.[إسْلَامُ ابْنِ سَاوَى]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ قَبْلَ فَتْحِ مَكّةَ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيّ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ ثُمّ هَلَكَ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ رِدّةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْعَلَاءُ عِنْدَهُ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ.
.[قُدُومُ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ وَمَعَهُمْ مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابِ]:
وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ فِيهِمْ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ الْحَنَفِيّ الْكَذّابُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُسَيْلِمَةُ بْنُ ثُمَامَةَ وَيُكَنّى أَبَا ثُمَامَةَ.
.[مَا كَانَ مِنْ الرّسُولِ لِمُسَيْلِمَةَ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ مَنْزِلُهُمْ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّارِ فَحَدّثَنِي بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَنّ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْتُرهُ بِالثّيَابِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ. مَعَهُ عَسِيبٌ مِنْ سَعَفِ النّخْلِ فِي رَأْسِهِ خُوصَاتٌ فلّمَا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يَسْتُرُونَهُ بِالثّيَابِ كَلّمَهُ وَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ سَأَلْتنِي هَذَا الْعَسِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي شَيْخٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ أَنّ حَدِيثَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا. زَعَمَ أَنّ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَلّفُوا مُسَيْلِمَةَ فِي رِحَالِهِمْ فَلَمّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا مَكَانَهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا قَدْ خَلّفْنَا صَاحِبًا لَنَا فِي رِحَالِنَا وَفِي رِكَابِنَا يَحْفَظُهَا لَنَا، قَالَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِلْقَوْمِ وَقَالَ أَمَا إنّهُ لَيْسَ بِشَرّكُمْ مَكَانًا؛ أَيْ لِحِفْظِهِ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ وَذَلِكَ الّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
.[ارْتِدَادُهُ وَتُنَبّؤُهُ]:
قَالَ ثُمّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَاءُوهُ بِمَا أَعْطَاهُ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى الْيَمَامَةِ ارْتَدّ عَدُوّ اللّهِ وَتَنَبّأَ وَتَكَذّبَ لَهُمْ وَقَالَ إنّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ. وَقَالَ لِوَفْدِهِ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ حِينَ ذَكَرْتُمُونِي لَهُ أَمَا إنّهُ لَيْسَ بِشَرّكُمْ مَكَانًا؛ مَا ذَاكَ إلّا لَمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنّي قَدْ أُشْرِكْت فِي الْأَمْرِ مَعَهُ ثُمّ جَعَلَ يَسْجَعُ لَهُمْ الْأَسَاجِيعَ وَيَقُولُ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ مُضَاهَاةً لِلْقُرْآنِ لَقَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَى الْحُبْلَى، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى، مِنْ بَيْنَ صِفَاقٍ وَحَشًى. وَأَحَلّ لَهُمْ الْخَمْرَ وَالزّنَا، وَوَضَعَ عَنْهُمْ الصّلَاةَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَشْهَدُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهُ نَبِيّ، فَأَصْفَقَتْ مَعَهُ حَنِيفَةُ عَلَى ذَلِكَ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.
.[قُدُومُ زَيْدِ الْخَيْلِ فِي وَفْدِ طَيّئٍ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ طَيّئٍ فِيهِمْ زَيْدُ الْخَيْلِ، وَهُوَ سَيّدُهُمْ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَيْهِ كَلّمُوهُ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمُوا، فَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ رِجَالِ طَيّئٍ مَا ذُكِرَ لِي رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ بِفَضْلِ ثُمّ جَاءَنِي، إلّا رَأَيْته دُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ إلّا زَيْدَ الْخَيْلِ: فَإِنّهُ لَمْ يَبْلُغْ كُلّ مَا كَانَ فِيهِ ثُمّ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ الْخَيْرِ وَقَطَعَ لَهُ فَيْدًا وَأَرَضِينَ مَعَهُ وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمّى الْمَدِينَةِ فَإِنّهُ قَالَ قَدْ سَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاسْمِ غَيْرِ الْحُمّى، وَغَيْرِ أُمّ مَلْدَمٍ فَلَمْ يَثْبُتْهُ- فَلَمّا انْتَهَى مِنْ بَلَدِ نَجْدٍ إلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِ يُقَالُ لَهُ فَرَدَةَ، أَصَابَتْهُ الْحُمّى بِهَا فَمَاتَ وَلَمّا أَحَسّ زَيْدٌ بِالْمَوْتِ قَالَ:
أَمُرْتَحِلٌ قَوْمِي الْمَشَارِقَ غُدْوَةً ** وَأُتْرَكُ فِي بَيْتٍ بِفَرَدَةَ مُنْجِدِ
أَلَا رُبّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْتُ لَعَادَنِي ** عَوَائِدُ مَنْ لَمْ يُبْرَ مِنْهُنّ يَجْهَد
فَلَمّا مَاتَ عَمَدَتْ امْرَأَتُهُ إلَى مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ كُتُبِهِ الّتِي قَطَعَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَرّقَتْهَا بِالنّارِ.
.[أَمْرُ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ]:
وَأَمّا عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ فَكَانَ يَقُولُ فِيمَا بَلَغَنِي: مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ كَانَ أَشَدّ كَرَاهِيَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ مِنّي، أَمَا أَنَا فَكُنْت امْرَأً شَرِيفًا، وَكُنْت نَصْرَانِيّا، وَكُنْت أَسِيرُ فِي قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ فَكُنْتُ فِي نَفْسِي عَلَى دِينٍ وَكُنْت مَلِكًا فِي قَوْمِي، لِمَا كَانَ يُصْنَعُ بِي. فَلَمّا سَمِعْت بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَرِهْته، فَقُلْت لِغُلَامِ كَانَ لِي عَرَبِيّ وَكَانَ رَاعِيًا لِإِبِلِي: لَا أَبَا لَك، أَعْدِدْ لِي مِنْ إبِلِي أَجَمَالًا ذُلُلًا سِمَانًا، فَاحْتَبِسْهَا قَرِيبًا مِنّي، فَإِذَا سَمِعْتَ بِجَيْشِ لِمُحَمّدِ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنّي؛ فَفَعَلَ ثُمّ إنّهُ أَتَانِي ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ يَا عَدِيّ، مَا كُنْتَ صَانِعًا إذَا غَشِيَتْك خَيْلُ مُحَمّدٍ فَاصْنَعْهُ الْآنَ فَإِنّي قَدْ رَأَيْت رَايَاتٍ فَسَأَلْت عَنْهَا، فَقَالُوا: هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمّدٍ. قَالَ فَقُلْت: فَقَرّبْ إلَيّ أَجْمَالِي، فَقَرّبَهَا، فَاحْتَمَلْت بِأَهْلِي وَوَلَدِي، ثُمّ قُلْت: أَلْحَقُ بِأَهْلِ دِينِي مِنْ النّصَارَى بِالشّامِ الْجَوْشِيّةَ، وَيُقَالُ الْحَوْشِيّةُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَخَلّفْت بِنْتًا لِحَاتِمِ فِي الْحَاضِرِ فَلَمّا قَدِمْت الشّامَ أَقَمْتُ بِهَا.
.[أَسْرُ الرّسُولِ ابْنَةَ حَاتِمٍ ثُمّ إطْلَاقُهَا]:
وَتُخَالِفُنِي خَيْلٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتُصِيبُ ابْنَةَ حَاتِمٍ فِيمَنْ أَصَابَتْ فَقُدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سَبَايَا مِنْ طَيّئٍ وَقَدْ بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَرَبِي إلَى الشّامِ، قَالَ فَجُعِلَتْ بِنْتُ حَاتِمٍ فِي حَظِيرَةٍ بِبَابِ الْمَسْجِدِ كَانَتْ السّبَايَا يُحْبَسْنَ فِيهَا، فَمَرّ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامَتْ إلَيْهِ وَكَانَتْ امْرَأَةً جَزْلَةً فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ وَغَابَ الْوَافِدُ فَامْنُنْ عَلَيّ مَنّ اللّهُ عَلَيْك. قَالَ وَمَنْ وَافِدُك؟ قَالَتْ عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ الْفَارّ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَتْ ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَرَكَنِي، حَتّى إذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ مَرّ بِي، فَقُلْت لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ بِالْأَمْسِ. قَالَتْ حَتّى إذَا كَانَ بَعْدَ الْغَدِ مَرّ بِي وَقَدْ يَئِسْت مِنْهُ فَأَشَارَ إلَيّ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ أَنْ قَوْمِي فَكَلّمِيهِ قَالَتْ فَقُمْت إلَيْهِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ وَغَابَ الْوَافِدُ فَامْنُنْ عَلَيّ مَنّ اللّهُ عَلَيْك؛ فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ فَعَلْتُ فَلَا تَعْجَلِي بِخُرُوجِ حَتّى تَجِدِي مِنْ قَوْمِك مَنْ يَكُونُ لَك ثِقَةً حَتّى يُبَلّغُك إلَى بِلَادِك، ثُمّ آذِنِينِي. فَسَأَلْت عَنْ الرّجُلِ الّذِي أَشَارَ إلَيّ أَنْ أُكَلّمَهُ فَقِيلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ وَأَقَمْت حَتّى قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَلِيّ أَوْ قُضَاعَةَ، قَالَتْ وَإِنّمَا أُرِيدُ أَنْ آتِيَ أَخِي بِالشّامِ. قَالَتْ فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِي، لِي فِيهِمْ ثِقَةٌ وَبَلَاغٌ. قَالَتْ فَكَسَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَمَلَنِي، وَأَعْطَانِي نَفَقَةً فَخَرَجْت مَعَهُمْ حَتّى قَدِمْت الشّامَ.
.[إشَارَةُ ابْنَةِ حَاتِمٍ عَلَى عَدِيّ بِالْإِسْلَامِ]:
قَالَ عَدِيّ: فَوَاَللّهِ إنّي لَقَاعِدٌ فِي أَهْلِي، إذْ نَظَرْت إلَى ظَعِينَةٍ تَصُوبُ إلَيّ تُؤْمِنَا، قَالَ فَقُلْت ابْنَةُ حَاتِمٍ قَالَ فَإِذَا هِيَ هِيَ فَلَمّا وَقَفَتْ عَلَيّ انْسَحَلَتْ تَقُول: الْقَاطِعُ الظّالِمُ احْتَمَلْتَ بِأَهْلِك وَوَلَدِك، وَتَرَكْت بَقِيّةَ وَالِدِك عَوْرَتَك، قَالَ قُلْت: أَيْ أُخَيّةُ لَا تَقُولِي إلّا خَيْرًا، فَوَاَللّهِ مَا لِي مِنْ عُذْرٍ لَقَدْ صَنَعْتُ مَا ذَكَرْت. قَالَ ثُمّ نَزَلَتْ فَأَقَامَتْ عِنْدِي، فَقُلْت لَهَا: وَكَانَتْ امْرَأَةً حَازِمَةً مَاذَا تَرَيْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ؟ قَالَتْ أَرَى وَاَللّهِ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ سَرِيعًا، فَإِنْ يَكُنْ الرّجُلُ نَبِيّا فَلِلسّابِقِ إلَيْهِ فَضْلُهُ وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا فَلَنْ تَذِلّ فِي عِزّ الْيَمَنِ، وَأَنْتَ أَنْتَ. قَالَ قُلْت: وَاَللّهِ إنّ هَذَا الرّأْيُ.
.[قُدُومُ عَدِيّ عَلَى الرّسُولِ وَإِسْلَامُهُ]:
قَالَ فَخَرَجْت حَتّى أَقْدَمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْت عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ فَسَلّمْت عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ الرّجُلُ؟ فَقُلْت: عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ؛ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَانْطَلَقَ بِي إلَى بَيْتِهِ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَعَامِدٌ بِي إلَيْهِ إذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ كَبِيرَةٌ فَاسْتَرْقَفْتُهُ فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلًا تُكَلّمُهُ فِي حَاجَتِهَا، قَالَ قُلْت فِي نَفْسِي: وَاَللّهِ مَا هَذَا بِمَلِكِ قَالَ ثُمّ مَضَى بِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا دَخَلَ بِي بَيْتَهُ تَنَاوَلَ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوّةٍ لِيفًا، فَقَذَفَهَا إلَيّ فَقَالَ اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ قَالَ قُلْت: بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا، فَقَالَ بَلْ أَنْتَ فَجَلَسْت عَلَيْهَا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْأَرْضِ قَالَ قُلْت فِي نَفْسِي: وَاَللّهِ مَا هَذَا بِأَمْرِ مَلِكٍ ثُمّ قَالَ إيِهِ يَا عَدِيّ بْنَ حَاتِمٍ أَلَمْ تَكُ رَكُوسِيّا؟ قَالَ قُلْت: بَلَى. قَالَ: أَوْ لَمْ تَكُنْ تَسِيرُ فِي قَوْمِك بِالْمِرْبَاعِ؟ قَالَ قُلْت: بَلَى، قَالَ فَإِنّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَحِلّ لَك فِي دِينِك؛ قَالَ قُلْت: أَجَلْ وَاَللّهِ وَقَالَ وَعَرَفْت أَنّهُ نَبِيّ مُرْسَلٌ يَعْلَمُ مَا يُجْهَلُ ثُمّ قَالَ لَعَلّك يَا عَدِيّ إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ فِي هَذَا الدّينِ مَا تَرَى مِنْ حَاجَتِهِمْ فَوَاَللّهِ لَيُوشِكَنّ الْمَالُ أَنْ يَفِيضَ فِيهِمْ حَتّى لَا يُوجَدُ مَنْ يَأْخُدُهُ وَلَعَلّك إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ فِيهِ مَا تَرَى مِنْ كَثْرَةِ عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ فَوَاَللّهِ لِيُوشِكَنّ أَنْ تَسْمَعَ بِالْمَرْأَةِ تَخْرَجُ مِنْ الْقَادِسِيّةِ عَلَى بَعِيرِهَا حَتّى تَزُورَ هَذَا الْبَيْتَ لَا تَخَافُ وَلَعَلّك إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ فِيهِ أَنّك تَرَى أَنّ الْمُلْكَ وَالسّلْطَانَ فِي غَيْرِهِمْ وَاَيْمُ اللّهِ لَيُوشِكَنّ أَنّ تَسْمَعَ بِالْقُصُورِ الْبِيضِ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ قَالَ فَأَسْلَمْت.
.[وُقُوعُ مَا وَعَدَ بِهِ الرّسُولُ عَدِيّا]:
وَكَانَ عَدِيّ يَقُولُ قَدْ مَضَتْ اثْنَتَانِ وَبَقِيَتْ الثّالِثَةُ وَاَللّهِ لَتَكُونَنّ قَدْ رَأَيْت الْقُصُورَ الْبِيضَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ وَقَدْ رَأَيْت الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْقَادِسِيّةِ عَلَى بَعِيرِهَا لَا تَخَافُ حَتّى تَحُجّ هَذَا الْبَيْتَ وَاَيْمُ اللّهِ لَتَكُونَنّ الثّالِثَةُ لَيَفِيضَنّ الْمَالُ حَتّى لَا يُوجَدَ مَنْ يَأْخُذُهُ.
.[قُدُومُ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيّ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ الْمُرَادّيّ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ، وَمُبَاعِدًا لَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
.[يَوْمُ الرّدْمِ بَيْنَ مُرَادَ وَهَمْدَانَ]:
وَقَدْ كَانَ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ بَيْنَ مُرَادَ وَهَمْدَانَ وَقْعَةٌ أَصَابَتْ فِيهَا هَمْدَانُ مِنْ مُرَادَ مَا أَرَادُوا، حَتّى أَثْخَنُوهُمْ فِي يَوْمٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ يَوْمَ الرّدْمِ، فَكَانَ الّذِي قَادَ هَمْدَانَ إلَى مُرَادَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الّذِي قَادَ هَمْدَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَالِكُ بْنُ حَرِيمٍ الْهَمْدَانِيّ.
.[شِعْرُ فَرْوَةَ فِي يَوْمِ الرّدْمِ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ.:
مَرَرْنَا عَلَى لُفَاةَ وَهُنّ خَوْصٌ ** يُنَازِعْنَ الْأَعِنّةَ يَنْتَحِينَا
فَإِنْ نَغْلِبْ فَغَلّابُونَ قِدْمًا ** وَإِنْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلّبِينَا
وَمَا إنْ طِبّنَا جُبْنٌ وَلَكُنّ ** مَنَايَانَا وَطُعْمَةُ آخَرِينَا
كَذَاكَ الدّهْرُ دَوْلَتُهُ سِجَالٌ ** تَكُرّ صُرُوفُهُ حِينًا فَحِينًا
فَبَيْنَا مَا نُسَرّ بِهِ وَنَرْضَى ** وَلَوْ لُبِسَتْ غَضَارَتُهُ سِنِينَا
إذْ انْقَلَبَتْ بِهِ كَرّاتُ دَهْرٍ ** فَأَلْفَيْتَ الْأُلَى غُبِطُوا طَحِينًا
فَمَنْ يُغْبَطْ بِرَيْبِ الدّهْرِ مِنْهُمْ ** يَجِدْ رَيْبَ الزّمَانِ لَهُ خَئُونًا
فَلَوْ خَلَدَ الْمُلُوكُ إذَنْ خَلَدْنَا ** وَلَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إذَنْ بَقِينَا
فَأَفْنَى ذَلِكُمْ سَرَوَاتِ قَوْمِي ** كَمَا أَفْنَى الْقُرُونَ الْأَوّلِينَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوّلُ بَيْتٍ مِنْهَا، وَقوله: فَإِنْ نَغْلِبْ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
.[قُدُومُ فَرْوَةَ عَلَى الرّسُولِ وَإِسْلَامُهُ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا تَوَجّهَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ، قَالَ:
لَمّا رَأَيْتُ مُلُوكَ كِنْدَةَ أَعَرَضَتْ ** كَالرّجُلِ خَانَ الرّجُلَ عَرَقَ نَسَائِهَا
قَرّبْتُ رَاحِلَتِي مُحَمّدًا ** أَرْجُو فَوَاضِلَهَا وَحُسْنَ ثَرَائِهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَرْجُو فَوَاضِلَهُ وَحُسْنَ ثَنَائِهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي: يَا فَرْوَةُ هَلْ سَاءَك مَا أَصَابَ قَوْمَك يَوْمَ الرّدْمِ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ ذَا يُصِيبُ قَوْمَهُ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمِي يَوْمَ الرّدْمِ لَا يَسُوءُهُ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُ أَمَا إنّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ قَوْمَك فِي الْإِسْلَامِ إلّا خَيْرًا وَاسْتَعْمَلَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مُرَادَ وَزُبَيْدٍ وَمَذْحِجٍ كُلّهَا، وَبَعَثَ مَعَهُ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الصّدَقَةِ فَكَانَ مَعَهُ فِي بِلَادِهِ حَتّى تَوَفّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
.قُدُومُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ فِي أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ:
وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ فِي أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ، فَأَسْلَمَ وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ قَالَ لِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ الْمُرَادِيّ حِينَ انْتَهَى إلَيْهِمْ أَمْرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا قَيْسُ، إنّك سَيّدُ قَوْمِك، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمّدٌ قَدْ خَرَجَ بِالْحِجَازِ، يَقُولُ إنّهُ نَبِيّ، فَانْطَلِقْ بِنّا إلَيْهِ حَتّى نَعْلَمَ عِلْمَهُ فَإِنْ كَانَ نَبِيّا كَمَا يَقُولُ فَإِنّهُ لَنْ يَخْفَى عَلَيْك، وَإِذَا لَقَيْنَاهُ اتّبَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ عَلِمْنَا عِلْمَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ قَيْسٌ ذَلِكَ وَسَفّهُ رَأْيَهُ فَرَكِبَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ وَصَدّقَهُ وَآمَنَ بِهِ. فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ قَيْسَ بْنَ مَكْشُوحٍ أَوْعَدَ عَمْرًا، وَتَحَطّمْ عَلَيْهِ وَقَالَ خَالَفَنِي وَتَرَكَ رَأْيِي؛ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ فِي ذَلِكَ:
أَمَرْتُكَ يَوْمَ ذِي صَنْعَا ** ءَ أَمْرًا بَادِيًا رُشْدَهْ
أَمَرْتُكَ بِاتّقَاءِ ** اللّهِ وَالْمَعْرُوفِ تَتّعِدُهْ
خَرَجْتُ مِنْ الْمُنَى مِثْلَ الْحُمَيّرِ غَرّهُ وَتِدُهْ ** تَمُنّانِي عَلَى فَرَسٍ عَلَيْهِ جَالِسًا أُسْدُهْ
عَلَيّ مُفَاضَةٌ كَالنّهْيِ أَخَلَصَ مَاءَهُ جَدَدُهْ ** تَرُدّ الرّمْحَ مُنْثَنَى السّنَانِ عَوَائِرًا قِصَدُهْ
فَلَوْ لَاقَيْتَنِي لَلَقِيتُ لَيْثًا فَوْقَهُ لِبَدُهْ ** تُلَاقِي شَنْبَثًا شَثْنَ الْبَرَاثِنِ نَاشِزًا كَتَدُهْ
يُسَامَى الْقِرْنَ إنْ قِرْنٌ ** تَيَمّمُهُ فَيَعْتَضِدُهْ
فَيَأْخُذُهُ فَيَرْفَعُهُ ** فَيَخْفِضُهُ فَيَقْتَصِدُهْ
فَيَدْمَغُهُ فَيَحْطِمُهُ ** فَيَخْضِمهُ فَيَزْدَرِدُهْ
ظَلُومَ الشّرَكِ فِيمَا ** أَحْرَزَتْ أَنْيَابُهُ وَيَدُهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ:
أَمَرْتُكَ يَوْمَ ذِي صَنْعَا ** ءَ أَمْرًا بَيّنًا رُشْدُهُ
أَمَرْتُكَ بِاتّقَاءِ اللّهِ ** تَأْتِيهِ وَتَتّعِدُهْ
فَكُنْت كَذِي الْحُمَيّرِ غَرْ ** رَه مِمّا بِهِ وَتِدُهْ
وَلَمْ يَعْرِفْ سَائِرَهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ وَعَلَيْهِمْ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ. فَلَمّا تَوَفّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْتَدّ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ، وَقَالَ حِينَ ارْتَدّ:
وَجَدْنَا مُلْكَ فَرْوَةَ شَرّ مُلْكٍ ** حِمَارًا سَافَ مُنْخُرَهُ بِثَفْرِ
وَكُنْتَ إذَا رَأَيْتَ أَبَا عُمَيْرٍ ** تَرَى الْحُوَلَاءَ مِنْ خَبَثٍ وَغَدْرٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قوله: بِثَفْرِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ.
.قُدُومُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فِي وَفْدِ كِنْدَةَ، فَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ بْنُ شِهَابٍ أَنّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ كِنْدَةَ، فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَسْجِدَهُ وَقَدْ رَجّلُوا جُمَمَهُمْ وَتَكَحّلُوا، وَعَلَيْهِمْ جُبَبُ الْحِبَرَةِ وَقَدْ كَفّفُوهَا بِالْحَرِيرِ فَلَمّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَلَمْ تُسْلِمُوا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ فَمَا بَالُ هَذَا الْحَرِيرِ فِي أَعْنَاقِكُمْ؛ قَالَ فَشَقّوهُ مِنْهَا، فَأَلْقَوْهُ.
.[انْتِسَابُ الْوَفْدِ إلَى آكِلِ الْمُرَارِ]:
ثُمّ قَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، وأنت ابن آكل الْمُرَارِ قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ نَاسَبُوا بِهَذَا النّسَبِ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَرَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ، وَكَانَ الْعَبّاسُ وَرَبِيعَةُ رَجُلَيْنِ تَاجِرَيْنِ وَكَانَا إذَا شَاعَا فِي بَعْضِ الْعَرَبِ، فَسُئِلَا مِمّنْ هُمَا؟ قَالَا: نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، يَتَعَزّزَانِ بِذَلِكَ وَذَلِكَ أَنّ كِنْدَةَ كَانُوا مُلُوكًا. ثُمّ قَالَ لَهُمْ لَا، بَلْ نَحْنُ بَنُو النّضْر بْنِ كِنَانَةَ، لَا نَقَفُوا أُمّنَا، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: هَلْ فَرَغْتُمْ يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ؟ وَاَللّهِ لَا أَسْمَعُ رَجُلًا يَقُولُهَا إلّا ضَرَبْته ثَمَانِينَ.
.[نَسَبُ الْأَشْعَثِ إلَى آكِلِ الْمُرَارِ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ وَلَد آكِلِ الْمُرَارِ مِنْ قِبَلِ النّسَاءِ وَآكِلُ الْمُرَارِ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُجْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ مُرَتّعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ كِنْدِيّ وَيُقَالُ كِنْدَةَ، وَإِنّمَا سُمّيَ آكِلَ الْمُرَارِ لِأَنّ عَمْرَو بْنَ الْهَبُولَةِ الْغَسّانِيّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ وَكَانَ الْحَارِثُ غَائِبًا، فَغَنِمَ وَسَبَى، وَكَانَ فِيمَنْ سَبَى أُمّ أُنَاسَ بِنْتُ عَوْفِ بْنِ مُحَلّمٍ الشّيْبَانِيّ امْرَأَةُ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَتْ لِعَمْرِو فِي مَسِيرِهِ لَكَأَنّي بِرَجُلِ أَدْلَمْ أَسْوَدَ كَأَنّ مَشَافِرَهُ مَشَافِرُ بَعِيرِ آكِلِ مُرَارٍ قَدْ أَخَذَ بِرِقْبَتِك، تَعْنِي الْحَارِثَ فَسُمّيَ آكِلَ الْمُرَارِ وَالْمُرَارُ شَجَرٌ. ثُمّ تَبِعَهُ الْحَارِثُ فِي بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَلَحِقَهُ فَقَتَلَهُ وَاسْتَنْقَذَ امْرَأَتَهُ وَمَا كَانَ أَصَابَ. فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلّزَةَ الْيَشْكُرِيّ لِعَمْرِو بْنِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ اللّخْمِيّ:
وَأَقَدْنَاكَ رَبّ غَسّانَ بِالْمُنْذِرِ ** كَرْهًا إذْ لَا تُكَالُ الدّمَاءُ
لِأَنّ الْحَارِثَ الْأَعْرَجَ الْغَسّانِيّ قَتَلَ الْمُنْذِرُ أَبَاهُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَطْوَلُ مِمّا ذَكَرْت، وَإِنّمَا مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْت مِنْ الْقَطْعِ. وَيُقَالُ بَلْ آكِلُ الْمُرَارِ حُجْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ صَاحِبُ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنّمَا سُمّيَ آكِلَ الْمُرَارِ لِأَنّهُ أَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ شَجَرًا يُقَالُ لَهُ الْمُرَارُ.
.قُدُومُ صُرَدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَزْدِيّ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْأَزْدِيّ، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ فِي وَفْدٍ مِنْ الْأَزْدِ، فَأَمّرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ. وَأَمَرُوهُ أَنْ يُجَاهِدَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَنْ كَانَ يَلِيهِ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ. فَخَرَجَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَسِيرُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ بِجُرَشَ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ مَدِينَةٌ مُعَلّقَةٌ وَبِهَا قَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، وَقَدْ ضَوَتْ إلَيْهِمْ خَثْعَمُ، فَدَخَلُوهَا مَعَهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِسَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ فَحَاصَرُوهُمْ فِيهَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ وَامْتَنَعُوا فِيهَا مِنْهُ ثُمّ إنّهُ رَجَعَ عَنْهُمْ قَافِلًا، حَتّى إذَا كَانَ إلَى جَبَلٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ شَكْرُ، ظَنّ أَهْلُ جُرَشَ أَنّهُ إنّمَا وَلّى عَنْهُمْ مُنْهَزِمًا، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ حَتّى إذَا أَدْرَكُوهُ عَطَفَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ قَتْلًا شَدِيدًا.
.[إخْبَارُ الرّسُولِ وَافِدِي جُرَشَ بِمَا حَدّثَ لِقَوْمِهَا]:
وَقَدْ كَانَ أَهْلُ جَرْش بَعَثُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ يَرْتَادَانِ وَيَنْظُرَانِ فَبَيْنَا هُمَا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَشِيّةً بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إذْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَيّ بِلَادِ اللّهِ شَكْرُ؟ فَقَامَ إلَيْهِ الْجُرَشِيّانِ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللّهِ بِبِلَادِنَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ كَشْرُ، وَكَذَلِكَ يُسَمّيهِ أَهْلُ جُرَشَ، فَقَالَ إنّهُ لَيْسَ بِكَشْرَ وَلَكِنّهُ شَكْرُ؛ قَالَا: فَمَا شَأْنُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ إنّ بُدْنَ اللّهِ لَتُنْحَرُ عِنْدَهُ الْآنَ قَالَ فَجَلَسَ الرّجُلَانِ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَوْ إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُمَا: وَيْحَكُمَا إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيَنْعَى لَكُمَا قَوْمكُمَا، فَقُومَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْأَلَاهُ أَنْ يَدْعُوَ اللّهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْ قَوْمِكُمَا؛ فَقَامَا إلَيْهِ فَسَأَلَاهُ ذَلِكَ فَقَالَ اللّهُمّ ارْفَعْ عَنْهُمْ فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاجِعِينَ إلَى قَوْمِهِمَا، فَوَجَدَا قَوْمَهُمَا قَدْ أُصِيبُوا يَوْمَ أَصَابَهُمْ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فِي الْيَوْمِ الّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا قَالَ وَفِي السّاعَةِ الّتِي ذَكَرَ فِيهَا مَا ذَكَرَ.
.[إسْلَامُ أَهْلِ جُرَشَ]:
وَخَرَجَ وَفْدُ جُرَشَ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمُوا، وَحَمَى لَهُمْ حِمًى حَوْلَ قَرْيَتِهِمْ عَلَى أَعْلَامٍ مَعْلُومَةٍ لِلْفَرَسِ وَالرّاحِلَةِ وَلِلْمُثِيرَةِ بَقَرَةُ الْحَرْثِ فَمَنْ رَعَاهُ مِنْ النّاسِ فَمَا لَهُمْ سُحْتٌ. فَقَالَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ رَجُلٌ مِنْ الْأَزْدِ: وَكَانَتْ خَثْعَمُ تُصِيبُ مِنْ الْأَزْدِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانُوا يَعْدُونَ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ:
يَا غَزْوَةً مَا غَزَوْنَا غَيْرَ خَائِبَةٍ ** فِيهَا الْبِغَالُ وَفِيهَا الْخَيْلُ وَالْحُمُرُ
حَتّى أَتَيْنَا حُمَيْرًا فِي مَصَانِعِهَا ** وَجَمْعُ خَثْعَمَ قَدْ شَاعَتْ لَهَا النّذُرُ
إذَا وَضَعَتْ غَلِيلًا كُنْتُ أَحْمِلُهُ ** فَمَا أُبَالِي أَدَانُوا بَعْدُ أَمْ كَفَرُوا
.قُدُومُ رَسُولِ مُلُوكِ حِمْيَرَ بِكِتَابِهِمْ:
وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَرَ، مَقْدَمَهُ مِنْ تَبُوكَ، وَرَسُولُهُمْ إلَيْهِ بِإِسْلَامِهِمْ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ كُلَالٍ، وَنُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ كُلَالٍ، وَالنّعْمَانُ قَيْلُ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ؛ وَبَعَثَ إلَيْهِ زُرْعَةَ ذُو يَزَنٍ مَا لَك ابْنَ مُرّةَ الرّهَاوِيّ بِإِسْلَامِهِمْ وَمُفَارَقَتِهِمْ الشّرْكَ وَأَهْلَهُ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ النّبِيّ، إلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَإِلَى نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَإِلَى النّعْمَانِ قَيْلِ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ. أَمّا بَعْدُ ذَلِكُمْ فَإِنّي أَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللّهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ أَمّا بَعْدُ فَإِنّهُ قَدْ وَقَعَ بِهِ رَسُولُكُمْ مُنْقَلَبَنَا مِنْ أَرْضِ الرّوم ِ فَلَقِيَنَا بِالْمَدِينَةِ، فَبَلّغَ مَا أَرْسَلْتُمْ بِهِ وَخَبّرَ مَا قَبْلَكُمْ وَأَنْبَأْنَا بِإِسْلَامِكُمْ وَقَتْلِكُمْ الْمُشْرِكِينَ وَأَنّ اللّهَ قَدْ هَدَاكُمْ بِهُدَاهُ إنْ أَصْلَحْتُمْ وَأَطَعْتُمْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَأَقَمْتُمْ الصّلَاةَ وَآتَيْتُمْ الزّكَاةَ وَأَعْطَيْتُمْ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللّهِ وَسَهْمَ الرّسُولِ وَصَفِيّهُ وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الصّدَقَةِ مِنْ الْعَقَارِ عُشْرَ مَا سَقَتْ الْعَيْنُ وَسَقَتْ السّمَاءُ وَعَلَى مَا سَقَى الْغَرْبُ نِصْفُ الْعُشْرِ وَأَنّ فِي الْإِبِلِ الْأَرْبَعِينَ ابْنَةَ لَبُونٍ وَفِي ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ وَفِي كُلّ خُمُسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ وَفِي كُلّ عَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ وَفِي كُلّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةٌ وَحْدَهَا، شَاةٌ وَأَنّهَا فَرِيضَةُ اللّهِ الّتِي فَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَةِ فَمَنْ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَمَنْ أَدّى ذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَى إسْلَامِهِ وَظَاهَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِنّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ وَلَهُ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ وَإِنّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ فَإِنّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ وَمَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيّتِهِ أَوْ نَصْرَانِيّتِهِ فَإِنّهُ لَا يُرَدّ عَنْهَا، وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلّ حَالٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرّ أَوْ عَبْدٍ دِينَارٌ وَافٍ مِنْ قِيمَةِ الْمَعَافِرِ أَوْ عِوَضُهُ ثِيَابًا، فَمَنْ أَدّى ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّ لَهُ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ وَمَنْ مَنَعَهُ فَإِنّهُ عَدُوّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ. أَمّا بَعْدُ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ مُحَمّدًا النّبِيّ أَرْسَلَ إلَى زُرْعَةَ ذِي يَزَنٍ أَنْ إذَا أَتَاكُمْ رُسُلِي فَأُوصِيكُمْ بِهِمْ خَيْرًا: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَمَالِكُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ نَمِرٍ وَمَالِكُ بْنُ مُرّةَ وَأَصْحَابُكُمْ وَأَنْ اجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنْ الصّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ مِنْ مُخَالِيفِكُمْ وَأَبْلِغُوهَا رُسُلِي، وَأَنّ أَمِيرَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَا يَنْقَلِبَنّ إلّا رَاضِيًا، أَمّا بَعْدُ. فَإِنّ مُحَمّدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمّ إنّ مَالِكَ بْنَ مُرّةَ الرّهَاوِيّ قَدْ حَدّثَنِي أَنّك أَسْلَمْتَ مِنْ أَوّلِ حِمْيَرَ، وَقَتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ فَأَبْشِرْ بِخَيْرِ وَآمُرُك بِحِمْيَرَ خَيْرًا، وَلَا تَخُونُوا وَلَا تَخَاذَلُوا، فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ هُوَ وَلِيّ غَنِيّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ وَأَنّ الصّدَقَةَ لَا تَحِلّ لِمُحَمّدِ وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِهِ إنّمَا هِيَ زَكَاةٌ يُزَكّى بِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَابْنِ السّبِيلِ وَأَنّ مَالِكًا قَدْ بَلّغَ الْخَبَرَ، وَحَفِظَ الْغَيْبَ وَآمُرُكُمْ بِهِ خَيْرًا، وَإِنّي قَدْ أَرْسَلْتُ إلَيْكُمْ مِنْ صَالِحِي أَهْلِي وَأُولِي دِينِهِمْ وَأُولِي عِلْمِهِمْ وَآمُرُك بِهِمْ خَيْرًا، فَإِنّهُمْ مَنْظُورٌ إلَيْهِمْ وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ.