الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
المعنى: أنا بغاة، وأنتم أيضاً كذلك. وزعم سيبويه أن قوماً من العرب يغلطون فيقولون: إنهم أجمعون ذاهبون، وإنك وزيد ذاهبان. فجعل سيبويه هذا غلطاً، وجعله كقول الشاعر: بدا لي أني لست مدرك ما مضى *** ولا سابق شيئاً إذا كان جائيا انتهى كلام الزجاج. ومراد سيبويه بالغلط، توهم عدم ذكر إن، لا حقيقة الغلط. كيف وهو القائل إن العرب لا تطاوعهم ألسنتهم في اللحن والخطأ، كما نقل عنه في المسألة الزنبورية. قال الشاطبي في شرح الألفية: يعني سيبويه أنهم توهموا أن ليس ثم إن، حتى كأنهم قالوا: هم أجمعون ذاهبون، وأنت وزيد ذاهبان. وأنس بهذا عدم ظهور الإعراب في اسم إن في الموضعين. والدليل على صحة هذا أنه لم يجيء فيما ظهر فيه الإعراب، نحو: إن زيداً وعمرو قائمان، إذ لو كان الرفع على غير التوهم، لكان خليقاً أن يجيء مع ظهوره. فلما لم يكن كذلك دل على أنهم اعتقدوا أن المنصوب مرفوع، فعطفوا على اللفظ كما قال الشاعر: ولا سابق شيئاً بالخفض، متوهماً أنه قال: لست بمدرك ما مضى، فلذلك جعله سيبويه من باب الغلط. والله أعلم. انتهى. وكذا في المغني لابن هشام قال: أجيب عنه بأمرين: أحدهما: أنه عطف على توهم عدم ذكر إن. والثاني: أنه تابع لمبتدأ محذوف، أي: إنك أنت وزيد ذاهبان. وعليهما خرج قولهم: إنهم أجمعون ذاهبون. انتهى. وفي أمالي الزجاجي الصغرى: أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن رستم الطبري، قال: أخبرنا أبو عثمان المازني، قال: قرأ محمد بن سليمان الهاشمي، وهو أمير البصرة، على المنبر: إن الله وملائكته يصلون على النبي ، بالرفع، فعلم أنه قد لحن، فبعث إلى النحويين، وقال لهم: خرجوا له وجها. فقالوا: نعطف به على موضع إن، لأنها داخلة على المبتدأ والخبر. فأحسن صلتهم ولم يرجع عنها، لئلا يقال: لحن الأمير. وأخبرنا أبو إسحاق الزجاج، قال: أخبرنا أبو العباس المبرد عن المازني، قال: حدثني إلخ فش، قال: كان أمير في البصرة يقرأ على المنبر: إن الله وملائكته يصلون على النبي ، بالرفع، فصرت إليه ناصحاً له، ومنبهاً، فتهددني، وأوعدني وقال: تلحنون أمراءكم ثم عزل وتقلد محمد بن سليمان الهاشمي، فكأنه تلقنها من في المعزول، فقلت: هذا هاشمي نصيحته واجبة، فجبنت عنه، وخشيت أن يتلقاني بمثل ما تلقاني به الأول. ثم حملت على نفسي فأتيته، فإذا هو في غرفة له، وعنده أخوه، والغلمان على رأسه، فقلت: هذا. وأومأت إلى أخيه، فنهض أخوه وتفرق الغلمان، فقلت: أصلح الله الأمير، أنتم أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة والفصاحة وتقر: إن الله وملائكته بالرفع، وهو لحن ولا وجه له! فقال: جزاك الله خيراً، قد نبهت ونصحت، فانصرف مشكوراً. فانصرفت فلما صرت في نصف الدرجة إذا قائل يقول لي: قف. فوقفت وخفت أن يكون أخوه أغراه بي، فإذا بغلة سفواء وغلام وبدرة، وتخت ثياب، وقائل يقول: هذا لك، قد أمر به الأمير. فانصرفت مغتبطاً. انتهى كلامه. هذا وقد أنشد سيبويه البيت بنصب قيار، وأورده في باب التنازع من أول الكتاب مستشهداً به لتقوية ما جاز من حذف المفعول الذي هو فضلة مستغنى عنها، في قولهم: ضربت وضربني زيد. قال السيرافي: يجوز أن يكون لغريب خبر إني، وخبر قيار محذوفاً. ويجوز العكس. انتهى. وكذلك أورده أبو زيد في نوادره بالنصب لا غير. قال السكري: أراد: فإني لغريب وإن قياراً أيضاً لغريب. ولو قال لغريبان كان أجود. قال أبو عمر: بعضهم ينشد فإني وقيار بالرفع، والنصب أجود، كأنه أراد فإني لغريب وقيار، ثم قدم هذا بعد ما كان موضعه التأخير. فعلى هذا يجوز الرفع. انتهى ما في نوادر أبي زيد. وكذلك رواه المبرد في الكامل بالنصب، وقال: فإن وقياراً بها لغريب، أراد: فإني لغريب بها وقياراً. ولو رفع لكان جيداً. تقول: إن زيداً منطلق وعمراً، وعمرو. انتهى. واعلم أن العيني قد خبط هنا وخلط، فإن ابن هشام أنشد البيت في شرح الألفية بالرفع، وهو شرحه بتوجيه من رواه بالنصب، قال: قوله: فإني الضمير اسم إن وخبرها محذوف. ويقال لغريب خبر إني، وقيار مبتدأ وخبره محذوف. ويقال: لغريب خبر عن الاسمين جميعاً، لأن فعيلاً يخبر به عن الواحد فما فوقه، نحو: والملائكة بعد ذلك ظهير . ورده شيخ شيخي إلخ لخالي بأنه لا يكون للاثنين وإن كان يجوز كونه للجمع. وكذلك قال في فعول، فقال: لا يقال رجلان صبور، وإن صح في الجمع. وقد قيل في قوله تعالى: {عن اليمين وعن الشمال قعيد} إن المراد قعيدان. ثم كلامه يوهم أن ذلك يقال بالقياس، وليس كذلك، وإنما المانع في البيت من أن يكون غريب خبراً عن الاسمين هو لزوم توارد عاملين على إلخ بر، وإنما يصح هذا على رأي الكوفيين. هذا كلامه. وقوله: خبر إن محذوف، هذا أحد وجهي ما جوزه السيرافي في رواية النصب كما تقدم. وأما على رواية الرفع، فيتعين جعل قوله: لغريب خبر إني، ولا يجوز أن يكون خبراً لقيار، لأن خبر المبتدأ لا يجوز أن يقترن باللام، إلا إذا تقدم على المبتدأ، نحو: لقائم زيد. وقوله: ويقال لغريب خبر عن الاسمين جميعاً، هذا إنما يتصور على رواية نصب قيار لا على رواية رفعه. وفي بقية كلامه ما لا يخفى على المتأمل. وهذا البيت أورده صاحب تلخيص المفتاح في أول باب المسند، على أنه قد يحذف المسند لقصد إلخ تصار والاحتراز عن العبث في الظاهر، مع ضيق المقام بسبب التحسر ومحافظة الوزن. وهذه النكتة تجري فيه على رواية نصب قيار ورفعه، فلا ينبغي قصرها على رواية الرفع، كما صنع السعد في المطول، وتبعه العباسي في معاهد التنصيص، وكأنه لم تبلغهما رواية النصب. ولفظ البيت خبر، ومعناه التحسر على الغربة، والتوجع من الكربة. وقيار ، بفتح القاف وتشديد المثناة التحتية، قال أبو زيد في نوادره: هو اسم جملة. ونقل عن إلخ ليل أنه اسم فرس له غبراء، وإليه ذهب أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب، وقال: هو الفرس الذي أوطأه ضابئ بعض صبيان أهل المدينة حين أخذه عثمان وحبسه. وقيل: اسم رجل. قاله العيني. والسر في تقديمه على الأولين قصد التسوية بينهما في التحسر على الاغتراب، كأنه أثر في غير ذوي العقول أيضاً. ولو قال: إني غريب وقيار، لجاز أن يتوهم أن له مزية على قيار في التأثر عن الغربة، لأن ثبوت الحكم أولاً أقوى، فقدمه لذلك. قاله السعد. والرحل: المنزل والمأوى. ورواية أبي زيد: من يك أمسى بالمدينة رهطه بدون الفاء في أوله، على إلخ رم بالراء المهملة. وكذا رواية المبرد في الكامل. وهو أول أبيات لضابئ بن الحارث البرجمي، قالها وهو محبوس بالمدينة في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه. وبعده أبيات ثلاثة أوردها المبرد في الكامل، وهي: وما عاجلات الطير تدني من الفتى *** نجاحاً ولا عن ريثهن يخيب ورب أمور لا تضيرك ضيرةً *** وللقلب من مخشاتهن وجيب ولا خير فيمن لا يوطن نفسه *** على نائبات الدهر حين تنوب وزاد بعدها بيتاً ابن قتيبة في ترجمة قائلها من كتاب الشعراء، وهو: وفي الشك تفريط وفي الحزم قوة *** ويخطئ الفتى في حدسه ويصيب وزاد بعده بيتاً أبو تمام في مختار أشعار القبائل، وهو: ولست بمستبق صديقاً ولا أخ *** إذا لم تعد الشيء وهو يريب قوله: أمسى بالمدينة رحله ، الرحل: المنزل. وروي: رهطه ، رهط الرجل: قومه وقبيلته الأقربون. وقوله: وما عاجلات الطير ...إلخ، قال المبرد في الكامل: يقول: إذا لم تعجل له طير سانحة، فليس ذلك بمبعد خبراً عنه، ولا إذا أبطأت خاب، فعاجلها لا يأتيه بخير، وآجلها لا يدفع عنه، إنما له ما قدر له. والعرب تزجر على السانح، وتتبرك به، وتكره البارح، وتتشاءم به. والسانح: ما أراك مياسره فأمكن الصائد. والبارح: ما أراك ميامنه فلم يمكن الصائد إلا أن يتحرف له. قال الشاعر: لا يعلم المرء ليلاً ما يصبحه *** إلا كواذب مما يخبر الفال والفال والزجر والكهان كلهم *** مضللون ودون الغيب أقفال انتهى. وقال ابن خلف: إذا خرج الإنسان من منزله فأراد أن يزجر الطير، فما مر به في أول ما يبصر، فهو عاجلات الطير. وإن أبطأت عنه، وانتظرها، فقد راثت، أي: أبطأت. والأول عندهم محمود، والثاني مذموم. يقول: ليس النجح بأن يعجل الطائر الطيران، كما يقول الذين يزجرون الطير، ول إلخ يبة في إبطائها. وهذا رد على مذهب الأعراب. وقوله: ورب أمور لا تضيرك ...إلخ، قال المبرد: تقول ضاره يضيره ضيرة، ولا ضير عليه، وضره يضره ولا ضر عليه. ويقال: أصابه ضر بالضم، وأصابه ضر بمعنى. والضر، بالفتح: مصدر، والضر، بالضم: اسم. وقد يكون الضر من المرض، والضر عاماً. وهذا معنىً حسن. وقد قال أحد المحدثين، وهو أبو العتاهية: وقد يهلك الإنسان من باب أمنه *** وينجو بإذن الله من حيث يحذر وقال الله عز وجل: {فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً}. انتهى. والمخشاة: مصدر ميمي بمعنى إلخ شية، وهي إلخ وف. والوجيب: السقوط، والخفقان، والاضطراب. وقوله: ولا خير فيمن لا يوطن نفسه ، قال المبرد: نظيره قول كثير: أقول لها يا عز كل مصيبة *** إذا وطنت يوماً لها النفس ذلت وكان عبد الملك بن مروان، يقول: لو كان هذا البيت في صفة الحرب لكان أشعر الناس. وحكي عن بعض الصالحين، أن ابناً له مات، فلم ير به جزع، فقيل له في ذلك، فقال: هذا أمر كنا نتوقعه، فلما وقع لم ننكره. وقوله: إذا لم تعد الشيء ، أي: إذا لم تتعده وتتجاوزه. ويريب، من أراب الشيء، إذا أوقع في ريبة وشبهة. وسبب هذه الأبيات مع ترجمة قائلها تقدم في الشاهد التاسع والأربعين بعد السبعمائة. وأنشد بعده: أم الحليس لعجوز شهربه على أنه دخول اللام على خبر المبتدأ المؤخر مجرداً من إن كما هنا. وقدر بعضهم: لهي عجوز، لتكون في التقدير داخلة على المبتدأ. قال ابن السراج في الأصول: قال أبو عثمان: وقرأ سعيد بن جبير: إلا أنهم ليأكلون الطعام ، فتح أن وجعل اللام زائدة، كما زيدت في قوله: أم الحليس لعجوز شهربه *** ترضى من اللحم بعظم الرقبه انتهى. وعند ابن جني غير زائدة، لكنها في البيت ضرورة. قال في سر الصناعة: وأما الضرورة التي تدخل لها اللام في غير خبر إن فمن ضرورات الشعر، ولا يقاس عليها. والوجه أن يقال: لأم الحليس عجوز شهربه، كما يقال: لزيد قائم. وقال إلخ ر: خالي لأنت ومن جرير خاله *** ينل السماء ويكرم إلخ والا فهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون أراد: لخالي أنت، فأخر اللام إلى إلخ بر ضرورة. والآخر: أن يكون أراد: لأنت خالي، فقدم إلخ بر على المبتدأ، وإن كانت فيه اللام ضرورة. وأخبرني أبو علي أن أبا الحسن حكى: إن زيداً وجهه لحسن. فهذه أيضاً ضرورة. وربما أدخلوها في خبر أن المفتوحة، أخبرنا علي بن محمد يرفعه بإسناده إلى قطرب: ألم تكن حلفت بالله العلي *** أن مطاياك لمن خير المطي والوجه هنا كسر إن لنزول الضرورة، إلا أنا سمعناها مفتوحة الهمزة. انتهى. وكذا عد هذا ابن عصفور من الضرائر، مع أنه أورد الآية وما حكاه أبو الحسن إلخ فش، وجعلهما من الشاذ. وأما التخريج على إضمار المبتدأ فلم يرتضه ابن جني، لما فيه من الجمع بين حذف المؤكد وتوكيده. قال بعد ما نقلنا عنه: وأخبرنا أبو علي أن أبا إسحاق ذهب في قوله تعالى: {إن هذان لساحران} إلى أن إن بمعنى نعم، وهذان مرفوع بالابتداء، وأن اللام في لساحران داخلة في موضعها على غير ضرورة، والتقدير على هذا: نعم هذان لهما ساحران. وحكي عن أبي إسحاق أنه قال: هذا الذي عندي فيه. والله أعلم. وكنت عرضته على عالمنا محمد بن يزيد، وعلى إسماعيل بن إسحاق، فقبلاه وذكرا أنه أجود ما سمعناه. واعلم أن هذا الذي رواه أبو إسحاق في هذه المسألة مدخول غير صحيح، وأنا أذكره لتقف منه على ما في قوله. ووجه إلخ طأ فيه أن هما المحذوفة التي قدرها مرفوعة بالابتداء، لم تحذف إلا بعد العلم بها، والمعرفة بموضعها. وكذلك كل محذوف لا يحذف إلا مع العلم به، ولولا ذلك لكان في حذفه مع الجهل بمكانه، ضرب من تكليف علم الغيب للمخاطب. وإذا كان معروفاً فقد استغني بمعرفته عن تأكيده باللام. ألا ترى أنه يقبح أن تأتي بالمؤكد وتترك المؤكد فلا تأتي به؟ ولا ترى أن التأكيد من مواضع الإسهاب والإطناب، والحذف من مواضع الاكتفاء والاختصار؟! فهما إذن لما ذكرت من ذلك ضدان، لا يجوز أن يشتمل عليهما عقد كلام. ويزيدك وضوحاً امتناع أصحابنا من تأكيد الضمير المحذوف العائد على المبتدأ، في نحو: زيد ضربت، فيمن أجازه، فلا يجيزون: زيد ضربت نفسه، على أن تجعل النفس توكيداً للهاء المرادة في ضربته، لأن الحذف لا يكون إلا بعد التحقق والعلم، وإذا كان ذلك كذلك فقد استغني عن تأكيده. ويؤكد عندك ما ذكرت لك أن أبا عثمان وغيره من النحويين حملوا قول الشاعر: ام الحليس لعجوز شهربه على أن الشاعر أدخل اللام على إلخ بر ضرورة. ولو كان ما ذهب إليه أبو إسحاق جائزاً لما عدل عنه النحويون، ولا حملوا الكلام على الاضطرار، إذا وجدوا له وجهاً ظاهراً قوياً. وحذف المبتدأ وإن كان سائغاً في مواضع كثيرة، فإنه إذا نقل عن أول الكلام قبح حذفه. ألا ترى إلى ضعف قراءة من قر: تماماً على الذي أحسن ، قالوا: ووجه قبحه انه حذف المبتدأ في موضع الإيضاح والبيان، لأن الصلة وقعت في الكلام، فغير لائق به الحذف. وإذا طال الكلام جاز فيه من الحذف، ما لا يجوز فيه إذا قصر. ألا ترى إلى ما حكاه إلخ ليل من قولهم: ما أنا بالذي قائل لك شيئاً. ولو قلت: ما أنا بالذي قائم لقبح. انتهى. وذهب صاحب اللباب إلى أن اللام إنما دخلت على إلخ بر لتوهم ذكر إن، فكأنه قيل: إن أم الحليس. وهذا البيت نسبه الصاغاني في العباب إلى عنترة بن عروس، قال في مادة شهرب: الشهربة: العجوز الكبيرة، مثل الشهبرة. قال عنترة بن عروس: أم الحليس البيت. قال بعض الناس: اللام مقحمة في لعجوز. وأنشد الآمدي في ترجمة عنترة هذا: رب عجوز من سليم شهربه انتهى. وقد رجعت إلى المؤتلف والمختلف من أسماء الشعراء للآمدي، ولم أر فيه البيت الذي نقله عنه. وهذا ما فيه: ومنهم: عنترة بن عروس مولى ثفيف، وكان عروس مولداً ولد في بلاد أزد شنوءة، شاعراً. وكان يزيد بن ضبة الثقفي هجاه، فقال يهجو عمارة امرأة يزيد: تقول عمارة لي يا عنترة *** شق حري هذا العظيم الحوثره وهي أبيات تسعة وقافيتها رائية، خلاف ما نقل. والله أعلم. وعروس فيه بلفظ العروس المعروف، لا بالشين المعجمة على وزن جعفر، كما في خطه. وهذا الشعر مذكور في صحاح الجوهري أيضاً في تلك المادة. ولم يتعرض له ابن بري ولا الصفدي فيما كتبا على الصحاح بشيء. والله أعلم بقائله. وقال العيني: قائله رؤبة بن العجاج. ونسبه الصاغاني في العباب إلى عنترة بن عروس، وهو الصحيح. هذا كلامه. والحليس ، بضم الحاء المهملة وفتح اللام، ومن في البيت الثاني للبدل، أي: ترضى بدل اللحم. وقدر العيني مضافاً قبل عظم، وقال: التقدير ترضى بدل اللحم بلحم عظم الرقبة. هذا كلامه. وأنشد بعده: مروا عجالاً وقالوا: كيف صاحبكم *** قال الذي سألوا: أمسى لمجهودا على أن دخول اللام على خبر أمسى شاذ. وهذا البيت أنشده ثعلب في آخر الجزء الثالث من أماليه مع بيت بعده: وهو: يا ويح نفسي من غبراء مظلمة *** قيست على أطول الأقوام ممدود ومروا من المرور. وعجال: جمع عجل بضم الجيم، كرجال جمع رجل. ورواه العيني: عجالى ، وقال: هو جمع عجلان، كسكارى جمع سكران. ورواه أبو علي في كتاب الشعر: مروا سراعاً ، وهو جمع سريع. ووقع في شرح ابن عقيل على الألفية: سيدكم موضع: صاحبكم. وقوله: قال الذي سألوا ...إلخ، الذي: فاعل قال، وسألو: صلته، والعائد محذوف ضرورة، أي: سألوا عنه. وجملة أمسى لمجهود: مقول القول. واسم أمسى ضمير الصاحب. يريد: إن المريض نفسه أجابهم على طريق الغيبة، بقوله: أمسى لمجهودا، ثم رجع إلى التكلم بقوله: يا ويح نفسي ..إلخ. وقوله: من غبراء مظلمة ، أي: تربة غبراء، يريد: القبر. وقيست، من القياس، أي: خفرت تلك التربة الغبراء على قياس أطول الأقوام حال كونه ممدوداً فيها، يريد به نفسه. وهذا البيت شائع في كتب النحو، ذكره أبو علي في غالب كتبه، وابن جني كذلك، وكلهم يرويه عن ثعلب، وثعلب أنشده غير معزو إلى أحد. والله أعلم بقائله. وأنشد بعده: وما زلت من ليلى لدن أن عرفته *** لكالهائم المقصى بكل مذاد على أن زيادة اللام في خبر زال شاذة. هكذا رواه ابن جني في سر الصناعة ونسبه لكثير عزة. والمذاد: مصدر ميمي بمعنى الذود، وهو الطرد. ووقع في المغني وغيره: بكل مراد ، بفتح الميم والراء، وهو المكان الذي يذهب فيه ويجاء، من الرود، وهو التردد في المجيء والذهاب. والرود أيضاً: طلب الكلأ، أي: العشب. والهائم من الإبل: الذي يصيبه داء الهيام، بالضم، وهو الجنون. والمقصى: اسم مفعول من أقصاه، أي: أبعده. شبه نفسه في طرد ليلى له، بالبعير الذي يصيبه داء الهيام، فيطرد عن الإبل خشية أن يصيبها ما أصابه. والهائم أيضاً: اسم فاعل من هام على وجهه، أي: ذهب، من عشق وغيره. والبيت قافيته مغيرة، وصوابه: بكل سبيل . وأول القصيدة: ألا حييا ليلى أجد رحيلي *** وآذن أصحابي غداً بقفول ومنها: أريد لأنسى ذكرها فكأنم *** تمثل لي ليلى بكل سبيل وروي البيت أيضاً كذا: وما زلت من ليلى لدن طر شاربي *** إلى اليوم كالمقصى بكل سبيل ولا شاهد على هذه الرواية. وفي الروايتين استعمال لدن بغير من، ولم تأت في التنزيل، إلا مقرونة بها. وطر النبت يطر طروراً: نبت. ومنه طر شارب الغلام، فهو طار. وظن ابن هشام في شرح أبيات ابن الناظم أن البيت بالرواية الأولى بالقافية الدالية ليس من شعر كثير، فإنه قال: ولكثير عزة بيت يشبه هذا في معناه، وغالب لفظه، فلا أدري من إلخ ذ منت صاحبه. وقد يكونان تواردا عليه. انتهى. وترجمة كثير تقدمت في الشاهد الثالث والسبعين بعد الثلثمائة. وأنشد بعده: وأعلم أن تسليماً وترك *** للا متشابهان ولا سواء على أن دخول اللام على حرف النفي شاذ. قال ابن جني في سر الصناعة: إنما أدخل اللام، وهي للإيجاب، على لا وهي للنفي، من قبل أنه شبهها بغير، فكأنه قال: لغير متشابهين، كما شبه إلخ ر ما التي للنفي بما التي في معنى الذي، فقال: لما أغفلت شكرك فاصطنعني *** فكيف ومن عطائك جل مالي ولم يكن سبيل اللام الموجبة أن تدخل على ما النافية، لولا ما ذكرت من الشبه اللفظي. انتهى. وظاهر كلام الشارح أن إن في البيت مكسورة لوجود اللام، ولو كانت مفتوحة لقال أشذ، لدخولها في خبر أن المفتوحة، وعلى حرف النفي، فلما لم يقل أشذ عرف أنها مكسورة. وبه صرح ابن هشام في شرح أبيات ابن الناظم، قال: إن بالكسر، لدخول اللام في إلخ بر ومثله: والله يعلم إنك لرسوله . والرواية فيه فتح أن، نقله ابن عصفور في كتاب الضرائر عن الفراء. فيكون شذوذ اللام فيه من جهتين، كما بيناه. قال ابن هشام: تكرار لا هنا واجب، لكون إلخ بر الأول مفرداً. وإفراد سواء واجب، وإن كان خبراً عن متعدد، لأنه في الأصل مصدر بمعنى الاستواء، فحذف زائده، ونقل إلى معنى الوصف. ومثله قول السموءل: سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم *** فليس سواءً عالم وجهول وربما ثني، كقول قيس بن معاذ: فيا رب إن لم تقسم الحب بينن *** سواءين فاجعلني على حبها جلدا ومعنى البيت أن التسليم على الناس، وعدمه ليسا مستويين، ولا قريبين من السواء. وكان حقه لولا الضرورة أن يقول: للا سواء ولا متشابهان. انتهى. قال العيني: وقد قيل إن المعنى: أعلم أن تسليم الأمر لكم، وتركه ليسا متساويين ولا متشابهين. انتهى. قال ابن جني في المحتسب: مفاد نكرة الجنس مفاد معرفته، من حيث كان في كل جزء منه معنى ما في جملته. ألا ترى إلى قوله: واعلم أن تسليماً وتركاً البيت فهذا في المعنى كقوله: إن التسليم والترك لا متشابهان ولا سواء. انتهى. ونسب ابن جني في سر الصناعة هذا البيت إلى أبي حزام العكلي، واسمه غالب بن الحارث. وعكل بضم العين وسكون الكاف: قبيلة. وأنشد بعده: فباد حتى لكأن لم يكن *** فاليوم أبكي ومتى لم يبكني على أن دخول اللام على كأن شاذ أيضاً. وباد الشيء: هلك وتلف، وفاعله ضمير الهالك المتقدم في بيت قبله. وحتى للغاية، وهي ابتدائية. وكأن بسكون النون مخففة، واسمها محذوف، وهو ضمير الشيء الهالك، وجملة لم يكن: خبرها. بقول: لم يبق أثر لذلك الهالك، حتى كأنه لم يكن موجوداً. وكسرت النون من يكن للقافية. وقوله: فاليوم أبكي ، أي: عليه. يقال: بكيته، وبكيت عليه، وبكيت له، وبكيته بالتشديد. كذا في المصباح. واليوم: ظرف لأبكي. وقوله: ومتى لم يبكني استفهام إنكاري. يريد: إنه يبكيني في جميع الأوقات. وهذا البيت، لم أره إلا في سر الصناعة لابن جني، ولم أقف على ما قبله، ولا على شيء من خبره. قال ابن جني: اعلم أن اللام قد لحقت بعض الحروف للتوكيد، نحو: لعل زيداً قائم، إنما هو عل، واللام زائدة مؤكدة. وقال الراجز: فباد حتى لكأن لم يكن فأكد الحرف باللام. وقال إلخ ر: للولا قاسم ويدا بسيل البيت وأنشد بعده: للولا قاسم ويدا بسيل *** لقد جرت عليك يد غشوم على أن اللام الداخلة على لولا زائدة، وأما لام لقد بدون لولا فالمشهور أنها لام القسم، وأما معها فقد قال ابن جني في: ومثل لام القسم اللام التي دخلت في جواب لو نحو: والله لو قمت لقمت. وقد تحذف هذه اللام من بعد لو، إذا لم يكن القسم ظاهراً. قال: فلو أن قومي أنطقتني رماحهم *** نطقت ولكن الرماح أجرت أي: لنطقت. ومثل هذه اللام اللام التي في جواب، نحو قوله تعالى: {ولولا رهطك لرجمناك}، وقال الشاعر: فوالله لولا الله لاشيء غيره *** لزعزع من هذا السرير جوانبه فهذه اللام في جواب لولا إنما هي جواب القسم. وربما حذفت إذا لم يظهر القسم إلى اللفظ. قال: وكم من موطن لولاي طحت كما هوى *** بأجرامه من قلة النيق منهوي أي: لطحت. ولا تدخل اللام في جواب لو ولولا إلا على الماضي، دون المستقبل. وكان أبو علي قال لي قديماً: إن اللام في جواب لولا زائدة مؤكدة، واستل على ذلك بجواز سقوطها. وكذلك مذهبه في لو على هذا القياس لجواز خلو جوابها من اللام. انتهى. وقاسم وبسيل: رجلان. والبسيل في اللغة: الكريه الوجه. وجرت من جر عليهم جريرة، أي: جنى جناية. ويد فاعل جرت. وغشوم: جائرة، والغشم: الظلم. والحرب غشوم لأنها تنال غير الجاني. وهو بالغين والشين المعجمتين. وهذا أيضاً لم أره إلا في سر الصناعة، ولم أقف له على خير. والله أعلم. وأنشد بعده: ولقد علمت لتأتين منيتي على أن علمت منزل منزلة القسم، وجملة لتأتين منيتي: جواب القسم. وقد تقدم شرحه مفصلاً في الشاهد السادس عشر بعد السبعمائة. وهو صدر وعجزه: إن المنايا لا تطيش سهامها وأنشد بعده: إني وجدت ملاك الشيمة الأدب على أن اللام المعلقة محذوفة، والأصل: إني وجدت لملاك. وتقدم شرحه في الشاهد الثالث عشر بعد السبعمائة. وهو عجز وصدره: كذاك أدبت حتى صار من خلقي وأنشد بعده: لهنا لمقضي علينا التهاجر على أن بعض العرب، يقول: لهنك لرجل صدق بلامين، كما في المصراعين. وقد تحذف الثانية، فيقال: لهنك رجل صدق، كما في البيت. ويريد أن الثانية لام الابتداء التي تكون مع إن. ولا وجه لتقييد الحذف بالقلة، إذ لم يغلب ذكرها مع إن، ولم يكثر حتى يقال إن حذفها قليل، وإنما تكون معها بحسب اختيار المتكلم، فإن قصد زيادة التوكيد أوردها، وإلا فلا. قال ابن جني في سر الصناعة: وإذا كانت إن مشددة فأنت في إدخال اللام في إلخ بر، وتركها مخير، فإن خففت لزمت اللام، لئلا تلتبس بإن النافية. وأما اللام الأولى فهي مع الهاء على قول الفراء والمفضل بن سلمة بقية لفظ الجلالة. وأما على قول سيبويه بجعل الهاء بدلاً من همز إن فلم يظهر من كلام الشارح ما هي عنده. وربما يؤخذ منه أنها زائدة عنده، ولهذا أورد كلامه في ذيل مبحث اللام الزائدة. وهو مذهب ابن مالك. قال في التسهيل: وربما زيدت اللام قبل همزتها مبدلة مع هاء مع تأكيد إلخ بر وتجريده. وهذا ظاهر قول الجوهري في الصحاح: اللام الأولى للتوكيد، والثانية لام إن. وهذا ليس مذهب سيبويه، وإنما هي عنده لام جواب قسم مقدر، وهذا نصه، ونقله ابن السراج في الأصول: لهنك لرجل صدق: هذه كلمة تتكلم بها العرب في حال اليمين، وليس كل العرب يتكلم بها، فهي إن ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف، كقولك: هرقت. ولحقت هذه اللام إن كما لحقت ما حين قلت: إن زيداً لما لينطلقن، فلحقت إن اللام في اليمين كما لحقت ما. فاللام الأولى في لهنك لام اليمين، والثانية لام إن، وفي: لما لينطلقن، اللام الأولى لإن، والثانية لليمين. والدليل على ذلك أن النون معها. انتهى. وفي شرح قديم لهذه المقدمة: مذهب سيبويه في اللام الواحدة: أنها لام التأكيد، دخلت على إن لما غيرت بإبدال همزتها هاء. وفي اللامين: أن الأولى جواب قسم، والثانية لتأكيد إلخ بر. انتهى. ويدل ما ذهب إليه سيبويه قول المرار الفقعسي: وأما لهنك من تذكر أهله *** لعلى شفا يأس وإن لم تيأس ووجه الدليل أن أما بالتخفيف يكثر الإتيان بها قبل القسم. وجوزه أبو علي في التذكرة القصرية، قال: ويجوز أن تكون اللام في لهنك اللام في لأفعلن، التي لا تدخل إلا على الفعل. ويدل على ذلك لزوم لهنك لليمين، وأنها لا تقال إلا في اليمين. فإن قلت: لام لأفعلن لا تقع إلا على الفعل. قلت: إنما جاز لهنك، وإن لم يكن فعلاً لأن الجملة الاسمية وقعت موقع الجملة الفعلية. انتهى. وذهب الزجاج إلى أن اللام الأولى هي لام إن، واللام الثانية زائدة. واختاره أبو علي في التذكرة القصرية وأيده وأوضحه. وتبعه تلميذه أبو الفتح بني جني. والتذكرة القصرية: هي المسائل التي جرت بينه، وبين صاحبه أبي الطيب محمد بن طوسي المعروف بالقصري، قال فيها: لهنك لرجل صدق، بمنزلة ما جاء على أصله من العينات المعتلة، ليدلوا بذلك على أن أصل المعتل هذا. أوقعت اللام التي كانت في إلخ بر إنك لرجل صدق قبل إن، ليدل ذلك على أن حقها أن تقع قبل إن، فأتوا بهذا على أصله، وأبدلوا الهمزة هاء فراراً من إيقاع اللام قبل إن، فغير اللفظ على ذلك، لأنه ليس يخلو امتناعهم من إيقاع اللام قبل إن من أن يكون ذلك من جهة المعنى، ومن جهة اللفظ. فلا يجوز أن يكون من جهة المعنى بدلالة قولهم: إن في الدار لزيداً، فاللام قد وليت إن من جهة المعنى، فثبت أن المكروه لفظهما، فإبدال الهمزة هاء بمنزلة الفصل بين إن واللام بالظرف، فجاز لهنك. ويؤكد أن اللام في لهنك لام الابتداء، بإبدال الهاء من الهمزة. وإبدال الهاء من الهمزة يؤكد أن اللام غير زائدة، واللام التي في لرجل زائدة، لأنه لا يجوز أن يكونا جميعاً غير زائدتين، لأنك إن فعلت ذلك لزمك أن تدخل اللام في لرجل على اللام التي في لهنك. فإن قلت: أجعل لام لهنك زائدة. قلت: ذلك غير جائز، لأن لام لهنك قد وقعت موقعها، فلا يستقيم أن تقدرها أنها ليست واقعة في غير هذا الموضع، وهذا يجوز في لام لرجل؛ لأنها لم تقع موقعها الذي هو قبل إن. ومثل امتناع تقدير لام لهنك زائدة لأنها قد وقعت موقعها، فلا يستقيم أن يقدر بها غير ذلك قولك: ضرب زيداً غلامه، لا يجوز فيه أن تقول: ضرب غلامه زيداً، لأن الغلام قد وقع موقعه، فلا يستقيم أن يقدر به غير ذلك. انتهى. وحققه ابن جني أيضاً في باب إصلاح اللفظ من إلخ صائص، وقال: ويدل على أن موضع اللام في خبر إن أول الجملة قبل إن، أن العرب لما جفا عليها اجتماع هذين الحرفين قلبوا الهمزة هاء، ليزول لفظ إن، فيزول أيضاً ما كان مستكرهاً من ذلك، فقالوا: لهنك قائم. وعليه قوله فيما رويناه عن محمد بن سلمة عن أبي العباس: ألا يا سنا برق على قلل الحمى *** لهنك من برق علي كريم فإن قلت: فما تصنع بقول إلخ ر: ثمانين حولاً لا أرى منك راحةً *** لهنك في الدنيا لباقية العمر وما هاتان اللامان؟ قيل: أما الأولى، فلام الابتداء على ما تقدم. وأما الثانية في لباقية العمر فزائدة، كزيادتها في قراءة سعيد بن جبير: ألا إنهم ليأكلون الطعام. فإن قلت: فلم لا تكون الأولى هي الزائدة، والأخرى غير زائدة؟ قيل: يفسد ذلك من جهتين: إحداهما أنها قد ثبتت في قوله: لهنك من برق علي كريم هي لام الابتداء لا زائدة. فكذلك ينبغي أن تكون في هذا الموضع أيضاً هيب لام الابتداء. وثانيهما: أنك لو جعلت الأولى هي الزائدة، لكنت قد قدمت الحرف الزائد، والحروف إنما تزاد لضرب من الاتساع. فإذا كانت للاتساع كان آخر الكلام أولى بها من أوله. ألا تراك لا تزيد كان مبتدأة، وإنما تزيدها حشو وآخراً. انتهى. وقد رجع أبو علي عن هذا التحقيق وزيفه في كتابه نقض الهاذور، وهو كتاب نقض ما طعن به ابن خالويه على كتاب الأغفال لأبي علي الذي صنفه إصلاحاً لمسائل الزجاج. واختار مذهب الفراء وأيده، وأدرج فيه مذهب المفضل بن سلمة وجعلهما قولاً واحداً، ونسبه إلى أبي زيد الأنصاري. وهذه عبارته. قال أبو زيد: قال أبو أدهم الكلابي: له ربي لا أقول ذلك بفتح اللام وكسر الهاء في الإدراج. ومعناه: والله ربي لا أقول ذلك. وأنشد أبو زيد: لهني لأشقى الناس إن كنت غارم *** لدومة بكراً ضيعته الأراقم وأنشد أيضاً: أبائنة حبى نعم وتماضر *** لهنا لمقضي علينا التهاجر قال: يقول لله إنا. وأنشد في كتاب آخر: وأما لهنك من تذكر عهده *** لعلى شفا يأس وإن لم تيأس وأنشد غير أبي زيد: لهنك من عبسية لوسيمة *** على هنوات كاذب من يقولها ووجه الدلالة أن اللام لا تخلو من أن تكون الجارة، من قولهم: لله، والتي للتعريف، والتي هي عين الفعل. فلا يجوز أن تكون التي للتعريف، لأن تلك ساكنة وهذه متحركة. فإن قلت: ألقى عليها حركة الهمزة. قلت: لا يجوز ذلك؛ لأن حركة الهمزة كسرة، واللام مفتوحة، لأن أبا زيد قال بفتح اللام. ولا يجوز أن تكون الجارة؛ لأنها مكسورة. فإن قلت: إن أناساً فتحوا الجارة مع المظهر. قلت: ذلك لا يجوز؛ لئلا يبقى الاسم على حرف واحد، وليس في الأسماء المتمكنة اسم على حرف واحد. فثبت أنها عين الفعل، وأن الهمزة فاء حذفت، كما حذفت من قوله: يابا المغيرة رب أمر معضل *** فرجته بالنكر مني والدها فإن قلت: يكون قوله: له، من القول إلخ ر في الاسم، لا من القول الذي الهمزة فيه فاء الفعل. قلت: هذا بعيد، لأنه يحذف على هذا التقدير عين الفعل، والعين لم تحذف، إلا فيما لا حكم له، ولا اعتداد به قلة، فإذا كان كذلك وجب العدول به، والاعتداد له، وكان إلخ ذ بالقول إلخ ر أولى، لأن الألف تحذف فيه كما يقصر الممدود. وهذا قد جاء في كلامهم. ألا تراهم قالوا: الحصد والحصاد. وقد جاء ذلك في الاسم نفسه في قوله: ألا لا بارك الله في سهيل *** إذا ما الله بارك في الرجال فعلى هذا حذفت الألف في الاسم من قوله: له ربي على أن القول إلخ ر في الاسم ليس بالشائع، ولم نعلم أحداً من السلف ذهب إليه. وهذا القول قد روي مسنداً عن ابن عباس، فروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عيسى بن مريم قال لرجل: أتدري ما الله؟ الله إله الآلهة. وعن ابن عباس: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين. فإن قلت: هلا قلت إن قوله: لهني لأشقى الناس، ولهنا لمقضي علينا، إنما هو لإني ولإنا، خلافاً لأبي زيد؟ قلت: هذا لا يسوغ، لأنه يجمع فيه بين إن واللام، ولم يجمعوا بينهما. ألا تراهم أخروها إلى إلخ بر من قولهم: إن زيداً لمنطلق، وفصلوا في نحو: إن في ذلك لآية . فإن قلت: يكون القلب فيها بالتغيير لها كالفصل بينهما؟ قلت: لا يصح؛ لأن البدل في حكم المبدل منه عندهم. ألا ترى أنك لو سميت رجلاً بهرق لم تصرفه، كما لا تصرفه لو كانت الهمزة نفسها ثابتة. ألا ترى أن الهمزة في حمراء لما كانت منقلبة عن ألف التأنيث، كان حكمها حكمها في منع الصرف، فكذلك يكون البدل في لهنك، في حكم المبدل منه في الامتناع من الجمع بينهما. على أن هذا السؤال لا يلزم من وجه آخر، وهو أن ما حكاه أبو زيد من قوله: له ربي لا يجوز أن يظن فيه أن الهاء بدل من الهمزة، فإذا كان كذلك رددت المواضع إلى هذا الموضع الذي لا يجوز فيه إبدال، وعلمت أن المعنى: لله إني. فإن قلت: لم لا تقول في قولهم: لهنا ولهني ولهنك: إنما هو له إنا؛ لأن قطرباً قد حكى أنهم يقولونه بالإسكان، وإذا كانت الهاء ساكنة، وألقيت عليها حركة الهمزة، وجب أن تقول: لهنا، فتكون الأبيات على هذا التأويل، لا على الوجه الذي ذكرته؟ قلت: يفسد هذا تحريكها الهاء بالجر في له ربي. فكما كانت متحركة في الجر، ولا همزة مكسورة بعدها فتحذف، وتلقى حركتها عليها، كذلك تكون الكسرة في لهني ولهنك ولهنا الجرة، لا حركة الهمزة المحذوفة للتخفيف على ما حكاه قطرب. على أن ذلك قليل في الاستعمال وإن كان متجهاً في القياس. انتهى كلام أبي علي. قال ابن جني في إلخ صائص: وأما من قال: إن لهنك، أصله لله إنك، فقد ذكرنا ما عليه فيه في موضع آخر. على أن أبا علي قد كان قواه بأخرة وفيه تعسف. انتهى. ورأيت في شرح قديم لهذه المقدمة: ومذهب أبي زيد، وقواه أبو علي، أن أصل لهنك لاه إنك، فحذفت همزة إن وألف لاه، فبقي لهنك. ومذهب سيبويه أقوى، لأنه ليس فيه إلا إبدال الهمزة، وفي هذا توالى حذفان بعد حذف سابق في لاه. انتهى. أقول: ما نسبه أبو علي إلى أبي زيد، لعله في غير النوادر، وإلا فما في النوادر موافق لسيبويه. وهذا ما في نوادره. قال المرار بن سعيد الفقعسي، وهو إسلامي: وأما لهنك من تذكر أهلها البيت يريد: أما إنك. أبو حاتم: لهنك يريد لله إنك، فحذف ثم حذف. انتهى. قال إلخ فش فيما كتب على النوادر: قول أبي حاتم ليس بشيء عند أصحابه البصريين، لأنه حذف مخل بالكلام. وذلك أنه حذف حرف الجر وجملة من الاسم المجرور. وهذا لا يجوز عند أهل العربية، ولا نظير له، ولكن تأويل لهنك بلإنك صحيح، وفيه إبدال الهاء من الهمزة، لأنها تقرب منها في المخرج. ونقل صاحب الصحاح عن أبي عبيد، أن ما نسبه أبو علي لأبي زيد هو قول الكسائي، قال: قال أبو عبيد: أنشدنا الكسائي: لهنك من عبسية لوسيمة *** على هنوات كاذب من يقولها وقال: أراد لله إنك من عبسية، فحذف اللام الأولى من الله والألف من إنك، كما قال إلخ ر: لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب أراد: لله ابن عمك. والقول الأول أصح، أي: القول بأن أصله لإنك، ذكره مادة لهن. ونقل أبو حيان في تذكرته المذاهب الثلاثة طبق ما نقله الشارح المحقق، إلا أنه نسب الثالث للمفضل بن سلمة، كابن الأنباري في مسائل إلخ لاف، لا أنه حكاه عن بعضهم. واعلم أن المصراع الشاهد عجز بيت، وصدره ما أورده أبو علي، وهو: أبائنة حبى نعم وتماضر ولم أر من ذكره غيره، ولم أقف على قائله. والهمزة: للاستفهام. وبائنة: اسم فاعل من البين، وهو الفراق والهجر. وبائنة: مبتدأ استغنى بمرفوعه، وهو حبى، عن إلخ بر لاعتماده على الاستفهام. وحبى: بضم المهملة وتشديد الموحدة بعدها ألف مقصورة، من أعلام النساء، غير منصرف. وكذلك تماضر: علم امرأة، بضم المثناة الفوقية بعدها ميم فألف فضاد معدمة مكسورة. منقول من فعل مضارع من المضر، مصدر مضر اللبن، كنصر وفرح وكرم، أي: حمض. وهو معطوف على حبى عطفاً تلقينياً. ونعم تصديق للاستفهام. والمقضي: اسم مفعول من قضى عليه قضاء بالمد ويقصر. والقضاء: الحكم والحتم. والتهاجر: نائب الفاعل، وهو تفاعل من الهجر. وينبغي أن نشرح الأبيات التي أوردها أبو علي تكميلاً للفائدة. فقوله: لهني لأشقى الناس إن كنت غارماً يأتي شرحه بعد هذا وقوله: وأما لهنك من تذكر عهدها نسبه أبو زيد للمرار كما تقدم، وقال: شفا الشيء: حرفه، وناحيته، وشرفه. ويقال: هو على شرف خير وشر. وقوله: لهنك من عبسية لوسيمة أورده صاحب الصحاح عن أبي عبيدة عن الكسائي. قال ابن بري في أماليه عليه. قبله: وبي من تباريح الصبابة لوعة *** قتيلة أشواقي وشوقي قتيلها وروى المصراع الثاني غير الكسائي كذا: لهنك من عبسية لوسيمة *** على كاذب من وعدها ضوء صادق ولم أقف على قائلهما. وعبسية: امرأة منسوبة إلى عبس، وهو أبو قبيلة، وهو تمييز مجرور بمن. والوسيمة: الجميلة، خبر لهنك. والهنوات: الفعلات القبيحة، جمع هنة، وهو ما يستهجن التصريح بذكره. وكاذب: صفة سببية لهنوات، ومن فاعل هنوات. وأنشد أبو زيد: لهن الذي كلفتني ليسير وهو من شعر رواه أبو بكر التاريخي، ومحمد بن الحسين اليمني، كل منهما في طبقات النحاة، في ترجمة الرياشي، لأنه قال: أنشدني غلام إسماعيل بن محمد بن أيوب بالمدينة، وكان لبني سليم: وقالت: ألا هل تقضم الحب موهن *** من الليل إن الكاشحين حضور فقلت لها: ما تطعميني أقتلد *** لهن الذي كلفتني ليسير والقضم: الأكل بأطراف الأسنان، وفعله من باب علم. والحب ، بفتح المهملة: حب البطيخ ونحوه. والموهن ، بفتح الميم وكسر الهاء: نحو من نصف الليل. وقال الأصمعي: هو حين يدبر الليل. وأقتلد بالقاف، قال اليمني: القلد: الشرب. وفي القاموس: قلد الماء في الحوض، واللبن في السقاء، والشراب في البطن يقلده: جمعه فيه. وأنشد أبو زيد أيضاً: لهنك في الدنيا لباقية العمر هو خطاب لمؤنث، وصدره: ثمانين حولاً لا أرى منك راحةً وأنشد بعده: لهني لأشقى الناس إن كنت غارماً لما تقدم قبله. ورأيت هذا المصراع صدر بيت من أشعار ثلاثة. أحدها: ما رواه أبو علي في كتابه نقض الهاذور ولم يعزه إلى أحد، وهو: لدومة بكراً ضيعته الأراقم وأشقى أفعل تفضيل. وغارماً من غرمت الدية، والدين وغير ذلك، من باب تعب، إذا أديته، غرماً بالضم، وغرامة ومغرماً بفتحهما. وغرمته تغريماً وأغرمته: جعلته غارماً. وغرم في تجارته مثل خسر: خلاف ربح. ودومة ، بفتح الدال: اسم امرأة خمارة. والبكر ، بفتح الموحدة: الفتي من الإبل، هو مفعول لغارم، وجملة ضيعته الأراقم: نعت بكر، أي: جعلته ضائعاً. والأراقم: ستة أحياء من تغلب، وهو جشم، وعمرو، ومالك، وثعلبة، ومعاوية، والحارث. وهو بنو بكر بن حبيب، بضم المهملة وفتح الموحدة الأولى، ابن عمرو بن غنم، بفتح المعجمة وسكون النون، ابن تغلب بن وائل. وقال ابن دريد في الجمهرة: الأراقم: بطون من تغلب يجمعهم هذا الاسم، ذكر أبو عبيد أن أباهم نظر إليهم، لما ترعرعوا، فإذا لهم جراءة وحدة، فقال لغلام له: ذا جاء الليل، فاستغث، حتى أنظر ما يصنع أولادي هؤلاء. فذهب إلى حيث أمره فاستغاث، فسمعوا صوته، فقصدوا قصده، وقالوا: ويلك ما دهاك؟ وأين القوم؟ وأقبلوا يتجاذبونه بينهم، حتى جاء أبوهم، فقال له: كف بنيك عني؛ فإن عيونهم عيون الأراقم، فقد كادوا يقتلونني! فسموا بذلك. وقال ابن الكلبي: إنما سموا بذلك لأن امرأة دخلت على أمهم وهم نيام، ورؤوسهم خارجة من قطيفة، فقالت: كأن عيونهم عيون الأراقم! فسموا به. وصاحب القاموس لم يحقق النظر هنا، فقال: تبعاً لصاحب الصحاح: الأراقم: حي من تغلب، وهو جمع أرقم، وهو أخبث الحيات، وأطلبها للناس. وقيل: ما فيه سواد وبياض، وقيل: ذكر الحيات. ثانيها: صدر بيت من قصيدة لخداش بن زهير العامري الصحابي، وكان ممن شهد وقعة حنين مع المشركين، ثم أسلم بعد زمان. تقدمت ترجمته في الشاهد الرابع والعشرين بعد إلخ مسمائة. ومن قصيدته: فيا راكباً إما عرضت فبلغن *** عقيلاً إذا لاقيتها وأبا بكر بأنكم من خير قوم لقومكم *** على أن قولاً في المجالس كالهجر دعوا جانباً إنا سنترك جانب *** لكم واسعاً بين اليمامة والقهر إلى أن قال: وإنا لمن قوم كرام أعزة *** إذا لحقت قوم بفرسانها تجري ونحن إذا م إلخ يل أدرك ركضه *** لبسنا لها جلد الأساود بالنمر لعمري لئن أخبثتما حين قلتم *** لنا العز والمولى فأسرعتما نفري أبي فارس الضحياء عمرو بن عامر *** أبى الذم واختار الوفاء على الغدر لهني لأشقى الناس إن كنت غارم *** لعاقبة قتلى خزيمة والخضر وعرضت: أتيت العروض، وهي مكة والمدينة حرسهما الله تعالى وما حولهما، يقال: عرض الرجل، إذا أتى العروض. وأخبث ، إذا اتخذ أصحاباً خبثاء، والضحياء: فرس عمرو بن عامر. واللام في العاقبة بمعنى بعد. وقتلى: مفعول غارماً، جمع قتيل. والخضر ، بضم إلخ اء وسكون الضاد المعجمتين، قال صاحب القاموس: وبنو إلخ ضر: بطن من قيس عيلان، منهم أبو شيبة إلخ ضري. ثالثها: ما رأيته في كتاب اللصوص للسكري في شعر تليد الضبي، بفتح المثناة الفوقية وكسر اللام، وكان أحد اللصوص على عهد عمر بن عبد العزيز، أخذ وأقيم للناس بأمره، ليدفع ما أخذه منهم، فقال في ذلك: ولو أن بعض الناس يفقد أمه *** لقيل احتواها في الرحال تليد لهني لأشقى الناس إن كنت غارم *** قلائص بين الجلهتين ترود قلائص معزاب أتى الليل دونه *** وما الناس إلا عاجز وجليد فأمرع عمر بن عبد العزيز ببناء مسجد، وأن يبنيه بنفسه، فقال: تبدلت من سوق الأباعر في الضحى *** ومن قنص الغزلان بني المساجد فأصبحت قد أحدثت لله توبةً *** وخير عباد الله في زي عابد على أن في نفسي إلى البيض طربةً *** وأني قد أهوى ركوب الموارد وقال أيضاً: يقولون: جاهد يا تليد بتوبة *** وفي النفس مني عودة سأعودها ألا ليت شعري هل أقودن عصبةً *** قليلاً لرب العالمين سجودها وهل أطردن الدهر ما عشت هجمةً *** معرضة الأنجاد سجحاً خدوده والرحال: جمع رحل بسكون المهملة: المأوى والمنزل. وقلائص: مفعول غارم، جمع قلوص، وهي الناقة الشابة. والجلهة ، بفتح الجيم وسكون اللام: ناحية الوادي. والمعزاب من الإبل والشاء: التي تعزب، أي: تبعد عن أهلها في المرعى، وهو بالعين المهملة والزاي. والجليد، ومثله الجلد بفتح فسكون، من الجلد بفتحتين، وهو الشدة والقوة. يقول: إني أشقى الناس، إن كنت أغرم كل ما سرق للناس. والبني ، بفتح الموحدة وسكون النون: مصدر بنى يبني. والهجمة ، بفتح الهاء وسكون الجيم: القطيع من الإبل، أولها الأربعون إلى ما زادت. والأنجاد: جمع نجد، وهو الطريق الواضح المرتفع. والتعريض: جعل الشيء عرضاً لشيء. وأراد كونها معرضة في الطريق للغارة والسرقة. والسحج ، بتقديم الجيم على المهملة: جمع أسحج وسجحاء، من سجح إلخ د، كفرح: سهل ولان وطال في اعتدال، وقل لحمه. وأنشد بعده:
|