ما لصاحبه فليست مقاصة. وهذا الحد لا يخفى ما فيه من التعقيد مع كونه لا يشمل المقاصة في النوعين، اللهم إلا أن يقال المراد بالصنف الجنس فيشمل المقاصة في الذهب والفضة لأنهما جنس واحد، وإذا جازت في مقتفى الجنس فأحرى في مقتفى الصنف، ومعناه حينئذ أن المقاصة هي أن يتارك المطلوب بدين مماثل جنسه ديناً له على طالبه في الجنسية المذكورة لا في القدر فقط حال كون المذكور عليهما وأسهل منه أن يقال هي تطارح المتداينين دينهما المتفق الجنس على أن يأخذ كل منهما ما في ذمته في مقابلة ما له في ذمة صاحبه والله أعلم. (وفي. عين وعرض وطعام قد يفي) أي: يأتي اقتضاء الدين من الدين على وجه المقاصة في العين وفي العرض وفي الطعام وفي كل منهما ست وثلاثون صورة فتنتهي إلى مائة وثمانية.وبيانها: أن الدينين إذا كانا عينين إما أن يكونا من بيع أو من قرض، أو أحدهما من بيع، والآخر من قرض وفي كل من الثلاثة إما أن يتفق العينان جنساً وقدراً وصفة أو يختلفا جنساً أو صفة أو قدراً، فهذه الأربع في ثلاث قبلها باثني عشر، وفي كل إما أن يحل الدينان أو يحل أحدهما فقط أو لا يحل واحد منهما ثلاثة في اثني عشر بست وثلاثين، ومثلها إذا كان الدينان عرضين فهما إما من بيع أو قرض أو أحدهما من بيع والآخر من قرض، وفي كل إما أن يتفقا جنساً وقدراً وصفة أو يختلفا جنساً أو صفة أو قدراً باثني عشر، وفي كل إما أن يحل الدينان معاً أو أحدهما أو لا يحل واحد منهما بست وثلاثين أيضاً، وكذا يقال فيما إذا كانا طعامين هكذا حاصل هذه الصور في تكميل التقييد. وقد تكلم الناظم على بعض صور كل من الثلاثة التي في النظم، ولم يستوف جميعها وبدأ منها بالعين فقال: (فما) أي فالوجه الذي (يكونان) أي الدينان (به عيناً إلى مماثل) في القدر والنوع والصفة وفيه ثلاث صور لأنهما حينئذ إما من بيع أو قرض أو أحدهما من بيع والآخر من قرض (و) إلى (ذي اختلاف) في النوع وفيه ثلاث أيضاً، أو في القدر وفيه ثلاث أيضاً، أو في الصفة وفيه ثلاث كذلك (فضلا) بالبناء للمجهول خبر ما والمجرور بإلى متعلق به فالمجموع اثنتا عشرة صورة، وفي كل منها إما أن يحلا أو أحدهما أو لا يحل واحد منهما بست وثلاثين، وقد علمت أن صور المماثل منها تسعة وصور الاختلاف منها سبع وعشرون، فأشار إلى صور المماثل بقوله فيما يأتي: وفي تأخر الذي يماثل إلخ. وإلى بعض ما يجوز من صور الاختلاف بقوله: (فما اختلاف) أي فالوجه الذي عمه اختلاف يعني في النوع أو في الصفة، وذلك كالذهب والفضة أو محمدية ويزيدية (وحلول عمه) أي عمه الاختلاف في النوع أو في الصفة لا في القدر وعمه الحلول بأن كان الدينان معاً حالين. (ويجوز فيه صرف ما في الذمه) أي مبادلة ما في الذمة وفي كل منهما ثلاث صور لأنهما في الاختلاف في النوع إما من بيع أو قرض أو أحدهما، وفي الاختلاف في الصفة كذلك فالمجموع ست صور جائزة كلها إلا أنه في الاختلاف في النوع لا يراعى الاتحاد في القدر، وفي الاختلاف في الصفة لابد من اتحاده كعشرة دراهم محمدية عن عشرة يزيدية، وتفهم صور الاختلاف في الصفة من صور الاختلاف في النوع بالأحرى لأنه إذا جاز ذلك مع الاختلاف في النوع بشرطه فلأن يجوز مع الاختلاف في الصفة بالأحرى، فصور الاختلاف في الصفة داخلة في النظم كما ترى، ومفهوم حلول إلخ. اثنتا عشرة صورة: ست في الاختلاف في النوع وهي عدم حلولهما معاً أو عدم حلول أحدهما، وفي كل إما من بيع أو قرض أو أحدهما، وست في الاختلاف في الصفة كذلك وكلها غير جائزة للصرف أو البدل المؤخرين ويزاد على ذلك تسع صور التي في الاختلاف في القدر، فظاهر النظم جواز ما حل منها لدخولها في عموم قوله: فما اختلاف مع أنها ممنوعة كلها لربا الفضل كدينار في مقابلة دينارين فإما من بيع أو قرض أو أحدهما، وفي كل إما حالين أو مؤجلين أو أحدهما بتسع تضم للاثني عشر قبلها التي هي مفهوم النظم يكون المجموع إحدى وعشرين صورة كلها ممنوعة، ويبقى من صور الاختلاف ست صور جائزة وهي منطوق النظم كما مر والله أعلم. ثم أشار إلى تسع صور المماثل فقال: (وفي تأخر) الدين (الذي يماثل) الدين المأخوذ عنه (ما) استفهامية أي كيف ما (كان) التأخير سواء كان في الدينين معاً أو في أحدهما. وفي كلِّ إما من بيع أو قرض أو أحدهما (أشهب) مبتدأ خبره (بمنع قائل) في هذه الست كلها والمجرور الأول والثاني يتعلقان بالخبر، وفهم من نسبة المنع فيها لأشهب وحده أن ابن القاسم يقول بالجواز وهو المشهور، ومفهوم قوله: وفي تأخر إلخ. أنهما إذا حلا معاً وفيه ثلاث صور لأنهما إما من بيع أو قرض أو أحدهما جاز على كلا القولين وإليه أشار بقوله: (وفي) العينين (اللذين بالحلول) متعلق بقوله (اتفقا) صلة الموصول (على جواز الانتصاف) أي المقاصة لأن كل واحد ينصف من حقه بها (اتفقا) أي اتفق أشهب وابن القاسم على جواز المقاصة في العينين اللذين اتفقا في الحلول، وقد تماثلا نوعاً وصفة وقدراً كعشرة محمدية عن مثلها أو يزيدية عن مثلها، فهذه التسع التي هي صور التماثل تضم إلى سبعة وعشرين التي هي صور الاختلاف يكون المجموع ستاً وثلاثين، وبها تمت صور العينين وإلى صور التماثل أشار (خ) بقوله: وتجوز المقاصة في ديني العين مطلقاً أي من بيع أو قرض أو أحدهما حلا أو أحدهما أو لا. وأشار إلى صور الاختلاف بقوله: وإن اختلفا صفة مع اتحاد النوع أو اختلافه فكذلك إن حلا وإلا فلا إلخ.ثم أشار الناظم إلى ما إذا كان الدينان عرضا فقال: (وذاك) الانتصاف الذي بمعنى المقاصة (في العرضين لا) أي غير (المثلين) كثوب وفرس وكساء وقميص والمجرور يتعلق بالخبر الذي هو (حل) أي جاز (بحيث حلاَّ) أي حل أجل العرضين معاً (أو) تأجلا و(توافق الأجل) فيهما، والتقدير وذاك الانتصاف الذي هو المقاصة جائز في العرضين المختلفين جوازاً مقيداً بحلول الدينين معاً أو توافق أجلهما حين المقاصة، ويدخل في العرضين غير المثلين سبع وعشرون صورة لأن الاختلاف إما في الجنس كثوب وفرس، أو في الصفة كثوب كتان وثوب قطن، ومن ذلك هروي ومروي أو في القدر كثوبين من كتان عن واحد من قطن، وفي كل إما من بيع أو قرض أو أحدهما، فهذه تسع. وفي كل منها إما حالين أو مؤجلين أو أحدهما، فأخبر الناظم أن الجائز منها ست صور وثلاث فيما إذا اختلفا جنساً وحلا حقيقة أو حكماً لتوافق الأجل فإما من بيع أو قرض أو أحدهما. وثلاث فيما إذا اختلفا صفة كذلك، ويفهم منه أن الأحد والعشرين الباقية كلها ممنوعة وهو كذلك في الست الباقية من الاختلاف في الجنس، وهي ما إذا لم يحلا حقيقة ولا حكماً أو حل أحدهما، وفي كل إما من بيع أو قرض أو أحدهما، وكذا في الست الباقية من الاختلاف في الصفة لما في ذلك من بيع الدين بالدين في الجميع، وأما التسع التي في الاختلاف في القدر وهي كونها من بيع أو قرض أو أحدهما حلا أو لم يحلا معاً أو أحدهما ففيها تفصيل، فإن كانا من بيع وحلا جاز وإن كانا من قرض لم يجز لما فيه من قضاء القرض بأكثر خلافاً لظاهر النظم من جواز ذلك ولو في القرض وأما إن كانا مؤجلين أو أحدهما فيمنع كما هو مفهوم النظم لما فيه من ضع وتعجل مطلقاً أو حط الضمان وأزيدك حيث كانا من بيع.فإن قيل: تقدم في العين أنها لا تجوز مع التأجيل ولو اتفق الأجل فلم جازت في العرض مع اتفاقه؟ قلنا: لأن اللازم في العين صرف مؤخر وباب الصرف أضيق من بيع الدين اللازم في العرضين، وإنما لم يعتبر بيع الدين في المتفقين أجلاً لأن ذلك حينئذ في معنى المبارأة لأنه لما كان لا يقدر أحدهما على طلب دينه إلا عند أجل الآخر كان ذلك بمنزلة الحالين والله أعلم. ومفهوم قوله: لا المثلين أن العرضين إذا كانا متفقين في الجنس والصفة والقدر جازت المقاصة في تسع صورها كانا من بيع أو قرض أو أحدهما حلا أو لم يحلا أو أحدهما لأن العرضين المتماثلين يبعد قصد المكايسة والمغالبة فيهما، فيكون المقصود هو المعروف فلا تدخل في غير الحالين تهمة من تعجل ما أجل يعد مسلفاً، وإلى المقاصة في العرضين المتماثلين أشار (خ) بقوله: وتجوز في العرضين مطلقاً أي اتحدا جنساً وصفة أي وقدراً، وإلى جوازها في المختلفين بشرط الحلول أو اتفاق الأجل بقوله: كأن اختلفا جنساً واتفقا أجلاً وإن اختلفا أجلاً منعت إن لم يحلا أو أحدهما إلخ.قلت: لو قال أعني (خ): وتجوز في العرضين مطلقاً إن اتفقا قدراً أو جنساً أو صفة لا إن اختلفا قدراً أو جنساً أو صفة ولم يحلا أو لم يتفق الأجل وإلاَّ جاز في الأخيرين كالأول إن وحلا هما من بيع لكفاه.ثم أشار إلى ما إذا كان الدينان طعاماً وفيه ست وثلاثون أيضاً أشار إلى اثني عشر منها بقوله: (وفي توافق الطعامين) يتعلق بقوله (اقتفي) بالبناء للمفعول ونائبه يعود على الانتصاف أي اقتفي واتبع الانتصاف الذي بمعنى المقاصة في الطعامين المتفقين في الجنس والقدر والصفة (حيث يكونان معاً من سلف) حلا أو أحدهما أم لا، فهذه ثلاث من الاثني عشر المذكورة. (وفي اختلاف) يتعلق بقوله (لا يجوز) أي: ولا يجوز الانتصاف في اختلافهما في الجنس كقمح وفول، أو في الصفة كعشرة سمراء عن مثلها محمولة، أو في القدر كخمسة محمولة عن سبعة محمولة ودخلا على إلغاء الزائد على خمسة في الذمة (إلا إن كان كل منهما قد حلا) لأنها حينئذ مبادلة يداً بيد: (خ) والطعامان من قرض كذلك أي فتجوز مع الاتفاق مطلقاً ومع الاختلاف بشرط الحلول فقد دخل في الاختلاف تسع صور لأنهما إذا اختلفا في الجنس وهما من سلف كما هو الموضوع فإما أن يحلا أو أحدهما أم لا، فهذه ثلاث. ومثلها في الاختلاف في الصفة ومثلها في الاختلاف في القدر بتسع، حكى الجواز فيما إذا حلا معاً وبقيت صور تأجيلهما معاً أو تأجيل أحدهما على حكم المنع لما فيه من بيع الطعام بالطعام نسيئة، واحترزت بقولي: ودخلا على إلغاء الزائد في الذمة إلخ. عما إذا لم يدخلا على ذلك فإنه لا يجوز، ولو حلا لما فيه من ربا الفضل، وكذا يقال في الاختلاف في الصفة لابد أن يدخلا على إلغاء الزائد إن كان هناك زائد وإلا لم يجز لربا الفضل أيضاً، ولا يشترك ذلك في الاختلاف في الجنس، فصورتا الاختلاف في الصفة والقدر يزاد فيهما على شرط الحلول أن يدخلا على عدم إلغاء الزيادة.ثم أشار إلى الاثنتي عشرة صورة التي في الطعامين من بيع فقال: (وإن يكونا) أي الطعامان (من مبيع) اسم مفعول بمعنى المصدر أي: من بيع (ووقع فيه) يتعلق بوقع (بالإطلاق) يتعلق بامتنع آخر البيت (اختلاف) فاعل وقع (امتنع) جواب الشرط والتقدير: وإن يكن الطعامان من بيع واختلفا في الجنس أو في الصفة أو في القدر امتنعت المقاصة بالإطلاق حلا أو أحدهما أم لا. فتدخل في الاختلاف تسع صور كما ترى. وأشار إلى الصور الثلاث الباقية لتمام الاثني عشر وهي: إذا اتحد الطعامان جنساً وصفة وقدراً فإما أن يحلا أو أحدهما أم لا بقوله: (وفي اتفاق أجلي ما) أي الطعامان اللذين (اتفقا) جنساً وصفة وقدراً (هو) مبتدأ عائد على الانتصاف المتقدم (لدى أشهب غير متقى) خبر عن المبتدأ والظرف والمجرور بفي يتعلقان به، والتقدير: وهو أي الانتصاف غير ممنوع عند أشهب في الطعامين المنفقين أجلاً وجنساً وصفة وقدراً بناء على أنها إقالة، وأحرى أن يجوز عنده ذلك إذا حلا معاً، وفهم من تخصيصه الجواز بأشهب أن ابن القاسم يقول بالمنع، وهو المشهور (خ): ومنعا أي الطعامان من بيع ولو متفقين إلخ. قال (ز): لعلل ثلاث بيع الطعام قبل قبضه وهذه عامة، وطعام بطعام، ودين بدين نسيئة وهاتين في غير الحالين.ثم أشار إلى الاثني عشر التي في الطعامين من بيع وقرض وهي كمال ست وثلاثين صورة التي في الطعامين فقال: (وشرط ما) أي الطعامين اللذين أحدهما (من سلف و) الآخر من (بيع حلول كل) منهما (واتفاق النوع) أي: أو القدر كمحمولة عن مثلها قدراً وصفة، فالمراد بالنوع الصفة إذ لا يكفي الاتفاق في النوع مع الاختلاف في الصفة، وبالجملة فالطعامان من بيع وسلف إذا اتفقا جنساً وصفة وقدراً ففي ذلك ثلاث صور لأنهما إما أن يحلا أو أحدهما أو لا. حكى الجواز في صورة وهي حلولهما معاً وبقيت صورتا تأجيلهما أو أحدهما. حكى في جواز المقاصة فيهما خلافاً بقوله: (والخلف في تأخر ما كانا) أي كيف كان التأخير في طعام البيع أو طعام القرض أو فيهم أي: والموضوع بحاله من اتفاق الجنس والصفة والقدر، فمنع ذلك ابن القاسم مطلقاً تأخرا معاً أو القرض أو السلم وهو المشهور، وأجاز ذلك أشهب مطلقاً (ثالثهما) لغيرهما تجوز (مع سلم) من نعته وصفته (قد حانا) أي: وصل حينه والفرق على هذا الثالث أن طعام السلف لما كان المدين قادراً على تعجيله جبراً على ربه، وقد حل دين السلم أي البيع صار الدينان حالين معاً في المعنى بخلاف العكس، وعلة المنع عند ابن القاسم أن الأغراض تختلف باختلاف الأجل فيترجح جانب بيع الطعام قبل قبضه بالنسبة لطعام البيع، ولأن المعجل لما في الذمة مسلف، وعلة الجواز عند أشهب تغليب المعروف، وإنما لم ينظر في صورة حلولهما معاً لبيع الطعام قبل قبضه بالنسبة لطعام البيع تغليباً لجانب القرض لأنه معروف وانضم لذلك أن المقاصة معروف أيضاً فجازت هذه الصورة على كل قول، فقول الناظم: واتفاق النوع إما أن يريد بالنوع الجنس فيكون قد حذف الواو ومعطوفيها أي والصفة والقدر، وإما أن يكون أراد بالنوع الصفة فيكون قد حذف الواو ومعطوفاً واحداً كما قررناه إذ الاتفاق في الجنس والقدر لابد منه لأنهما لو اختلفا قدراً ودخلا على إلغاء الزائد لم يجز، ولو حلا لربا الفضل كما لا يجوز إذا اختلفا جنساً أو صفة، ولو حلا واتفقا قدراً، وقد علمت من هذا أن منطوق الناظم شامل لثلاث صور: حكى الجواز في واحدة منها اتفاقاً، وحكى الخلاف في الصورتين الباقيتين كما مر، ومفهوم قوله: واتفاق النوع أي الجنس أنهما إذا اختلفا فيه أو في الصفة أو في القدر ودخلا على إلغاء الزائد لم تجز ولو حلا وذلك شامل لتسع صور لأنهما في اختلاف الجنس إما أن يحلا أو أحدهما أم لا. ومثلها في اختلاف الصفة، ومثلها في اختلاف القدر حيث دخلا على إلغاء الزائد وكلها ممنوعة، ولو حلا كما أشار لذلك (خ) بقوله: ومن قرض وبيع تجوز إن اتفقا وحلاّ لا إن لم يحلا أو أحدهما إلخ... فتحصل أن الاثنتي عشرة صورة الجارية في طعامي البيع والقرض تجوز منها صورة واحدة وما عداها ممنوع إما اتفاقاً أو على المشهور.
|