الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقرأ الجمهور {أني} بفتح أي بأني وعيسى بن عمر ورواها عن أبي عمرو وإني بكسرها على إضمار القول على مذهب البصريين أو على الحكاية باستجاب لإجرائه مجرى الفعل إذ سوى في معناه وتقدم الكلام في شرح استجاب.وقرأ الجمهور {بألف} على التوحيد والجحدري بآلف على وزن أفلس وعنه وعن السدّي بآلف والجمع بين الأفراد والجمع أن يحمل الأفراد على من قاتل منهم أو على الوجوه الذين من سواهم اتباع لهم؛ وقرأ نافع وجماعة من أهل المدينة وغيرهم مردفين بفتح الدال وباقي السبعة والحسن ومجاهد بكسرها أي متابعًا بعضهم بعضًا، وروي عن ابن عباس: خلف كلَّ ملك ملك وراءه.وقرأ بعض المكيين فيما روى عنه الخليل بن أحمد وحكاه عن ابن عطية {مردفين} بفتح الراء وكسر الدال مشددة أصله مرتدفين فأدغم؛ وقال أبو الفضل الرازي وقد يجوز فتح الراء فرارًا إلى أخفّ الحركات أو لثقل حركة التاء إلى الراء عند الإدغام ولا يعرف فيه أثرًا انتهى؛ وروي عن الخليل أنه يضمّ الراء اتباعًا لحركة الميم لقولهم مخضم؛ وقرئ كذلك إلا أنه بكسر الراء اتباعًا لحركة الدال أو حرّكت بالكسر على أصل التقاء الساكنين.قال ابن عطية: ويحسن مع هذه القراءة كسر الميم ولا أحفظه قراءة كقولهم مخصم، وتقدّم الكلام في عدد الملائكة وهل قاتلت أم لم تقاتل في آل عمران ولم تتعرض الآية لقتالهم والظاهر أن قراءة من قرأ {مردفين} بسكون الراء وفتح الدال أنه صفة لقوله: {بألف} أي أردف بعضهم لبعض؛ قال ابن عطية: ويحتمل أن يراد بالمردفين المؤمنين أي أردفوا بالملائكة فمردفين على هذا حال من الضمير قال الزمخشري وأردفته إياه إذا اتبعته ويقال أردفته كقولك اتبعته إذا جئت بعده فلا يخلو المسكور الدال أن يكون بمعنى متبعين أو متبعين فإن كان بمعنى متبعين فلا يخلو أن يكون بمعنى متبعين بعضهم بعضًا أو متبعين بعضهم لبعض أو بمعنى متبعين إياهم المؤمنون أي يتقدمونهم فيتبعونهم أنفسهم أو متبعين لهم يشيعوهم ويقدمونهم بين أيديهم وهم على ساقتهم ليكونوا على أعينهم وحفظهم أو بمعنى متبعين أنفسهم ملائكة آخرين أو متبعين غيرهم من الملائكة ويعضد هذا الوجه قوله تعالى في سورة آل عمران: {بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين}، {بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} انتهى.وهذا تكثير في الكلام وملّخصه أنّ اتّبع مشددًا يتعدى إلى واحد واتبع مخففًا يتعدى إلى اثنين وأردف أتى بمعناهما والمفعول لاتبع محذوف والمفعولان لاتبع محذوفان فيقدر ما يصح به المعنى وقوله أو متبعين إياهم المؤمنين هذا ليس من مواضع فصل الضمير بل مما يتصل وتحذف له النون لا يقال هؤلاء كاسون إياك ثوبًا بل يقال كاسوك فتصحيحه أن يقول أو بمعنى متبعيهم المؤمنين أو يقول أو بمعنى متبعين أنفسهم المؤمنين. اهـ.
وكذا استعمله سيبويه وزعم أنه خطأ خطأ، والظاهر أن المستغيث هم المؤمنون، قيل: إنهم لما علموا أن لا محيص من القتال أخذوا يقولون: أي رب انصرنا على عدوك أغثنا يا غياث المستغيثين، وقال الزهري: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وظاهر بعض الأخبار يدل على أنه الرسول عليه الصلاة والسلام.فقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلثمائة وبضعة عشر رجلًا ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يده وجعل يهتف بربه اللهم انجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادًا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه فأتاه أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فنزلت الآية في ذلك، وعليه فالجمع للتعظيم {رَبَّكُمْ فاستجاب لَكُمْ} أي فأجاب دعاءكم عقيب استغاثتكم إياه سبحانه على أتم وجه {أَنّي مُمِدُّكُمْ} أي بأني فحذف الجار، وفي كون المنسبك بعد الحذف منصوبًا أو مجرورًا خلاف.وقرأ أبو عمر بالكسر على تقدير القول أو إجراء استجاب مجرى قال لأن الاستجابة من جنس القول، والتأكيد للاعتناء بشأن الخبر، وحمله على تنزيل غير المنكر بمنزلة المنكر بمنزلة المنكر عندي، والمراد بممدكم معينكم وناصركم {بِأَلْفٍ مّنَ الملائكة مُرْدِفِينَ} أي وراء كل ملك ملك كما أخرجه ابن جرير وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وردف وأردف بمعنى كتبع وأتبع في قول.وعن الزجاج أن بينهما فرقًا فردفت الرجل بمعنى ركبت خلفه وأردفته بمعنى أركبته خلفي، وقال بعضهم: ردفت وأردفت إذا فعلت ذلك فإذا فعلته بغيرك فأردفت لا غير، وجاء أردف بمعنى اتبع مشددًا وهو يتعدى لواحد وبمعنى أتبع مخففًا وهو يتعدى لاثنين على ما هو المشهور، وبكل فسر هنا، وقدروا المفعول والمفعولين حسبما يصح به المعنى ويقتضيه، وجعلوا الاحتمالات خمسة، احتمالان على المعنى الأول.أحدهما أن يكون الموصوف جملة الملائكة والمفعول المقدر المؤمنين، والمعنى متبعًا بعضهم بعضًا آخر منهم كرسلهم عليهم السلام، وثلاثة احتمالات على المعنى الثاني.الأول: أن يكون الموصوف كل الملائكة والمفعولان بعضهم بعضًا على معنى أنهم جعلوا بعضهم يتبع بعضًا.الثاني: كذلك إلا أن المفعول الأول بعضهم والثاني المؤمنين على معنى أنهم اتبعوا بعضهم المؤمنين فجعلوا بعضًا منهم خلفهم.والثالث: كذلك أيضًا إلا أن المفعولين أنفسهم والمؤمنين على معنى أنهم أتبعوا أنفسهم وجملتهم المؤمنين فجعلوا أنفسهم خلفهم.وقرأ نافع ويعقوب {مُرْدِفِينَ} بفتح الدال، وفيه احتمالان أن يكون بمعنى متبعين بالتشديد أي اتبعهم غيرهم، وأن يكون بمعنى متبعين بالتخفيف أي جعلوا أنفسهم تابعة لغيرهم، وأريد بالغير في الاحتمالين المؤمنون، فتكون الملائكة على الأول مقدمة الجيش وعلى الثاني ساقتهم، وقد يقال: المراد بالغير آخرون من الملائكة، وفي الآثار ما يؤيده، أخرج ابن جرير عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: نزل جبريل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر رضي الله تعالى عنه ونزل ميكائيل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا فيها لكن في الكشاف بدل الألف في الموضعن خمسمائة، وقرئ {مُرْدِفِينَ} بكسر الراء وضمها، وأصله على هذه القراءة مرتدفين بمعنى مترادفين فأبدلت التاء دالًا لقرب مخرجهما وأدغمت في مثلها فالتقى الساكنان فحركت الراء بالكسر على الأصل، أو لاتباع الدال أو بالضم لاتباع الميم، وعن الزجاج أنه يجوز في الراء الفتح أيضًا للتخفيف أو لنقل حركة التاء وهي القراءة التي حكاها الخليل عن بعض المكيين، وذكر أبو البقاء أنه قرئ بكسر الميم والراء، ونقل عن بعضهم أن مردفًا بفتح الراء وتشديد الدال من ردف بتضعيف العين أو أن التشديد بدل من الهمزة كأفرحته وفرحته.ومن الناس من فسر الارتداف بركوب الشخص خلف الآخر وأنكره أبو عبيدة وأيده بعضهم، وعن السدي أنه قرئ {بآلاف} على الجمع فيوافق ما وقع في سورة أخرى {بِثَلاَثَةِ ءالاَفٍ} [آل عمران: 124] و{بِخَمْسَةِ آلافٍ} [آل عمران: 125] قيل: ووجه التوفيق بينه وبين المشهور أن المراد بالألف الذين كانوا على المقدمة أو الساقة أو وجوههم أو من قاتل منهم.وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه قال: كان ألف مردفين وثلاثة آلف منزلين وهو جمع ليس بالجيد.وأخرج ابن جرير وعبد بن حميد عن قتادة أنهم أمدوا أولًا بألف ثم بثلاثة آلاف ثم أكملهم الله تعالى خمسة آلاف، وأنت تعلم أن ظاهر ما روي عن الحبر يقتضي أن ما في الآية ألفان في الحقيقة، وصرح بعضهم أن ما فيها بيان إجمالي لما في تلك السورة بناءً على أن معنى مردفين جاعلين غيرهم من الملائكة رديفًا لأنفسهم، وهو ظاهر في أن المراد بالألف الرؤساء المستتبعون لغيرهم، والأكثرون على أن الملائكة قاتلت يوم بدر، وفي الأخبار ما يدل عليه، وذكروا أنها لم تقاتل يوم الأحزاب ويوم حنين، وتفصيل ذلك في السير، وقد تقدم بعض الكلام فيما يتعلق بهذا المقام فتذكر. اهـ.
|