الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
مريض أعتق عبدا لا مال له سواه, قيمته مائة فقطع إصبع سيده خطأ فإنه يعتق نصفه, وعليه نصف قيمته ويصير للسيد نصفه ونصف قيمته وذلك مثلا ما عتق منه, وأوجبنا نصف قيمته عليه لأن عليه من أرش جنايته بقدر ما عتق منه وحسابها أن تقول: عتق منه شيء وعليه شيء للسيد فصار مع السيد عبد إلا شيئا, وشيء يعدل شيئين فأسقط شيئا بشيء بقي ما معه من العبد يعدل شيئا مثل ما عتق منه ولو كانت قيمة العبد مائتين, عتق خمساه لأنه يعتق منه شيء وعليه نصف شيء للسيد فصار للسيد نصف شيء وبقية العبد يعدل شيئين, فيكون بقية العبد يعدل شيئا ونصفا وهو ثلاثة أخماسه والشيء الذي عتق خمساه وإن كانت قيمته خمسين أو أقل, عتق كله لأنه يلزمه مائة وهي مثلاه أو أكثر وإن كانت قيمته ستين قلنا: عتق منه شيء, وعليه شيء وثلثا شيء للسيد مع بقية العبد يعدل شيئين, فبقية العبد إذا ثلث شيء فيعتق منه ثلاثة أرباعه وعلى هذا القياس إلا أن ما زاد في العتق على الثلث ينبغي أن يقف على أداء ما يقابله من القيمة كما إذا دبر عبدا وله دين في ذمة غريم له, فكلما اقتضى من القيمة شيئا عتق من الموقوف بقدر ثلثه. فإن أعتق عبدين دفعة واحدة, قيمة أحدهما مائة والآخر مائة وخمسون فجنى الأدنى على الأرفع جناية نقصته ثلث قيمته وأرشها كذلك, في حياة سيدهما ثم مات أقرعنا بين العبدين, فإن وقعت على الجاني عتق منه أربعة أخماسه وعليه أربعة أخماس أرش جنايته وبقي لورثة سيده خمسه وأرش جنايته والعبد الآخر, وذلك مائة وستون وهو مثلا ما عتق منه وحسابها أن تقول: عبد عتق منه شيء وعليه نصف شيء لأن جنايته بقدر نصف قيمته, بقي للسيد نصف شيء وبقية العبدين تعدل شيئين فعلمت أن بقية العبدين شيء ونصف فإذا أضفت إلى ذلك الشيء الذي عتق, صارا جميعا يعدلان شيئين ونصفا فالشيء الكامل خمساهما وذلك أربعة أخماس أحدهما وإن وقعت قرعة الحرية على المجني عليه, عتق ثلثه وله ثلث أرش جنايته يتعلق برقبة الجاني, وذلك تسع الدية لأن الجناية على من ثلثه حر تضمن بقدر ما فيه من الحرية والرق والواجب له من الأرش يستغرق قيمة الجاني فيستحقه بها, ولا يبقى لسيده مال سواه فيعتق ثلثه ويرق ثلثاه وإن أعتق عبدين قيمة أحدهما خمسون وقيمة الآخر ثلاثون, فجنى الأدنى على الأرفع فنقصه حتى صارت قيمته أربعين أقرعنا بينهما, فإن خرجت القرعة للأدنى عتق منه شيء وعليه ثلث شيء, فبعد الجبر تبين أن العبدين شيئان وثلثان فالشيء ثلاثة أثمانهما وقيمتها سبعون, فثلاثة أثمانها سبعة وعشرون وربع وهي من الأدنى نصفه وخمساه ونصف سدس عشره وإن وقعت على الآخر عتق ثلثه وحقه من الجناية أكثر من قيمة الجاني, فيأخذه بها أو يفديه المعتق وقد بقيت فروع كثيرة وفيما ذكرنا ما يستدل به على غيره, ـ إن شاء الله تعالى ـ وكل موضع زاد العتق على ثلث العبدين من أجل وجوب الأرش للسيد تكون الزيادة موقوفة على أداء الأرش كما ذكرنا من قبل والله أعلم. قال: [ومن جاوز العشر سنين فوصيته جائزة إذا وافق الحق] هذا المنصوص عن أحمد, فإنه قال في رواية صالح وحنبل: تحوز وصيته إذا بلغ عشر سنين قال أبو بكر: لا يختلف المذهب أن من له عشر سنين, تصح وصيته ومن له دون السبع لا تصح وصيته وما بين السبع والعشر فعلى روايتين وقال ابن أبي موسى: لا تصح وصية الغلام لدون العشر ولا الجارية, قولا واحدا وما زاد على العشر فتصح على المنصوص وفيه وجه آخر, لا تصح حتى يبلغ وقال القاضي وأبو الخطاب: تصح وصية الصبي إذا عقل وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أجاز وصية الصبي وهو قول عمر بن عبد العزيز, وشريح وعطاء والزهري, وإياس وعبد الله بن عتبة والشعبي, والنخعي ومالك وإسحاق قال إسحاق: إذا بلغ اثنتي عشرة وحكاه ابن المنذر عن أحمد وعن ابن عباس: لا تصح وصيته حتى يبلغ وبه قال الحسن, ومجاهد وأصحاب الرأي وللشافعي قولان كالمذهبين واحتجوا بأنه تبرع بالمال, فلا يصح من الصبي كالهبة والعتق ولأنه لا يقبل إقراره, فلا تصح وصيته كالطفل ولنا ما روي, أن صبيا من غسان له عشر سنين أوصى لأخوال له, فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجاز وصيته رواه سعيد وروى مالك في " موطئه " عن عبد الله بن أبي بكر, عن أبيه أن عمرو بن سليم أخبره أنه قيل لعمر بن الخطاب: إن ها هنا غلاما يفاعا لم يحتلم, وورثته بالشام وهو ذو مال وليس له ها هنا إلا ابنة عم له, فقال عمر ": فليوص لها فأوصى لها بمال يقال له بئر جشم قال عمرو بن سليم: فبعث ذلك المال بثلاثين ألفا وابنة عمه التي أوصى لها هي أم عمرو بن سليم قال أبو بكر: وكان الغلام ابن عشر أو اثنتي عشرة سنة وهذه قصة انتشرت فلم تنكر ولأنه تصرف تمحض نفعا للصبي فصح منه, كالإسلام والصلاة وذلك لأن الوصية صدقة يحصل ثوابها له بعد غناه عن ملكه وماله فلا يلحقه ضرر في عاجل دنياه ولا أخراه, بخلاف الهبة والعتق المنجز فإنه يفوت من ماله ما يحتاج إليه وإذا ردت رجعت إليه, وها هنا لا يرجع إليه بالرد والطفل لا عقل له ولا يصح إسلامه ولا عباداته وقوله: " إذا وافق الحق " يعني إذا وصى بوصية يصح مثلها من البالغ, صحت منه وإلا فلا قال شريح وعبد الله بن عتبة, وهما قاضيان: من أصاب الحق أجزنا وصيته. فأما الطفل وهو من له دون السبع والمجنون, والمبرسم فلا وصية لهم وهذا قول أكثر أهل العلم منهم حميد بن عبد الرحمن, ومالك والأوزاعي والشافعي رضي الله عنهم وأصحاب الرأي, ومن تبعهم ولا نعلم أحدا خالفهم إلا إياس بن معاوية قال في الصبي والمجنون: إذا وافقت وصيتهم الحق جازت وليس بصحيح فإنه لا حكم لكلامهما ولا تصح عبادتهما, ولا شيء من تصرفاتهما فكذا الوصية بل أولى, فإنه إذا لم يصح إسلامه وصلاته التي هي محض نفع لا ضرر فيها فلأن لا يصح بذله المال يتضرر به وارثه أولى ولأنها تصرف يفتقر إلى إيجاب وقبول, فلا يصح منهما كالبيع والهبة. فأما المحجور عليه لسفه فإن وصيته تصح, في قياس قول أحمد قال الخبري: وهو قول الأكثرين وقال أبو الخطاب: في وصيته وجهان ولنا أنه عاقل تصح وصيته كالصبي العاقل, ولأن وصيته تمحضت نفعا له من غير ضرر فصحت كعباداته وأما الذي يجن أحيانا ويفيق أحيانا, فإن وصى حال جنونه لم تصح وإن وصى في حال عقله صحت وصيته لأنه بمنزلة العقلاء في شهادته ووجوب العبادة عليه, فكذلك في وصيته وتصرفاته ولا تصح وصية السكران وقال أبو بكر: فيه قولان يعني وجهين ولنا أنه ليس بعاقل فلا تصح وصيته كالمجنون وأما إيقاع طلاقه فإنما أوقعه من أوقعه تغليظا عليه, لارتكابه المعصية فلا يتعدى هذا إلى وصيته فإنه لا ضرر عليه فيها إنما الضرر على وارثه وأما الضعيف في عقله, فإن منع ذلك رشده في ماله فهو كالسفيه وإلا فهو كالعاقل. وتصح وصية الأخرس إذا فهمت إشارته لأنها أقيمت مقام نطقه في طلاقه ولعانه وغيرهما, فإن لم تفهم إشارته فلا حكم لها وهذا قول أبي حنيفة والشافعي, وغيرهما فأما الناطق إذا اعتقل لسانه فعرضت عليه وصيته فأشار بها, وفهمت إشارته لم تصح وصيته ذكره القاضي وابن عقيل وبه قال الثوري, والأوزاعي وأبو حنيفة وقال الشافعي وابن المنذر: تصح وصيته لأنه غير قادر على الكلام, أشبه الأخرس واحتج ابن المنذر بأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى وهو قاعد فأشار إليهم فقعدوا رواه البخاري وخرجه ابن عقيل وجها إذا اتصل باعتقال لسانه الموت ولنا, أنه غير مأيوس من نطقه فلم تصح وصيته بإشارته كالقادر على الكلام والخبر لا يلزم فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان قادرا على الكلام, ولا خلاف في أن إشارة القادر لا تصح بها وصية ولا إقرار ففارق الأخرس لأنه مأيوس من نطقه. وإن وصى عبد أو مكاتب أو مدبر أو أم ولد وصية, ثم ماتوا على الرق فلا وصية لهم لأنه لا مال لهم وإن أعتقوهم ثم ماتوا ولم يغيروا وصيتهم صحت لأن لهم قولا صحيحا وأهلية تامة, وإنما فارقوا الحر بأنهم لا مال لهم والوصية تصح مع عدم المال كما لو وصى الفقير الذي لا شيء له, ثم استغنى وإن قال أحدهم: متى عتقت ثم مت فثلثي لفلان وصية فعتق ومات, صحت وصيته وبه قال أبو يوسف ومحمد وأبو ثور ولا أعلم عن غيرهم خلافهم. وتصح وصية المسلم للذمي, والذمي للمسلم والذمي للذمي روى إجازة وصية المسلم للذمي عن شريح والشعبي, والثوري والشافعي وإسحاق, وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وقال محمد بن الحنفية وعطاء وقتادة, في قوله تعالى: وتصح الوصية للحربي في دار الحرب نص عليه أحمد وهو قول مالك وأكثر أصحاب الشافعي وقال بعضهم: لا تصح وهو قول أبي حنيفة لأن الله تعالى قال: ولا تصح الوصية لكافر بمصحف ولا عبد مسلم لأنه لا يجوز هبتهما له ولا بيعهما منه وإن أوصى له بعبد كافر فأسلم قبل موت الموصي, بطلت الوصية وإن أسلم بعد الموت وقبل القبول بطلت, عند من يرى أن الملك لا يثبت إلا بالقبول لأنه لا يجوز أن يبتدئ الملك على مسلم ومن قال: يثبت الملك بالموت قبل القبول قال: الوصية صحيحة لأننا نتبين أن الملك يثبت بالموت لأنه أسلم بعد أن ملكه ويحتمل أن لا يصح أيضا لأنه يأتي بسبب لولاه لم يثبت الملك, فمنع منه كابتداء الملك. ولا تصح الوصية بمعصية وفعل محرم مسلما كان الموصي أو ذميا, فلو وصى ببناء كنيسة أو بيت نار أو عمارتهما أو الإنفاق عليهما, كان باطلا وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وقال أصحاب الرأي: يصح وأجاز أبو حنيفة الوصية بأرضه تبنى كنيسة وخالفه صاحباه وأجاز أصحاب الرأي أن يوصي بشراء خمر أو خنازير ويتصدق بها على أهل الذمة وهذه وصايا باطلة وأفعال محرمة لأنها معصية, فلم تصح الوصية بها كما لو وصى بعبده أو أمته للفجور وإن وصى لكتب التوراة والإنجيل لم تصح لأنها كتب منسوخة, وفيها تبديل والاشتغال بها غير جائز وقد غضب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين رأى مع عمر شيئا مكتوبا من التوراة وذكر القاضي أنه لو أوصى لحصر البيع وقناديلها, وما شاكل ذلك ولم يقصد إعظامها بذلك صحت الوصية لأن الوصية لأهل الذمة, فإن النفع يعود إليهم والوصية لهم صحيحة والصحيح أن هذا مما لا تصح الوصية به لأن ذلك إنما هو إعانة لهم على معصيتهم وتعظيم لكنائسهم ونقل عن أحمد كلام يدل على صحة الوصية من الذمي بخدمة الكنيسة والأول أولى وأصح وإن وصى ببناء بيت يسكنه المجتازون من أهل الذمة وأهل الحرب, صح لأن بناء مساكنهم ليس بمعصية. قال: [ومن أوصى بكل ماله ولا عصبة له ولا مولى له, فجائز وقد روي عن أبي عبد الله ـ رحمه الله ـ رواية أخرى: لا يجوز إلا الثلث] اختلفت الرواية عن أحمد ـ رحمه الله ـ في من لم يخلف من وراثه عصبة ولا ذا فرض فروي عنه أن وصيته جائزة بكل ماله ثبت هذا عن ابن مسعود, وبه قال عبيدة السلماني ومسروق وإسحاق, وأهل العراق والرواية الأخرى: لا يجوز إلا الثلث وبه قال مالك والأوزاعي وابن شبرمة, والشافعي والعنبري لأن له من يعقل عنه فلم تنفذ وصيته في أكثر من ثلثه, كما لو ترك وارثا ولنا أن المنع من الزيادة على الثلث إنما كان لتعلق حق الورثة بدليل قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إنك أن تدع ورثتك أغنياء, خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) وها هنا لا وارث له يتعلق حق بماله فأشبه حال الصحة ولأنه لم يتعلق بماله حق وارث ولا غريم, أشبه حال الصحة أو أشبه الثلث. وإن خلف ذا فرض لا يرث المال كله كبنت, أو أم لم يكن له الوصية بأكثر من الثلث لأن سعدا قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لا يرثني إلا ابنتي فمنعه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الزيادة على الثلث ولأنها تستحق جميع المال بالفرض والرد فأشبهت العصبة وإن كان لها زوج, أو للرجل امرأة فكذلك لأن الوصية تنقص حقه لأنه إنما يستحق فرضه بعد الوصية, لقوله تعالى: فإن خلف ذا فرض لا يرث المال كله, وقال: أوصيت لفلان بثلثي على أنه لا ينقص ذا الفرض شيئا من فرضه أو خلف امرأة وقال: أوصيت لك بما فضل من المال عن فرضها صح في المسألة الأولى لأن ذا الفرض يرث المال كله, لولا الوصية فلا فرق في الوصية بين أن يجعلها من رأس المال أو من الزائد على الفرض وأما المسألة الثانية فتنبني على الوصية بجميع المال, فإن قلنا: تصح ثم صحت ها هنا لأن الباقي عن فرض الزوجة مال لا وارث له فصحت الوصية به كما لو لم تكن زوجة وإن قلنا: لا تصح ثم فهاهنا مثله لأن بيت المال جعل كالوارث, فصار كأنه ذو ورثة يستغرقون المال إذا عين الوصية من نصيب العصبة منهم فعلى هذا يعطي الموصى له الثلث من رأس المال ويسقط تخصيصه. قال: [ومن أوصى لعبده بثلث ماله, فإن كان العبد يخرج من الثلث عتق وما فضل من الثلث بعد عتقه فهو له, وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث إلا أن يجيز الورثة] وجملة ذلك أنه إذا أوصى لعبده بجزء شائع من ماله, كثلث أو ربع أو سدس صحت الوصية فإن خرج العبد من الوصية, عتق واستحق باقيها وإن لم يخرج, عتق منه بقدر الوصية وبهذا قال الحسن وابن سيرين وأبو حنيفة, إلا أنهم قالوا: إن لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه وقال الشافعي رضي الله عنه: الوصية باطلة إلا أن يوصي بعتقه لأنه أوصى لمال يصير للورثة, فلم يصح كما لو أوصى له بمعين ولنا أن الجزء الشائع يتناول نفسه أو بعضها لأنه من جملة الثلث الشائع, والوصية له بنفسه تصح ويعتق وما فضل يستحقه لأنه يصير حرا فيملك الوصية, فيصير كأنه قال: اعتقوا عبدي من ثلثي وأعطوه ما فضل منه وفارق ما إذا أوصى بمعين لأنه لا يتناول شيئا منه. فإن أوصى له بمعين من ماله, كثوب أو دار أو بمائة درهم فالوصية باطلة في قول الأكثرين وبه يقول الثوري, وإسحاق وأصحاب الرأي وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى عن أحمد أنها تصح وهو قول مالك, وأبي ثور وقال الحسن وابن سيرين: إن شاء الورثة أجازوا وإن شاءوا ردوا ولنا, أن العبد يصير ملكا للورثة فما وصى به له فهو لهم فكأنه أوصى لورثته بما يرثونه, فلا فائدة فيه وفارق ما إذا أوصى له بمشاع لما ذكرناه. وإن وصى له برقبته فهو تدبير يعتق إن حمله الثلث وبهذا قال مالك, وأصحاب الرأي وقال أبو ثور: الوصية باطلة لأنه لا يملك رقبته ولنا أنه أوصى له بمن لا يملكه على الدوام فصح, كما لو وصى بأبيه ولأن معني الوصية له برقبته عتقه لعلمه بأنه لا يملك رقبته, فصارت الوصية به كناية عن إعتاقه بعد موته وإن أوصى له ببعض رقبته فهو تدبير لذلك الجزء وهل يعتق جميعه إذا حمله الثلث؟ على روايتين, ذكرهما الخرقي فيما إذا دبر بعض عبده وهو مالك لكله وقال أصحاب الرأي: يسعى في قيمة باقيه وهذا شيء يأتي في باب العتق ـ إن شاء الله تعالى ـ . وإن وصى لمكاتبه أو مكاتب وارثه, أو مكاتب أجنبي صح سواء أوصى له بجزء شائع أو معين لأن ورثته لا يستحقون المكاتب, ولا يملكون ماله وإن أوصى لأم ولده صحت الوصية لأنها حرة حين لزوم الوصية وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه أوصى لأمهات أولاده بأربعة آلاف رواه سعيد وروي ذلك عن عمران بن الحصين وبه قال ميمون بن مهران والزهري, ويحيى الأنصاري ومالك والشافعي, وإسحاق وإن وصى لمدبره صح لأنه يصير حرا حين لزوم الوصية فصحت الوصية له, كأم الولد وإن لم يخرج من الثلث هو والوصية جميعا قدم عتقه على الوصية لأنه أنفع وقال القاضي: يعتق بعضه ويملك من الوصية بقدر ما عتق منه ولنا, أنه وصى لعبده وصية صحيحة فيقدم عتقه على ما يحصل له من المال كما لو وصى لعبده القن بمشاع من ماله. وإن أوصى لعبد غيره, صح وتكون الوصية لسيده والقبول في ذلك إلى العبد لأن العقد مضاف إليه, فأشبه ما لو وهبه شيئا فإذا قبل ثبت لسيده لأنه من كسب عبده, وكسب العبد لسيده ولا تفتقر في القبول إلى إذن السيد لأنه كسب فصح من غير إذن سيده, كالاحتطاب وهذا قول أهل العراق والشافعي ولأصحابه وجه أخر أن القبول يفتقر إلى إذن السيد, لأنه تصرف من العبد فأشبه بيعه وشراءه ولنا أنه تحصيل مال بغير عوض, فلم يفتقر إلى إذنه كقبول الهبة وتحصيل المباح وإن وصى لعبد وارثه فهي كالوصية لوارثه, يقف على إجازة الورثة وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وقال مالك: إن كان يسيرا جاز لأن العبد يملك وإنما لسيده أخذه من يده, فإذا وصى له بشيء يسير علم أنه قصد بذلك العبد دون سيده ولنا, أنها وصية لعبد وارثه فأشبهت الوصية بالكثير وما ذكروه من ملك العبد ممنوع, ولا اعتبار به فإنه مع هذا القصد يستحق سيده أخذه فهو كالكثير. وإذا أوصى بعتق أمته على, أن لا تتزوج ثم مات فقالت: لا أتزوج عتقت فإن تزوجت بعد ذلك لم يبطل عتقها وهذا مذهب الأوزاعي, والليث وأبي ثور وابن المنذر, وأصحاب الرأي وذلك لأن العتق إذا وقع لا يمكن رفعه وإن أوصى لأم ولده بألف على أن لا تتزوج أو على أن تثبت مع ولده, ففعلت وأخذت الألف ثم تزوجت وتركت ولده ففيها وجهان أحدهما, تبطل وصيتها لأنه فات الشرط ففاتت الوصية وفارق العتق, فإنه لا يمكن رفعه والثاني لا تبطل وصيتها وهو قول أصحاب الرأي لأن وصيتها صحت فلم تبطل بمخالفة ما شرط عليها كالأولى. واختلف أصحابنا في الوصية للقاتل على ثلاثة أوجه فقال ابن حامد: تجوز الوصية له واحتج بقول أحمد, في من جرح رجلا خطأ فعفا المجروح فقال أحمد: يعتبر من ثلثه قال: وهذه وصية لقاتل وهذا قول مالك وأبي ثور وابن المنذر, وأظهر قولي الشافعي رضي الله عنه لأن الهبة له تصح فصحت الوصية له كالذمي وقال أبو بكر: لا تصح الوصية له فإن أحمد قد نص على أن المدبر إذا قتل سيده, بطل تدبيره والتدبير وصية وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأن القتل يمنع الميراث الذي هو آكد من الوصية, فالوصية أولى ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث فيمنعها ما يمنعه وقال أبو الخطاب: إن وصى له بعد جرحه, صح وإن وصى له قبله ثم طرأ القتل على الوصية, أبطلها جمعا بين نصي أحمد في الموضعين وهو قول الحسن بن صالح وهذا قول حسن لأن الوصية بعد الجرح صدرت من أهلها في محلها ولم يطرأ عليها ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدمت, فإن القتل طرأ عليها فأبطلها لأنه يبطل ما هو آكد منها يحققه أن القتل إنما منع الميراث, لكونه بالقتل استعجل الميراث الذي انعقد سببه فعورض بنقيض قصده وهو منع الميراث دفعا لمفسدة قتل الموروثين, ولذلك بطل التدبير بالقتل الطارئ عليه أيضا وهذا المعني متحقق في القتل الطارئ على الوصية فإنه ربما استعجلها بقتله وفارق القتل قبل الوصية, فإنه لم يقصد به استعجال مال لعدم انعقاد سببه والموصي راض بالوصية له بعد صدور ما صدر منه في حقه, ولا فرق بين العمد والخطأ في هذا كما لا يفترق الحال بذلك في الميراث وعلى هذا متى دبر عبده بعد جرحه إياه, صح تدبيره. قال: [وإذا قال: أحد عبدي حر أقرع بينهما فمن تقع عليه القرعة فهو حر إذا خرج من الثلث] وجملة ذلك أنه إذا أعتق عبدا غير معين, فإنه يقرع بينهما فيخرج الحر بالقرعة وقال أبو حنيفة والشافعي: له تعيين أحدهما بغير قرعة لأنه عتق مستحق في غير معين, فكان التعيين إلى المعتق كالعتق في الكفارة وكما لو قال لورثته: أعتقوا عني عبدا ولنا أنه عتق استحقه واحد من جماعة معينين, فكان إخراجه بالقرعة كما لو أعتقهما فلم يخرج من ثلثه إلا أحدهما ودليل الحكم في الأصل, حديث عمران بن حصين فأما العتق في الكفارة فإنه لم يستحقه أحد إنما استحق على المكفر التكفير وأما إذا قال: أعتقوا عني عبدا فإن لم يضفه إلى عبيده, ولا إلى جماعة سواهم فهو كالمعتق في الكفارة وإن قال: أعتقوا أحد عبيدي احتمل أن نقول بإخراجه بالقرعة كمسألتنا واحتمل أن يرجع فيه إلى اختيار الورثة وأصل الوجهين ما لو وصى لرجل بعبد من عبيده, هل يعطي أحدهم بالقرعة أو يرجع فيه إلى اختيار الورثة؟ وسيأتي الكلام عليها والفرق بين مسألتنا وبين هذه المسألة على هذا الوجه أنه جعل الأمر إلى الورثة, حيث أمرهم بالإعتاق فكانت الخيرة إليهم وفي مسألتنا لم يجعل لهم من الأمر شيئا فلا يكون لهم خيرة. ونقل صالح عن أبيه, في من له غلامان اسمهما واحد فقال: فلان حر بعد موتي وله مائتا درهم ولم يعينه يقرع بينهما, فيعتق من خرجت له القرعة وليس له من المائتين شيء ووجه ذلك ـ والله أعلم ـ أن الوصية بالمائتين وقعت لغير معين ولا تصح الوصية إلا لمعين وقال القاضي: يجب أن تصح هذه الوصية لأن مستحقها حر في حال استحقاقها ونقل عن أحمد, في من قال: أعتقوا رقبة عني فلا يعتق عنه إلا مسلم وذلك لأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ولما أمر الله تعالى بتحرير رقبة لم يتناول إلا المسلم فكذلك الآدمي. قال: [وإذا أوصى أن يشتري عبد زيد بخمسمائة, فيعتق فلم يبعه سيده فالخمسمائة للورثة وإن اشتروه بأقل, فما فضل فهو للورثة] أما إذا تعذر شراؤه إما لامتناع سيده من بيعه أو من بيعه بالخمسمائة, وإما لموته أو لعجز الثلث عن ثمنه فالثمن للورثة لأن الوصية بطلت لتعذر العمل بها, فأشبه ما لو وصى لرجل فمات قبل موت الموصي أو بعده ولم يدع وارثا ولا يلزمهم شراء عبد آخر لأن الوصية لمعين فلا تصرف إلى غيره وأما إن اشتروه بأقل, فالباقي للورثة وقال الثوري: يدفع جميع الثمن إلى سيد العبد لأنه قصد إرفاقه بالثمن ومحاباته به فأشبه ما لو قال: بيعوه عبدي بخمسمائة وقيمته أكثر منها, وكما لو أوصى أن يحج عنه فلان حجة بخمسمائة وقال إسحاق: يجعل بقية الثمن في العتق كما لو أوصى أن يحج عنه بخمسمائة رد ما فضل في الحج ولنا, أنه أمر بشرائه بخمسمائة فكان ما فضل من الثمن راجعا إليه كما لو وكل في شرائه في حياته, وفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه رجل بخمسمائة لأن القصد ثم إرفاق الذي يحج بالفضلة وفي مسألتنا المقصود العتق ويفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه بخمسمائة لغير معين لأن الوصية ثم للحج مطلقا فصرف جميعها فيه, وها هنا لمعين فلا تتعداه وقوله: إنه قصد إرفاق زيد بالثمن ومحاباته به فنقول: الصحيح أنه إن كانت ثم قرينة تدل على ذلك إما لكون البائع صديقا له, أو ذا حاجة أو من أهل الفضل الذين يقصدون بهذا أو عين هذا الثمن وهو يعلم حصول العبد بدونه لقلة قيمته, فإنه يدفع جميع الثمن إلى زيد كما لو صرح بذلك فقال: وادفعوا إليه جميعها, وإن بذله بدونها وإن انعدمت هذه القرائن فالظاهر أنه إنما قصد العتق وقد حصل, فكان الفاضل عائدا إليه كما لو أمره بالشراء في حياته.
فصل: وإن وصى أن يشتري عبد بألف فيعتق عنه, فلم يخرج من ثلثه اشترى عبد بما يخرج من الثلث وبه قال الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة: تبطل الوصية لأنه أمر بشراء عبد بألف, فلا يجوز للمأمور الشراء بدونه كالوكيل ولنا أنها وصية يجب تنفيذها إذا احتملها الثلث, فإذا لم يحتملها وجب تنفيذها فيما حمله كما لو وصى بعتق عبده فلم يحمله الثلث وفارق الوكالة, فإنه لو وكله في إعتاق عبد لم يملك إعتاق بعضه ولو أوصى بإعتاق عبد لأعتق منه ما يحتمله الثلث فأما إن حمله الثلث, فاشتراه وأعتقه ثم ظهر على الميت دين يستغرق المال فالوصية باطلة, ويرد العبد إلى الرق إن كان اشتراه بعين المال لأننا تبينا أن الشراء باطل بكونه اشترى بمال مستحق للغرماء بغير إذنهم وإن كان الشراء في الذمة صح الشراء, ونفذ العتق وعلى المشتري غرامة ثمنه ولا يرجع به على أحد لأن البائع ما غره إنما غره الموصي, ولا تركة له فيرجع عليها وهذا مذهب الشافعي ويحتمل أن يشارك الغرماء في التركة ويضرب معهم بقدر دينه لأن الدين لزمه بتغرير الموصي فيرجع به عليه, فإذا كان ميتا لزمه في تركته كأرش جنايته.
فصل: وإن وصى بشراء عبد وأطلق أو وصى ببيع عبده وأطلق, فالوصية باطلة لأن الوصية لا بد لها من مستحق ولا مستحق ها هنا وإن وصى ببيعه بشرط العتق, صحت الوصية وبيع كذلك لأن في البيع ها هنا نفعا للعبد بالعتق فإن لم يوجد من يشتريه كذلك بطلت الوصية لتعذرها, كما لو وصى بشراء عبد ليعتق فلم يبعه سيده وإن وصى ببيعه لرجل بعينه بثمن معلوم بيع به لأنه قد قصد إرفاقه بذلك في الغالب وإن لم يسم ثمنا, بيع بقيمته وتصح الوصية لكونه قصد إيصال العبد بعينه إلى رجل بعينه فيحتمل أن يتعلق الغرض بإرفاق العبد بإيصاله إلى من هو معروف بحسن الملكة, وإعتاق الرقاب ويحتمل أن يريد إرفاق المشتري لمعني يحصل له من العبد فإن تعذر بيعه لذلك الرجل أو أبى أن يشتريه بالثمن, أو بقيمته إن لم يعين الثمن بطلت الوصية لما ذكرنا.
|