الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ)، بِمَعْنَى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمُ الْحِلْفَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ. وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ)، بِمَعْنَى: وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ وَأَيْمَانُهُمُ الْحِلْفَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي ذَلِكَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قَرَأَةِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَفِي دَلَالَةِ قَوْلِهِ: “ أَيْمَانُكُمْ “ عَلَى أَنَّهَا أَيْمَانُ الْعَاقِدِينَ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِمُ الْحِلْفُ، مُسْتَغْنًى عَنِ الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ قَوْلِهِ: “ عَقَدَتْ “، “ عَاقَدَتْ “. وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ: “ عَاقَدَتْ “، قَالُوا: لَا يَكُونُ عَقْدُ الْحِلْفِ إِلَّا مِنْ فَرِيقَيْنِ، وَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ دَلَالَةٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ. وَأَغْفَلُوا مَوْضِعَ دَلَالَةِ قَوْلِهِ: “ أَيْمَانُكُمْ “، عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَيْمَانُكُمْ وَأَيْمَانُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لِلْأَيْمَانِ دُونَ الْعَاقِدِينَ الْحِلْفَ، حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ: “ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “، فَالْكَلَامُ مُحْتَاجٌ إِلَى ضَمِيرِ صِفَةٍ تَقِي الْكَلَامَ، حَتَّى يَكُونَ الْكَلَامُ مَعْنَاهُ: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ لَهُمْ أَيْمَانُكُمْ ذَهَابًا مِنْهُ عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، مِنْ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَعْنِيٌّ بِهَا أَيْمَانُ الْفَرِيقَيْنِ. وَأَمَّا “ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “، فَإِنَّهُ فِي تَأْوِيلِ: عَاقَدَتْ أَيْمَانُ هَؤُلَاءِ أَيْمَانَ هَؤُلَاءِ، الْحِلْفَ. فَهُمَا مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: “ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “ بِغَيْرِ “ أَلْفٍ “، أَصَحُّ مَعْنًى مِنْ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ: “ عَاقَدَتْ “، لِلَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلَالَةِ الْمُغْنِيَةِ فِي صِفَةِ الْأَيْمَانِ بِالْعَقْدِ، عَلَى أَنَّهَا أَيْمَانُ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِهِ. وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: “ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “، فَإِنَّهُ: وُصِلَتْ وَشُدَّتْ وَوُكِّدَتْ “ أَيْمَانُكُمْ “، يَعْنِي: مَوَاثِيقَكُمُ الَّتِي وَاثَقَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا “ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ “. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى “ النَّصِيبِ “ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ أَهْلَ الْحِلْفِ أَنْ يُؤْتِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ نَصِيبُهُ مِنَ الْمِيرَاثِ، لِأَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِذَلِكَ الْحِلْفِ، وَبِمِثْلِهِ فِي الْإِسْلَامِ، مِنَ الْمُوَارَثَةِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِمَا فَرَضَ مِنَ الْفَرَائِضِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْقَرَابَاتِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتَوْهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا “، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُحَالِفُ الرَّجُلَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ، فَيَرِثُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي “ الْأَنْفَالِ “ فَقَالَ: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 75]. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَرِثُهُ، وَعَاقَدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْلًى فَوَرِثَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتَوْهُمْ نَصِيبَهُمْ “، فَكَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ: أَيُّهُمَا مَاتَ وِرِثَهُ الْآخَرُ. فأنَـزَلَ اللَّهُ: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا) [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 6]، يَقُولُ: إِلَّا أَنْ يُوصُوا لِأَوْلِيَائِهِمُ الَّذِينَ عَاقَدُوا وَصِيَّةً، فَهُوَ لَهُمْ جَائِزٌ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ. وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتَوْهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا “، كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيَقُولُ: “ دَمِي دَمُكَ، وَهَدَمِي هَدَمُكَ، وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، وَتَطْلُبُ بِي وَأَطْلُبُ بِكَ “. فَجُعِلَ لَهُ السُّدُسُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ يَقْسِمُ أَهْلُ الْمِيرَاثِ مِيرَاثَهُمْ. فَنُسِخَ ذَلِكَ بَعْدُ فِي “ سُورَةِ الْأَنْفَالِ “ فَقَالَ اللَّهُ: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 6]. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: “ دَمِي دَمُكَ، وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، وَتَطْلُبُ بِي وَأَطْلُبُ بِكَ “. فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ بَقِيَ مِنْهُمْ نَاسٌ، فَأُمِرُوا أَنْ يُؤْتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ السُّدُسُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْمِيرَاثِ، فَقَالَ: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ). حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمُنْهَالِ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتَوْهُمْ نَصِيبَهُمْ “، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيَقُولُ: “ هَدْمِي هَدْمُكَ وَدَمِي دَمُكَ، وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، وَتَطْلُبُ بِي وَأَطْلُبُ بِكَ “، فَجُعِلَ لَهُ السُّدُسُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، ثُمَّ يَقْتَسِمُ أَهْلُ الْمِيرَاثِ مِيرَاثَهُمْ. فَنُسِخَ ذَلِكَ بَعْدُ فِي “ الْأَنْفَالِ “ فَقَالَ: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)، فَصَارَتِ الْمَوَارِيثُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: هَذَا حِلْفٌ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: “ تَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، وَتَنْصُرُنِي وَأَنْصُرُكَ، وَتَعْقِلُ عَنِّي وَأَعْقِلُ عَنْكَ “. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “، كَانَ الرَّجُلُ يَتْبَعُ الرَّجُلَ فَيُعَاقِدُهُ: “ إِنْ مِتُّ، فَلَكَ مِثْلُ مَا يَرِثُ بَعْضُ وَلَدِي “! وَهَذَا مَنْسُوخٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ وَلِكُلٍّ جَعْلِنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتَوْهُمْ نَصِيبَهُمْ “، فَإِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ كَانَ يَلْحَقُ بِهِ الرَّجُلُ فَيَكُونُ تَابِعَهُ، فَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ صَارَ لِأَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ الْمِيرَاثُ، وَبَقِيَ تَابِعُهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، فأنَـزَلَ اللَّهُ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتَوْهُمْ نَصِيبَهُمْ “، فَكَانَ يُعْطَى مِنْ مِيرَاثِهِ، فأَنْـزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ). وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ آخَى بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَرِثُ بَعْضًا بِتِلْكَ الْمُؤَاخَاةِ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْفَرَائِضِ، وَبِقَوْلِهِ: “ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ “.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتَوْهُمْ نَصِيبَهُمْ “، قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، يَرِثُ الْمُهَاجِرِيُّ الْأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمَهُ، لِلْأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ. فَلَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: “ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ “، نُسِخَتْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “، الَّذِينَ عَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ “، إِذَا لَمْ يَأْتِ رَحِمٌ تَحُولُ بَيْنَهُمْ. قَالَ: وَهُوَ لَا يَكُونُ الْيَوْمَ، إِنَّمَا كَانَ فِي نَفَرٍ آخَى بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْقَطَعَ ذَلِكَ. وَلَا يَكُونُ هَذَا لِأَحَدٍ إِلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالْيَوْمَ لَا يُؤَاخَى بَيْنَ أَحَدٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ الْعَقْدِ بِالْحِلْفِ، وَلَكِنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يُؤْتِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَنْصِبَاءَهُمْ مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، دُونَ الْمِيرَاثِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ الْأَوْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ “ مِنَ النَّصْرِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرِّفَادَةِ، وَيُوصِي لَهُمْ، وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “. قَالَ: كَانَ حِلْفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأُمِرُوا فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يُعْطُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْعَقْلِ وَالْمَشُورَةِ وَالنُّصْرَةِ، وَلَا مِيرَاثَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتَوْهُمْ نَصِيبَهُمْ “ مِنَ الْعَوْنِ وَالنَّصْرِ وَالْحِلْفِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “، قَالَ: كَانَ هَذَا حِلْفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ، أُمِرُوا أَنْ يُؤْتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالْوَلَاءِ وَالْمَشُورَةِ، وَلَا مِيرَاثَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: هُوَ الْحِلْفُ: “ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “. قَالَ: “ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ “، قَالَ: النَّصْرُ. حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ، ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: هُوَ الْحِلْفُ. قَالَ: “ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ “، قَالَ: الْعَقْلُ وَالنَّصْرُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “، قَالَ: لَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالرِّفَادَةِ وَالْعَقْلِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “، قَالَ: هُمُ الْحُلَفَاءُ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتَوْهُمْ نَصِيبَهُمْ “، أَمَّا “ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “، فَالْحِلْفُ، كَالرَّجُلِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَنْـزِلُ فِي الْقَوْمِ فَيُحَالِفُونَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ، يُوَاسُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا كَانَ لَهُمْ حَقٌّ أَوْ قِتَالٌ كَانَ مِثْلَهُمْ، وَإِذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ أَوْ نُصْرَةٌ خَذَلُوهُ. فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا عَنْهُ، وَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُشَدِّدَهُ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ لَمْ يَزِدِ الْإِسْلَامُ الْحُلَفَاءَ إِلَّا شِدَّةً “. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَنَّوْنَ أَبْنَاءَ غَيْرِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأُمِرُوا فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يُوصُوا لَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ وَصِيَّةً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ اللَّهَ قَالَ: “ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتَوْهُمْ نَصِيبَهُمْ “، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنَّمَا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَنَّوْنَ رِجَالًا غَيْرَ أَبْنَائِهِمْ وَيُوَرِّثُونَهُمْ، فأَنْـزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ، فَجُعِلَ لَهُمْ نَصِيبًا فِي الْوَصِيَّةِ، وَرَدَّ الْمِيرَاثَ إِلَى الْمَوَالِي فِي ذِي الرَّحِمِ وَالْعَصَبَةِ، وَأَبَى اللَّهُ لِلْمُدَّعَيْنَ مِيرَاثًا مِمَّنِ ادَّعَاهُمْ وَتَبَنَّاهُمْ، وَلَكُنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا فِي الْوَصِيَّةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: “ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “، قَوْلُ مَنْ قَالَ: “ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ عَلَى الْمُحَالَفَةِ، وَهُمُ الْحُلَفَاءُ “. وَذَلِكَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَيَّامِ الْعَرَبِ وَأَخْبَارِهَا، أَنَّ عَقْدَ الْحِلْفِ بَيْنَهَا كَانَ يَكُونُ بِالْأَيْمَانِ وَالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ، عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنَ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ. فَإِذْ كَانَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا وَصَفَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُهُمْ مَا عَقَدُوهُ بِهَا بَيْنَهُمْ، دُونَ مَنْ لَمْ تَعْقِدْ عَقْدًا بَيْنَهُمْ أَيْمَانُهُمْ وَكَانَتْ مُؤَاخَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَنْ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ التَّبَنِّي كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: “ هُوَ الْحِلْفُ “، دُونَ غَيْرِهِ، لِمَا وَصَفْنَاهُ مِنَ الْعِلَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ فَآتَوْهُمْ نَصِيبَهُمْ “، فَإِنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِهِ، مَا عَلَيْهِ الْجَمِيعُ مُجْمِعُونَ مِنْ حُكْمِهِ الثَّابِتِ، وَذَلِكَ إِيتَاءُ أَهْلِ الْحِلْفِ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ دُونَ الْإِسْلَامِ، بَعْضَهُمْ بَعْضًا أَنْصِبَاءَهُمْ مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرَّأْيِ، دُونَ الْمِيرَاثِ. وَذَلِكَ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً “. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً. وَمَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ، وَأَنَّى نَقَضْتُ الْحِلْفَ الَّذِي كَانَ فِي دَارِ النَّدْوَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ التَّوْأَمِ الضَّبِيِّ: أَنَّ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِلْفِ فَقَالَ: لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ تَمَسَّكُوا بِحِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ التَّوْأَمِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِلْفِ، قَالَ فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، وَلَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ، عَنْ جَدَّتِهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً “. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ وَحَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ وَحَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ بَكْرٍ الضَّبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ حُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: فُوا بِحِلْفٍ، فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا تُحْدِثُوا حِلْفًا فِي الْإِسْلَامِ “. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَعَبَدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مَطْعَمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَدَ الْأَعْلَى قَالَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ. وَأَنَا غُلَامٌ مَعَ عُمُومَتِي، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ زَادَ يَعْقُوبُ فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَالَ: وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ يُصِبِ الْإِسْلَامُ حِلْفًا إِلَّا زَادَهُ شِدَّةً. قَالَ: وَلَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ. قَالَ: وَقَدْ أَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ. حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، قَامَ خَطِيبًا فِي النَّاسِ فَقَالَ: “ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْهُ إِلَّا شَدَّةً، وَلَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ “. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مُخَلَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِذْ كَانَ مَا ذَكَرَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحًا وَكَانَتِ الْآيَةُ إِذَا اخْتُلِفَ فِي حُكْمِهَا مَنْسُوخٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، غَيْرُ جَائِزٍ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ- مَعَ اخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَلِوُجُوبِ حُكْمِهَا وَنَفْيِ النُّسَخِ عَنْهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ- إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، لِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا الدَّلَالَةَ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: “ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ “، هُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: “ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ “ مِنَ الْحِلْفِ، وَقَوْلُهُ: “ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ “ مِنَ النُّصْرَةِ وَالْمَعُونَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرَّأْيِ، عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ دُونَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: “ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَآتَوْهُمْ نَصِيبَهُمْ، مِنَ الْمِيرَاثِ “، وَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ حُكْمًا ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: “ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ “، وَدُونَ مَا سِوَى الْقَوْلِ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. وَإِذْ صَحَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مُحْكَمَةً لَا مَنْسُوخَةً.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَآتُوا الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرَّأْيِ، فَإِنَّ اللَّهَ شَاهِدٌ عَلَى مَا تَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَفْعَالِكُمْ، مُرَاعٍ لِكُلِّ ذَلِكَ، حَافِظٌ، حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ جَزَاءَهُ، أَمَّا الْمُحْسِنُ مِنْكُمُ الْمُتَّبِعُ أَمْرِي وَطَاعَتِي فَبِالْحُسْنَى، وَأَمَّا الْمُسِيءُ مِنْكُمُ الْمُخَالِفُ أَمْرِي وَنَهْيِي فَبِالسُّوأَى. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: “ شَهِيدًا “، ذُو شَهَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: “ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ “، الرِّجَالُ أَهْلَُ قِيَامٍ عَلَى نِسَائِهِمْ، فِي تَأْدِيبِهِنَّ وَالْأَخْذِ عَلَى أَيْدِيهِنَّ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ لِلَّهِ وَلِأَنْفُسِهِمْ “ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ “، يَعْنِي: بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ الرِّجَالَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ: مِنْ سَوْقِهِمْ إِلَيْهِنَّ مُهُورَهُنَّ، وَإِنْفَاقِهِمْ عَلَيْهِنَّ أَمْوَالَهُمْ، وَكِفَايَتِهِمْ إِيَّاهُنَّ مُؤَنَهُنَّ. وَذَلِكَ تَفْضِيلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِيَّاهُمْ عَلَيْهِنَّ، وَلِذَلِكَ صَارُوا قِوَّامًا عَلَيْهِنَّ، نَافِذَيِ الْأَمْرِ عَلَيْهِنَّ فِيمَا جَعَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِهِنَّ. وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ “، يَعْنِي: أُمَرَاءً، عَلَيْهَا أَنْ تُطِيعَهُ فِيمَا أَمَرَهَا اللَّهُ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَطَاعَتُهُ: أَنْ تَكُونَ مُحْسِنَةً إِلَى أَهْلِهِ، حَافِظَةً لِمَالِهِ. وَفَضَّلَهُ عَلَيْهَا بِنَفَقَتِهِ وَسَعْيِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: “ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ “، يَقُولُ: الرَّجُلُ قَائِمٌ عَلَى الْمَرْأَةِ، يَأْمُرُهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، فَإِنْ أَبَتْ فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُ عَلَيْهَا الْفَضْلُ بِنَفَقَتِهِ وَسَعْيِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ “، قَالَ: يَأْخُذُونَ عَلَى أَيْدِيهِنَّ وَيُؤَدِّبُونَهُنَّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: “ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ “، قَالَ: بِتَفْضِيلِ اللَّهِ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَـزَلَتْ فِي رَجُلٍ لَطَمَ امْرَأَتَهُ، فَخُوصِمَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فَقَضَى لَهَا بِالْقِصَاصِ. ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ: أَنَّ رَجُلًا لَطَمَ امْرَأَتَهُ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَادَ أَنْ يُقِصَّهَا مِنْهُ، فأنَـزَلَ اللَّهُ: “ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ “، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَاهَا عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَرَدْتُ أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ غَيْرَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: “ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ “، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا لَطَمَ امْرَأَتَهُ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: “ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ “، قَالَ: صَكَّ رِجْلٌ امْرَأَتَهُ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَادَ أَنْ يُقِيدَهَا مِنْهُ، فأنَـزَلَ اللَّهُ: “ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ “. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ لَطَمَ امْرَأَتَهُ، فَجَاءَتْ تَلْتَمِسُ الْقِصَاصَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا الْقِصَاصَ، فَنَزَلَتْ: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [سُورَةُ طَهَ: 114]، وَنَـزَلَتْ: “ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ “. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: لَطَمَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِصَاصَ. فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ، نَـزَلَتِ الْآيَةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا “ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ “، فَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ كَلَامٌ فَلَطْمهَا، فَانْطَلَقَ أَهْلُهَا، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُمْ: “ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ “ الْآيَةَ. وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ: لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ قِصَاصٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا شَجَّ امْرَأَتَهُ أَوْ جَرَحَهَا، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَوَدٌ، وَكَانَ عَلَيْهِ الْعَقْلُ، إِلَّا أَنْ يَعْدُوَ عَلَيْهَا فَيَقْتُلَهَا، فَيُقْتَلَ بِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ “، فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَبِمَا سَاقُوا إِلَيْهِنَّ مِنْ صَدَاقٍ، وَأَنْفَقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ نَفَقَةٍ، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَضَّلَهُ عَلَيْهَا بِنَفَقَتِهِ وَسَعْيِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: “ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ “، بِمَا سَاقُوا مِنَ الْمَهْرِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إذًا: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى نِسَائِهِمْ، بِتَفْضِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِنَّ، وَبِإِنْفَاقِهِمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَ “ مَا “ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: “ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ “، وَالَّتِي فِي قَوْلِهِ: “ وَبِمَا أَنْفَقُوا “، فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: “ فَالصَّالِحَاتُ “، الْمُسْتَقِيمَاتُ الدِّينِ، الْعَامِلَاتُ بِالْخَيْرِ، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: “ فَالصَّالِحَاتُ “، يَعْمَلْنَ بِالْخَيْرِ. وَقَوْلُهُ: “ قَانِتَاتٌ “، يَعْنِي: مُطِيعَاتٍ لِلَّهِ وَلِأَزْوَاجِهِنَّ، كَمَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ قَانِتَاتٌ “، قَالَ: مُطِيعَاتٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ قَانِتَاتٌ “، قَالَ: مُطِيعَاتٌ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ قَانِتَاتٌ “، مُطِيعَاتٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: “ قَانِتَاتٌ “، أَيْ: مُطِيعَاتٌ لِلَّهِ وَلِأَزْوَاجِهِنَّ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: “ مُطِيعَاتٌ “. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ الْقَانِتَاتُ “، الْمُطِيعَاتُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: “ قَانِتَاتٌ “، قَالَ: مُطِيعَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى “ الْقُنُوتِ “ فِيمَا مَضَى، وَأَنَّهُ الطَّاعَةُ، وَدَلَّلْنَا عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مِنَ الشَّوَاهِدِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ “، فَإِنَّهُ يَعْنِي: حَافِظَاتٍ لِأَنْفُسِهِنَّ عِنْدَ غَيْبَةِ أَزْوَاجِهِنَّ عَنْهُنَّ، فِي فُرُوجِهِنَّ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلِلْوَاجِبِ عَلَيْهِنَّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: “ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ “، يَقُولُ: حَافِظَاتٌ لِمَا اسْتَوْدَعَهُنَّ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ، وَحَافِظَاتٌ لِغَيْبِ أَزْوَاجِهِنَّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ “، يَقُولُ: تَحَفَظُ عَلَى زَوْجِهَا مَالَهُ وَفَرْجِهَا حَتَّى يَرْجِعَ، كَمَا أَمَرَهَا اللَّهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ مَا قَوْلُهُ: “ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ “، قَالَ: حَافِظَاتٌ لِلزَّوْجِ. حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ “ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ “، قَالَ: حَافِظَاتٌ لِلْأَزْوَاجِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: “ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ “، حَافِظَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ، لِمَا غَابَ مِنْ شَأْنِهِنَّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِكَ. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ “ الْآيَةَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: صَالِحَاتٌ فِي أَدْيَانِهِنَّ، مُطِيعَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ، حَافِظَاتٌ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِنَّ وَأَمْوَالِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ “، فَإِنَّ الْقَرَأَةَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الْقَرَأَةِ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ: (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)، بِرَفْعِ اسْمِ “ اللَّهِ “، عَلَى مَعْنَى: بِحِفْظِ اللَّهِ إِيَّاهُنَّ إِذْ صَيَّرَهُنَّ كَذَلِكَ، كَمَا:- حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَوْلِهِ: “ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ “، قَالَ يَقُولُ: حَفِظَهُنَّ اللَّهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: “ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ “، قَالَ: بِحِفْظِ اللَّهِ إِيَّاهَا، أَنَّهُ جَعَلَهَا كَذَلِكَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ الْمَدَنِيُّ (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) يَعْنِي: بِحِفْظِهِنَّ اللَّهَ فِي طَاعَتِهِ وَأَدَاءِ حَقِّهِ بِمَا أَمَرَهُنَّ مِنْ حِفْظِ غَيْبِ أَزْوَاجِهِنَّ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: “ مَا حَفِظْتَ اللَّهَ فِي كَذَا وَكَذَا “، بِمَعْنَى: مَا رَاقَبْتَهُ وَلَا خِفْتَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَتْ بِهِ قَرَأَةُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَجِيئًا يَقْطَعُ عُذْرَ مَنْ بَلَغَهُ وَيُثَبِّتُ عَلْيهُ حُجَّتَهُ، دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ فَشَذَّ عَنْهُمْ. وَتِلْكَ الْقِرَاءَةُ تَرْفَعُ اسْمَ “ اللَّهِ “ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)، مَعَ صِحَّةِ ذَلِكَ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ، وَقُبْحِ نَصْبِهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، لِخُرُوجِهِ عَنِ الْمَعْرُوفِ مِنْ مَنْطِقِ الْعَرَبِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَحْذِفُ الْفَاعِلَ مَعَ الْمَصَادِرِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْفَاعِلَ إِذَا حُذِفَ مَعَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْفِعْلِ صَاحِبٌ مَعْرُوفٌ. وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ، وَمَعْنَاهُ: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ، فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ وَأَصْلِحُوا. وَكَذَلِكَ هُوَ فِيمَا ذَكَرَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى الْأَعْمَى، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ فَأَصْلَحُوا إِلَيْهِنَّ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)، فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ “، فَأَصْلِحُوا إِلَيْهِنَّ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ “، يَعْنِي: إِذَا كُنَّ هَكَذَا، فَأَصْلِحُوا إِلَيْهِنَّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: “ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ “. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَاللَّاتِي تَعْلَمُونَ نُشُوزَهُنَّ. وَوَجْهُ صَرْفِ “ الْخَوْفِ “، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، إِلَى “ الْعِلْمِ “، فِي قَوْلِ هَؤُلَاءِ، نَظِيرُ صَرْفِ “ الظَّنِّ “ إِلَى “ الْعِلْمِ “، لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا، إِذْ كَانَ “ الظَّنُّ “، شَكًّا، وَكَانَ “ الْخَوْفُ “ مَقْرُونًا بِرَجَاءٍ، وَكَانَا جَمِيعًا مِنْ فِعْلِ الْمَرْءِ بِقَلْبِهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَلَا تَـدْفِنَنِي فِـي الْفَـلَاةِ فَـإِنَّنِي *** أَخَـافُ إِذَا مَـا مِـتُّ أَنْ لَا أَذُوقَهَـا مَعْنَاهُ: فَإِنَّنِي أَعْلَمُ، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ: أَتَـانِي كَـلَامٌ عَـنْ نُصَيْـبٍ يَقُوُلُـهُ *** وَمَـا خِـفْتُ، يَـا سَـلَّامُ أَنَّـكَ عَائِبِي بِمَعْنَى: وَمَا ظَنَنْتُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: مَعْنَى “ الْخَوْفِ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْخَوْفُ الَّذِي هُوَ خِلَافَ “ الرَّجَاءِ “. قَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ مَا تَخَافُونَ أَنْ يَنْشُزْنَ عَلَيْكُمْ، مِنْ نَظَرٍ إِلَى مَا لَا يَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ يَنْظُرْنَ إِلَيْهِ، وَيَدْخُلْنَ وَيَخْرُجْنَ، وَاسْتَرَبْتُمْ بِأَمْرِهِنَّ، فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ نُشُوزَهُنَّ “، فَإِنَّهُ يَعْنِي: اسْتِعْلَاءَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، وَارْتِفَاعَهُنَّ عَنْ فُرُشِهِمْ بِالْمَعْصِيَةِ مِنْهُنَّ، وَالْخِلَافَ عَلَيْهِمْ فِيمَا لَزِمَهُنَّ طَاعَتُهُمْ فِيهِ، بُغْضًا مِنْهُنَّ وَإِعْرَاضًا عَنْهُمْ. وَأَصْلُ “ النُّشُوزِ “ الِارْتِفَاعُ. وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ مِنَ الْأَرْضِ: “ نَشْزَ “ وَ“ نَشَازٌ “. “ فَعِظُوهُنَّ “، يَقُولُ: ذَكِّرُوهُنَّ اللَّهَ، وَخَوِّفُوهُنَّ وَعِيدَهُ، فِي رُكُوبِهَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهَا مِنْ مَعْصِيَةِ زَوْجِهَا فِيمَا أَوْجَبَ عَلَيْهَا طَاعَتَهُ فِيهِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: “ النُّشُوزُ “، الْبُغْضُ وَمَعْصِيَةُ الزَّوْجِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ “، قَالَ: بَغَضَهُنَّ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: “ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ “، قَالَ: الَّتِي تَخَافُ مَعْصِيَتَهَا. قَالَ: “ النُّشُوزُ “، مَعْصِيَتُهُ وَخِلَافُهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ “، تِلْكَ الْمَرْأَةُ تَنْشُزُ، وَتَسْتَخِفُّ بِحَقِّ زَوْجِهَا وَلَا تُطِيعُ أَمْرَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ عَطَاءٌ: “ النُّشُوزُ “، أَنْ تُحِبَ فِرَاقَهُ، وَالرَّجُلُ كَذَلِكَ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: “ فَعِظُوهُنَّ “. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ فَعِظُوهُنَّ “، يَعْنِي: عِظُوهُنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: أَمَرَهُ اللَّهُ إِذَا نَشَزَتْ أَنْ يَعِظَهَا وَيُذَكِّرَهَا اللَّهَ، وَيُعَظِّمَ حَقَّهُ عَلَيْهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ “، قَالَ: إِذَا نَشَزَتِ الْمَرْأَةُ عَنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا يَقُولُ لَهَا: “ اتَّقِي اللَّهَ وَارْجِعِي إِلَى فِرَاشِكِ “! فَإِنْ أَطَاعَتْهُ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِذَانَشَزَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَافَلْيَعِظْهَا بِلِسَانِهِ. يَقُولُ: يَأْمُرُهَا بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: إِذَا رَأَى الرَّجُلُ خِفَّةً فِي بَصَرِهَا وَمَدْخَلِهَا وَمَخْرَجِهَا قَالَ: يَقُولُ لَهَا بِلِسَانِهِ: قَدْ رَأَيْتُ مِنْكِ كَذَا وَكَذَا فَانْتَهِي. فَإِنْ أَعْتَبَتْ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا. وَإِنْ أَبَتْ هَجَرَ مَضْجَعَهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: فَعِظُوهُنَّ قَالَ: إِذَا نَشَزَتِ الْمَرْأَةُ عَنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ يَقُولُ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ وَارْجِعِي. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ: فَعِظُوهُنَّ قَالَ: بِالْكَلَامِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ: فَعِظُوهُنَّ قَالَ: بِالْأَلْسِنَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: فَعِظُوهُنَّ قَالَ: عِظُوهُنَّ بِاللِّسَانِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَعِظُوهُنَّ فِي نُشُوزِهِنَّ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ، فَإِنْ أَبَيْنَ مُرَاجَعَةَ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ وَالْوَاجِبَ عَلَيْهِنَّ لَكُمْ، فَاهْجُرُوهُنَّ بِتَرْكِ جِمَاعِهِنَّ فِي مُضَاجَعَتِكُمْ إِيَّاهُنَّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} يَعْنِي: عِظُوهُنَّ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ، وَإِلَّا فَاهْجُرُوهُنَّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} يَعْنِي بِالْهُجْرَانِ: أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ لَا يُجَامِعُهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: الْهَجْرُ هَجْرُ الْجِمَاعِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا {تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} فَإِنَّعَلَى زَوْجِهَا أَنْ يَعِظَهَا، الزَّوْجَةُ النَّاشِزُ فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ فَلْيَهْجُرْهَا فِي الْمَضْجَعِ. يَقُولُ: يَرْقُدُ عِنْدَهَا وَيُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ وَيَطَؤُهَا وَلَا يُكَلِّمُهَا هَكَذَا فِي كِتَابِي: وَيَطَؤُهَا وَلَا يُكَلِّمُهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قَالَ: يُضَاجِعُهَا، وَيَهْجُرُ كَلَامَهَا، وَيُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قَالَ: لَا يُجَامِعُهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَاهْجُرُوا كَلَامَهُنَّ فِي تَرْكِهِنَّ مُضَاجَعَتَكُمْ، حَتَّى يَرْجِعْنَ إِلَى مُضَاجَعَتِكُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ قَالَا:: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}: أَنَّهَا لَا تُتْرَكُ فِي الْكَلَامِ، وَلَكِنَّ الْهُجْرَانَ فِي أَمْرِ الْمَضْجَعِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}: يَقُولُ: حَتَّى يَأْتِينَ مَضَاجِعَكُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}: فِي الْجِمَاعِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قَالَ: يَعِظُهَا فَإِنْ هِيَ قَبِلَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ، وَلَا يُكَلِّمُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذَرَ نِكَاحَهَا، وَذَلِكَ عَلَيْهَا شَدِيدٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}: الْكَلَامَ وَالْحَدِيثَ. [وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ فِي فُرُشِهِنَّ، حَتَّى يَرْجِعْنَ إِلَى مَا تُحِبُّونَ].
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ زُرَيْقٍ الطَّهَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قَالَ: لَا تُضَاجِعُوهُنَّ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الْهُجْرَانُ أَنْ لَا يُضَاجِعَهَا. وَبِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَامِرٍ وَإِبْرَاهِيمَ قَالَا:: الْهُجْرَانُ فِي الْمَضْجَعِ، أَنْ لَا يُضَاجِعَهَا عَلَى فِرَاشٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْلِهِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قَالَا: يَهْجُرُ مُضَاجَعَتَهَا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى مَا يُحِبُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قَالَا: يَهْجُرُهَا فِي الْمَضْجَعِ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مِقْسَمٍ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قَالَ: هَجْرُهَا فِي مَضْجَعِهَا: أَنْ لَا يَقْرَبَ فِرَاشَهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قَالَ: يَعِظُهَا بِلِسَانِهِ، فَإِنْ أَعَتَبَتْ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَبَتْ هَجَرَ مَضْجَعَهَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ} قَالَا: إِذَا خَافَ نُشُوزَهَا وَعَظَهَا. فَإِنْ قَبِلَتْ، وَإِلَّا هَجَرَ مَضْجَعَهَا. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قَالَ: تَبْدَأُ يَا ابْنَ آدَمَ، فَتَعِظُهَا، فَإِنْ أَبَتْ عَلَيْكَ فَاهْجُرْهَا. يَعْنِي بِهِ: فِرَاشَهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}: قُولُوا لَهُنَّ مِنَ الْقَوْلِ هَجْرًا فِي تَرْكِهِنَّ مُضَاجَعَتَكُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قَالَ: يَهْجُرُهَا بِلِسَانِهِ، وَيُغْلِظُ لَهَا بِالْقَوْلِ، وَلَا يَدَعُ جِمَاعَهَا. وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: إِنَّمَا الْهُجْرَانُ بِالْمَنْطِقِ: أَنْ يُغْلِظَ لَهَا، وَلَيْسَ بِالْجِمَاعِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى فِي قَوْلِهِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قَالَ: يَهْجُرُ بِالْقَوْلِ، وَلَا يَهْجُرُ مُضَاجَعَتَهَا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى مَا يُرِيدُ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَا يَهْجُرُهَا إِلَّا فِي الْمَبِيتِ فِي الْمَضْجَعِ. لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْجُرَ فِي كَلَامٍ وَلَا شَيْءٍ إِلَّا فِي الْفِرَاشِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْلَى، عَنْ سُفْيَانَ فِي قَوْلِهِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قَالَ: فِي مُجَامَعَتِهَا، وَلَكِنْ يَقُولُ لَهَا: تَعَالِي وَافْعَلِي. كَلَامًا فِيهِ غِلْظَةٌ. فَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فَلَا يُكَلِّفُهَا أَنْ تُحِبَّهُ، فَإِنَّ قَلْبَهَا لَيْسَ فِي يَدَيْهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَا مَعْنَى لِ "الْهَجْر" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا عَلَى أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: هَجْرُ الرَّجُلِ كَلَامَ الرَّجُلِ وَحَدِيثَهُ، وَذَلِكَ رَفْضُهُ وَتَرْكُهُ. يُقَالُ مِنْهُ: هَجَرَ فُلَانٌ أَهْلَهُ يَهْجُرُهَا هَجْرًا وَهُجْرَانًا. وَالْآخَرُ: الْإِكْثَارُ مِنَ الْكَلَامِ بِتَرْدِيدٍ كَهَيْئَةِ كَلَامِ الْهَازِئِ، يُقَالُ مِنْهُ: هَجَرَ فُلَانٌ فِي كَلَامِهِ يَهْجُرُ هَجْرًا إِذَا هَذِئَ وَمَدَّدَ الْكَلِمَةَ، وَمَا زَالَتْ تِلْكَ هِجِّيرَاهُ، وَإِهْجِيرَاهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ: رَمَـى فَأَخْطَـأَ وَالْأَقْـدَارُ غَالِبَـةٌ *** فَـانْصَعْنَ وَالْـوَيْلُ هِجِّـيرَاهُ وَالْحَرَبُ وَالثَّالِثُ: هَجْرُ الْبَعِيرِ، إِذَا رَبَطَهُ صَاحِبُهُ بـِ " الْهِجَارِ، وَهُوَ حَبْلٌ يُرْبَطُ فِي حَقْوَيْهَا وَرُسْغِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: رَأَتْ هَلَكًـا بِنِجَـافِ الْغَبِيـطِ *** فَكَـادَتْ تَجِـدُّ لِـذَاكَ الْهِجَـارَا فَأُمًّا الْقَوْلُ الَّذِي فِيهِ الْغِلْظَةُ وَالْأَذَى فَإِنَّمَا هُوَ: الْإِهْجَارُ. وَيُقَالُ مِنْهُ: أَهْجَرَ فُلَانٌ فِي مَنْطِقِهِ إِذَا قَالَ الْهُجْرَ، وَهُوَ الْفُحْشُ مِنَ الْكَلَامِ، يُهْجِرُ إِهْجَارًا وَهُجْرًا. فَإِذْ كَانَ لَا وَجْهَ لـِ "الْهَجْر" فِي الْكَلَامِ إِلَّا أَحَدُ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ الْمُخَوَّفُ نُشُوزُهَا، إِنَّمَا أُمِرَ زَوْجُهَا بِوَعْظِهَا لِتُنِيبَ إِلَى طَاعَتِهِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ مِنْ مُوَافَاتِهِ عِنْدَ دُعَائِهِ إِيَّاهَا إِلَى فِرَاشِهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ عِظَتُهُ لِذَلِكَ حَتَّى تَفِيءَ الْمَرْأَةُ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَطَاعَةِ زَوْجِهَا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ الزَّوْجُ مَأْمُورًا بِهَجْرِهَا فِي الْأَمْرِ الَّذِي كَانَتْ عِظَتُهُ إِيَّاهَا عَلَيْهِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} وَاهْجُرُوا جِمَاعَهُنَّ. أَوْ يَكُونُ- إِذْ بَطَلَ هَذَا الْمَعْنَى- بِمَعْنَى وَاهْجُرُوا كَلَامَهُنَّ بِسَبَبِ هَجْرِهِنَّ مَضَاجِعَكُمْ. وَذَلِكَ أَيْضًا لَا وَجْهَ لَهُ مَفْهُومٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ- تَعَالَى ذِكْرُهُ- قَدْ أَخْبَرَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّهُ «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاث». عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ حَلَالًا لَمْ يَكُنْ لِهَجْرِهَا فِي الْكَلَامِ مَعْنًى مَفْهُومٌ؛ لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ عَنْهُ مُنْصَرِفَةً وَعَلَيْهِ نَاشِزًا، فَمِنْ سُرُورِهَا أَنْ لَا يُكَلِّمَهَا وَلَا يَرَاهَا وَلَا تَرَاهُ، فَكَيْفَ يُؤْمَرُ الرَّجُلُ فِي حَالِ بُغْضِ امْرَأَتِهِ إِيَّاهُ، وَانْصِرَافِهَا عَنْهُ بِتَرْكِ مَا فِي تَرْكِهِ سُرُورُهَا مِنْ تَرْكِ جِمَاعِهَا وَمُحَادَثَتِهَا وَتَكْلِيمِهَا؟ وَهُوَ يُؤْمَرُ بِضَرْبِهَا لِتَرْتَدِعَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ طَاعَتِهِ، إِذَا دَعَاهَا إِلَى فِرَاشِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُهَا طَاعَتُهُ فِيهِ. أَوْ يَكُونُ- إِذْ فَسَدَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ- يَكُونُ مَعْنَاهُ وَاهْجُرُوا فِي قَوْلِكُمْ لَهُنَّ بِمَعْنَى: رَدِّدُوا عَلَيْهِنَّ كَلَامَكُمْ إِذَا كَلَّمْتُمُوهُنَّ بِالتَّغْلِيظِ لَهُنَّ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ فَلَا وَجْهَ لِإِعْمَالِ الْهَجْرِ فِي كِنَايَةِ أَسْمَاءِ النِّسَاءِ النَّاشِزَاتِ أَعْنِي فِي "الْهَاءِ وَالنُّون" مِنْ قَوْلِهِ: وَاهْجُرُوهُنَّ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَانَ الْفِعْلُ غَيْرَ وَاقِعٍ. إِنَّمَا يُقَالُ: هَجَرَ فُلَانٌ فِي كَلَامِهِ، وَلَا يُقَالُ: هَجَرَ فُلَانٌ فُلَانًا. فَإِذْ كَانَ فِي كُلِّ هَذِهِ الْمَعَانِي مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْخَلَلِ اللَّاحِقِ، فَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَاهْجُرُوهُنَّ مُوَجَّهًا مَعْنَاهُ إِلَى مَعْنَى الرَّبْطِ بِالْهِجَارِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قِيلِ الْعَرَبِ لِلْبَعِيرِ إِذَا رَبَطَهُ صَاحِبُهُ بِحَبْلٍ عَلَى مَا وَصَفْنَا: هَجَرَهُ فَهُوَ يَهْجُرُهُ هَجْرًا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ كَانَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ فِي نُشُوزِهِنَّ عَلَيْكُمْ. فَإِنْ اتَّعَظْنَ فَلَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ، وَإِنْ أَبَيْنِ الْأَوْبَةَ مِنْ نُشُوزِهِنَّ فَاسْتَوْثِقُوا مِنْهُنَّ رِبَاطًا فِي مَضَاجِعِهِنَّ يَعْنِي: فِي مَنَازِلِهِنَّ وَبُيُوتِهِنَّ الَّتِي يَضْطَجِعْنَ فِيهَا وَيُضَاجِعْنَ فِيهَا أَزْوَاجَهُنَّ كَمَا:- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ شِبْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَزْعَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، «عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: " يُطْعِمُهَا، وَيَكْسُوهَا، وَلَا يَضْرِبُ الْوَجْهَ، وَلَا يُقَبِّحُ، وَلَا يَهْجُرُ إِلَّا فِي الْبَيْت». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي قَزْعَةَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: «أَخْبَرَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: نِسَاؤُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرَ؟ قَالَ: " حَرْثُكَ، فَأْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ، غَيْرَ أَنْ لَا تَضْرِبَ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحَ، وَلَا تَهْجُرَ إِلَّا فِي الْبَيْتِ، وَأَطْعِمْ إِذَا طَعِمْتَ، وَاكْسُ إِذَا اكْتَسَيْتَ، كَيْفَ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَّا بَعْضٍ؟ إِلَّا بِمَا حَلَّ عَلَيْهَا». وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِذَا نَشَزَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَافَلْيَعِظْهَا بِلِسَانِهِ، فَإِنْ قَبِلَتْ فَذَاكَ، وَإِلَّا ضَرَبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. فَإِنْ رَجَعَتْ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَقَدَ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا وَيُخَلِّيَهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} قَالَ: يَفْعَلُ بِهَا ذَاكَ، وَيَضْرِبُهَا حَتَّى تُطِيعَهُ فِي الْمَضَاجِعِ، فَإِذَا أَطَاعَتْهُ فِي الْمَضْجَعِ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ إِذَا ضَاجَعَتْهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} " ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اضْرِبُوهُنَّ إِذَا عَصَيْنَكُمْ فِي الْمَعْرُوفِ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّح». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكُلُّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ لَمْ يُوجِبُوا لِلْهَجْرِ مَعْنًى غَيْرَ الضَّرْبِ. وَلَمْ يُوجِبُوا هَجْرًا إِذَا كَانَ هَيْئَةً مِنَ الْهَيْئَاتِ الَّتِي تَكُونُ بِهَا الْمَضْرُوبَةُ عِنْدَ الضَّرْبِ، مَعَ دَلَالَةِ الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ أَمَرَ بِضَرْبِهِنَّ إِذَا عَصَيْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ، مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ مِنْهُ أَزْوَاجَهُنَّ بِهَجْرِهِنَّ لِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْعِلَّةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ الْخَبَرِ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي رَوَاهُ عِكْرِمَةُ لَيْسَ كَمَا قُلْنَا، وَصَحَّ أَنَّ تَرْكَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْرَ الرَّجُلِ بِهَجْرِ زَوْجَتِهِ إِذَا عَصَتْهُ فِي الْمَعْرُوفِ، وَأَمَرَهُ بِضَرْبِهَا قَبْلَ الْهَجْرِ لَوْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى "الْهَجْر" هُوَ مَا بَيَّنَاهُ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَا مَعْنَى لِأَمْرِ اللَّهِ زَوْجَهَا أَنْ يَعِظَهَا إِذَا هِيَ نَشَزَتْ، إِذْ كَانَ لَا ذِكْرَ لِلْعِظَةِ فِي خَبَرِ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ. وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا عَصَيْنَكُمْ فِي الْمَعْرُوف" دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ لِلرَّجُلِ ضَرْبَ زَوْجَتِهِ إِلَّا بَعْدَ عِظَتِهَا مِنْ نُشُوزِهَا. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَكُونُ لَهُ عَاصِيَةً إِلَّا وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ لَهَا أَمْرٌ أَوْ عِظَةٌ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاضْرِبُوهُنَّ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-: فَعِظُوهُنَّ، أَيُّهَا الرِّجَالُ فِي نُشُوزِهِنَّ، فَإِنْ أَبَيْنَ الْإِيَابَ إِلَى مَا يَلْزَمُهُنَّ لَكُمْ، فَشُدُّوهُنَّ وَثَاقًا فِي مَنَازِلِهِنَّ، وَاضْرِبُوهُنَّ لِيَؤُبْنَ إِلَى الْوَاجِبِ عَلَيْهِنَّ مِنْ طَاعَهِ اللَّهِ فِي اللَّازِمِ لَهُنَّ مِنْ حُقُوقِكُمْ. وَقَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: صِفَةُ الضَّرْبِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ لِزَوْجِ النَّاشِزِ أَنْ يَضْرِبَهَا: الضَّرْبُ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: وَاضْرِبُوهُنَّ " قَالَ: ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الضَّرْبُ غَيْرُ مُبَرِّحٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَاضْرِبُوهُنَّ " قَالَ: ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} قَالَ: تَهْجُرُهَا فِي الْمَضْجَعِ، فَإِنْ أَقْبَلَتْ وَإِلَّا فَقَدَ أَذِنَ اللَّهُ لَكَ أَنْ تَضْرِبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَا تَكْسَرَ لَهَا عَظْمًا. فَإِنْ أَقْبَلَتْ، وَإِلَّا فَقَدَ حَلَّ لَكَ مِنْهَا الْفِدْيَةَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَاضْرِبُوهُنَّ " قَالَ: ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: وَاضْرِبُوهُنَّ؟ قَالَ: ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} قَالَ: تَهْجُرُهَا فِي الْمَضْجَعِ. فَإِنْ أَبَتْ عَلَيْكَ، فَاضْرِبْهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ أَيْ: غَيْرُ شَائِنٍ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا الضَّرْبُ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ؟ قَالَ: السِّوَاكُ وَشِبْهُهُ يَضْرِبُهَا بِهِ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا الضَّرْبُ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ؟ قَالَ: بِالسِّوَاكِ وَنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خُطْبَتِهِ: «ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّح» ". قَالَ: السِّوَاكُ وَنَحْوُهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا تَهْجُرُوا النِّسَاءَ إِلَّا فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّح» يَقُولُ: غَيْرُ مُؤَثِّرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ: وَاضْرِبُوهُنَّ قَالَ: ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: وَاضْرِبُوهُنَّ قَالَ: إِنْ أَقْبَلَتْ فِي الْهُجْرَانِ، وَإِلَّا ضَرَبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: تَهْجُرُ مَضْجَعَهَا مَا رَأَيْتَ أَنْ تَنْزِعَ. فَإِنْ لَمْ تَنْزِعْ ضَرَبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ: وَاضْرِبُوهُنَّ قَالَ: ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ: غَيْرُ مُؤَثِّرٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-: فَإِنْ أَطْعَنْكُمْ- أَيُّهَا النَّاسُ- نِسَاؤُكُمُ اللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ عِنْدَ وَعْظِكُمْ إِيَّاهُنَّ فَلَا تَهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ. فَإِنْ لَمْ يُطِعْنَكُمْ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ. فَإِنْ رَاجَعْنَ طَاعَتَكُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَفِئْنَ إِلَى الْوَاجِبِ عَلَيْهِنَّ فَلَا تَطْلُبُوا طَرِيقًا إِلَى أَذَاهُنَّ وَمَكْرُوهِهِنَّ، وَلَا تَلْتَمِسُوا سَبِيلًا إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ مِنْ أَبْدَانِهِنَّ وَأَمْوَالِهِنَّ بِالْعِلَلِ. وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُكُمْ لِإِحْدَاهُنَّ وَهِيَ لَهُ مُطِيعَةٌ: إِنَّكِ لَسْتِ تُحِبِّينِي، وَأَنْتِ لِي مُبْغِضَةٌ. فَيَضْرِبُهَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ يُؤْذِيهَا. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلرِّجَالِ: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} أَيْ: عَلَى بُغْضِهِنَّ لَكُمْ فَلَا تَجَنَّوْا عَلَيْهِنَّ، وَلَا تُكَلِّفُوهُنَّ مَحَبَّتَكُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِنَّ، فَتَضْرِبُوهُنَّ أَوْ تُؤْذُوهُنَّ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "فَلَا تَبْغُوا" لَا تَلْتَمِسُوا وَلَا تَطْلُبُوا. مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: بَغَيْتُ الضَّالَّةَ إِذَا الْتَمَسْتُهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ فِي صِفَةِ الْمَوْتِ: بَغَـاكَ وَمَـا تَبْغِيـهِ حَـتَّى وَجَدْتَـهُ *** كَـأَنَّكَ قَـدْ وَاعَدْتَـهُ أَمْسِ مَوْعِـدَا بِمَعْنَى: طَلَبَكَ وَمَا تَطْلُبُهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} قَالَ: إِذَا أَطَاعَتْكَ فَلَا تَتَجَنَّ عَلَيْهَا الْعِلَلَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا أَطَاعَتْهُ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ إِذَا ضَاجَعَتْهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ: {فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} قَالَ: الْعِلَلُ. وَقَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: قَالَ الثَّوْرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} " قَالَ: إِنْ أَتَتِ الْفِرَاشَ وَهِيَ تُبْغِضُهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: إِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ لَا يُكَلِّفُهَا أَنْ تُحِبَّهُ؛ لِأَنَّ قَلْبَهَا لَيْسَ فِي يَدَيْهَا. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنْ أَطَاعَتْهُ فَضَاجَعَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} ". حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}: يَقُولُ: فَإِنْ أَطَاعَتْكَ، فَلَا تَبْغِ عَلَيْهَا الْعِلَلَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو عُلُوٍّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَلَا تَبْغُوا- أَيُّهَا النَّاسُ- عَلَى أَزْوَاجِكُمْ إِذَا أَطَعْنَكُمْ فِيمَا أَلْزَمَهُنَّ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ حَقٍّ سَبِيلًا لِعُلُوِّ أَيْدِيكُمْ عَلَى أَيْدِيهِنَّ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَعْلَى مِنْكُمْ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَلَيْكُمْ مِنْكُمْ عَلَيْهِنَّ، وَأَكْبَرُ مِنْكُمْ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنْتُمْ فِي يَدِهِ وَقَبَضَتِهِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَظْلِمُوهُنَّ وَتَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا. وَهُنَّ لَكُمْ مُطِيعَاتٍ، فَيَنْتَصِرُ لَهُنَّ مِنْكُمْ رَبُّكُمُ الَّذِي هُوَ أَعْلَى مِنْكُمْ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَكْبَرُ مِنْكُمْ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-: " وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ". وَإِنْ عَلِمْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا وَذَلِكَ مَشَاقَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَهُوَ إِتْيَانُهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ مِنَ الْأُمُورِ. فَأَمَّا مِنَ الْمَرْأَةِ فَالنُّشُوزُ وَتَرْكُهَا أَدَاءَ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْهَا الَّذِي أَلْزَمَهَا اللَّهُ لِزَوْجِهَا. وَأَمَّا مِنَ الزَّوْجِ فَتَرْكُهُ إِمْسَاكَهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ تَسْرِيحَهَا بِإِحْسَانٍ. وَالشِّقَاقُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: شَاقَّ فُلَانٌ فُلَانًا، إِذَا أَتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ مِنَ الْأُمُورِ، فَهُوَ يُشَاقُّهُ مُشَاقَّةً وَشِقَاقًا. وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ عَدَاوَةً كَمَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا قَالَ: إِنْ ضَرَبَهَا فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ وَشَاقَّتْهُ يَقُولُ: عَادَتْهُ. وَإِنَّمَا أُضِيفَ الشِّقَاقُ إِلَى الْبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنَ قَدْ يَكُونُ اسْمًا، كَمَا قَالَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 94] فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ. وَأُمًّا قَوْلُهُ: "فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا" فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ: مَنِ الْمَأْمُورُ بِبِعْثَةِ الْحَكَمَيْنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ: السُّلْطَانُ الَّذِي يُرْفَعُ ذَلِكَ إِلَيْهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ: يَعِظُهَا، فَإِنْ انْتَهَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا. فَإِنْ انْتَهَتْ، وَإِلَّا ضَرَبَهَا. فَإِنْ انْتَهَتْ، وَإِلَّا رَفَعَ أَمْرَهَا إِلَى السُّلْطَانِ، فَيَبْعَثُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، فَيَقُولُ الْحَكَمُ الَّذِي مِنْ أَهْلِهَا: يَفْعَلُ بِهَا كَذَا، وَيَقُولُ الْحَكَمُ الَّذِي مِنْ أَهْلِهِ: تَفْعَلُ بِهِ كَذَا. فَأَيُّهُمَا كَانَ الظَّالِمُ رَدَّهُ السُّلْطَانُ وَأَخَذَ فَوْقَ يَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ نَاشِزًا أَمَرَهُ أَنْ يَخْلَعَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} قَالَ: بَلْ ذَلِكَ إِلَى السُّلْطَانِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ: الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}: إِنْ ضَرَبَهَا، فَإِنْ رَجَعَتْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ. فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ وَشَاقَّتْهُ، فَلْيَبْعَثْ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهُ، وَتَبْعَثْ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَا يُبْعَثُ لَهُ الْحَكَمَانِ، وَمَا الَّذِي يَجُوزُ لِلْحَكَمَيْنِ مِنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا، وَكَيْفَ وَجْهُ بَعْثِهِمَا بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَبْعَثُهُمَا الزَّوْجَانِ بِتَوْكِيلِ مِنْهُمَا إِيَّاهُمَا بِالنَّظَرِ بَيْنَهُمَا. وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَعْمَلَا شَيْئًا فِي أَمْرِهِمَا إِلَّا مَا وَكَّلَاهُمَا بِهِ، أَوْ وَكَّلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا إِلَيْهِ، فَيَعْمَلَانِ بِمَا وَكَّلَهُمَا بِهِ مَنْ وَكَّلَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيمَا يَجُوزُ تَوْكِيلِهِمَا فِيهِ، أَوْ تَوْكِيلِ مَنْ وَكَّلَ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ بَيْنَهُمَا شِقَاقٌ إِلَى عَلِيٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: ابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا. ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ: تَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا؟ عَلَيْكُمَا إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا أَنْ تَجْمَعَا، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا أَنْ تُفَرِّقَا. قَالَتِ الْمَرْأَةُ: رَضِيتُ بِكِتَابِ اللَّهِ، بِمَا عَلَيَّ فِيهِ وَلِي. قَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا. فَقَالَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: كَذَبْتَ وَاللَّهِ، لَا تَنْقَلِبُ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ. حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ عَلِيًّا- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَتَاهُ رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ، وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ. فَأَمَرَهُمَا عَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنْ يَبْعَثَا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهُ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا؛ لِيَنْظُرَا. فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ الْحَكَمَانِ قَالَ لَهُمَا عَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَتَدْرِيَانِ مَا لَكَمَا؟ لَكُمَا إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا. قَالَ هِشَامٌ فِي حَدِيثِهِ: فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: رَضِيتُ بِكِتَابِ اللَّهِ لِي وَعَلَيَّ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ، حَتَّى تَرْضَى مِثْلَ مَا رَضِيَتْ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ فِي حَدِيثِهِ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ، لَا تَبْرَحُ حَتَّى تَرْضَى بِمِثْلِ مَا رَضِيَتْ بِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ وَهِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سَيْرَيْنِ، عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: إِذَا هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ وَضَرَبَهَا، فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ وَشَاقَّتْهُ، فَلْيَبْعَثْ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَتَبْعَثْ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا. تَقُولُ الْمَرْأَةُ لِحَكَمِهَا: قَدْ وَلَّيْتُكَ أَمْرِي، فَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَرْجِعَ رَجَعْتُ، وَإِنْ فَرَّقْتَ تَفَرَّقْنَا. وَتُخْبِرُهُ بِأَمْرِهَا إِنْ كَانَتْ تُرِيدُ نَفَقَةً أَوْ كَرِهَتْ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَتَأْمُرُهُ أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ عَنْهَا وَتَرْجِعَ، أَوْ تُخْبِرُهُ أَنَّهَا لَا تُرِيدُ الطَّلَاقَ. وَيَبْعَثُ الرَّجُلُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ يُوَلِّيهِ أَمْرَهُ، وَيُخْبِرُهُ يَقُولُ لَهُ حَاجَتَهُ. إِنْ كَانَ يُرِيدُهَا أَوْ لَا يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، أَعْطَاهَا مَا سَأَلَتْ وَزَادَهَا فِي النَّفَقَةِ، وَإِلَّا قَالَ لَهُ: خُذْ لِي مِنْهَا مَا لَهَا عَلَيَّ، وَطَلِّقْهَا. فَيُوَلِّيهِ أَمْرَهُ. فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ. ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْحَكَمَانِ، فَيُخْبِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُرِيدُ لِصَاحِبِهِ، وَيَجْهَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُرِيدُ لِصَاحِبِهِ. فَإِنِ اتَّفَقَ الْحَكَمَانِ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ، إِنْ طَلَّقَا وَإِنْ أَمْسَكَا. فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ". فَإِنْ بَعَثَتِ الْمَرْأَةُ حَكَمًا وَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَبْعَثَ فَإِنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يَبْعَثَ حَكَمًا. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ الَّذِي يَبْعَثُ الْحَكَمَيْنِ هُوَ السُّلْطَانُ، غَيْرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَبْعَثُهُمَا لِيَعْرِفَا الظَّالِمَ مِنَ الْمَظْلُومِ مِنْهُمَا؛ لِيَحْمِلَهُمَا عَلَى الْوَاجِبِ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِبَلَ صَاحِبِهِ، لَا التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَالَا: إِنَّمَا يُبْعَثُ الْحَكَمَانِ لِيُصْلِحَا وَيَشْهَدَا عَلَى الظَّالِمِ بِظُلْمِهِ. وَأَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَيْسَتْ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَمْ يُمَلَّكَا ذَلِكَ يَعْنِي: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مَنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}: الْآيَةَ. إِنَّمَا يُبْعَثُ الْحَكَمَانِ لِيُصْلِحَا. فَإِنْ أَعْيَاهُمَا أَنْ يُصْلِحَا، شَهِدَا عَلَى الظَّالِمِ بِظُلْمِهِ، وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمَا فُرْقَةٌ، وَلَا يُمَلَّكَانِ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: وَسَأَلْتُ عَنِ الْحَكَمَيْنِ قَالَ: ابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، فَمَا حَكَمَ الْحُكَمَانِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ. يَقُولُ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}. قَالَ: يَخْلُو حَكَمُ الرَّجُلِ بِالزَّوْجِ، وَحَكَمُ الْمَرْأَةِ بِالْمَرْأَةِ، فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: اصْدُقْنِي مَا فِي نَفْسِكَ. فَإِذَا صَدَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، اجْتَمَعَ الْحَكَمَانِ، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِيثَاقًا: لَتَصْدُقَنِّي الَّذِي قَالَ لَكَ صَاحِبُكَ، وَلَأَصْدِقَنَّكَ الَّذِي قَالَ لِي صَاحِبِي، فَذَاكَ حِينَ أَرَادَا الْإِصْلَاحَ يُوَفِّقُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا. فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ اطَّلَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا أَفْضَى بِهِ صَاحِبُهُ إِلَيْهِ، فَيَعْرِفَانِ عِنْدَ ذَلِكَ مَنِ الظَّالِمِ وَالنَّاشِزِ مِنْهُمَا، فَأَتَيَا عَلَيْهِ فَحَكَمَا عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ قَالَا: أَنْتِ الظَّالِمَةُ الْعَاصِيَةُ، لَا يُنْفِقُ عَلَيْكِ حَتَّى تَرْجِعِي إِلَى الْحَقِّ وَتُطِيعِي اللَّهَ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الظَّالِمُ قَالَا: أَنْتَ الظَّالِمُ الْمُضَارُّ، لَا تَدْخُلُ لَهَا بَيْتًا حَتَّى تُنْفِقَ عَلَيْهَا وَتَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ. فَإِنْ أَبَتْ ذَلِكَ كَانَتْ هِيَ الظَّالِمَةَ الْعَاصِيَةَ، وَأَخَذَ مِنْهَا مَا لَهَا، وَهُوَ لَهُ حَلَالٌ طَيِّبٌ. وَإِنْ كَانَ هُوَ الظَّالِمَ الْمُسِيءُ إِلَيْهَا الْمُضَارُّ لَهَا طَلَّقَهَا، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ مِنْ مَالِهَا شَيْءٌ. فَإِنْ أَمْسَكَهَا أَمْسَكَهَا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا وَأَحْسَنَ إِلَيْهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَبْعَثُ الْحَكَمَيْنِ، حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا. فَيَقُولُ الْحَكَمُ مِنْ أَهْلِهَا: يَا فُلَانُ، مَا تَنْقِمُ مِنْ زَوْجَتِكَ؟ فَيَقُولُ: أَنْقِمُ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا. قَالَ فَيَقُولُ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ نَزَعَتْ عَمَّا تَكْرَهُ إِلَى مَا تُحِبُّ هَلْ أَنْتَ مُتَّقِي اللَّهِ فِيهَا، وَمُعَاشِرُهَا بِالَّذِي يَحِقُّ عَلَيْكَ فِي نَفَقَتِهَا وَكِسْوَتِهَا؟ فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ قَالَ الْحَكَمُ مِنْ أَهْلِهِ: يَا فُلَانَةُ مَا تَنْقِمِينَ مِنْ زَوْجِكِ فُلَانٍ؟ فَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَتْ: نَعَمْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا. قَالَ: وَقَالَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: الْحَكَمَانِ بِهِمَا يَجْمَعُ اللَّهُ وَبِهِمَا يُفَرِّقُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: الْحَكَمَانِ يَحْكُمَانِ فِي الِاجْتِمَاعِ، وَلَا يَحْكُمَانِ فِي الْفُرْقَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ}: وَهِيَالْمَرْأَةُ الَّتِي تَنْشُزُ عَلَى زَوْجِهَا، فَلِزَوْجِهَا أَنْ يَخْلَعَهَا حِينَ يَأْمُرُ الْحَكَمَانِ بِذَلِكَ، وَهُوَ بَعْدَمَا تَقُولُ لِزَوْحِهَا: وَاللَّهِ لَا أُبِرُّ لَكَ قَسَمًا وَلَآذَنَنَّ فِي بَيْتِكَ بِغَيْرِ أَمْرِكَ. وَيَقُولُ السُّلْطَانُ: لَا نُجِيزُ لَكِ خُلْعًا، حَتَّى تَقُولَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: وَاللَّهِ لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا أُقِيمُ لَكَ صَلَاةً. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ السُّلْطَانُ: اخْلَعِ الْمَرْأَةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} قَالَ: تَعِظُهَا، فَإِنْ أَبَتْ وَغَلَبَتْ، فَاهْجُرْهَا فِي مَضْجَعِهَا، فَإِنْ غَلَبَتْ هَذَا أَيْضًا، فَاضْرِبْهَا، فَإِنْ غَلَبَتْ هَذَا أَيْضًا بُعِثَ حَكَمٌ مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمٌ مِنْ أَهْلِهَا، فَإِنْ غَلَبَتْ هَذَا أَيْضًا وَأَرَادَتْ غَيْرَهُ، فَإِنَّ أَبِي قَالَ أَوْ: كَانَ أَبِي يَقُولُ لَيْسَ بِيَدِ الْحَكَمَيْنِ مِنَ الْفُرْقَةِ شَيْءٌ، إِنْ رَأْيَا الظُّلْمَ مِنْ نَاحِيَةِ الزَّوْجِ قَالَا: " أَنْتَ يَا فُلَانٌ ظَالِمٌ، انْـزَعْ "! فَإِنْ أَبَى، رَفَعَا ذَلِكَ إِلَى السُّلْطَانِ. لَيْسَ إِلَى الْحَكَمَيْنِ مِنَ الْفِرَاقِ شَيْءٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ إِنَّمَا يَبْعَثُ الْحَكَمَيْنِ السُّلْطَانُ، عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا مَاضٍ عَلَى الزَّوْجَيْنِ فِي الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}: فَهَذَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، إِذَا تَفَاسَدَ الَّذِي بَيْنَهُمَا، فَأَمَرَ اللَّهُ – سُبْحَانَهُ- أَنْ يَبْعَثُوا رَجُلًا صَالِحًا مَنْ أَهْلِ الرَّجُلِ، وَمِثْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَرْأَةِ، فَيَنْظُرَانِ أَيُّهُمَا الْمُسِيءُ. فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الْمُسِيءُ حَجَبُوا عَنْهُ امْرَأَتَهُ وَقَصَرُوهُ عَلَى النَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُسِيئَةُ قَصَرُوهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَمَنَعُوهَا النَّفَقَةَ. فَإِنْ اجْتَمَعَ رَأْيُهُمَا عَلَى أَنْ يُفَرِّقَا أَوْ يَجْمَعَا، فَأَمْرُهُمَا جَائِزٌ. فَإِنْ رَأَيَا أَنْ يَجْمَعَا فَرَضِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَكَرِهَ ذَلِكَ الْآخَرُ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ الَّذِي رَضِيَ يَرِثُ الَّذِي كَرِهَ، وَلَا يَرِثُ الْكَارِهُ الرَّاضِيَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا، قَالَ: هُمَا الْحَكَمَانِ: " يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ". حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رُوحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ الْحَكَمَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْحَكَمُ مِنْ أَهْلِهِ يُفَرِّقَانِ وَيَجْمَعَانِ إِذَا رَأَيَا ذَلِكَ، " فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ". حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ الْحَكَمَيْنِ فَقَالَ: لَمْ أُولَدْ إِذْ ذَاكَ! فَقُلْتُ: إِنَّمَا أَعْنِي حُكْمَ الشِّقَاقِ. قَالَ: يُقْبِلَانِ عَلَى الَّذِي جَاءَ التَّدَارِي مِنْ عِنْدِهِ، فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا أَقْبَلَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا حَكَمَا. فَمَا حَكَمَا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرٍ فِي قَوْلِهِ: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا قَالَ: مَا قَضَى الْحَكَمَانِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: مَا حَكَمَا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ. إِنْ فَرَّقَا بَيْنَهُمَا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ. وَإِنْ فَرَّقَا بِتَطْلِيقَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ. وَإِنْ حَكَمَا عَلَيْهِ بِجَزَاءٍ بِهَذَا مِنْ مَالِهِ فَهُوَ جَائِزٌ: فَإِنْ أَصْلَحَا فَهُوَ جَائِزٌ. وَإِنْ وَضَعَا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الْمُغِيَرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} قَالَ: مَا صَنَعَ الْحَكَمَانِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا. إِنْ طَلَّقَا ثَلَاثًا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ طَلَّقَا وَاحِدَةً وَطَلَّقَاهَا عَلَى جُعْلٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَمَا صَنَعَا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: إِنْ شَاءَ الْحَكَمَانِ أَنْ يُفَرِّقَا فَرَّقَا. وَإِنْ شَاءَا أَنْ يَجْمَعَا جَمْعَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ امْرَأَةً نَشَزَتْ عَلَى زَوْجِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ شُرَيْحٌ: ابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا. فَنَظَرَ الْحَكَمَانِ فِي أَمْرِهِمَا، فَرَأَيَا أَنْ يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا، فَكَرِهَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: فَفِيمَ كَانَا الْيَوْمَ؟ وَأَجَازَ قَوْلَهُمَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ حَكَمَيْنِ قَالَ مَعْمَرٌ: بَلَغَنِي أَنَّ عُثْمَانَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بَعَثَهُمَا، وَقَالَ لَهُمَا: إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ تَزَوَّجَفَاطِمَةَ ابْنَةَ عُتْبَةَ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ. فَجَاءَتْ عُثْمَانَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَأَرْسَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَأُفَرِّقَنَّ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا كُنْتُ لِأُفَرِّقَ بَيْنَ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ فَأَتَيَاهُمَا وَقَدِ اصْطَلَحَا. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}: يَكُونَانِ عَدْلَيْنِ عَلَيْهِمَا وَشَاهِدَيْنِ. وَذَلِكَ إِذَا تَدَارَأَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَتَنَازَعَا إِلَى السُّلْطَانِ، جَعَلَ عَلَيْهِمَا حَكَمَيْنِ: حَكَمًا مِنْ أَهْلِ الرَّجُلِ، وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِ الْمَرْأَةِ يَكُونَانِ أَمِينَيْنِ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَيَنْظُرَانِ مِنْ أَيِّهِمَا يَكُونُ الْفَسَادُ. فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى طَاعَةٍ زَوْجِهَا، وَأُمِرَ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ وَيُحْسِنَ صُحْبَتَهَا، وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا آتَاهُ اللَّهُ، إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. وَإِنْ كَانَتِ الْإِسَاءَةُ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ أُمِرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قِيلَ لَهُ: أَعْطِهَا حَقَّهَا وَخَلِّ سَبِيلَهَا. وَإِنَّمَا يَلِي ذَلِكَ مِنْهُمَا السُّلْطَانُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}: أَنَّ اللَّهَ خَاطَبَ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ، وَأَمَرَهُمْ بِبَعْثَةِالْحَكَمَيْنِ عِنْدَ خَوْفِ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِلِلنَّظَرِ فِي أَمْرِهِمَا، وَلَمْ يُخَصِّصْ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ بَعْثَةَ الْحَكَمَيْنِ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ، وَغَيْرِ السُّلْطَانِ الَّذِي هُوَ سَائِسُ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مَنْ أَقَامَهُ فِي ذَلِكَ مَقَامَ نَفْسِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الزَّوْجَيْنِ وَالسُّلْطَانِ، وَمَنِ الْمَأْمُورُ بِالْبَعْثَةِ فِي ذَلِكَ: الزَّوْجَانِ أَوِ السُّلْطَانُ؟ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِهِ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَلَا أُثِرَ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْأُمَّةُ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ. وَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا مِنَ الْآيَةِ مَا أَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْهَا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ وَالسُّلْطَانُ مِمَّنْ قَدْ شَمَلَهُ حُكَْمُ الْآيَةِ، وَالْأَمْرُ بِقَوْلِهِ: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِذْ كَانَ مُخْتَلَفًا بَيْنَهُمَا هَلْ هُمَا مَعْنِيَّانِ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ قَدْ عَمَّهُمَا فَالْوَاجِبُ مِنَ الْقَوْلِ إِذْ كَانَ صَحِيحًا مَا وَصَفْنَا، صَحِيحًا أَنْ يُقَالَ إِنْ بَعَثَ الزَّوْجَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَكَمًا مِنْ قِبَلِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمَا، وَكَانَ كُلٌّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَدْ بَعَثَهُ مِنْ قِبَلِهِ فِي ذَلِكَ؛ لِمَا لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ، فَتَوْكِيلُهُ بِذَلِكَ مَنْ وَكَّلَ جَائِزٌ لَهُ وَعَلَيْهِ. وَإِنْ وَكَّلَهُ بِبَعْضٍ وَلَمْ يُوَكِّلْهُ بِالْجَمِيعِ، كَانَ مَا فَعَلَهُ الْحَكَمُ مِمَّا وَكَّلَهُ بِهِ صَاحِبُهُ مَاضِيًا جَائِزًا عَلَى مَا وَكَّلَهُ بِهِ. وَذَلِكَ أَنْ يُوَكِّلَهُ أَحَدُهُمَا بِمَا لَهُ دُونَ مَا عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِمَا لَهُ وَعَلَيْهِ، أَوْ بِمَا لَهُ، أَوْ بِمَا عَلَيْهِ، إِلَّا الْحُكْمَيْنِ كِلَيْهِمَا، [لَمْ يَجُزْ] إِلَّا مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا. وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُمَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا بَعَثَاهُمَا لِلنَّظَرِ بَيْنَهُمَا، لِيَعْرِفَا الظَّالِمَ مِنَ الْمَظْلُومِ مِنْهُمَا، لِيَشْهَدَا عَلَيْهِمَا عِنْدَ السُّلْطَانِ إِنْ احْتَاجَا إِلَى شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْ يُحْدِثَا بَيْنَهُمَا شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَلْزَمِ الزَّوْجَيْنِ وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا مَعْنَى الْحَكَمَيْنِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ؟ قِيلَ: قَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى الْحَكَمُ: النَّظَرُ الْعَدْلُ، كَمَا قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، الَّذِي:- حَدَّثَنَا بِهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْهُ: لَا أَنْتُمَا قَاضِيَانِ تَقْضِيَانِ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي بَيَّنَّا مِنْ قَوْلِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمَا الْقَاضِيَانِ يَقْضِيَانِ بَيْنَهُمَا مَا فَوَّضَ إِلَيْهِمَا الزَّوْجَانِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ، فَلَيْسَ لَهُمَا، وَلَا لِوَاحِدِ مِنْهُمَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا بِالْفُرْقَةِ، وَلَا بِأَخْذِ مَالٍ إِلَّا بِرِضَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِلَّا مَا لَزِمَ مِنْ حَقٍّ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي حُكْمِ اللَّهِ، وَذَلِكَ مَا لَزِمَ الرَّجُلَ لِزَوْجَتِهِ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْإِمْسَاكِ بِمَعْرُوفٍ، إِنْ كَانَ هُوَ الظَّالِمُ لَهَا. فَأُمًّا غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمَا، وَلَا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيْرِهِمَا، لَا السُّلْطَانِ وَلَا غَيْرِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ إِنْ كَانَ هُوَ الظَّالِمُ لِلْمَرْأَةِ فَلِلْإِمَامِ السَّبِيلُ إِلَى أَخْذِهِ بِمَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ. وَإِنْكَانَتِ الْمَرْأَةُ هِيَ الظَّالِمَةُ زَوْجَهَا النَّاشِزَةُ عَلَيْهِ، فَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ أَخْذَ الْفِدْيَةَ مِنْهَا، وَجَعَلَ إِلَيْهِ طَلَاقَهَا، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ الْفُرْقَةُ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِغَيْرِ رِضَى الزَّوْجِ، وَلَا أَخْذُ مَالٍ مِنَ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ رِضَاهَا بِإِعْطَائِهِ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ. وَإِنَّ بَعْثَ الْحَكَمَيْنِ السُّلْطَانُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِفُرْقَةٍ إِلَّا بِتَوْكِيلِ الزَّوْجِ إِيَّاهُمَا بِذَلِكَ، وَلَا لَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا بِأَخْذِ مَالٍ مِنَ الْمَرْأَةِ إِلَّا بِرِضَى الْمَرْأَةِ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدْ بَيَّنَاهُ قَبْلُ مِنْ فِعْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِذَلِكَ، وَالْقَائِلِينَ بِقَوْلِهِ. وَلَكِنْ لَهُمَا أَنْيُصْلِحَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، مَا يَجُوزُ لِلْحَكَمَيْنِ فِعْلُهُ وَيَتَعَرَّفَا الظَّالِمَ مِنْهُمَا مِنَ الْمَظْلُومِ؛ لِيَشْهَدَا عَلَيْهِ إِنِ احْتَاجَ الْمَظْلُومُ مِنْهُمَا إِلَى شَهَادَتِهِمَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَيْسَ لَهُمَا التَّفْرِيقُ؛ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا. وَإِنَّمَا يَبْعَثُ السُّلْطَانُ الْحَكَمَيْنِ إِذَا بَعَثَهُمَا، إِذَا ارْتَفَعَ إِلَيْهِ الزَّوْجَانِ، فَشَكَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحَبَهُ، وَأُشْكِلَ عَلَيْهِ الْمُحِقُّ مِنْهُمَا مِنَ الْمُبْطِلِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُشْكَلُ الْمُحِقُّ مِنَ الْمُبْطِلِ، فَلَا وَجْهَ لِبَعْثِهِ الْحَكَمَيْنِ فِي أَمْرٍ قَدْ عُرِفَ الْحُكْمُ فِيهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا}: إِنْ يُرِدِ الْحَكَمَانِ إِصْلَاحًا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَعْنِي: بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْمُخَوَّفُ شِقَاقُ بَيْنِهِمَا يَقُولُ: يُوَفِّقُ اللَّهُ بَيْنَ الْحَكَمَيْنِ فَيَتَّفِقَا عَلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا. وَذَلِكَ إِذَا صَدَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا أَفْضَى إِلَيْهِ مَنْ بُعِثَ لِلنَّظَرِ فِي أَمْرِ الزَّوْجَيْنِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا} قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَكِنَّهُ الْحَكَمَانِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} قَالَ: هُمَا الْحَكَمَانِ، إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}: وَذَلِكَ الْحَكَمَانِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ مُصْلِحٍ يُوَفِّقُهُ اللَّهُ لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}: يَعْنِي بِذَلِكَ الْحَكَمَيْنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا} قَالَ: إِنْ يُرِدِ الْحَكَمَانِ إِصْلَاحًا أَصْلَحَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}: يُوَفِّقُ اللَّهُ بَيْنَ الْحَكَمَيْنِ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلَهُ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا} قَالَ: هُمَا الْحَكَمَانِ إِذَا نَصَحَا الْمَرْأَةَ وَالرَّجُلَ جَمِيعًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا بِمَا أَرَادَ الْحَكَمَانِ مِنْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَغَيْرِهِ. خَبِيرًا بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِهِمَا وَأُمُورِ غَيْرِهِمَا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ. حَافِظٌ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُجَازِيَ كُلًّا مِنْهُمْ جَزَاءَهُ، بِالْإِحْسَانِ إِحْسَانًا، وَبِالْإِسَاءَةِ غُفْرَانًا أَوْ عِقَابًا.
|