الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وجنح الليل إذا أقبل وأمال أطنابه على الأرض ومنه قول النابغة: [الطويل] أي موائل، وقال لبيد: [الوافر] وقرأ جمهور الناس {للسَّلم} بفتح السين وشدها وقرأ عاصم في رواية بكر {للسِّلم} بكسرها وشدها هما لغتان في المسالمة، ويقال أيضًا السَّلَم بفتح السين واللام ولا أحفظها قراءة، وقرأ جمهور الناس {فاجنَح} بفتح النون وهي لغة تميم، وقرأ الأشهب العقيلي {فاجنُح} وهي لغة قيس بضم النون، قال أبو الفتح وهذه القراءة هي القياس، لأن فعل إذا كان غير متعد فمستقبله يفعل بضم العين أقيس قعد يقعد أقيس من جلس يجلس، وعاد الضمير في {لها} مؤنثًا إذ السلم بمعنى المسالمة والهدنة، وقيل السلم مؤنثة كالحرب ذكره النحاس، وقال أبو حاتم يذكر السلم، وقال قتادة والحسن بن أبي الحسن وعكرمة وابن زيد: هذه الآية منسوخة بآيات القتال في براءة.قال القاضي أبو محمد: وقد يحتمل ألا يترتب نسخها بأن يعني بهذه من تجوز مصالحته وتبقى تلك في براءة في عبدة الأوثان وإلى هذا ذهب الطبري وما قالته الجماعة صحيح أيضًا إذا كان الجنوح إلى سلم العرب مستقرًا في صدر الإسلام فنسخت ذلك آية براءة ونبذت إليهم عهودهم، وروي عن ابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون} [آل عمران: 139] الآية.قال القاضي أبو محمد: وهذا قول بعيد من أن يقوله ابن عباس رضي الله عنه، لأن الآيتين مبينتان، وقوله: {وتوكل على الله} أمر في ضمنه وعد. اهـ.
وقال النابغة: يعني الطير.وجنح الليل إذا أقبل وأمال أطنابه على الأرض.والسَّلم والسلام هو الصلح.وقرأ الأعمش وأبو بكر وابن مُحَيْصِن والمفضّل {لِلسِّلِم} بكسر السين.الباقون بالفتح.وقد تقدّم معنى ذلك في البقرة مستوفًى.وقد يكون السلام من التسليم.وقرأ الجمهور {فاجنح} بفتح النون، وهي لغة تميم.وقرأ الأشهب العقيلي {فاجنح} بضم النون، وهي لغة قيس.قال ابن جنيّ: وهذه اللغة هي القياس.الثانية وقد اختلف في هذه الآية، هل هي منسوخة أم لا.فقال قتادة وعِكرمة: نسخها {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5].{وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً} [التوبة: 36] وقالا: نسخت براءة كلَّ موادعة، حتى يقولوا لا إله إلا الله.ابن عباس: الناسخ لها {فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَى السَّلْمِ}.وقيل: ليست بمنسوخة، بل أراد قبول الجِزية من أهل الجزْية.وقد صالح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومَن بعده من الأئمة كثيرًا من بلاد العجم؛ على ما أخذوه منهم، وتركوهم على ما هم فيه، وهم قادرون على استئصالهم.وكذلك صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا من أهل البلاد على مال يؤدونه؛ من ذلك خَيْبر، ردّ أهلَها إليها بعد الغلبة على أن يعملوا ويؤدّوا النّصف.قال ابن إسحاق: قال مجاهد عنى بهذه الآية قريظة؛ لأن الجزية تقبل منهم، فأما المشركون فلا يقبل منهم شيء.وقال السُّدِّيّ وابن زيد: معنى الآية إن دعوك إلى الصلح فأجبهم.ولا نسخ فيها.قال ابن العربيّ: وبهذا يختلف الجواب عنه؛ وقد قال الله عز وجل: {فَلاَ تَهِنُواْ وتدعوا إِلَى السلم وَأَنتُمُ الأعلون والله مَعَكُمْ} [محمد: 35].فإذا كان المسلمون على عِزّة وقُوّة ومنَعَة، وجماعة عديدة، وشدّة شديدة فلا صلح؛ كما قال: وإن كان للمسلمين مصلحة في الصلح، لنفعٍ يجتلبونه، أو ضرر يدفعونه، فلا بأس أن يبتدئ المسلمون به إذا احتاجوا إليه.وقد صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على شروط نقضوها فنقض صلحهم.وقد صالح الضَّمْرِيّ وأكَيْدِرَ دُومَة وأهلَ نجران، وقد هادن قريشًا لعشرة أعوام حتى نقضوا عهده.وما زالت الخلفاء والصحابة على هذه السبيل التي شرعناها سالكةً، وبالوجوه التي شرحناها عاملة.قال القُشَيريّ: إذا كانت القوة للمسلمين فينبغي ألاّ تبلغ الهُدْنة سنة.وإذا كانت القوة للكفار جاز مهادنتهم عشر سنين، ولا تجوز الزيادة.وقد هادن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة عشر سنين.قال ابن المنذر؛ اختلف العلماء في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة عام الحُدَيْبِية؛ فقال عروة: كانت أربع سنين.وقال ابن جريج: كانت ثلاث سنين.وقال ابن إسحاق: كانت عشر سنين.وقال الشافعيّ رحمه الله: لا تجوز مهادنة المشركين أكثر من عشر سنين، على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية؛ فإن هودن المشركون أكثر من ذلك فهي منتقضة، لأن الأصل فرض قتال المشركين حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية.وقال ابن حبيب عن مالك رضي الله عنه: تجوز مهادنة المشركين السنة والسنتين والثلاث، وإلى غير مدة.قال المهلّب: إنما قاضاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم هذه القضية التي ظاهرها الوهن على المسلمين؛ لسبب حبس الله ناقة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عن مكة، حين توجه إليها فبركت.وقال: «حبسها حابس الفيل» على ما خرّجه البخاريّ من حديث المِسْوَر بن مِخْرمة.ودلّ على جواز صلح المشركين ومهادنتهم دون مالٍ يؤخذ منهم، إذ رأى ذلك الإمام وجهًا.ويجوز عند الحاجة للمسلمين عقد الصلح بمالٍ يبذلونه للعدوّ: لموادعة النبيّ صلى الله عليه وسلم عُيينة بن حِصْن الفَزَارِيّ، والحارث بن عوف المُرِّيّ يوم الأحزاب، على أن يعطيهما ثلث ثمر المدينة، وينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذلا قريشًا، ويرجعا بقومهما عنهم.وكانت هذه المقالة مراوضة ولم تكن عقدًا.فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما أنهما قد أنابا ورضيا استشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة؛ فقالا: يا رسول الله، هذا أمر تحبه فنصنعه لك، أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع؛ أو أمر تصنعه لنا؟ فقال: «بل أمر أصنعه لكم فإن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة»؛ فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله؛ والله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وما طمِعوا قطُّ أن ينالوا منا ثمرة، إلاَّ شراء أو قِرًى؛ فحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له وأعزّنا بك، نعطيهم أموالنا! والله لا نعطيهم إلاَّ السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم.فُسّر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أنتم وذاك» وقال لعُيينة والحارث: «انصرفا فليس لكما عندنا إلاَّ السيف» وتناول سعد الصحيفة، وليس فيها شهادة أن لا إله إلاَّ الله فمحاها. اهـ.
|