الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة أوصى في ثلاث أمهات أولاده أن ينفق عليهن ثلاث سنين: قال محمد بن رشد: هذا مثل ما يأتي في رسم أوصى من سماع عيسى سواء، وإنما قال في نفقة الخادم في الثلاث سنين التي أوصى فيها بالنفقة على أمهات أولاده: إنها من مال الميت؛ لأنها من جملة النفقة عليهن، فعلى هذا لو لم يوص لهن بخدمة الخادم لكانت الخدمة عليه لهن في الثلاث سنين من جملة النفقة، كالكسوة، قال فيها في أول مسألة من الرسم: إنها تفرض للموصى لهم بالنفقة في جملة النفقة. وقد مضى الكلام على ذلك في تكلمنا عليها. وأما قوله في النفقة عليها بعد الثلاث سنين: إنها عليهن، لا في مال الميت، فهو المشهور في المذهب، فإن نفقة المخدم على الذي أخدم إياه، لا على سيده الذي أخدمه، وقد قيل: إنها على السيد المخدم، وقيل: إنها إن كانت الخدمة يسيرة فالنفقة على السيد، وإن كانت كثيرة أو حياة المخدم، فالنفقة على المخدم، وقيل: إن الاختلاف إنما هو في الخدمة الكثيرة، ولا اختلاف في الخدمة اليسيرة أنها على رب العبد الذي أخدمه، ذهب إلى هذا سحنون. والأول أصح. إن في المسألة ثلاثة أقوال. وأما إذا سمى لهن في السنين الثلاثة نفقة معلومة فلا يزاد على ذلك وتكون نفقة الخادم عليهن في الثلاث سنين وغيرها وبالله التوفيق. .مسألة أوصى لرجل في وصيته بثلاثمائة دينار وبمسكن سرائه على أهل الوصايا: قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، أن الموصى له بوصيتين من نوع واحد وصفة واحدة، دنانير أو دراهم أو طعام أو حيوان أو عروض، يكون له الأكثر من الوصيتين، كانتا الأولى أو الأخيرة. وإن كانت الوصيتان من نوعين أو على صفتين، كانت له جميعا. وقد روي عن ابن القاسم أن الدراهم والدنانير في هذا النوع واحد، يكون له الأكثر منهما خلاف ما ذهب إليه مطرف وابن الماجشون وروياه عن مالك، من أنه إن كانت الوصية الثانية أقل، أو كانتا سواء، كانتا له جميعا؛ لأن أمره يحمل على أنه إنما أراد بالثانية الزيادة على الأولى، وإن كانت الثانية أكثر، كانت له دون الأولى. قال ابن الماجشون: وذلك إذا كان ذلك في كتاب واحد بينهما وصايا لغيره، وأما إن كان بينهما كلام من غير الوصية، فإنه يكون له الوصيتان جميعا، وإن كانت الثانية أكثر من الأولى، بمنزلة إذا عطف الوصية الثانية على الأولى، فقال: لفلان عشرة، ولفلان ذلك بعينه، عشرون، قال: ولو قال: لفلان عشرة، لفلان عشرون بغير واو، لم يكن له إلا العشرون. وأما إن كان ذلك في كتابين، فإنما له الأكثر من الوصيتين. وقال مطرف: سمعت مالكا فرق بين أن تكون الوصيتان في كتاب واحد، أو في كتابين، وذلك عندي سواء والدينار والدرهم عند مطرف وابن الماجشون في الوصية نوع واحد، على التفصيل الذي ذكره من الفرق بين أن تكون الوصية الآخرة هي الأقل أو الأكثر وبالله التوفيق. .مسألة أوصى إلى رجل بوصية ليس فيها إلا شاهد واحد: قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن من أوصى إلى رجل فلا يستحق الموصى إليه الإيصاء باليمين مع الشاهد، إذ ليس بمال يحلف عليه مع شاهده ويأخذه، كما أن الوكالة لا تثبت باليمين مع الشاهد، ولا شهادة الشاهد، لو شهد لرجل شاهد على شهادته شاهد، لم يصح للمشهود له أن يحلف مع الشاهد على شهادة الشاهد، فيستحق بذلك شهادته، ويثبت الإيصاء على تنفيذ الوصية بالمال بشاهد وامرأتين، كما تثبت بذلك الوكالة على المال، وكذلك إذ شهد شاهد وامرأتان على شهادة شاهد بمال، جاز ذلك على مذهب ابن القاسم، فهذه الثلاثة أشياء، تجوز فيها شهادة النساء، ولا يجوز فيها اليمين مع الشاهد، إذ ليس كل موضع تجور فيه شهادة النساء يجوز فيه اليمين مع الشاهد، وأما كل موضع يجوز فيه اليمين مع الشاهد، فإنه يجوز فيه شهادة النساء. وسحنون يقول. إن كل موضع يجوز فيه شهادة النساء، يجوز فيه شاهد ويمين؛ لأن من أصله، أن شهادة النساء لا تجوز إلا فيما يجوز فيه شاهد ويمين، خلاف مذهب ابن القاسم، ولو شهد الوصي الصغير أن الميت أوصى له بدنانير لم تقبل شهادته؛ لأنه يتهم على توقيعهما له بيده حتى يبلغ فيحلف، قاله محمد بن المواز. فإن خفي له الأمر، فليدفعها إليه. قاله أشهب. وهو صحيح وبالله التوفيق. .مسألة دخل عليه قوم فدعا بوصية قد كتبها فقال اشهدوا على ما فيها: قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو بين، إذ هو أعرف بصحة ما يشهد به على نفسه، وبالله التوفيق. .مسألة أوصى لرجل بثلاثين دينارا ولرجل بثلث ثلثه وللآخر بما بقي من الثلث: وسئل عمن أوصى لرجل بثلاثين دينارا، ولرجل بثلث الثلث، ولرجل بما بقي من الثلث، وترك مالا يكون ثلثه تسعين دينارا، والمال دين على الناس، فاستؤجر على تقاضيه بعشرة دنانير، أيدخل على أهل الوصايا من العشرة شيء أو لا شيء عليه؟ فقال يخرج العشرة التي استؤجر بها من رأس المال، ثم تكون وصية الميت فيما بقي من ماله بعد العشرة، يعطى الذي أوصى له الميت بالثلاثين الثلاثين، ويعطى الذي أوصى له بثلث ثلث، ثلث المال بعد إخراج العشرة التي استؤجر بها على تقاضيه، ويعطى الذي أوصى له بما بقي له من الثلث ما بقي من الثلث، إنما يدخل نقصان تلك العشرة على الذي أوصى له بثلث الثلث، وعلى الذي أوصى له بما بقي من الثلث: إن ارتفع المال كثر الثلث، وإن انخفض المال قل الثلث. قال سحنون: وقال ابن نافع: العشرة تدخل عليهم كلهم في حظوظهم، على صاحب الثلاثين وعلى الموصى له بثلث الثلث، وهما سواء في ذلك بمنزلة واحدة، وإنما هذا الذي ذكر قول مالك قديم، حين كان يقول: أرى أن تبدأ التسمية على الأجزاء، وقول مالك إن كان من أوصى لرجل بثلث ولآخر بثلث الثلث، ولآخر بعشرة فإن هؤلاء كلهم يتعاولون. قال محمد بن رشد: قوله في المسألة الأولى: إن كان فيه فضل فإنما تلك الأجرة من ذلك الفضل، وليس على الموصى لهم شيء، معناه عندي: إن كان لم يوص ببقية الثلث لأحد، وكان فيه فضل عن الوصايا، مثل أن يوصي الرجل بعشرة دنانير، ولآخر بثلث الثلث، ويترك المتوفى تسعين دينارا دينا فيستأجر على تقاضيها بتسعة دنانير بالثلث ثلاثون، يكون منه للموصى له ثلث الثلث، عشرة دنانير، وللموصى له بالعشرة دنانير، عشرة دنانير، وتكون الأجرة من العشرة الفاضلة من الثلث، ولا خلاف عندي في هذا الوجه بين مالك وابن نافع. وأما إن لم يكن في الثلث فضل، مثل أن يكون المال خمسة وأربعين؛ لأنه إذا أخذ الموصى له بالعشرة عشرة، والموصى له بثلث الثلث خمسة، نفذ جميع الثلث، فهنا يدخل الخلاف الذي ذكره بين مالك وابن نافع، فذهب مالك إلى أنه يخرج الأجرة من رأس المال، فإن كانت في التمثيل خمسة عشر، يبقى منه ثلاثون، ثلثه عشرة يكون للموصى بالعشرة على القول بأنه تبدأ التسمية على الجزء، ويتحاصان فيها على القول بأنه لا تبدأ التسمية على الجزء، فتكون العشرة بينهما بنصفين؛ لأن ثلث الثلث عشرة أيضا. وذهب ابن نافع إلى أن تكون مفضوضة على المال كله، فيكون على كل واحد من الموصى لهم ما ينوبه منها، فيأخذ الموصى له بثلث الثلث، خمسة دنانير، والموصى له بالعشرة عشرة فإن كانت الأجرة في التمثيل تسعة دنانير، على الورثة ثلثها، ثلاثة دنانير، وعلى الموصى لهما على قدر وصاياهما فيكون منها على الموصى له بعشرة دنانير ديناران، وعلى الموصى له بثلث الثلث دينار، فيبقى للموصى له بثلث الثلث أربعة دنانير، وللموصى له بالعشرة دنانير، ثمانية دنانير، وللورثة أربعة وعشرون. وكذلك يختلف مالك وابن نافع أيضا إذا أوصى لرجل بعدد مسمى، ولآخر بجزء من الثلث، ولآخر بما بقي من الثلث، والمال دين، فاستأجر على تقاضيه، فذهب ابن نافع إلى أن الأجرة تكون مفضوضة على جميع المال، فيكون على كل واحد من الموصى لهم ما يجب عليه منها، وذهب مالك إلى أنها تسقط من رأس المال فتكون الوصايا على حالها في ثلث ما بقي منه. مثال ذلك، أن يكون الميت أوصى لرجل بعشرين دينارا ولرجل بثلث الثلث، ولآخر بما بقي من الثلث، والمال مائة وخمسون دينارا، فاستؤجر على تقاضيه بخمسة عشر دينارا فذهب مالك إلى أنه يخرج الأجرة من جميع المال، يبقى مائة وخمسة وثلاثون، الثلث من ذلك خمسة وأربعون، يكون للموصى له بعشرين عشرون، وللموصى له بثلث الثلث خمسة عشر، وللموصى له ببقية الثلث ما بقي، وذلك عشرة. وذهب ابن نافع، إلى أن الأجرة تكون مفضوضة على جميع المال، فيكون على الورثة ثلثاها عشرة، وعلى الموصى لهم ثلثها خمسة مفضوضة عليهم، على قدر وصاياهم وهي عشرون للموصى له بعشرين، سبعة عشر إلا ثلثا للموصى له بثلث الثلث، وثلاثة عشر وثلث، للموصى له ببقية الثلث؛ لأن جميع المال على ما نزلناه مائة وخمسون، ثلثه خمسون، فلا يأتي قول مالك وابن نافع في هذه المسألة على اختلاف قول مالك في تبدئة التسمية على الجزء؛ لأنه خارج عن ذلك الأصل، وإنما يأتي قول كل واحد منهما على أصله الذي ذكرته عنه بقوله أراه سحنون، وإنما هذا الذي ذكر قول مالك قديم، حين كان يقول: أرى أن تبدأ التسمية على الأجزاء إلى آخر قوله لا يصح بوجه. ألا ترى أن الخلاف في المسألة بينهما على أصليهما ضاق الثلث عن التسمية والجزء، أو لم يضق عنهما، وهو إذا لا اختلاف في أن كل واحد منهما يأخذ وصيته كاملة، وإذا ضاق عنهما جميعا يدخل اختلاف قول مالك في تبدئة التسمية على الجزء في قول كل واحد منهما. وقد رأيت لابن دحون أنه قال: معنى قوله: إن كان في الثلث فضل، أي إن بقي للموصى له ببقية الثلث فضل، كان ذلك منه. قال: فالضرر يدخل عليه وحده في هذا القول، مثل آن يكون الثلث ستين، فيكون لصاحب ثلث الثلث عشرون ولصاحب الثلاثين ثلاثون وتذهب العشرة الباقية في أجرة من يقاضي إن كان لزم الثلث من الأجرة عشرة، وإن كان لزمه منها أقل من عشرة، كان الباقي للموصى له ببقية الثلث، وإن كان لزمه منها أكثر من عشرة، كان الزائد على العشرة على الموصى له بثلاثين وعلى الموصى له بثلث الثلث على قدر وصاياهم بالمحاصة، فينقض كل واحد منهما على قدر ما له. هذا معنى قوله باختصار كثير من لفظه، فيأتي في المسألة على ما حمل المسألة عليه إذا كان في الثلث فضل للموصى له ببقية الثلث ثلاثة أقوال: أحدها: أن الضرر يدخل عليه وحده. والثاني: أن الضرر يدخل عليه وعلى الموصى له بالجزء، دون الموصى له بالتسمية، وهو قول مالك. والثالث: أن الضرر يدخل على جميعهم، وهو قول ابن نافع، والصواب على ما تأولنا عليه المسألة، وهو تأويل ظاهر في المعنى، يدل عليه قوله: وليس على الموصى لهم شيء، إذ لم يقل: وليس على الموصى لهم سواه شيء؛ لأنه منهم، فلو أراد أن ذلك يكون عليهم دونهم لاستثناه، أنه ليس في ذلك إلا قولان: أحدهما: أن الضرر على الموصى له بالجزء من الثلث، وعلى الموصى له بباقيه، وهو قول مالك، والثاني: أن الضرر يدخل على جميعهم، وهو قول ابن نافع، وبالله التوفيق. .مسألة أوصى فقال رقيقي وثيابي لفلان ثم مات وقد هلك بعض رقيقه: قال محمد بن رشد: مثل هذا في أول الرسم الذي بعده، وفي آخر رسم الوصايا الثاني، وفي رسم باع شاة من سماع يحيى في غيرما موضع، أنه إذا عم في وصيته، فقال ثيابي أو رقيقي أو غنمي أو دوابي وما أشبه ذلك لفلان، أو صدقة على المساكين، أو أحرار في الرقيق وما أشبه ذلك، فاستبدل بهم، أو استفاد غيرهم إليهم، أن وصيته تنفذ فيمن كان من ملكه يوم مات مما سمى، كانوا هم الذين كانوا في ملكه يوم أوصى أو غيرهم، أو هم وغيرهم؛ بخلاف إذا عينهم أو عين واحدا منهم، فإن وصيته لا تتعداهم إن عينهم أو عين واحدا منهم. والعبد وما أشبهه من العروض والحيوان تتعين بالإشارة إليه باتفاق، فإذا قال الرجل. إن مت فهذا العبد لفلان، أو هذا الدرع لفلان وما أشبهه، فهلك واستفاد غيره مكانه، أو استبدل به سواه، فلا تنتقل الوصية إليه باتفاق، فإن قال: عبدي لفلان، ولا عبد له سواه، أو درعي لفلان، ولا درع له سواه، أو سيفي لفلان، ولا سيف له سواه، يتخرج ذلك على قولين: أحدهما: أنه تعين بإضافته إليه، ولا تنتقل الوصية إلى غيره إن استبدل به سواه، والثاني: أنه لا يتعين بذلك، وتتنقل الوصية إلى غيره إن استبدل سواه، على اختلافهم فيمن حلف أن لا يستخدم عبد فلان، فاستخدمه بعد أن أعتق، أو بعد أن خرج عن ملك فلان، وما أشبه ذلك. ومما يبين دخول الاختلاف في ذلك، أن ابن أبي زيد قد حكى في النوادر من رواية أشهب عن مالك فيمن أوصى لأخيه بسيفه، أو بدرعه، فيهلك ذلك ثم يخلفه، فهو للموصى له، كما لو أوصى له بحائط فتنكسر منه النخلات ويغرس فيه رديا أو نبت فيه رديئي أو يزرع فيه زرعا فذلك له. قال: وهذا الذي أراد الميت، فأما لو أوصى له بعبد فمات العبد، فأخلف غيره، فبخلاف ذلك، وظاهر هذه الرواية، أنه فرق في ذلك بين العبد وبين السيف والدرع، ولا فرق في القياس بين ذلك، فيتحصل في ذلك على هذا ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يتعين بذلك العبد والدرع، والثاني: أنه لا يتعين بذلك واحد منهما. والثالث: أنه يتعين به العبد، ولا يتعين به الدرع والسيف، وما أشبهه، وكذلك اختلف أيضا هل يتعين العبد في هذا بالتسمية والصفة أم لا؟ فذهب ابن القاسم إلى أنه يتعين بذلك. قال في رسم باع شاة من سماع عيسى بعد هذا: أما من قال: رقيقي أحرار، فباعهم واشترى غيرهم، فإنهم يعتقون، ومن قال: عبدي النوبي حر أو الصقلبي فباع ذلك كله، واشترى عبدا نوبيا أو عبدا صقلبيا، لم يعتق واحد منهم. ومما بيّن ذلك لك في الذي قال: رقيقي أحرار أنهم يعتقون إذا باعهم واشترى غيرهم أنه لو لم يبعهم واشترى غيرهم معهم عتقوا كلهم، وإن الذي قال: عبدي النوبي أو عبدي الصقلبي أو عبدي ثم اشترى عبدا غير عبده، أو عبدا نوبيا أو صقلبيا لم يعتق أولئك الذين أراد، وكذلك إذا باعهم، فإنما العتق فيهم. وقال أشهب: يلزمه العتق في جميع هذا، وكذلك لو قال: عبدي ميمون حر، ثم باعه واشترى عبدا اسمه فرج لم يجب عليه عتقه، فإن سماه ميمونا كاسمه الأول، وجب عليه عتقه. ولو قال عبدي الأسود حر فباعه واشترى أبيض، لم يعتق عليه، فإن اشترى أسود مثل الأول، أعتق. هذا مذهب أشهب. ولو قال: أعبدي المسلمون أحرار بعد موتي، فأسلموا لم يعتقوا لأنه لم يردهم، ولو اشترى مسلمين، عتق من كان عنده. وبالله التوفيق. .مسألة امرأة أوصت بثيابها لإنسان فذهب بعض ثيابها: قال محمد بن رشد: قوله: وكذلك الذي يقول: سلاحي لابني فيذهب سيفه ودرعه، ويشتري سيفا آخر ودرعا آخر فذلك له، معناه: فذلك له بالوصية إن أجازه الورثة؛ لأن الوصية لوارث لا تجوز، إلا أن يجوزها الورثة. وقد مضى الكلام على هذه المسألة فوق هذا في آخر الرسم الذي قبل هذا فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. .مسألة امرأة كانت أوصت أن تباع وصيفة لها صبية ممن أحبت وللصبية أم: قال محمد بن رشد: اختلف في المنع من التفرقة، هل هي من حق الأم أو من حق الولد؟ فذهب ابن القاسم إلى أن ذلك من حق الولد، فلا يفرق بينهما وإن رضيت الأم بالتفرقة، وهو معنى ما في المدونة وقول ابن نافع في المجموعة، قال: لا يفرق بينهما وإن رضيت الأم، ويباع معها، ولا يوضع من ثمنها، كما يوضع من ثمن الأمة على ظواهر الأثر في النهي عن التفرقة مجملا. وقال ابن عبد الحكم في كتابه: إن التفرقة بينهما جائزة إذا رضيت الأم، وهو قول مالك في هذه الرواية وقد قيل: إن ذلك دليل ما في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة فانظر في ذلك، واختلف أيضا في حد التفرقة، فذهب ابن القاسم في روايته عن مالك، أن حدها الإثغار. روى ابن غانم عن مالك، أن حدها الاحتلام في الرجال، والمحيض في النساء. وقال ابن عبد الحكم وغيره: لا يفرق بينهما أبدا وإن ضرب على اللحية على ظاهر قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لا توله والدة على ولدها، ولا يفرق بين الوالدة وولدها». وبالله التوفيق. .مسألة أوصت فقالت ما في بيتي لمولاتي فلانة فقالت المولاة ثياب ظهرها لي: قال محمد بن رشد: هذا كله بيِّن على ما قاله؛ لأن ما لم ينص الموصي عليه نصا جليا وإنما يرجع فيه إلى الظاهر، فيستدل فيه على إرادة الموصي بالأشياء التي سأل عنها وشبهها مما يغلب على الظن بها إرادة الموصي؛ لأن الأصل في الأحكام الظاهرة غلبة الظنون، إذ لا يقطع على مغيبها. ولذلك قال النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار». وبالله التوفيق. .مسألة أوصى لرجل بمائة درهم فقال أعطوه إياه وخذوا منه خمسة دنانير لي عليه: قال محمد بن رشد: قوله: إن المدعى عليه يحلف من غير مخالطة، صحيح؛ لأن الورثة لا يعلمون من يشهد لهم بالخلطة، وهذه المسألة هي إحدى الخمسة المسائل التي يجب اليمين فيها دون خلطة. وقد مضى القول فيها في سماع أصبغ من كتاب الأقضية، وسواء ادعى الورثة معرفة الدين قبله، أو قالوا لا ندري إلا ما ادعاه موروثنا. وأما قوله: فإن لم يحلف غرمها، فمعناه، بعد أيمان الورثة إن ادعوا معرفة الدين قبله باتفاق، وإن لم يدعوا معرفتهم إياه قبله، فعلى اختلاف، والمسألة متكررة في هذا السماع من كتاب المديان والتفليس. وبالله التوفيق. .مسألة أوصت في مرضها إن حدث به حدث قبل أن أغير وصيتي فلولد فلان عشرة دنانير: قال محمد بن رشد: حكم لولد فلان الموصى لهم في هذه المسألة بحكم معينين، فقال: إن الوصية تجب لكل من كان منهم حيا يوم ماتت الموصية، وإن كان ولد بعد الوصية إذا كان مولودا قبل موت الموصية؛ لأن الوصية إنما تجب لهم بموتها، وذلك بين في هذه المسألة، لمساواتها بينهم فيما أوصت به لكل واحد منهم، فليست بمعارضة لمسألة رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، ولا يدخل فيها الاختلاف منها، ولا من مسألة الوصايا من المدونة في الذي يوصي لأخواله وأولاده. قال أشهب في النوادر: وسواء عرفت عددهم أو لم تعرفهم قال: ولو سمتهم لم يكن لمن ولد قبل موتها شيء. وبالله التوفيق. .مسألة أوصى بجميع ماله: قال محمد بن رشد: إنه لم يكن له وارث، ولذلك أوصى بجميع ماله. ولقد أجاز ذلك له جماعة من العلماء إذا لم يكن له وارث، وهو مذهب أهل العراق، ولا يجوز ذلك على مذهب مالك وأصحابه. فما قضى به هشام من إجازة الثلث ورد الثلثين صحيح على مذهب مالك. وقد راعى مالك هذا الاختلاف فيمن أقر بوارث، فقال: إنه بإقراره أنه وارثه، وإن لم يثبت له نسب بإقراره له. وسحنون يرى بيت المال كالسبب القائم، فلا يجوز له إقراره بوارث، وإن لم يكن له وارث معروف. وهو القياس على مذهب مالك في أن وصيته لا تجوز بأكثر من ثلث ماله. وبالله التوفيق. .مسألة أوصى إلى رجل بوصايا فأراد الورثة أن يكشفوه عنه: قال محمد بن رشد: هذا من بين قوله: إن الموصى يكشف عما جعل إليه من تنفيذ الوصية بالصدقة وغير ذلك مما لا يبقى فيه منفعة للورثة إذا كان سفيها معلنا مارقا يبين ما تقدم من قوله في أول سماع ابن القاسم في أنه ليس للوارث أن يقوم معه في تنفيذ الوصية، إلا أن يكون فيما بقي له منفعة كالعتق وشبهه. وقوله: إنه يكشف عن ذلك إذا كان سفيها معلنا مارقا، معناه: أنه يكلف إقامة البينة على تنفيذ الوصية، فإن لم يأت بينة على ذلك وتبين تقبضه عليها واستهضامه لها، ضمن إياها، وإن لم يكن بهذه الصفة من الاشتهار بالسفه والمروق، واتهم، استحلف، فإن نكل عن اليمين ضمن، وإن كان من أهل العدل والثقة لم تلحقه يمين، وهو محمول على الثقة والعدالة حتى يعرف خلاف ذلك من حاله, وبالله التوفيق. .مسألة الرجل يوصي للرجل من ثمر أرض له بعينها: قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا أوصى له بعدد مسمى من ثمر حائط في كل عام سنين مسماة أو حياته، إنه يجبر له ما نقص من عام من العام الذي يليه ما لم تنقص السنون التي سماها، بخلاف إذا أوصى له بالعدد المسمى من ثمرة كل سنة سنين مسماة أيضا أو حياته، فلا يجبر له مما نقص من العام الذي بعده. ومثله في المدونة وفيما يأتي في هذا الرسم، وفي رسم الوصايا الذي فيه الحج والزكاة. وقوله. إذا أخرجت الأرض في سنة أكثر مما أوصى له به فيها، فسأل أن توقف له البقية مخافة النقصان، إن ذلك على الاجتهاد في كثرة ما أخرج الحائط وقلة ما أوصى له به، وفي قلة ما أخرج الحائط وكثرة ما أوصى له به، وفي أمن الحائط والخوف عليه، صحيح بين، ولا إشكال فيه، واختلف إن أراد الورثة أن يأخذوا الفضل ولا يوقفوه، ويضمنوا له النقصان، فقيل: ذلك لهم، وهو الذي يأتي على ظاهر ما في سماع سحنون لابن القاسم، وقيل. ليس ذلك لهم إلا برضاه، وهو قول مالك في رسم الوصية الذي فيه الحج والزكاة من سماع أشهب هذا. ويحتمل أن لا يحمل ذلك على أنه اختلاف من القول، فيكون معنى قول ابن القاسم في سماع سحنون: إذا كانوا أملياء يؤمن العدم عليهم في غالب الحال. ومعنى قول مالك في سماع أشهب: إذا لم يكونوا أملياء، أو كانوا أملياء يخاف عليهم العدم. والصواب أن يفسر ما في سماع سحنون لقول مالك في هذه الرواية التي ذكرناها لأنه قال فيها: لا تريد ضمانكم ولا اتباعكم، فيقال: معنى ما في سماع سحنون إذا رضي الموصى لهم بضمانهم، ولم يتكلم في هذه الرواية التي ذكرناها على توقيف الحائط مدة الثلاثة أعوام، التي أوصى في كل عام منها بالآصع من ثمرها، وذلك من حق الموصى له إذا حمل الحائط الثلث، أو أجاز ذلك الورثة. وهنا تكلم في سماع سحنون فقال: إن ضمن الورثة ذلك، وإلا أوفقوا العبد والحائط، ومعنى ذلك، إذا حمله الثلث، ورضي الموصى لهم بضمان الورثة. وقد وقع في سماع سحنون أنه يجبر ما نقص في العام من العام الذي بعده، إذا أوصى له بالعدد المسمى من غلة كل سنة، وهو لفظ وقع على غير تحصيل، فلا يقال فيه: إنه اختلاف، من القول: وبالله التوفيق.
|