الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
ألا يا سنا برق على قلل الحمى *** لهنك من برق علي كريم على أنه حذف اللام من خبر لهنك، حيث لم يقل: لعلي كريم، والكثير إثباتها. وتقدم ما فيه. وهو من جملة أبيات لرجل من بني نمير. قال أبو هلال العسكري في ديوان المعاني أخبرنا أبو أحمد. وقال القالي في أماليه: حدثني أبو يعقوب وراق أبي بكر بن دريد، قالا: حدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا الفضل بن محمد بن العلاف، قال: لما قدم بغا ببني نمير أسرى، كنت كثيراً ما أذهب إليهم فأسمع منهم، وكنت لا أعدم أن ألقى الفصيح منهم، فأتيتهم يوماً في عقب مطر، وإذا فتىً حسن الوجه قد نهكه المرض، ينشد: ألا يا سنا برق على قلل الحمى *** لهنك من برق علي كريم لمعت اقتذاء الطير والقوم هجع *** فهيجت أسقاماً وأنت سليم فهل من معير طرف عين خلية *** فإنسان عين العامري كليم رمى قلبه البرق الملالئ رميةً *** بذكر الحمى وهناً فبات يهيم فقلت: يا هذا إنك لفي شغل عن هذا. فقال: صدقت، ولكني أنطقني البرق. زاد عليه القالي: ثم اضطجع فما كان ساعة حتى مات، فما يتوهم عليه غير الحب. وروى السيوطي في شرح أبيات المغني عن ثعلب في أماليه بسند إلى محمد بن معن الغفاري، قال: أقحمت سنة بالمدينة ناساً من الأعراب، فيهم صرم من بني كلاب فأبرقوا ليلة في النجد وغدوت عليهم، فإذا غلام منهم قد عاد جلداً وعظماً، ورفع عقيرته بأبيات قد قالها من الليل. وأورد الأبيات. قال: فقلت له: في دون ما بك ما يفحم عن الشعر! قال: صدقت، ولكن البرق أنطقني. قال: ثم - والله - ما لبث يومه تاماً حتى مات قبل الليل، ما يتهم عليه غير الحب. وفي رواية وكيع زيادة بيت بعد البيت الثاني، وهو: فبت بحد المرفقين أشيمه *** كأني لبرق بالستار حميم وقد تصفحت أمالي ثعلب مراراً، ولم أر فيها هذه الأبيات، ولعل ثعلباً رواها في غير الأمالي، ولهذا لم يقيد ابن جني في سر الصناعة النقل عنه بالأمالي، قال: قرأت على محمد بن الحسن، وقرئ عليه وأنا حاضر، عن أحمد بن يحيى. وحدثنا به أيضاً عن أبي العباس محمد بن يزيد بن سلمة: ألا يا سنا برق . البيت. فأحمد بن يحيى هو ثعلب، ومحمد بن يزيد هو المبرد، ومحمد بن سلمة هو الراوي عن المبرد. وكذا صنع في إلخ صائص. وكان ابن بري وقع نظره على سند ابن جني ولم يحقق النظر، فنسب الشعر في حاشية الصحاح إلى محمد بن سلمة، وتبعه العيني في ذلك. والسنا بالقصر: ضوء البرق. والقلل: جمع قلة، وهي من كل شيء: أعلاه. ورواه ابن بري: قنن الحمى جمع قنة، بمعنى القلة. والحمى هو المكان الذي يحمى من الناس فلا يقربه أحد، وأراد به حمى حبيبته. ومن برق: تمييز مجرور بمن. وكريم: خبر لهنك. وعلي: متعلق به، والكريم: من كرم الشيء، أي: نفس وعز. وقوله: لمعت ...إلخ، لمع الشيء: أضاء. واقتذاء ، بالقاف والذال المعجمة، قال ابن بري: اقتذاء الطير هو أن يفتح عينه، ثم يغمضها إغماضة. انتهى. وكذا في القاموس. والمصدر هنا قائم مقام الظرف. يريد: أن البرق لمع وقت فعل الطير ذلك، وذلك يكون قبيل الصبح. يقال: إن كل طائر إذا كان آخر الليل فتح عينه، ثم أغمضها ثم فتح. وأصل ذلك من القذى، وهو ما يسقط في العين. وروى أبو هلال: الطرف بدل الطير. فالطرف هنا العين، وهو في الأصل نظر العين، مصدر طرف البصر، من باب ضرب. قوله: فبت بحد ...إلخ، حد كل شيء: طرفه. وأشيم: مضارع شمت البرق، إذا نظرت إلى سحابته أين تمطر. أراد إني اتكأت على طرفي مرفقي فنظرت إليه. والستار ، بكسر السين المهملة بعدها المثناة الفوقية، قال البكري في المعجم: هو جبل معروف بالحجاز. وهذا البيت يبين أن الحكاية وقعت في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. والحميم: القريب. وقوله: البرق الملالي قال البكري في شرح أمالي القالي: هكذا رواه أبو علي القالي، وقال: ملال: موضع نسب البرق إليه. وغيره ينشد: البرق الملألئ بالهمز، من التلألؤ. ونقل هذا الكلام بعينه في معجم ما استعجم ولم يعين الوضع. ولم يورده ياقوت في معجم البلدان أصلاً. وروى أبو هلال بدله: البرق اليماني. والعقيرة: الصوت، وأصله أن رجلاً قطعت إحدى رجليه، فرفعها ووضعها على إلخ رى، وصرخ، فقيل لكل رافع صوته قد رفع عقيرته. والصرم ، بالكسر: أبيات من الناس مجتمعة. وبغ: أعظم قائد من قواد الواثق بالله بن المعتصم بن هارون الرشيد العباسي، نقل النويري في تاريخه نهاية الأرب أن بني سليم كانت تفسد حول المدينة، فقويت شوكتهم، واغتصبوا أموال الناس، فوجه الواثق بغا في سنة ثلاثين بعد المائتين إلى الأعراب الذين أغاروا بنواحي المدينة، فقتل منهم خلقاً، وأسر من أكابر مفسديهم زهاء ألف رجل، وحبسهم في المدينة، فنقبوا السجن، وخرجوا، فأحس بهم أهل المدينة فقتلهم سودانها. وقال البكري في شرح أمالي القالي: ذكر أبو علي عن مفضل بن أحمد، قال: لما قدم بغا ببني نمير أسرى، كان هذا الذي ذكره في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، آخر أيام الواثق. وذلك أن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير امتدح الواثق بقصيدة، فأمر له بثلاثين ألف درهم، ثم كلم عمارة الواثق في بني نمير، وأخبره بعيثهم، وإفسادهم في الأرض، وغاراتهم على اليمامة وغيرها، فكتب الواثق إلى بغا وهو بالمدينة، أمره بحربهم، وأنهم قتلوا أبا نصر بن حميد بن عبد الحميد الطوسي، الذي رثاه الطائي. فسار إليهم حتى وافاهم في بطن نخل من عمل اليمامة، فهزمه بنو نمير، حتى بلغ معسكره وأيقن بالهلكة، ثم تشاغلوا بالنهب حتى ثاب إلى بغا من كان انكشف من أصحابه، فكروا على بني نمير فهزموهم، وقتلوا منهم زهاء ألف وخمسمائة، ونقل إلى بغداد منهم نحو ألفي رجل، ومن بني كلاب وبني مرة وفزارة. فطفئت منذ ذلك جمرة بني نمير، وكانت إحدى الجمرتين الباقيتين. هذا كلامه. والله أعلم. وأنشد بعده: ألا لا بارك الله في سهيل *** إذا ما الله بارك في الرجال على أنه حذف الألف من لفظ الجلالة الأول قبل الهاء. وهذا الحذف لضرورة الشعر، ذكره ابن عصفور في كتاب الضرائر. وأنشد بعده: أقبل سيل جاء من عند الله *** يحرد حرد الجنة المغلة وقال: أنشدهما قطرب. وقال القاضي البيضاوي: حذف ألفه لحن، تفسد به الصلاة، ولا ينعقد به صريح اليمن. وقد جاء لضرورة الشعر: ألا لا بارك الله في سهيل البيت وهو: فاعل لا بارك، مرفوع بضمة ظاهرة. وظن العصام في حاشية القاضي أن الهاء ساكنة، فقال: كما أن حذف الألف للضرورة، كذا حذف الإعراب. ويمكن أن يكون حذف الإعراب لجري الوصل مجرى الوقف. هذا كلامه. والألف المحذوفة هي ألف فعال، إذ أصل الله الإله، فتكون زائدة، وليست عين الفعل، بناء على أصله لاه، مصدر لاه يليه ليهاً، إذا احتجب وارتفع، فيكون أصله ليه، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً. قال ابن جني في المحتسب بعد إنشاد هذا البيت: حذف الألف قبل الهاء، وينبغي أن تكون ألف فعال لأنها زائدة، كقوله تعالى: {إله الناس} ولا تكون الألف التي هي عين فعل في أحد قولي س أن أصله لاه، كناب، لأن الزائد أولى بالحذف من الأصلي. انتهى. وكون الله أصله لاه في أحد قولي س نقله الزجاج عنه، فقال: قال سيبويه: سألت إلخ ليل عن هذا الاسم، يعني قولنا الله، فقال: إله، وقال مرة أخرى: الأصل لاه. ورد عليه الفارسي في الأغفال بأن هذا الذي حكاه عن سيبويه عن إلخ ليل سهو؛ لأن سيبويه لم يحك عن إلخ ليل أن الله أصله إله، ولا قال: سألته عنه، ولا حكى عن إلخ ليل القول إلخ ر الذي قاله، أنه لاه. ورد ابن خالويه على أبي علي: بأنه قد صح القولان عن سيبويه. ولا ننكر أن تكون هذه الحكاية قد ثبتت عند أبي إسحاق الزجاج برواية له عن سيبويه من غير جهة كتابه، فلا يكون حينئذ سهواً. وقد وقعت إلينا مسائل جمة، روى سيبويه الجواب فيها عن إلخ ليل، ولم يضمن كتابه شيئاً من ذلك. ورد عليه أبو علي في نقض الهاذور بأن الذي يحكي هذه الحكايات عن سيبويه عن إلخ ليل وهن أبي الحسن متقول كذاب، ومتخرص أفاك، لا يشك في ذلك أحد له أدنى تنبه وتيقظ. ولم يصغ إلى القبول منه والاشتغال به إلا الأغمار والأغفال، الذين لا معرفة لهم بالرواة ورواياتهم، وتمييز صادقهم من كاذبهم، وضابطهم من مجازفهم ومتجوزهم في الرواية. وما علمت أحداً من شيوخنا الذين أدركناهم، منهم أبو إسحاق، روى حكاية واحدة فضلاً عن حكاية عن إلخ فش عن إلخ ليل، ولا عن سيبويه عن إلخ ليل، إلا ما ثبت في كتابه. بل رأيت رجلاً روى حكاية واحدة أسندها إلى إلخ فش عن إلخ ليل في شيء من العروض، ولم يكن هذا الرجل موثوقاً به في خبره، ولا مسكوناً إلى حكايته. فأما نحن فلم يقع إلينا من الحكايات عن سيبويه ما لم يثبت في كتابه، إلا حكايتان وثلاث: إحداها: عن محمد بن يزيد عن أبي زيد عنه، وهي أن محمد بن السري، روى عن محمد بن يزيد أنه قال: لقي أبو زيد سيبويه، فقال أبو زيد لسيبويه: إني سمعت من العرب من يقول: قريت وتوضيت بالياء، فيبدل الياء من الهمزة. فقال: فكيف تقول أفعل؟ قال: أقرأ، ولا ينبغي أن تقول أقري. والحكاية إلخ رى والحكايتان حكاهم وحكاها ابن سلام عنه على عادة نقلة الآثار. هذا مع ما تصفحنا ما أخذه محمد بن السري عن محمد بن يزيد وعامته، وتصفح ما جمعه أبو عبد الله الفزاري وغيره، ومع صحبة علي بن سليمان، وإبراهيم بن السري وغيرهم، فلم نسمع أحداً روى شيئاً من ذلك. وإنما عمل هذا الإسناد هذا الكذاب الأفاك. ومما يدل على غرة هذا الإسناد أنا لم نجد أبا الحسن يسند إلى إلخ ليل شيئاً إلا على جهة الإرسال، فيقول: قال إلخ ليل، وعلى جهة الحكاية عن غيره، فيقول: زعموا أن إلخ ليل كان يقول. ولم نعلمه قال: سمعت إلخ ليل، وحدثني إلخ ليل، كما يقول ذلك في عيسى ويونس. والذين يحكي عنهم عن إلخ ليل ممن كان اختص بملازمته وصحبته نفر. منهم سيبويه، والنضر بن شميل، ومؤرج السدوسي، وعلي بن نصر. ثم رد على ابن خالويه في نقله بأن من النحويين من يقول أصله وله، وغلطه فيه بأنه تحريف في الرواية وتزييف. قال: ولم نعلم من النحويين بصريهم ولا كوفيهم من ذهب في هذا الاسم إلى أنه من الوله، وإنما ذهب إليه من ليس من أهل النظر في العربية، لوضوح خطأ القول بذلك فيها من جهة اللفظ. ألا ترى أن من أجاز أن يبدل من الفاء التي هي واو الهمزة، لأنها مكسورة في قول من رأى البدل من المكسورة على الاطراد، كما يرى الجميع بدل الهمزة من المضمومة، فإنهم لم يذهبوا إلى ذلك، لأن قولهم فيه تأله دلالة على أنه ليس من الواو. ألا ترى أن من يقول في الوشاح: إشاح، وفي الوسادة: إسادة، يقول: توشح وتوسد. والمستعمل في هذا الاسم تأله. قال: سبحن واسترجعن من تألهي ولو كان من الوله لكان توله. ولو كان في الكلام لغتان لتعاقب الحرفان على الكلمة، كما جاء ذلك في سنة. فللخطأ الظاهر من جهة اللفظ، لم يذهب إلى هذا القول نحوي فيما علمناه. ومما يدا على فساد القول بذلك أيضاً من جهة اللفظ، أنهم قالوا في جميع إله آلهة، كما قالوا في جمع إناء آنية، وأوان آونة. ولو كان من الوله لوجب أن يكون الجمع أولهة، كما قالوا أوعية. فللفساد الظاهر من جهة اللفظ، لم يذهب إليه أحد من أهل العربية. فأما من جهة المعنى فليس بممتنع، ولا فيه شيء ينبغي أن يجتنب، لأن الذي يقول من غير النحويين إن إله فعال من الوله، إنما هو لوله العباد إليه، ودعائهم له، وإسراعهم إلى ذلك عندما يدهمهم من الأمور، وهذا لا يمتنع الوصف به، كما لا يمتنع فيه التسمية بإلاه. ومعنى الإلاهة في اللغة: العبادة، قال ابن عباس، في قوله عز وجل: {ويذرك وإلهتك}، قال: عبادتك. فكما أن العبادة لا تكون من الله سبحانه إنما تكون من عباده له، كذلك لا يكون الوله من الله سبحانه، وإنما يكون من عباده إليه. إلى آخر ما ذكره أبو علي. وأما البيت الثاني فقد قال المبرد في الكامل ذكر أبو عبيد أن أبا حاتم، قال: هذا البيت مصنوع، صنعه من لا أحسن الله ذكره. يعني قطرباً. قال ابن الشجري في أماليه: قائل هذا الرجز إنما حذف الألف للضرورة، وأسكن آخره للوقف عليه، ورقق لامه لانكسار ما قبلها، ولو لم يأت على قافية البيت المغله لأمكن أن يقول: جاء من أمر اللاه، فيثبت ألفه ويقف على الهاء بالسكون. انتهى. وأورده الفراء في تفسيره عند قوله تعالى: {وغدوا على حرد قادرين}، قال: على حرد، على حد وقدرة في أنفسهم. والحرد أيضاً: القصد، كما يقول الرجل للرجل: قد أقبلت قبلك، وقصدت قصدك، وحردت حردك. وأنشد بعضهم: وجاء سيل كان من أمر الله *** يحرد حرد الجنة المغله يريد: يقصد قصدها. انتهى. واستشهد به ابن السكيت في إصلاح المنطق، وابن الأنباري في شرح المفضليات، والبيضاوي في تفسيره على أن الحرد في الآية بمعنى القصد. قال ابن السيرافي في شرح أبيات الإصلاح: الجنة: البستان. والمغلة: التي فيها الغلة. يقال: أغلت، إذا خرجت فيها غلة. وقال ابن السيد في شرح الكامل: هذا الرجز لقطرب بن المستنير، ورواه بعضهم: حرد الحية المغله بالحاء غير المعجمة والياء. ويجوز أن يريد بالحية الأرض المخصبة. يقال: حييت الأرض، إذا أخصبت، وماتت، إذا أجدبت، فيكون مثل رواية من روى: الجنة، ويكون معنى المغلة ذات الغلة. انتهى. وأنشد بعده: ولكنني من حبها لعميد على أن الكوفيين استدلوا به على جواز دخول اللام في خبر لكن. ومنعه البصريون، وأجابوا عن هذا بأنه: إما شاذ، وإما أن أصله لكن إنني. ومثله لابن هشام في المغني، قال: ولا تدخل اللام في خبرها، خلافاً للكوفيين، احتجوا بقوله: ولكنني من حبها لعميد ولا يعرف له قائل، ولا تتمة، ولا نظير. ثم هو محمول على زيادة اللام، وعلى أن الأصل: لكن إنني ثم حذفت الهمزة تخفيفاً، ونون لكن للساكنين. انتهى. وهذا نص إمام الكوفيين الفراء في تفسيره: وإنما نصبت العرب إذ شددت نونها، لأن أصلها إن، زيدت على إن: لام وكاف، فصارتا جميعاً حرفاً واحداً. ألا ترى أن الشاعر قال: ولكنني من حبها لكميد فلم تدخل اللام، إلا أن معناها إن، وهي فيما وصلت به من أولها بمنزلة قول الشاعر: لهنك من عبسية لوسيمة *** على هنوات كاذب من يقولها وصل إن هاهنا بلام وهاء، كما وصلها ثم بلام وكاف. والحرف قد يوصل من أوله وآخره. انتهى. ونسب ابن الأنباري في مسائل إلخ لاف هذا الكلام إلى الكوفيين، وقال: أجاب البصريون عنه بأنه محمول على أن التقدير: ولكن إنني، فحذفت الهمزة من إن تخفيفاً فاجتمع أربع نونات، فحذفوا نون لكن استثقالاً لاجتماع الأمثال. ولو حمل على ما زعمتم، فهو شاذ لا يكاد يعرف له نظير. ولو كان قياساً لكثر في الكلام كما في خبر إن. وأما قولهم إن الأصل إن، ثم زيدت عليها اللام والكاف، قلنا: لا نسلم، فإنه دعوى بلا دليل، ولا نسلم أيضاً أن الهاء في لهنك مع اللام زائدة، وإنما هي مبدلة من ألف إن، فإن الهاء تبدل من الهمزة، ولهذا جاز أن يجمع بين اللام وبينها، لتغير صورتها. وقد حكي عن أصحابكم فيه وجهان. أحدهما: قول الفراء، وهو أن أصله: والله إنك، فحذفت الهمزة من إنك والواو وإحدى اللامين والألف، فبقي لهنك. والوجه الثاني، وهو قول المفضل بن سلمة، أن أصله لله إنك، فحذفت لامان والهمزة من إن. فسقط الاحتجاج به على كلا المذهبين. وأما قولهم: إن الحرف قد يوصل في أوله، قلنا: إنما جاء قليلاً على خلاف الأصل، فلا يقاس عليه. انتهى باختصار. واقتصر الزمخشري في المفصل على الجواب الثاني، فقال: وقوله: ولكنني من حبها لعميد أصله: ولكن إنني، كما أن أصل قوله تعالى: {لكنا هو الله ربي}: لكن أنا. انتهى. ونقل العيني عن البعلي بأن البصريين أجابوا عنه بأن أصله ولكن أنا من حبها لعميد، فحذفت الهمزة، واتصلت لكن بنا، فأدغمت النون في النون فصار كما ترى. انتهى. أقول: هذا فاسد، فإنه يكون حينئذ من قبيل: أم الحليس لعجوز شهربه ولا يجوز تخريج الشاذ على الشاذ. مع أن البصريين لم يقولوا ما نقله عنهم. والعميد: الذي هده العشق. قال الجوهري: عمده المرض، إذا فدحه. ورجل معمود وعميد، أي: هده العشق. والكميد: وصف من الكمد، وهو الحزن. وأنشد بعده: أم الحليس لعجوز شهربه وتقدم شرحه قريباً. وأنشد بعده: إن إلخ ليفة إن الله سربله هو صدر، وعجزه: لباس ملك به تزجى إلخ واتيم على أن المكسورة، يجوز أن تقع خبراً للأحرف الستة. وهنا وقعت جملة: إن الله سربله: خبراً لقوله: إن إلخ ليفة، والرابط الهاء في سربله. ولا يجوز فتح إن هنا لأنه يصير في تقدير. إن إلخ ليفة سربلته؛ ولا يصح إلخ بار بالحدث عن اسم العين، ولهذا وجب كسرها. وسربله: ألبسه، يتعدى لمفعولين أولهما ضمير إلخ ليفة، والثاني اللباس بمعنى الثوب. وجملة به تزجي إلخ واتيم: صفة لملك، والربط الهاء في به. ويجوز أن تكون الجملة خبراً لإن إلخ ليفة، وحينئذ جملة إن الله سربله لباس ملك: معترضة بين اسم إن وخبرها كما قال أبو حيان، فتكون الهاء في به ضمير إلخ ليفة. ويجوز أيضاً أن تفتح أن على تقدير اللام. وتزجي بالزاي والجيم. والإزجاء: السوق. والخواتيم: جمع خاتام لغة في إلخ اتم. يريد: إن سلاطين الآفاق يرسلون إليه خواتمهم خوفاً منه، فيضاف ملكهم إلى ملكه. ويروى: ترجى بالراء المهملة، من الرجاء. وهذه الراوية أكثر من الأولى. ومثل الوجه الأول آية سورة الحج، وهي: إن الذين أمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ، قال الزجاج، وتبعه صاحب الكشاف: خبر الأولى جملة الكلام مع إن الثانية. وقد زعم أن قولك: إن زيداً إنه قائم، رديء، وأن هذه الآية صلحت في الذين. ولا فرق بين الذين وغيره في باب إن. قلت: إن زيداً إنه قائم، كان جيداً. ومثله قول الشاعر: إن إلخ ليفة إن الله سربله وليس بين البصريين خلاف في أن تدخل على كل ابتداء وخبر، تقول: إن زيداً إنه قائم. انتهى كلامه. وهذا تعريض بالفراء، فإنه قال في تفسيره: وقوله: إن الذين أمنوا والذين هادوا إلى قوله: والذين أشركوا ثم قال: إن الله فجعل في خبرهم إن وفي أول الكلام إن. وأنت لا تقول: إن أخاك إنه ذاهب، فجاز ذلك لأن المعنى كالجزاء، أي: من كان مؤمناً، وعلى شيء من هذه الأديان ففصل بينهم، وحسابهم على الله. وربما قالت العرب: إن أخاك إن الدين عليه لكثير، فيجعلون إن في خبره، إذا كان إنما يرفع باسم مضاف إلى ذكره، كقول الشاعر: إن إلخ ليفة إن الله سربله *** سربال ملك به ترجى إلخ واتيم ومن قال هذا، لم يقل: إنك إنك قائم، ولا إن أباك إنه قائم لأن الاسمين قد اختلفا، فحسن رفض الأول، وجعل الثاني كأنه هو المبتدأ. فحسن للاختلاف، وقبح للاتفاق. انتهى كلامه. ومثل البيت في الوجهين آية سورة الكهف، وهي قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً. أولئك لهم جنات عدن}، فيجوز أن يكون إنا لا نضيع...إلخ، خبر إن الذين، والرابط العموم. ويجوز أن يكون إلخ بر جملة أولئك لهم جنات عدن، ويكون جملة إنا لا نضيع ...إلخ، معترضة بين اسم إن وخبرها. قال الزجاج: يجوز أن يكون إلخ بر إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً، ومعناه: إنا لا نضيع أجرهم، لأن ذكر من كذكر الذي، وذكر حسن العمل كذكر الإيمان، فيكون كقولك: إن الله لا يضيع أجره. ويجوز أن يكون خبر إن أولئك لهم جنات عدن، ويكون قوله: إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً، قد فصل به بين الاسم وخبره، لأن فيه ذكر ما في الأول، لأن من أحسن عملاً بمنزلة الذين آمنوا. انتهى. وزاد الفراء وجهين آخرين: أحدهما: أن يكون جملة إنا لا نضيع: بدلاً من إن الذين. والثاني: أن يكون الذين متضمناً لمعنى الشرط لعمومه، وجملة إنا لا نضيع الجزاء ، بتقدير الفاء. وهما ضعيفان لا يجوزان. وهذه عبارته: خبر الذين آمنوا في قوله: إنا لا نضيع، وهو مثل قول الشاعر: إن إلخ ليفة إن الله سربله كأنه في المعنى: إنا لا نضيع أجر من عمل صالحاً، فترك الكلام الأول واعتمد على الثاني بنية التكرير، كما قال: يسئلونك عن الشهر الحرام ، ثم قال: قتال فيه يريد عن قتال فيه بالتكرير. ويكون أن تجعل إن الذين آمنوا في مهب جزاء، كقولك: إن من عمل صالحاً فإنا لا نضيع أجره. فتضمر الفاء، وإلقاؤها جائز. وهو أحب الوجوه إلي. وإن شئت جعلت إلخ بر أولئك لهم جنات عدن. هذا كلامه. والبيت الشاهد من قصيدة لجرير. لكن الذي رأيته في ديوانه بنسخة صحيحة قديمة: يكفي إلخ ليفة أن الله سربله وعليه لا شاهد فيه. وهذه القصيدة مدح بها العزيز بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، ومطلعها: أواصل أنت سلمى بعد معتبة *** أم صارم الحبل من سلمى فمصروم قد كنت أضمر حاجات وأكتمه *** حتى متى طول هذا الوجد مكتوم وبعد البيت الشاهد: من يعطه الله منكم يعط نافلةً *** ويحرم اليوم منكم فهو محروم يا آل مروان غنم الله فضلكم *** فضلاً قديماً وفي المسعاة تقديم قوم أبوهم أبو العاصي وأورثهم *** جرثومةً لا تساميها الجراثيم قد فاز بالغاية العليا فأحرزه *** سام خروج إذا اصطك الأضاميم ما الملك منتقل عنكم إلى أحد *** ولا بناؤكم العادي مهدوم وهذا آخر القصيدة. وجرير تقدمت ترجمته في الشاهد الرابع من أول الكتاب. وأنشد بعده: لقد علم الحي اليمانون أنني *** إذا قلت أما بعد إني خطيبها على أنه روي أني الثانية بكسر الهمزة وفتحها. أما الكسر فعلى أن جملة: إني خطيبه: خبر أنني المفتوحة الهمزة، ولا يجوز فتحها، لئلا يؤدي إلى إلخ بار بالحدث عن اسم العين كما تقدم قبله. وأما فتحها فعلى أنها تكرير للأولى على وجه التأكيد، وخطيبه: خبر أن الأولى، ولا خبر لأن الثانية، لأنها جاءت مؤكدة للأولى، فهي عينها، كما قرره الشارح في الآية. قال شارح اللباب: كان القياس إذا قلت: أما بعد خطيبها، بدون أني؛ ليكون خطيبها خبر أنني المذكورة أولاً، وإنما أعيد أني لبعد العهد بأنني السابق. انتهى. والبيت لسحبان وائل. وروي صدره: وقد علمت قيس بن عيلان أنني وقيس: قبيلة كبيرة، ولها أنث علمت له. وهو في الأصل أبو قبائل شتى. وهو لقب، واسمه الناس بالنون ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وعيلان بالعين المهملة، وليس في العرب عيلان غيره. واختلف فيه: فقيل: عيلان لقب مضر، وقيل: عيلان عبد لمضر فحضن الناس، فغلب عليه، ونسب إليه، وقيل: عيلان: اسم فرس لقيس يضاف إليه، فيقال: قيس عيلان، كقول العجاج: وقيس عيلان ومن تقيسا وقيل غير ذلك. وخطيب القوم هو المتكلم عنهم، لكونه أفصح منهم وأبلغ، مأخوذ من إلخ طاب، وهو القول الذي يفهمه المخاطب. ويقال لمن يعظ القوم: خطيب أيضاً. يقال: خطبهم، وخطب عليهم، من باب قتل، خطبة بالضم، وهي فعلة بمعنى مفعولة، نحو: نسخة بمعنى منسوخة، وغرفة من ماء بمعنى مغروفة. ومصدره إلخ طابة، وهو قياس مركب من مقدمات مقبولة ومظنونة، من شخص معتقد فيه، والغرض منها ترغيب الناس فيما ينفعهم معاشاً ومعاداً. وأنني الأولى في تأويل مفعول ساد مسد مفعولي علم، وإذا ظرف لعلم. وأما بعد: مقول القول، وهي كلمة يبتدئ بها كثير من إلخ طباء والكتاب كلامهم، كأنهم يستدعون بها الإصغاء لما يقولونه، ولذلك فخر بها سحبان في هذا البيت. وكثيراً ما تأتي عقب الحمد لله، وتسمى حينئذ فصل إلخ طاب، كأنها فصلت بين الكلام الأول والثاني. وتأتي عقب البسملة. وتأتي ابتداء كأنها عقب الفكر والروية. واختلف في أول من قالها. قال الزبير بن بكار: أول من قال: أما بعد كعب بن لؤي، كان يجمعهم يوم الجمعة ويخطبهم، وكان من قوله: أما بعد فعطموا حرمكم وزينونه وكرموه، فإنه يخرج منه نبي كريم. وقيل: أول من قالها قس بن ساعدة الإيادي، كان يجمع بنيه ويقول لهم: أما بعد فإن المعى تكفيه البقلة، وترويه المذقة إلى آخر كلامه. وقيل أول من قالها داود النبي عليه السلام، قال أبو موسى الأشعري والشعبي: أما بعد هي فصل إلخ طاب في قوله تعالى: {وآتيناه الحكمة وفصل إلخ طاب}. والصحيح أنه داود، وإنما قيس بن ساعدة أول من خطب بها في العرب وكتبها أول الكتب على ما ذكر. وقيل فصل إلخ طاب في الآية: البينة على المدعى، واليمين على من أنكر، وقيل: الفصل بين الحق والباطل، وقيل: الفقه في القضاء. وسحبان أورده ابن حجر في الإصابة، في قسم المخضرمين الذين أسلموا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجتمعوا به وهو سحبان بن زفر بن إياس الوائلي وائل باهلة. خطيب مفصح يضرب به المثل في البيان. أدرك الجاهلية وأسلم، ومات سنة أربع وخمسين. وحكى الأصمعي، قال: كان إذا خطب يسيل عرقاً، ولا يعيد كلمة، ولا يتوقف، ولا يقعد حتى يفرغ. وقدم على معاوية وفد من خراسان فيهم سعيد بن عثمان، فطلب سحبان فأتي به، فقال: تكلم. فقال: انظروا لي عصاً، تقوم من أودي. فقالوا: وما تصنع بها وأنت بحضرة أمير المؤمنين؟ قال: ما كان يصنع بها موسى وهو يخاطب ربه، وعصاه في يده. فضحك معاوية، وقال: هاتوا عصاه، فأخذها ثم قام فتكلم من صلاة الظهر إلى أن قامت صلاة العصر، ما تنحنح، ولا سعل، ولا توقف، ولا ابتدأ في معنى فخرج منه، وقد بقي عليه شيء. فما زالت تلك حالته، حتى أشار معاوية بيده فأشار إليه سحبان أن لا تقطع علي كلامي. فقال معاوية: الصلاة. فقال: هي أمامك، ونحن في صلاة وتحميد، ووعد ووعيد. فقال معاوية: أنت أخطب العرب فقال سحبان: والعجم، والإنس والجن. ومما روي من خطبه البليغة: إن الدنيا دار بلاغ، والآخرة دار قرار. أيها الناس فخذوا من دار ممركم لدار مقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم، قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها حييتم، ولغيرها خلقتم. إن الرجل إذا هلك قال الناس: ما ترك؟ وقالت الملائكة: ما قدم؟. قال حمزة الأصبهاني في أمثاله في قولهم: هو أبلغ من سحبان وائل: كان من خطباء العرب وبلغائها. وفي نفسه يقول: لقد علم الحي اليمانون أنني البيت وهو الذي يقول لطلحة الطلحات إلخ زاعي: يا طلح أكرم من مشى *** حسباً وأعطاهم لتالد منك العطاء فأعطني *** وعلي مدحك في المشاهد فقال طلحة: احتكم. فقال: برذونك الورد، وقصر بزرنج، وغلامك إلخ باز، وعشرة آلاف درهم. فقال طلحة: أف، لم تسألني على قدري، وإنما سألت على قدرك وقدر باهلة؛ ولو سألتني كل قصر وعبد ودابة لأعطيتك. ثم أمر له بما سأله، ولم يزده شيئاً، وقال: تالله ما رأيت مسألة محكم ألأم منها. وزرنج: مدينة بسجستان، مات بها طلحة الطلحات. وأنشد بعده: تالله ربك إن قتلت لمسلم *** وجبت عليك عقوبة المتعمد على أن الكوفيين استدلوا به على جواز دخول إن المخففة على غير الأفعال الناسخة. وهذا عند البصريين شاذ؛ لأن مذهبهم إذا خففت إن، وأهملت لا يليها غالباً إلا فعل ناسخ، كما قال الشارح. ولم يقيده بالماضي، كما قيده ابن مالك، لأن شراحه، قالوا: ليس بصحيح، لقوله تعالى: {وإن نظنك لمن الكاذبين}، وقوله تعالى: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم}. وأما الكوفيون غير الكسائي، فلا يثبتون إن مخففة لا عاملة ولا مهملة، وإنما هي عندهم إن النافية واللام بمعنى إلا. وهي عند الكسائي مخففة إن دخلت على اسم، ونافية إن دخلت على فعل. فقوله: إن قتلت لمسلماً عند جميع الكوفيين إن فيه نافية، واللام بمعنى إلا. وعند البصريين مخففة مهملة، واللام فارقة، ومسلماً: مفعول قتلت، وجملة إن قتلت لمسلم: جواب القسم، وربك: صفة لله، وجملة وجبت ...إلخ، استئناف بياني، كأنه قال: ما شأني في قتل مسلم. وتنوين مسلم للتعظيم والتهويل. وعقوبة المتعمد فاعل وجبت، أي: إنك تعاقب بما يعاقب به من تعمد قتل مسلم. وقال العيني: جملة وجبت عليك جواب شرط محذوف، والتقدير: إنك إن قتلت مسلماً وجبت عليك عقوبة المتعمد. هذا كلامه، مع أنه لم يذكر ما موقع جملة إن قتلت، من الإعراب. ورواية صدر البيت عنده: شلت يمينك إن قتلت وعليه فالجملة استئناف لبيان سبب الدعاء عليه. قال ثعلب في الفصيح في باب فعلت بكسر العين: وقد شلت يده تشل، ولا تشلل يدك، أي: بفتح العين في المضارع. قال شارحه أبو سهل الهروي: شلت: يبست، وقيل: استرخت. وروى أيض: هبلتك أمك إن قتلت وثكلتك أمك ، وهما بمعنى، ومن باب فرح. يقال: هبلته أمه، أي: ثكلته، ومصدرهما الهبل، والثكل بفتحتين، واسم الثاني الثكل كقفل، وهو أن تفقد المرأة ولدها. ووجبت معناه حقت وثبتت. وروي أيض: حلت بدل وجبت ، وهو من الحلول بمعنى النزول. وروي أيض: إن قتلت لفارساً . قال أبو علي في البغداديات: إن المخففة قد دخلت على الفعل في نحو: إن كان ليضلنا ، وإن كانوا ليقولون . فيقول القائل: كيف دخلت على الفعل مخففة، وامتنعت من الدخول عليه مثقلة؟ فالجواب أنها امتنعت من ذلك مثقلة لشبهها بالفعل في إحداثها الرفع والنصب، كمل يحدثهما الفعل، فمن حيث لم يدخل الفعل على الفعل، لم تدخل هي أيضاً عليه. وأصلها أنها حرف تأكيد، وإن كان لها هذا الشبه الذي ذكرنا بالفعل. وإذا خففت زال شبه الفعل عنها فلم تمتنع من الدخول على الفعل، إذ كانت الجمل إلخ برية على ضربين: مبتدأ وخبر، وفعل وفاعل. وقد تحتاج المركبة من الفعل والفاعل من التأكيد إلى مثل ما تحتاج إليه المركبة من المبتدأ والخبر، فدخلت المخففة على الفعل، مؤكدة إذا كان أصلها التأكيد، وزال المعنى الذي له كان امتنع من الدخول على الفعل وهو شبهها به. ولزوال شبهه بالفعل اختير في الاسم الواقع بعده الرفع، وجاء أكثر القراءة على ذلك. ومن حيث اختير الرفع في الاسم الواقع بعدها، جاز دخولها على الفعل. فأما اللام التي تصحبها مخففة فهي للفرق بينها، وبين إن التي تجيء نافية بمعنى ما، وليست هذه اللام بالتي تدخل على خبر إن المشددة التي هي للابتداء، لأن تلك كان حكمها أن تدخل على إن، فأخرت إلى إلخ بر، لئلا يجتمع تأكيدان، إذ كان إلخ بر هو المبتدأ في المعنى، وما هو واقع موقعه وراجع إليه. فهي لا تدخل إلا على المبتدأ، وعلى خبر إن إذ كان إياه في المعنى ومتعلقاً به. ولاتدخل من الفعل إلا على ما كان مضارعاً واقعاً في خبر إن وكان فعلاً للحال. فإذا لم تدخل إلا على ما ذكرنا، لم يجز أن تكون هذه اللام التي تصحب إن إلخ فيفة إياها، إذ لا جائز دخول لام الابتداء على الفعل الماضي. وقد وقع بعد إن هذه الفعل نحو: إن كادوا وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين وقد جاوزت الأفعال الواقعة بعد إن فعملت فيما بعد اللام. ومعلوم أن لام الابتداء التي تدخل في خبر إن الشديدة، لا يعمل الفعل الذي قبلها فيما بعدها، وذلك نحو: وإن كنا عن عبادتكم لغافلين وقول القائل: هبلتك أمك إن قتلت لفارس *** حلت عليك عقوبة المتعمد فلما عمل الفعل فيما بعد اللام علم أنها ليست التي تدخل في خبر إن الشديدة. وليست أيضاً التي تدخل على الفعل المستقبل والماضي للقسم، نحو: ليفعلن ولفعلوا. ولو كانت تلك للزم الفعل الذي تدخل عليه إحدى النونين، فلما لم تلزم علم أنها ليست إياه. قال تعالى: {إن كاد ليضلنا عن آلهتنا}، وإن كانوا ليقولون ، فلم تلزم النون. وحكى سيبويه أن هذه النون، قد لا تلزم الفعل المستقبل في القسم، فيقال: والله لتفعل، وهو يريدون لتفعلن. قال: إلا أن الأكثر على ألسنتهم ما أعلمتك، من دخول إحدى النونين، فلا ينبغي أن تقول: إن هذه اللام هي التي في لتفعلن، فتحمل الآي التي تلوناها على الأقل في الكلام. على أن هذه اللام، لو كانت هي التي ذكرنا أنها للقسم وتدخل على المستقبل والماضي، لم تدخل على الأسماء في مثل: إن كنا عن عبادتكم لغافلين وإن قتلت لفارساً . والدليل على ذلك أنها لا تعلق الأفعال الملغاة قبل إن، إذا وقعت في حيزها كما تعلقها التي تدخل على إلخ بر. فقد ثبت بما ذكرنا أن هذه اللام مع إن المخففة ليست التي مع إن المشددة، ولا التي تدخل على الفعل للقسم، لكنها للفصل بينها وبين إن النافية. فهذا حقيقة إن إلخ فيفة واللام التي معها عندي. انتهى كلامه. وقد نقل الشارح المحقق الجواب عن عدم تعليق اللام. ثم قال أبو علي: وإذا ثبت أن هذه اللام ليست للابتداء، لم يمتنع أن تنفتح أن إذا كانت هذه اللام معها، ودخل عليه ما يوجب فتحها؛ إذ اللام المانعة من انفتاح أن غيرها. فلو أدخلنا علمت في مثل: إن وجدك زيد لكاذبا، وجب انفتاح أن، إذ ليس في الكلام شيء يعلق الفعل عنها، ولم يجب أن يكون في أن ضمير القصة من هذه المسألة، كما تقول: إن في مثل قوله تعالى: {أن سيكون منكم} ضميراً، لأن هذا الضمير إنما يكون في أن المخففة من أن المشددة. وليست هذه تلك، إنما هي التي قبل دخول الفعل عليها أن التي لا تمتنع من الدخول على الفعل، لزوال العلة التي كانت تمنعه من الدخول عليه وهي ثقيلة. فكما تقول في حال انكسارها: لا ضمير فيها، كذلك تقول في حال انفتاحها بعد الفعل، فإذا قلنا: علمت أن وجدك زيد كاذبا، لم تدخل اللام كما كانت تدخل قبل دخول علمت، ولم يمنع الفعل من فتح أن شيء، وارتفعت الحاجة إلى اللام مع دخول علمت. وإذا فتحت لم تلتبس بإن التي معناها ما، ولولا فتحها إياها لاحتيج إلى اللام، لأن علمت من المواضع التي يقع فيها النفي، كما وقع بعد ظننت، في نحو قوله: وظنوا ما لهم من محيص فلو بقيت إن على كسرها بعد علمت للزمتها اللام، وكان ذلك واجباً لتخليصه من النفي. فإذا لم تبق على الكسرة، فلا ضرورة إلى اللام. فإن شئت قلت: إذا أدخلت علمت عليها، حذفت اللام لزوال المعنى الذي كانت اللام، اجتلبت له بدون علمت. وإن شئت قلت: أتركها ولا احذفها، فتكون كالأشياء التي تذكر تأكيداً من غير ضرورة إليه. وذلك كثير في الكلام. انتهى كلامه. ولم أره لغيره، وهو غريب يحتاج في إثباته إلى السماع. هذا والبيت لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، من أبيات رثت بها زوجها الزبير بن العوام، وقد قتله عمرو بن جرموز المجاشعي غدراً، بعد انصرافه من وقعة الجمل. وذلك أن الزبير كان خرج مع عائشة رضي الله عنهما في وقعة الجمل، ولما حمي القتال ناداه علي رضي الله عنه فقال له: أنشدك الله يا زبير، أما تذكر يوم قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا زبير أتحب علياً؟ قلت: وما يمنعني من حبي، وهو ابن خالي؟ فقال: ستقاتله وأنت ظالم له. فقال: اللهم بلى، قد كان ذلك، ولكني قد أنسيت ذلك. فانصرف الزبير من الحرب آخذاً طريق مكة فنول على قوم من تميم فأضافه ابن جرموز، وخرج معه إلى وادي السباع وهو على أربعة فراسخ من البصرة، وأراد أنه يريد مسايرته، فقتله غيلة، وذلك في سنة ست وثلاثين من الهجرة. ورثته زوجته بهذه الأبيات: غدر ابن جرموز بفارس بهمة *** يوم اللقاء وكان غير معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته *** لا طائشاً رعش الجنان ولا اليد شلت يمينك إن قتلت لمسلم *** حلت عليك عقوبة المتعمد إن الزبير لذو بلاء صادق *** سمح سجيته كريم المشهد كم غمرة قد خاضها لم يثنه *** عنها طرادك يا ابن فقع القردد فاذهب فما ظفرت يداك بمثله *** فيما مضى ممن يروح ويغتدي البهمة ، بضم الموحدة، معناها هنا الجيش. يقال: فلان فارس بهمة، وليث غابة. ويقال: أيضاً بهمة للفارس الذي لا يدرى من أين يؤتى، من شدة بأسه، فكأن الأمر فيه مبهم. واللقاء: الحرب. وعرد الرجل تعريداً بمهملات، إذا فر في الحرب. والغمرة ، بفتح المعجمة: الشدة. ولم يثنه ، أي: لم يصرفه. وطراد: مصدر طارده، إذا أجرى إلخ يل في الحرب، وفي السباق. والفقع ، بفتح الفاء وكسرها وسكون القاف: نوع من الكمأة. قال شارح إصلاح المنطق: الفقع: الكمأة الأبيض والأحمر. يقولون: هذا فقع قرقرة، للذليل. والقرقرة: الأرض الملساء المستوية، وقيل: القاع من الأرض. يريدون أنه بمنزلة الكمء النابت في السهل، فكلما وطئته القدم شدخته. انتهى. والقردد أيضاً: المكان المستوي. قال الزبير بن بكار في أنساب قريش: تزوج عبد الله بن أبي بكر الصديق رض الله تعالى عنهما عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت حسناء جميلة ذات خلق بارع، فشغلته عن مغازيه، فأمره أبوه بطلاقها، فقال: يقولون طلقها وخيم مكانه *** مقيماً عليك الهم أحلام نائم وإن فراقي أهل بيت جمعتهم *** على كبرة مني لإحدى العظائم ثم طلقها، فمر به أبوه، وهو يقول: فلم أر مثلي طلق اليوم مثله *** ولا مثلها في غير جرم تطلق لها خلق جزل ورأي ومنصب *** وخلق سوي في الحياة ومصدق فرق له أبوه وأمره فراجعها. ثم شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الطائف، فأصابه سهم فمات منه بعد بالمدينة، فقالت عاتكة تبكيه: رزئت بخير الناس بعد نبيهم *** وبعد أبي بكر وما كان قصرا فآليت لا تنفك عيني حزينةً *** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا فلله عينا من رأى مثله فتىً *** أكر وأحمى في الهياج وأصبرا إذا شرعت فيه الأسنة خاضه *** إلى الموت حتى يترك الرمح أحمرا ثم تزوجها عمر بن إلخ طاب، فأولم عليها، فكان فيمن دعا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، فقال له علي: دعني أكلم عاتكة. فقال: كلمها يا أبا الحسن، فأخذ علي بجانب إلخ در، ثم قال: يا عدية نفسها: فآليت لا تنفك عيني حزينةً *** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا فبكت، فقال عمر: ما دعاك إلى هذا يا أبا الحسن؟! كل النساء يفعل هذا. ثم قتل عنها عمر رض الله تعالى عنه فقالت تبكيه: عين جودي بعبرة ونحيب *** لا تملي على الجواد النجيب فجعتني المنون بالفارس المع *** لم يوم الهياج والتثويب قل لأهل الضراء والبأس موتو *** مذ سقته المنون كأس شعوب ثم تزوجها الزبير بن العوام رض الله تعالى عنه، فكانت تخرج إلى المسجد ليلاً، وكان يكره خروجها، ويحرج من منعها، فخرجت ليلة إلى المسجد، وخرج الزبير فسبقها إلى مكان مظلم من طريقها، فلما مرت به وضع يده على بعض جسدها، فرجعت تبكي ثم لم تخرج بعدها، فقال لها الزبير: ما لك لا تخرجين إلى المسجد كما كنت تفعلين؟ فقالت: فسد الناس؛ فقال: أنا فعلت ذلك، فقالت: أليس يقدر غيرك أن يفعل مثله؟ فلم تخرج حتى قتل عنها الزبير، فقالت ترثيه: غدر ابن جرموز بفارس بهمة الأبيات السابقة. وخطبها علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، بعد قتل الزبير فأرسلت إليه، تقول: إني لأضن بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتل. انتهى. كلام الزبير بن بكار. وقد تقدم ترجمة والدها زيد في الشاهد الثامن والسبعين بعد الأربعمائة. وأنشد بعده: فلو أنك في يوم الرخاء سألتني *** طلاقك لم أبخل وأنت صديق على أن أن المخففة المفتوحة لا تعمل في الضمير إلا في الشعر. وتقدم عليه الكلام في الشاهد الثامن بعد الأربعمائة. وأنشد بعده: بأنك ربيع وغيث مريع *** وأنك هناك تكون الثمالا لما تقدم قبله. ومثله في المغني لابن هشام، قال: وشرط اسم أن المخففة أن يكون ضميراً محذوفاً، وربما ثبت كقوله: فلو أنك في يوم الرخاء سألتني ***............البيت وهو مختص بالضرورة على الأصح. وشرط خبرها أن يكون جملة، ولا يجوز إفراده إلا إذا ذكر الاسم فيجوز الأمران. وقد اجتمعا في قوله: بأنك ربيع وغيث مريع ***............البيت انتهى. وتقدم في شرح البيت السابق من باب المضمر أن اسمها عند التخفيف يجب أن يكون ضمير شأن محذوف. ونقلنا هناك نص سيبويه. ففي هذا البيت شذوذ من وجه آخر، وهو كون اسمها غير ضمير شأن. وجوزه بعضهم. وإلى الأول يشير كلام ابن هشام، حيث قال: وربما ثبت، أي: اسمها. وإلى الثاني ذهب ابن مالك وأبو حيان. قال الأول: إذا أمكن جعل الضمير المحذوف ضمير حاضر وغائب غير الشأن فهو أولى. وقال الثاني: لا يلزم أن يكون ضمير الشأن، كما زعم بعض أصحابنا، بل إذا أمكن تقديره بغيره قدر. قال سيبويه في: وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت ، بأنك قد صدقت. وفي قولهم: أرسل إليه أن ما أنت وذا؟ أي: بأنك ما أنت وذا. انتهى. هذا. وقد روى البيت أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات، وإبراهيم الحصري في زهر الآداب، والشريف في حماسته هكذا: بأنك كنت الربيع المغيث *** لمن يعتريك وكنت الثمالا وحينئذ لا شاهد فيه. والبيت من قصيدة عدتها عشرون بيتاً، أوردها صاحب زهر الآداب. وأورد الشريف منها في حماسته ثمانية أبيات، وأبو حنيفة ثلاثة أبيات، وقالوا: هي لجنوب، رثت بها أخاها عمراً ذا الكلب، وهي: سألت بعمرو أخي صحبه *** فأفظعني حين ردوا السؤالا فقالوا: أتيح له نائم *** أعر السباع عليه أحالا أتيح له نمرا أجبل *** فنالا لعمرك منه منالا فأقسمت يا عمرو لو نبهاك *** إذن نبها منك أمراً عضالا إذن نبها ليث عريسة *** مفيداً مفيتاً نفوساً ومالا إذن نبها غير رعديدة *** ولا طائشاً دهشاً حين صالا هزبراً فروساً لأعدائه *** هصوراً إذا لقي القرن صالا هما مع تصرف ريب المنون *** من الأرض ركناً ثبيتاً أمالا هما يوم حم له يومه *** وقال أخو فهم بطلاً وفالا وقالوا قتلناه في غارة *** بآية أن قد ورثنا النبالا فهلا إذن قبل ريب المنون *** فقد كان رجلاً وكنتم رجالا وقد علمت فهم عند اللق *** بأنهم لك كانوا نفالا كأنهم لم يحسوا به *** فيخلوا النساء له والحجالا ولم ينزلوا بمحول السنين *** به فيكونوا عليه عيالا وقد علم الضيف والمرملون *** إذا اغبر أفق وهبت شمالا بأنك كنت الربيع المغيث *** لمن يعتريك وكنت الثمالا وخرق تجاوزت مجهوله *** بوجناء حرف تشكى الكلالا فكنت النهار به شمسه *** وكنت دجى الليل فيه هلالا وحي أبحت وحي منحت *** غداة اللقاء منايا عجالا وكم من قبيل وإن لم تكن *** أردتهم منك باتوا وجالا قال السكري في شرح هذه القصيدة، قال أبو عمرو: قالت هذه القصيدة عمرة بنت العجلان، أخت عمرو ذي الكلب بن العجلان الكاهلي، ترثي أخاها عمراً. انتهى. ونسبها غيره لأخته جنوب. قال الشريف: كان عمرو خرج غازياً فهبط وادياً من أوديتهم فنام فيه، فوثب عليه نمران فأكلاه. وقال صاحب زهر الآداب: قال عمر بن شبة: كان عمرو هذا يغزو فهماً، فيصيب نمهم، فوضعوا له رصداً على الماء فأخذوه، فقتلوه، ثم مروا بأخته جنوب، فقالوا: طلبنا أخاك! فقالت: لئن طلبتموه لتجدنه منيعاً، ولئن وصفتموه لتجدنه مريعاً، ولئن دعوتموه لتجدنه سريعاً. والله لئن سلبتموه لا تجدون ثنته وافية، ولا حجزته جافية، ولرب ثدي منكم قد افترشه، ونهب قد احتوشه، وضب قد احترشه. ثم قالت هذه الأبيات. انتهى. وقوله: سألت بعمرو الباء بمعنى عن، وأخي: عطف بيان، وصحبه: مفعول سألت، وهو مضاف إلى ضمير عمرو. وصحب: جمع صاحب، كشهد جمع شاهد. وأفظعني: هدني قبحه وشدته. يقال: أفظع الأمر إفظاعاً، وفظع فظاعة، إذا جاوز الحد في القبح. وأتيح: مجهول أتاح الله له، بالمثناة والحاء المهملة، بمعنى قضى وقدر. والهاء في له لعمرو، ونائماً: حال منها، وأعر السباع: نائب فاعل أتيح، وهو من العرارة بالعين والراء المهملتين، وهو سوء إلخ لق. وأحال ، بالحاء المهملة، قال السكري: أي ركب عليه فقتله، وأكله. ونمرا أجبل: مثنى نمر مضاف إلى أجبل: جمع جبل. وتصحفت هذه الكلمة على العيني، فقال: قولها نمرا جيئل، أي: نمران من جيئل، أي: سبعان من جيئل. والنمر: السبع. والجيئل، بفتح الجيم وسكون الياء وفتح الهمزة وهو الضبع. وهذا كلامه، وهو تحريف قطعاً. وروى العيني: وثالا بدل منالا ، وقال: ثالا بالثاء المثلثة، يقال: ثال عليه القوم، إذا علوه بالضرب. والمنون: الموت. وحمام المنون: المقدر. قال السكري: قال أبو عمرو: فنالا وما نال ثم قبالا وهذا البيت ساقط من رواية العيني. وقوله: فأقسمت ...إلخ، هذا التفات من الغيبة إلى إلخ طاب. وضمير المثنى في نبهاك للنمرين. وروى: داء عضالا ، أي: شديداً أعيا الأطباء. وقوله: ليث عريسة ، قال الجوهري: العريس والعريسة: مأوى الأسد. والمفيد معناه معطي الفائدة، وآخذ الفائدة، كذا ورد بالمعنيين. ومفيت ، بالفاء، قال السكري: أي مهلك النفوس والمال. وتصحفت هذه الكلمة على العيني فرواها بالقاف، وقال: مقيتاً، أي: مقتدراً، كالذي يعطي كل رجل قوته. ويقال المقيت: الحافظ للشيء، والشاهد له. والنفوس يرجع إلى المقيت، والمال يرجع إلى المفيد. هذا كلامه. والهزبر: الأسد الضخم الشديد. والفروس: الكثير الافتراس للمصيد. وهصور من الهصر، وهو الجذب والأخذ بقوة. والقرن ، بالكسر. وهذا البيت ساقط من رواية العيني. وريب المنون: حوادث الدهر. قال السكري: ثبيت: ثابت، وروى غيره بدله: شديداً . وقوله: هما يوم حم ...إلخ، قال السكري: هما يعني النمرين. وحم: قضى وقدر. وفال بالفاء، أي: اخطأ. رجل فائل الرأي، وفيل، أي: ضعيف الرأي. وفهم: قبيلة، ولهذا منعه الصرف. وقولها: ونحن قتلناه في غارة قال السكري: تهزأ بهم. والآية: العلامة. والنبال: السهام. ورجل ، قال السكري: هو الرجل، يقال: رجل ورجل، أي: بسكون الجيم وضمها. وروى غيره: فذاً بدل رجلاً . والفذ بالفاء والذال المعجمة، هو الفرد. والنفال: الغنائم، جمع نفل بفتحتين، وهي الغنيمة. وقوله: كأنهم لم يحسوا به ..إلخ، من حسست بالخبر من باب تعب، أي: علمته وشعرت به. ويخلوا ، من أخليته، أي: جعلته خالياً. والحجال: جمع حجلة بالتحريك، وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور. والمحول: جمع محل، وهو القحط. وقوله: وقد علم الضيف والمرملون هو من أرمل القوم، إذا نفد زادهم. وروى بدله السكري: والمجتدون ، وقال: هم الطالبون الجدا، وهي العطية. وفاعل هبت ضمير الريح، وإن لم يجر لها ذكر، لفهمها من قولها إذا اغبر أفق؛ فإن اغبراره إنما يكون في الشتاء لكثرة الأمطار، واختلاف الرياح. والشمال ، بالفتح ويكسر: ريح تهب من ناحية القطب، وهو حال، وإنما خصت هذا الوقت بالذكر، لأنه وقت تقل فيه الأرزاق، وتنقطع السبل، ويثقل فيه الضيف، فالجود فيه غاية لا تدرك. وزاد أبو حنيفة بعده بيتاً، وهو: وخلت عن اولادها المرضعات *** ولم تر عين لمزن بلالا وقال: إنما خلت أولادها من الإعواز، لم يجدن قوتاً. واغبرار الأفق من الجدب. وأراد: هبت الريح شمالاً. وهي تضمر، وإن لم تذكر لكثرة ما تذكر. انتهى. والمزن: السحاب. والبلال ، بالكسر: البلل. قوله: بأنك ربيع ..إلخ، الربيع هنا: ربيع الزمان. قال ابن قتيبة في باب ما يضعه الناس غير موضعه، وهو أول كتابه أدب الكاتب: ومن ذلك الربيع، يذهب الناس إلى أنه الفصل الذي يتبع الشتاء ويأتي فيه الورد والنور، ولا يعرفون الربيع غيره. والعرب تختلف في ذلك: فمنهم من يجعل الربيع الفصل الذي تدرك فيه الثمار - وهو إلخ ريف - وفصل الشتاء بعده؛ ثم فصل الصيف بعد الشتاء - وهو الوقت الذي تدعوه العامة الربيع - ثم فصل القيظ بعده: وهو الذي تدعوه العامة الصيف. ومن العرب من يسمي الفصل الذي تدرك فيه الثمار - وهو إلخ ريف -: الربيع الأول. ويسمي الفصل الذي يتلوه الشتاء، ويأتي فيه الكمأة والنور: الربيع الثاني. وكلهم مجمعون على أن إلخ ريف هو الربيع. انتهى. قال شارحه ابن السيد: مذهب العامة في الربيع، هو مذهب المتقدمين، لأنهم كانوا يجعلون حلول الشمس برأس الحمل أول الزمان وشبابه. وأما العرب فإنهم جعلوا حلول الشمس برأس الميزان أول فصول السنة الأربعة، وسموه الربيع. وأما حلول الشمس برأس الحمل، فكان منهم من يجعله ربيعاً ثانياً، فيكون في السنة على مذهبهم ربيعان. وكان منهم من لا يجعله ربيعاً ثانياً، فيكون في السنة على مذهبهم ربيع واحد. وأما الربيعان من الشهور فلا خلاف بينهم أنهما اثنان: ربيع الأول، وربيع إلخ ر. انتهى. والغيث: المطر والكلأ ينبت بماء السماء، والمراد به هذا لوصفه بالمريع، وهو إلخ صيب، بفتح الميم وضمها. وفي القاموس: مرع الوادي، مثلثة الراء، مراعة: أكلأ كأمرع. والثمال ، بكسر المثلثة، قال الدينوري: هو الذخر، وقال غيره: هو الغياث. وقوله: خرق هو بفتح إلخ اء المعجمة: الفلاة الواسعة تتخرق فيها الرياح. ومجهولة: الذي لا يسلك. والوجناء ، بالجيم: الناقة الشديدة. والحرف: الضامرة الصلبة. وتشكى مضارع، أصله تتشكى بتاءين. والكلال: الإعياء. وقوله: وحي أبحت ، أي: رب قبيلة جعلتها مباحة للناهبين، ورب قبيلة أعطيتهم المنايا يوم القتال. وروي أيضاً: وحياً أبحت وحياً منحت والمناي: جمع منية، وهي الموت. والعجال ، بالكسر: جمع عجل بفتح فضم، بمعنى عاجل، كما يجمع رجل على رجال. والقبيل هنا: جمع قبيلة. والوجال: جمع وجل بفتح فكسر، وهو إلخ ائف، من الوجل بفتحتين، وهو إلخ وف. وجنوب صاحبة الشعر، هي امرأة شاعرة جاهلية، بفتح الجيم وضم النون. وأخوها عمرو جاهلي أيضاً، وهو ابن العجلان بن عامر بن برد بن منبه، أحد بني كاهل بن لحيان بن هذيل. وسمي ذا الكلب لأنه كان لا يفارقه كلب له، قاله ابن الأعرابي. وقال أبو عبيدة: لم يكن له كلب لا يفارقه، وإنما خرج غازياً، ومعه كلب يصطاد به، فقال له أصحابه: يا ذا الكلب. فثبتت عليه. ومن الناس من يقول له عمرو الكلب بغير ذو. والله أعلم. وقيل إن جنوب هي عمرة لا أنهما ثنتان. وله أخت أخرى اسمها ريطة، هي شاعرة أيضاً، ومن شعرها فيه: كل امرئ بمحال الدهر مكذوب *** وكل من غالب الأيام مغلوب وكل حي وإن عزوا وإن سلمو *** يوماً طريقهم في الشر دعبوب أبلغ هذيلاً وأبلغ من يبلغه *** عني رسولاً وبعض القول تكذيب بأن ذا الكلب عمراً خيرهم نسب *** ببطن شريان يعوي حوله الذئب الطاعن الطعنة النجلاء يتبعه *** مثعنجر من نجيع الجوف أسكوب والتارك القرن مصفراً أنامله *** كأنه من نجيع الجوف مخضوب المخرج العاتق العذراء مذعنةً *** في السبي ينفح من أردانها الطيب تمشي النسور عليه وهي لاهية *** مشي العذارى عليهم الجلابيب وأنشد بعده: أن هالك كل من يحفى وينتعل هذا عجز، وصدره: في فتية كسيوف الهند قد علموا وتقدم شرحه في الشاهد التاسع والثلاثين بعد الستمائة من نواصب الفعل. وأنشد بعده:
|