الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
قال فيه ابن السمعاني من العلماء العاملين بعلمهم جاور بمكة مدة وكان كثير العبادة والاجتهاد والبراني بفتح الباء المعجمة وتشديد الراء المهملة منسوب إلى قرية بوراني ببخارى مات ببخارى في سلخ جمادى الأولى سنة أربع عشرة وخمسمائة تفقه على إلكيا الهراسي وأبي حامد الغزالي وسمع بالبصرة أبا عمر النهاوندي القاضي وبطبس فضل الله بن أبي الفضل الطبسي روى عنه ابن السمعاني وقال سألته عن مولده فقال دخلت بغداد سنة تسعين وأربعمائة ولي نيف وعشرون سنة وكان من أئمة الفقهاء له بجامع المنصورة حلقة للمناظرة يحضرها الفقهاء كل جمعة توفي في العشرين من المحرم سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ذكره عبد الغافر في السياق قال ابن السمعاني قدم بغداد بعد السبعين وأربعمائة وتفقه على الشيخ أبي إسحاق وبرع في العلم وهو إمام مناظر مفت أديب شاعر مليح المعاشرة حلو المنطق متواضع سمع الفقيه أبا إسحاق وإسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي وأبا نصر الزينبي وبأصبهان وبروجرد من جماعة وكان قاضي بروجرد وبها ولد في شهر رجب سنة إحدى وخمسين وأربعمائة قال ابن السمعاني قرأت عليه أجزاء بها وتوفي بعد رجوعه من حجته الثالثة لأربع خلون من ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وخمسمائة من بيت القضاء والعلم وهو أيضا من كبار الفقهاء وذكره الرافعي في غير موضع وهو ابن عم صاحب البحر فيما يظهر كان أبو العباس الروياني صاحب الجرجانيات وهو أبو عماد الدين فيما أحسب له ولدان أحدهما إسماعيل وهو أبو صاحب البحر والآخر عبد الكريم وهو أبو شريح ولعل وفاة شريح تأخرت عن صاحب البحر وما قد يقع في ذهن بعض الطلبة من أن صاحب البحر جد شريح غير صواب بل الأمر فيما أظن على ما وصفت وقد وقفت على كتاب له في القضاء وسمه بروضة الحكام وزينة الأحكام وهو مليح وفي خطبته يقول لما كثرت تصانيفي في الفروع والأصول والمتفق والمختلف وأنفقت عليها عنفوان شبيبتي وأيام كهولتي إلى أن جاوزت الستين ورأيت آداب القضاة ووصف ذلك إلى أن قال وكنت ابن بجدة عمل القضاء والأحكام اجتهدت فيها للإمضاء والإحكام من أول شبيبتي إلى شيخوختي ورثة عن أسلافي الأعلام وقدوة الأنام فإن الماء ماء أبي وجدي ** وبئري ذو حفرت وذو طويت وقد أمعنت في الكشف عن ترجمة هذا الرجل فما أحطت بأزيد مما ذكرت وكنت قد كتبت فوائد من كتابه أدب القضاء هذا وأنا ذاكر هنا بعض ما كتبت إذا جوزنا قضاء قاضيين في بلد من غير تعيين بقعة فلو أراد المدعي التحاكم إلى أحدهما والمدعي عليه إلى الآخر فثلاثة أوجه الأول منها يجاب المدعي والثاني المدعي عليه لمساعدة الظاهر إياه ولهذا كان القول قوله والثالث يقرع بينهما في اللحمان ثلاثة أوجه من ذوات القيم من ذوات الأمثال يفرق في الثالث بين يابسها فيكون مثليا ورطبها فيجعل متقوما قلت الثالث غريب لو قال له على ألف درهم فيما أظن أو فيما أحسب لم يلزمه أو فيما أعلم أو أشهد لزمه لأن العلم معرفة المعلوم لو قال على أكثر الدراهم رجع إلى بيانه لأن اللفظ ليس نصا في القدر وحكى جدي عماد الدين عن بعض أصحابنا أن عليه عشرة دراهم لأن الدرهم ينتهي إلى العشرة ولا يزيد عليها وأكثر اسم الدراهم يبلغ عشرة فيقال ثلاثة دراهم إلى عشرة ثم يقال أحد عشر درهما القاضي لا يملك الشوارع وقيل يجوز ببدل هل للسفية إجازة نفسه فيه قولان قلت وكذا حكاهما في الإشراف قولين من كلام العبادي وقد قدمناه في ترجمة أبي عاصم هل يجوز تنفيذ الابن ما حكم به الأب وجهان وهل تقبل شهادته بأن أباه حكم بذلك وجهان لو كان النبي قال لفلان على فلان كذا هل للسامع أن يشهد لفلان على فلان كذا وجهان إذا كان في يد رجل وقف فأقر بأنه وقف على فلان ولم يذكر واقفه ولم يعرف واقفه سمع منه لو سمع الحاكم شهادتهما وتوقف فسألهما المدعي إعادتها ثانيا ففي وجوبه وجهان قال ابن أبي هريرة لا تلزمه إعادتها عند القاضي الأول فإن مات أو عزل قبل الحكم لزمه إعادتها عند قاض ثان تقبل شهادة المختبئ في موضع لا يراه أحد وهل يكره ذلك وجهان فإن قلنا لا يكره فهل يندب وجهان أحدهما يندب لأن فيه إحياء الحق والثاني لا يندب لا تقبل شهادة من لم تكمل فيه الحرية وهل تقبل منه شهادة رؤية رمضان وجهان اثنان على دابة أحدهما راكب سرج دون الآخر فادعياها فهي بينهما وقيل لصاحب السرج اشترى شيئا من رجل ثم قال لآخر اشتره مني فإنه لا عيب فيه فلم يشتره ثم وجد به عيبا فقد قيل ليس له الرد على بائعه لاعترافه بأنه لا عيب فيه وقيل له الرد لأنه إنما قال ذلك بناء على ظاهر الحال وقيل إن عين العيب فقال لا شلل به لم يكن له الرد به وإلا فله الرد ذكر الإصطخري أنه لو استأجر رجلا ليحمل له كتابا إلى موضع ويأتي بجوابه فذهب وأوصل الكتاب ولم يكتب المكتوب إليه الجواب فللحامل الأجرة كاملة لأنه لا يلزمه أكثر مما عمل وكان الامتناع من غيره قال وكذا لو مات الرجل فأوصل الكتاب إلى نائبه من وارث أو وصى أجابوه أم لم يجيبوه قال فإن قدم والرجل ميت ولا وارث له فذهب إلى حاكم البلد وأوصل الكتاب وأمره أن يعلم أنه أوصل الكتاب وكان ميتا أجابه الحاكم إلى ذلك وكتب له واخذ جميع الكراء قال جدي وقد قيل له كراء الذهاب من عيوب الجارية التي ترد بها أن لا تنبت عانتها وحدث ذلك في زمان القاضي أبي عمر المالكي قلت وهذا أخذه من كتاب الإشراف لأبي سعد إذا كان الوصي بتفرقه مال فاسقا ففرق فإن كان لغير معينين ضمن وإن كانوا معينين قال جدي عماد الدين يجوز في أظهر الوجهين قلت جزم الرافعي بعدم الضمان إذا شهدوا على القاضي أنه أمن كافرا ولم يتذكره سمعت لأنها شهادة عليه بعقد قلت وهو واضح فإنه في الأمان كآحاد الناس وليس هو بحكم حتى يحتاج إلى التذكير إذا ادعى متولي الوقف صرف الغلة في مصارفها قبل إلا أن يكون لقوم بأعيانهم فادعوا أنهم لم يقبضوا فالقول قولهم ويثبت لهم المطالبة بالحساب وإن لم يكونوا معينين فهل للإمام مطالبته بالحساب فيه وجهان حكاهما جدي قلت وجزم شريح بعد ذلك بأنه ليس للحاكم مطالبة الأمناء بالحساب فقال في الرجل يطالب أمينة بالحساب إنه لا يسمع دعواه ولا يجاب قال لأنه ليس للحاكم ذلك مع الأمناء وإنما القول قول الأمين مع يمينه وأنه ليس عليه شيء وما جزم به من أنه ليس للقاضي مطالبة الأمين بالحساب سبقه إليه القاضي أبو سعد في كتاب الإشراف وموضعه إن شاء الله من لم يحصل للحاكم فيه ريبة فإنه الأمين أما من يريبه منه شيء فينبغي أن يطالبه بالحساب لو قال القاضي صرفته عن القضاء أو رجعت عن توليته فهل يكون ذلك صريحا في عزل النائب وجهان إذا جعل لرجل التزويج والنظر في أمر اليتامى لم يكن له أن يستنيب غيره إذا كان الموضع الذي يجلس فيه القاضي غير مسجد فإذا انتهى إليه قيل لا يصلي ركعتين وقيل يصلي إذا كان يقضي برزق من بيت المال يلزمه أن يقضي في كل نهاره إلا في وقت قضاء الحاجة والصلاة المفروضة والطهارة والنافلة المؤكدة وتناول الطعام على الوجه الذي للأجير أن يشتغل فيه عن العمل وقيل يلزم ذلك على حسب العادة والعرف فيما بين القضاة وإذا كان متبرعا بالقضاء فقد قيل يجلس أي وقت أراد والصحيح أنه يقعد على عادة الحكام ثم هل يعتبر عادة سائر حكام البلاد أو عادة حكام تلك البلد فيه وجهان هل للقاضي تخصيص بعض الرعايا بإنفاذ الهدية إليه وجهان إذا امتنع من الحضور أدبه إذا صح عنده وقيل يقبل فيه شاهدان وإن لم يعرف عدالتهما وقيل لا بد من العدالة قال جدي وهو القياس وإذا بعث رسولا ليستحضره يقبل قول الرسول أنه امتنع لأنه من باب الخبر ويؤدب بقوله وإذا تغيب هجم عليه ولا هجوم في الحدود إلا في حد قاطع الطريق لو قضى الحاكم بما طريقه العبادات والأحكام يجوز أن يحكم بوجوب النية في الوضوء والترتيب فيه وأن الجد لا يرث مع الأخ لم يكن لحكمه معنى إذا نفذ حكم من قبله يقول نفذت حكم فلان القاضي وأمضيته وقال بعض أصحابنا لو قال أجزته كان تنفيذا ولو قال هذا الحكم جائز أو صحيح فهل يكون تنفيذا فيه وجهان إذا أراد نقض الحكم يقول نقضته أو فسخته أو أبطلته ولو قال هذا ليس بصحيح او باطل فوجهان وهل يجوز تنفيذ الابن حكم الأب وجهان وهل تقبل شهادة الابن أن أباه حكم فيه وجهان حكاهما جدي وقيل يجوز قولا واحدا لأنه لا يعود النفع في الحكم إليه إذا ادعى على الشهود أنهم شهدوا عليه بزور وأثبتوا عليه بشهادتهم كذبا ففي التحليف وجهان إذا تبين الحق للحاكم لم يجز له تأخير الحكم إلا برضاهما وقيل يجوز تأخيره يوما وأكثره ثلاثا وقيل وإن ثبت الحق لا يبادر لكن يؤجل ثلاثا أو ثلاث مجالس وقيل لا يفعله إلا إذا سأله المدعى عليه لأن النفع فيه يعود إليه قال الشافعي رضي الله عنه واحب للحاكم إذا أراد الحكم أن يصلي ركعتين يستخير الله فيه ويستكشف غاية الاستكشاف قول الحاكم حكمت بكذا محكم وكذا قضيت في أظهر الطريقين هل يجوز للحاكم أن يحكم بقطعة أرض في غير موضع عمله قولان ولا يجوز أن يكتب بتزويج امرأة في غير موضع عمله قال جدي وغلط من جوزه إذا قلنا يجب على القاضي أن يشهد على حكمه فلو أشهد فاسقين لم يخرج عن الواجب في أظهر القولين وأصلهما الوجهان فيما إذا طولب الفاسق بأداء الشهادة عنده هل يلزمه أداء الشهادة ليس للحاكم تعيين الشهود في البلد لأن فيه تضييقا وجوزه بعض أصحابنا وله أن يعين من يكتب الوثائق في أصح الوجهين و إلى الحاكم تعيين المعدلين والمزكين قال الشافعي رضي الله عنه وإذا رد المدعى عليه اليمين فقلت للمدعي احلف فقال المدعى عليه أنا أحلف لما أجعل له ذلك قال جدي وهذا يفيد أنه إذا قال الحاكم للمدعي احلف كان حكما فيه بتحويل اليمين قلت ولم أر هذا في البحر إنما حكى نص الشافعي ثم قال وقال بعض أصحابنا بخراسان وذكر ما سنذكره قال شريح قال جدي ومن أصحابنا من قال لا بد من قول الحاكم حولت اليمين أو رددت أوحكمت بالرد أو يقبل على المدعى عليه فيقول احلف قلت وهذا في البحر للروياني كما نقله شريح وعزاه إلى بعض أصحابنا بخراسان كما عرفت وقال في آخره وعندي إذا قال للمدعي أتحلف أنت ثم قال المدعى عليه أنا أحلف له ذلك وهو الأظهر هذا لفظ البحر ثم قال شريح وإذا قلنا يكتفى برد المدعى عليه فلو قال رددت إن شاء فهل يصح الرد وجهان حكاهما جدي كما لو قال بعتك هذا المال إن شئت قلت ولم ار هذين الوجهين في البحر كل هذا مما يدل على أن جده ليس هو صاحب البحر ولو كان ما ينقله شريح في هذا الموضع من البحر لنقل زيادات هنا في البحر ليست في كتاب شريح لو قال البائع نقدني المشترى ثمن هذه الدار فلم أقبضه ووصل به كلامه ففي قبوله وجهان ولو قال أعطاني الثمن فلم أقبضه فقيل كما لو قال نقدني وقيل يقبل وجها واحدا لو أعتق عبدا ثم أقر أنه قبض منه ألفا قبل عتقه وقال العبد بعده فالقول قول المولى وفيه وجه ولو قطع يده وأعتقه وقال قطعته وهو عبد فقال العبد بل وأنا حر فهل القول قول السيد أو العبد وجهان حكاهما جدي إذا أراد المسافرة بامرأته فأقرت بدين فللمقر له حبسها ولا يقبل قول الزوج إن قصدها منع المسافرة فإن أقام الزوج بينه أن إقرارها كان قصدا إلى منع المسافرة فهل يقبل وجهان أقر رجل أنه وجد ثوبه في دار فلان فأخذه وقال صاحب الدار الثوب لي أمر برد الثوب على صاحب الدار إلى أن يقيم البينة على أنه له وقيل لا يؤمر برده لاحتمال أنه له وكذا لو قال أخذت دهنا في قارورة فلان فعلى وجهين تفقه بالنظامية ببغداد حتى برع وصار من أنظر الفقهاء ثم سافر إلى محمد بن يحيى إلى نيسابور وأقام بها يدرس ويفتي وله تعليقه في الخلاف في سفرين توفي بنيسابور في سنة ست وأربعين وخمسمائة قال ابن السمعاني كان حافظا عارفا بالحديث فهما عارفا بالأدب ظريفا خفيفا لازما مسجده متبعا أثر والده في كتابه الحديث وسماعه وطلبه رحل إلى أصبهان مع والده ثم إلى بغداد سمع أباه وأبا الفتح عبدوس بن عبد الله ومكى بن منصور الكرجي وحمد بن نصر الأعمش وفيد بن عبد الله الشعراني وأبا بكر أحمد بن محمد بن زنجويه وله إجازة من أبي بكر بن خلف الشيرازي وأبي منصور بن الحسين المقومي روى عنه ابنه أبو مسلم أحمد وأبو سهل عبد السلام السرقولي وطائفة مات في رجب سنة ثمان وخمسين وخمسمائة مؤرخ همذان ومصنف كتاب الفردوس ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة وسمع أبا الفضل محمد بن عثمان القومساني ويوسف بن محمد بن يوسف المستملي وأبا الفرج علي بن محمد بن علي الجريري البجلي وأحمد بن عيسى بن عباد الدينوري وأبا منصور عبد الباقي بن علي العطار وأبا القاسم بن البسري وأبا عمرو بن مندة وغيرهم ببلاد كثيرة روى عنه ابنه شهردار ومحمد بن الفضل الإسفرايني وأبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل الحافظ وأبو موسى المديني وآخرون وكان يلقب إلكيا مات في تاسع شهر رجب سنة تسع وخمسمائة قال ابن السمعاني فقيه صالح من أهل بروجرد سمع ببغداد أبا أحمد عبيد الله بن محمد ابن أبي مسلم الفرضي سمع منه هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي ذكره ابن باطيش كان والده من المتقدمين في الدنيا بواسط وترك هو ما كان عليه والده وأهله وطلب العلم وتزهد وسلك طريق الفقر والتجريد وأكل الجشب ومجاهدة النفس وسمع الحديث من أبي الوقت السجزي وأبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وخلق كثير وكان يعرف التفسير والفقه والأدب وحدث باليسير وله شعر جيد توفي في ذي القعدة سنة سبع وخمسين وخمسمائة المتكلم على مذهب الأشعري توفي سنة ست وسبعين وخمسمائة وكان مولده سنة خمسمائة من بيت التصوف والمشيخة وكان هو ذا قدم راسخ في التصوف وسافرالكثير ولقي الشيوخ سمع جده فضل الله والأستاذ ابا القاسم القشيري وأبا الغنائم بن المأمون وأبا الحسين ابن النقور وخلقا سواهم روىعنه أبو الفتيان الرواسي وغيره توفي سنة ثنتين وخمسمائة قال طاهر هذا أنبأنا جدي سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول سمعت أبا سهل الصعلوكي يقول الإعراض ترك الاعتراض وقال طاهر أيضا أخبرنا أبو علي الحسن بن غالب ببغداد سمعت أبا القاسم عيسى بن علي بن عيسى الوزير يقول كان ابن مجاهد يوما عند أبي فقيل له الشبلي على الباب فقال يدخل فقال ابن مجاهد سأسكته الساعة بين يديك وكان من عادة الشبلي إذا لبس شيئا خرق فيه موضعا فلما جلس قال ابن مجاهد يا أبا بكر أين في العلم إفسادا ما ينتفع به فقال له الشبلي فأين في العلم ثم قال له الشبلي لقد أجمع الناس أنك مقرئ الوقت أين في القرآن الحبيب لا يعذب حبيبه فسكت ابن مجاهد فقال أبي قل يا أبا بكر فقال قوله تعالى تفقه على أبي إسحاق الشيرازي وسمع من ابن هزارمرد وابن النقور وغيرهما ثم انتقل إلى مكة وسكنها وولى قضاءها وأقام بها إلى حين وفاته مولده سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ببروجرد وذكر أبو المظفر محمد بن علي بن الحسين الطبري المكي أبا المظفر طاهر بن محمد البروجردى وقال أقام بمكة ثم رحل عنها قاصدا العراق فمات في الطريق سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وذكر أنه كان فاضلا عالما بالحديث والأدب والنحو والشعر ولد بنيسابور سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة ومات بمرو في صفر سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة ولد سنة ثمان عشرة وخمسمائة كان فقيها فصيحا تفقه بأبيه وخلفه في حلقته وجاور بمكة لماوقعت فتنة ابن مهدي باليمن وسمع بها من أبي علي الحسن بن علي بن الحسن الأنصاري وأبي حفص الميانشي وعبد الدائم العسقلاني وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي مشيرح الحضرمي المقرىء ووصلته إجازات جيدة من يحيى بن سعدون الأزدي وخطيب الموصل ثم توجه إلى اليمن فظفر به ابن مهدي قبل دخوله زبيد فأحضره وأحضر القاضي محمد بن أبي بكر المدحدح وكان حنفيا فتناظر بين يديه مرارا فقطعه طاهر وولاه فضلان وذي جبلة من سنة سبع وستين إلى بعض أيام شمس الدولة وله مصنفات حسنة وكلام جيد يشعر بغزارة في العلم والفضل ولما نبغ في اليمن أبو بكر العبسي وكان فقيها أديبا لا يرى جواز طلاق التنافي ولا مسألة العينة وشدد في إنكارهما ونظم قصيدتين فيهما صنف طاهر في الرد عليه كتاب الاحتجاج الشافي على المعاند في طلاق التنافي وكانت القصيدتان قد اشتهرتا واستهوتا كثيرا من الناس فلما ردهما طاهر حصل الانكفاف برده ومن إحدى القصيدتين طلاق التنافي قد نفى الحق طاهر ** وإني له والله يشهد لي أنفى إذا طلق الزوج المكلف زوجه ** وليس بمجبور ثلاثا فقد أوفى وليست حلالا دون تنكح غيره ** بشرط كتاب الله ما قلته حيفا نصحح شرط الله دون أشتراطكم ** وننفيه نفيا ثم نصرفه صرفا فكل اشتراط ليس في الشرع باطل ** وشرط كتاب الله حق فلا يخفى ولا ينتفى حكم الطلاق بحيلة ** وحيلتكم فيه أحق بأن تنفى منها تحلونها فيه وتحريمها به ** فصارت بما بانت محبسه وقفا فأين يقول الله وقف نسائكم ** وتصحيح ما قلتم فنعرفه عرفا لئن كان للتدقيق هذا فتركه ** من الفرض والتحقيق والأوضح الأصفي فكم من أناس دققوا فتزندقوا ** فصاروا به عن علم فهم على الإشفا ومنها فأبطل بها من حيلة مستحيلة ** وأعظم بحكم صار من أجلكم حتفا وأعظم بها من فتنة ومصيبة ** لها تذرف العينان في دمعها ذرفا ومن قصيدته في إبطال العينة الحق أضحى غريبا ليس يفتقد ** فكل من قاله في الناس يضطهد لا يقبل الناس قول الحق من أحد ** حتى يموت ويفنى الكبر والحسد ما كل قول لأهل العلم منتفع ** به ولا كل قول منهم زبد هم هم خير من فيها إذا صلحوا ** وشر داء من الأدوا إذا فسدوا فمنهم كل معروف وصالحة ** ومنهم تفسد الأقطار والبلد فما شقت أمة إلا بشقوتهم ** يوما ولا سعدت إلا إذا سعدوا أضحى الربا قد فشا من أجل حيلتهم ** في كل أرض سوى أرض بها فقدوا والله حرم معناه وباطنه ** ومالهم فيه برهان ولا سند يا بائعا ثوبه حتى يعاد له ** أليس يعلم هذا الواحد الصمد سبحانه من حليم بعد قدرته ** وعالم ما أرادوه وما قصدوا هل قال هذا رسول الله ويحكم ** أو قال ذلك من أصحابه أحد أم غالب عنهم دقيق العلم دونكم ** أم في اكتساب حلال الربح قد زهدوا وفي القصيدتين طول وفيما ذكرته منهما كفاية مات طاهر وترك ولدين محمدا وأسعد وكانت وفاته في سنة سبع وثمانين وخمسمائة من أهل السويداء من حوران الأرض المشهورة بالشام رحل إلى بغداد وتفقه على الغزالي وسمع من طراد وغيره روى عنه الحافظ مولده سنة خمسين وأربعمائة ومات سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة خطيب الموصل ولد في صفر سنة سبع وثمانين وأربعمائة وسمع حضورا من طراد الزينبي وأبي عبد الله بن طلحة النعالي وسمع من ابن البطر والطريثيثي وجعفر السراج وأبي علي الحداد وأبي غالب بن الباقلاني وجماعة تفرد بالرواية عن أكثرهم روى عنه أبو سعد بن السمعاني وعبد القادر الرهاوي وأبو محمد بن قدامة والبهاء عبد الرحمن والقاضي أبو المحاسن يوسف بن شداد وآخرون وتفقه على إلكيا الهراسي وأبي بكر الشاشي وقرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي وأبي محمد الحريري والفرائض والحساب على الحسين الشقاق وخرج لنفسه المشيخة المشهورة ومن شعره لما رآني ولدي مدنفا ** مقلقل الأحشاء مسكينا قال أبن لي ما الذي تشتكي ** قلت له أشكو الثمانينا تفقه بأبي بكر المخائي وزيد اليفاعي ورحل إلى ابن عبدويه فقرأ عليه وكان يسكن زبران من بادية الجند وبها مات سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ترجمه المطري نزيل القاهرة ولد في رجب سنة تسع وتسعين وأربعمائة وقرأ الأدب على الإمام أبي بكر محمد بن عبد الملك النحوي وسمع من أبي صادق المديني وأبي عبد الله محمد بن أحمد الرازي وأبي العباس بن الحطية وغيرهم روى عنه ابن الجميزي وابن المفضل والوجيه القوصي والزاهد أبو العباس أحمد ابن علي بن محمد القسطلاني وخلق وكان إماما مقدما في النحو واللغة تصدر بجامع مصر للإقراء في العربية وتخرج به جمع كثير قلت رحلت إليه الطلبة وله حواش مفيدة على صحاح الجوهري وله أيضا جواب المسائل العشر التي سأل عنها ملك النحاة ومقدمة سماها اللباب قال جمال الدين القفطي كان عالما بكتاب سيبويه وعلله قيما باللغة وشواهدها وكان إليه التصفح في ديوان الإنشاء لا يصدر كتاب عن الدولة إلى ملوك النواحي إلا بعد أن يتصفحه قلت كانت هذه عادة الخلفاء والملوك إذا صدر عنهم تصفحه إمام من أئمة اللسان وكان القاضي الفاضل يتصفح الكتب التي يكتبها العماد الكاتب ومن كان دونه وكانوا يستعظمون صدور كتاب عن السلطان غير معروض على أئمة اللسان وأئمة الفتوى قال القفطي وكان ابن بري ينسب إلى الغفلة الغريبة ويحكى عنه حكايات وقال الموفق عبد اللطيف كان ابن بري شيخا محققا صحفيا ساذج الطباع أبله في أمور الدنيا مبارك الصحبة ميمون الطلعة وفيه تغفل عجيب يستبعد من سمعه أن يجتمع في رجل متقن للعلم توفي في شوال سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة سافر إلى خراسان وتفقه على أئمتها وسمع الحديث بنيسابور من أبي عبد الله الفراوي وغيره وبمرو من يوسف بن أيوب الهمذاني وعاد إلى همذان فاستوطنها وحدث بصحيح مسلم وجمع أربعين حديثا توفي بهمذان سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة كان إماما مقدما مناظرا انتفع به جماعة سمع أبا بكر الأنصاري وأبا منصور الشيباني وجماعة روى عنه القاضي بهاء الدين بن شداد ومحمد بن علوان الفقيه وغيرهما وكان زاهدا متقشفا مات في جمادى الأولى سنة أربع وسبعين وخمسمائة ولد في ذي القعدة سنة سبع وستين وأربعمائة ولزم القاضي الخلعي فتفقه عليه وسمع منه الكثير وهو آخر من عنه بسيرة ابن هشام التي وقعت لنا من طريقه وبغيرها روى عنه محمد بن عبد الرحمن المسعودي وأبو الجود المقرىء وعبد القوي بن الجباب وصنيعة الملك هبة الله بن حيدرة ومحمد بن عماد وابن صباح وآخرون وكان فقيها فرضيا حيسوبا دينا ورعا ولى القضاء بمصر بالجيزة مدة ثم استعفى فأعفي واشتغل بالعبادة إلى أن توفي في ذي القعدة سنة إحدى وستين وخمسمائة قال المطري سمع عبد الملك بن أبي ميسرة وتفقه بأبي بكر بن جعفر المخائي وكان يدرس بجامع ذي أشرق وعليه دارت الفتيا في أيامه وبه وتفقه أبو بكر بن سالم مات سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وله ست وستون سنة قال الحافظ في التاريخ تفقه ببغداد وأدرك أبا بكر الشاشي وإلكيا وعلق المذهب والخلاف والأصولين على الشيخ أسعد الميهني وأبي الفتح بن برهان وأبي عبد الله القيرواني وسمع الحديث من أبي القاسم بن بيان الرزاز وأبي علي بن نبهان وأبي طالب الزينبي وأقام بالعراق مدة ثم قدم دمشق وحلق في المسجد الجامع مدة وكان نظارا جيدا ثم انتقل إلى حلب ليفقه أهلها فأقام بها إلى أن مات سمعت درسه قال وتوفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بحلب وقال ابن السمعاني في الأنساب توفي سنة سبع أو ثمان وثلاثين وخمسمائة من أهل بلخ وكان مدرس النظامية بها مولده سنة اثنتين وخمسمائة ولم أعلم تاريخ وفاته كان فقيها متميزا مات بالموصل في ذي الحجة سنة خمس وسبعين وخمسمائة ترجمه ابن باطيش ولد في سادس شعبان سنة خمس وستين وأربعمائة ومات بالموصل ليلة الخميس لتسع بقين من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وخمسمائة مولده سنة إحدى وثمانين وأربعمائة تفقه على أبيه وبرع مذهبا وخلافا وأفتى وناظر ووعظ الناس وسمع الحديث من الحسين بن أحمد بن طلحة النعالي وممن في طبقته وحدث باليسير وله شعر حسن من ذلك ما ذكره وقد حضر يوما آخر النهار في المدرسة التاجية ببغداد للوعظ وكان يوما مغيما فأنشد ارتجالا لنفسه قضية أعجب بها قضيه ** جلوسنا الليلة في التاجيه والجو في حليته الفضيه ** صقالها قعقعة الرعديه أعلامها شعشعة برقيه ** تنثر من أردانها العطرية ذائب تبر ينشر البريه ** والشمس تبدو تارة خفيه ثم تراها مرة جليه ** كأنها جارية حييه حتى إذا حانت لنا العشيه ** قصت لباس الغيم بالكليه وأسفرت في الجهة الغربيه ** صفراء في محلفة ورسيه كرامة أعرفها شاشيه ** وتوفي في المحرم سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ودفن على أبيه تفقه على الشيخ أبي إسحاق وسمع الحديث من جماعة وصنف الانتصار لحمزة الزيات فيما نسبه إليه ابن قتيبة في مشكل القرآن وله شعر جيد توفي سنة ست عشرة وخمسمائة أخو زين الأمناء ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة وتفقه على القطب النيسابوري وغيره و سمع من عميه الحافظ والصائن هبة الله وحدث بمصر ودمشق وغيرهما ودرس بدمشق بالتقوية وكان أحد الفقهاء المناظرين وجمع أربعين حديثا قتل غيله بظاهر القاهرة في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وخمسمائة من أهل خراسان يعرف بعين القضاة قال فيه ابن السمعاني أحد فضلاء العصر ومن به يضرب المثل في الذكاء الفضل كان فقيها فاضلا شاعرا مفلقا رقيق الشعر وكان يميل إلى الصوفية ويحفظ من كلامهم وإشاراتهم ما لا يدخل تحت الوصف صنف في فنون من العلم وكان حسن الكلام والجمع فيها قال وكان الناس يعتقدونه ويتبركون به وظهر له القبول التام عند الخاص والعام حتى حسد وأصابته عين الكمال وكان العزيز يعتقد فيه اعتقادا خارجا عن الحد ولا يخالفه فيما يشير به وكانت بينه وبين أبي القاسم الوزير منافسة فلما نكب العزيز قصده الوزير وكتب عليه محضرا والتقط من أثناء تصانيفه ألفاظا شنيعة تنبو عن الأسماع ويحتاج من كشفها إلى المراجعة لقائلها فكتب جماعة من العلماء خطوطهم بإباحة دمه نسأل الله الحفظ في إطلاق القلم بما يتعلق بالدماء من غير بحث والمسارعة إلى الفتوى بالقتل فقبض عليه أبو القاسم وحمل إلى بغداد مقيدا ورأيت رسالته التي كتبها من بغداد إلى أصحابه وإخوانه بهمذان التي لو قرئت على الصخور لانصدعت من الرقة والسلاسة فرد إلى همذان وصلب قلت ثم ذكر ابن السمعاني قطعة صالحة من رسالته أعجبني منها هذا البيت أسجنا وقيدا واشتياقا وغربة ** ونأى حبيب إن ذا لعظيم ثم قال صلب عين القضاة أبو المعالي ظلما ببلدة همذان ليلة الأربعاء السابع من جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وخمسمائة قال وسمعت أبا القاسم محمود بن أحمد الروياني بأندرابه يقول لما قرب قتل عين القضاة وقدم إلى الخشبة ليصلب قال صاحب كتاب الخناثي أكثر عنه النقل صاحب البيان قال النووي وهو من فضلاء أصحابنا المتأخرين له مصنفات حسنة من أغربها وأنفسها كتاب الخناثي مجلد لطيف فيه نفائس حسنة ولم يسبق إلى تصنيف مثله انتهى وابن أبي عقامة تغلبي ربعي بغدادي ثم يمني تفقه على جده أبي الحسن علي وعلى أبي الغنائم الفارقي وذكره عمر بن علي بن سمرة الجعفري اليمني في كتاب طبقات فقهاء اليمن قال ابن سمرة وفضائل بني أبي عقامة مشهورة وهم الذين نشر الله بهم مذهب الشافعي رضي الله عنه في تهامة وقدماؤهم جهروا بالبسملة في الجمعة والجماعات ونسبهم في بني الأرقم من تغلب بن ربيعة قلت وقد ذكر الرافعي أبا الفتوح في كتاب الديات في الكلام على قطع حلمة المرأة ومن فوائد أبي الفتوح قال في كتاب الخناثي إذا عقد النكاح بشهادة خنثيين ثم بانا رجلين احتمل أن يكون في انعقاده وجهان بناء على مالو صلى رجل خلف الخنثي فبان رجلا قال النووي والانعقاد هنا هو الأصح لأن عدم جزم النية يؤثر في الصلاة تفقه ببغداد على إلكيا ثم انتقل إلى الأنبار واستوطنها ومات بها سنة ستين وخمسمائة مولده سنة تسع وخمسين وأربعمائة ومات سنة سبع وثلاثين وخمسمائة تفقه على البغوي القاضي الإمام أبو سعد التميمي الموصلي قاضي القضاة الشيخ شرف الدين نزيل دمشق وقاضي القضاة بها وعالمها ورئيسها مولده في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة تفقه أولا على القاضي المرتضى ابن الشهرزوري وأبي عبد الله الحسين بن خميس الموصلي وتلقن على المسلم السروجي وقرأ ببغداد بالسبع على أبي عبد الله الحسين بن محمد البارع وبالعشر على أبي بكر المزرقي ودعوان وسبط الخياط وتوجه إلى واسط فتفقه بها على القاضي أبي علي الفارقي ولازمه وعرف به وعلق ببغداد عن أسعد الميهني وأخذ الأصول عن أبي الفتح بن برهان وسمع من أبي القاسم ابن الحصين وأبي البركات ابن البخاري وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن وسمع قديما في سنة ثمان وخمسمائة من أبي الحسن بن طوق روى عنه أبو القاسم بن صصري وأبو نصر ابن الشيرازي وأبو محمد بن قدامة وخلق آخرهم موتا العماد أبو بكر عبد الله بن النحاس وعاد من بغداد إلى بلده الموصل بعلم كثير فدرس بالموصل سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ثم أقام بسنجار مدة ودخل حلب في سنة خمس وأربعين ودرس بها وأقبل عليه صاحبها إذ ذاك الملك نور الدين الشهيد فلما انتقل إلى دمشق سنة تسع وأربعين استصحبه معه ودرس بالغزالية وولى نظر الأوقاف ثم ارتحل إلى حلب ثم ولى قضاء سنجار وحران وديار ربيعة وتفقه عليه هناك خلائق ثم عاد إلى دمشق في سنة سبعين فولى بها القضاء سنة ثلاث وسبعين وعظمت رياسته ومكانته ونفذت كلمته وألقى بها عصا السفر واستقر مستوطنا وكان من أعيان الأمة وأعلامها عارفا بالمذهب والأصول والخلاف مشارا إليه في تحقيقات الفقه دينا خيرا متواضعا سعيد الطلعة ميمون النقيبة ملأ البلاد تصانيف وتلامذة وعنه أخذ الفقه شيخ الإسلام فخر الدين ابن عساكر وغيره وبنى له الملك نور الدين المدارس بحلب وحماة وحمص وبعلبك وبنى هو لنفسه مدرستين بدمشق وبحلب ومن تصانيفه صفوة المذهب على نهاية المطلب في سبع مجلدات وكتاب الانتصار في أربع مجلدات وكتاب المرشد في مجلدين وكتاب الذريعة في معرفة الشريعة وكتاب التيسير في الخلاف وكتاب مأخذ النظر ومختصر في الفرائض وله كتاب الإرشاد في نصرة المذهب لم يكمله وذهب فيما نهب له بحلب وله أيضا فوائد المذهب والتنبيه في معرفة الأحكام وكتاب الموافق والمخالف مذعنا لدينه وورعه وسعة علمه وكثرة رياسته وسؤدده قال شيخنا الذهبي وقد سئل عنه الشيخ الموفق فقال كان إمام أصحاب الشافعي في عصره وكان يذكر الدرس في زاوية الدولعي ويصلي صلاة حسنة ويتم الركوع والسجود ثم تولى القضاء في آخر عمره وعمي وسمعنا درسه مع أخي أبي عمر وانقطعنا عنه فسمعت أخي يقول دخلت عليه بعد انقطاعنا فقال لم انقطعتم عني فقلت إن أناسا يقولون إنك أشعري فقال والله ما أنا بأشعري هذا معنى الحكاية انتهى كلام الذهبي نقلته من خطه وأخشى أن تكون الحكاية موضوعة للقطع بأن ابن أبي عصرون أشعري العقيدة وغلبة الظن بأن أبا عمر لا يجتريء أن يذكر هذا القول ولا أحد يتجرأ في ذلك الزمان على إنكار مذهب الأشعري لأنه جادة الطريق ولا أظن أن ابن أبي عصرون يفتخر إذ ذاك بهما ويعاتبهما على الانقطاع وليس في الحكاية من قوله فسمعت أخي إلى آخرها ما يقرب عندي صحته غير أنهما انقطعا عنه لكونه مخالفا لهما في العقيدة والله يعلم سبب الانقطاع وكان الموفق وأبو عمر من أهل العلم والدين لا ننكر ذلك ولا ندفعه وإنما ننكر وندفع من شيخنا تعرضه كل وقت لذكر العقائد وفتحه لأبواب مقفلة وكلامه فيما لا يدريه وكان السكوت عن مثل هذا خيرا له في قبره وآخرته ولكن إذا أراد الله أمرا بلغه ويقال إن القاضي ابن أبي عصرون لما عمي استمر على القضاء وصنف في جواز قضاء الأعمى ومن شعره أومل أن أحيا وفي كل ساعة ** تمر بي الموتى تهز نعوشها وما أنا إلا منهم غير أن لي ** بقايا ليال في الزمان أعيشها ومن شعره كل جمع إلى الشتات يصير ** أي صفو ما شانه تكدير أنت في اللهو والأماني مقيم ** والمنايا في كل وقت تسير والذي غره بلوغ الأماني ** بسراب وخلب مغرور ويك يا نفس أخلصي إن ربي ** بالذي أخفت الصدور بصير
قال النووي في شرح المهذب نقل الجويني في الفروق نص الشافعي على أن الجماعة إذا اغتسلوا في قلتين لا يصير مستعملا وصرح به خلائق وإنما نبهت عليه لأن في الانتصار لابن أبي عصرون أنه لو اغتسل جماعة في ماء لو فرق على قدر كفايتهم استوعبوه أو ظهر تغيره لو خالفه صار مستعملا في أصح الوجهين وهذا شاذ منكر ونحوه نقل صاحب البيان عن الشامل أنه لو انغمس جنب في قلتين أو أدخل يده فيه بنية غسل الجنابة ففيه وجهان وهذا غلط من صاحب البيان ولم يذكر صاحب الشامل هذا وإنما في عبارته بعض الخفاء فأوقع صاحب البيان ثم بين النووي رحمه الله الحامل لصاحب البيان على الغلط ولم يزد ابن الرفعة على أن نصر مقالة ابن أبي عصرون بالبحث لا بالنقل في حالة انغماسهم دفعة واحدة بنيه رفع الجنابة قال لأنا نقدر أن مالاقي كل واحد منهم من الماء كالمنفصل عن باقيه الذي لاقى غيره على القول الأصح فيما إذا انغمسوا دفعة واحدة في الماء القليل فلذلك جعل مستعملا حتى لا يحصل به تطهير باقي بدن كل منهم وإن كان الواحد يطهر جميع بدنه وإذا كان كذلك اتجه القول بمثله في القلتين فيكون الصحيح أنه لا يطهر باقي أبدانهم ويأتي فيه وجه مستمد من تقدير عدم الانفصال وتنزيله منزلة الاتصال قلت والبحث جيد ورأيت الجويني نفسه في كتابه التبصرة قال فيما إذا كان الماء قلتين والاحتياط أن تغترف منه فيحصل لك الغسل بالإجماع فإن انغمست فيه ففي صحة الغسل خلاف بين مشايخنا هذا كلامه وفيه تأييد لابن أبي عصرون وابن أبي عصرون إنما تلقى ما ذكره من شيخه القاضي أبي علي الفارقي فإنه جزم بهذا الشاذ المنكر ولعل أصله ما وقع في كتاب التبصرة ذهب أبو إسحاق إلى حل وطء الراهن للجارية المرهونة إذا كانت ممن لا تحبل وخالفه ابن أبي هريرة وهو المصحح في المذهب وقيد ابن أبي عصرون محل الخلاف بمن لها تسع سنين فما زاد أما من دونها قال فيجوز وطؤها إذا لم يضر بها قطعا قال الوالد في تكملة شرح المهذب وهو فقه من عند نفسه وليس نقلا قال وهو جيد قلت أما إنه تفقه وليس منقولا فالأمر كذلك فقد تصفحت كتب المذهب فلم أر من قيد الخلاف بل كلهم مصرح حتى الشيخ أبو حامد في تعليقته في بابي الرهن والاستبراء صرح بأنه لافرق بين من لا تحبل لصغر أو إياس أو غير ذلك وإنما نصصت على الشيخ أبي حامد لأن بعض الناس قال إنه وجد في باب الاستبراء من تعليقته ما نصه إن الاستمتاع بالمرهونة حلال لأن له أن يقبلها أو يلمسها بشهوة حتى قال أصحابنا إن كان صغيرة لا يحمل مثلها فله أن يطأها انتهى فكشفت تعليقه الشيخ أبي حامد من خزانة الناصرية بدمشق ومن نسخه الشيخ فخر الدين المصري وكلاهما قديم فلم أجد في باب الاستبراء من نسخة الناصرية إلا ما نصه ألا ترى أن من أصحابنا من قال إن المرهونة إذا كانت ممن لا تحبل صغيرة أو كبيرة جاز للراهن وطؤها انتهى وكذا في نسخة الفخر المصري سواء بسواء وهي نسخة قديمة في بعض مجلداتها تعليقة البندنيجي عن الشيخ أبي حامد وبعضها بخط سليم ومراده قول أبي إسحاق قطعا بل الذي في تعليقة الشيخ أبي حامد في باب الرهن أنه وضع الوجهين في الاستخدام فقال في وجه لا يستخدمها مخافة أن يطأ وفي وجه يستخدمها ولا يضر الوطء إذا بعد حبلها ولم يقل إذا تعذر هذا ما فيه ملخصا اختلاف حرفي الإمام والمأموم قال في الانتصار ولا تبطل الصلاة باختلاف حرفي الإمام والمأموم على أصح الوجهين لأن الجميع قرآن انتهى وهو كلام مظلم لا يهتدي إليه فلا يقول أحد من المسلمين فيما أحسب باشتراط توافق حرفي الإمام والمأموم بل إذا كان كل حرف منهما متواترا بالقراءات العشر صح اقتداء أحدهما بالآخر إجماعا فيما لا أشك فيه فلعل محل الوجهين إن صح لهما وجود فيما إذا كان كل واحد لا يرى القراءة بحرف الآخر أو قرأ أحدهما بالشاذ المغير للمعنى ومسألة الشاذ معروفة ولد في رمضان سنة ثمانين وأربعمائة وتوفي في ذي الحجة سنة تسع وخمسين وخمسمائة ذكره المطري وكوفن بضم الكاف وسكون الواو ثم النون بليدة صغيرة من أبيورد قال ابن السمعاني كان فقيها فاضلا مبرزا له باع طويل في المناظرة والجدل ومعرفة تامة بهما تفقه على الإمام والدي وسمع الحديث معه ومنه سمع بنيسابور عبد الغفار بن محمد الشيروي وغيره سمعت منه حديثا واحدا ولد في حدود سنة تسعين وأربعمائة قال ابن باطيش ومات بأبيورد ليلة الإثنين من ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة قال ابن السمعاني أقام بمرو مدة وكانت له يد باسطة في اللغة وسرعة النظم والنثر مع الجودة فيهما وله الخط الحسن المليح قال ببغداد مدة في المدرسة زمن أسعد بن أبي نصر الميهني ثم سكن مرو قريبا من خمس عشرة سنة وخرج إلى مرو الروذ وأقام بها شيئا يسيرا ومات بها يوم عاشوراء سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وسرقسطة بفتح السين والراء المهملتين وضم القاف وبعدها سين أخرى ساكنة وفي آخرها الطاء المهملة بلدة من بلاد الأندلس كان فقيها فاضلا مليح الشعر قدم بغداد ثم خرج إلى خراسان وورد مرو ثم استوطن مرو الروذ إلى أن توفي سنة عشر وخمسمائة كان إماما فاضلا ورعا زاهدا من أهل اليمن من أقران صاحب البيان وكان صاحب البيان يعظمه ويقول عبد الله بن يحيى شيخ الشيوخ ومن تصانيفه احترازات المهذب والتعريف في الفقه قال ابن سمرة كان الصعبي وصاحب البيان متصاحبين يتزاوران قال وروى أن ناسا ضربوا الصعبي بالسيوف فلم تقطع سيوفهم فيه فسئل عن ذلك فقال كنت أقرأ سورة يس قال ابن سمرة والمشهور أن الصعبي قال وقد سئل عن ذلك كنت أقرأ قال وكان الصعبي يقول كنت خرجت يوما مع جماعة فرأينا ذئبا يلاعب شاة عجفاء ولا يضرها بشيء فلما دنونا نفر عنها الذئب فوجدنا في رقبة الشاة كتابا مربوطا فحللناه فقرأنا فيه هذه الآيات مات الصعبي سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وهو ابن ثمان وسبعين سنة وكان يقول لأصحابه لئن بلغت الثمانين لأصنعن الضيافة وقيل إنه جاوز الثمانين وحضر صاحب البيان جنازته وشهد دفنه قال المطري فقيه محرر له تصنيف يسمى السبع الوظائف في أصول الدين على مذهب السلف مات بعد الخمسمائة قال المطري روى كتاب بدائع الحكم والآداب في الحديث توفي سنة ست وعشرين وخمسمائة من أذربيجان تفقه ببغداد على المجير البغدادي ومحمد بن أبي علي النوقاني وتولى إعادة النظامية رحل إلى نيسابور وتفقه على محمد بن يحيى وتفقه ببغداد على أبي المحاسن يوسف بن بندار الدمشقي وسمع من أبي الفضل الأرموي وابن ناصر الحافظ وجماعة وحدث بقزوين سمع منه الإمام أبو القاسم الرافعي وغيره توفي سنة خمس وثمانين وخمسمائة تفقه على إلكيا الهراسي وسمع الحديث من أبي الغنائم بن المأمون وغيره روى عنه السلفي مات في رجب سنة ثلاث عشرة وخمسمائة من أهل مرو وخرق بفتح الخاء المعجمة والراء ثم القاف من قراها ولد بها في الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وسبعين وأربعمائة قال ابن السمعاني في التحبير كان فقيها فاضلا تفقه على والدي ولازمه وقرأ المذهب على إبراهيم المروروذي ثم اشتغل بالحساب والمقدمات وحصل بهما طرفا صالحا وجاوزهما إلى العلوم المهجورة من الفلسفة وغيرها وكان حسن الصلاة نظيف الثياب اشتغل بالحديث مدة وسمع الكثير وجمع تاريخا غير مسند ذكر فيه أحوال المحدثين والعلماء أستحسنه سمع والدي وعمه الإمام أبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن ثابت الخرقي وأبا علي إسماعيل بن أحمد البيهقي وغيرهم سمعت منه انتهى قال وتوفي بمرو صباح يوم الفطر وهو يوم الأحد من سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة عبد الجبار بن محمد بن أحمد الخواري من خوار بضم الخاء المعجمة بعدها واو ثم ألف ثم راء قرية ببيهق ووهم شيخنا الذهبي فحسبه من خوار البلدة المشهورة على ثمانية عشر فرسخا من الري وهذا هو الشيخ أبو محمد البيهقي إمام جامع المنيعي بنيسابور وأحد تلامذة إمام الحرمين ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة وسمع أبا بكر البيهقي وأبا الحسن الواحدي وأبا القاسم القشيري وشيخ الحجاز أبا الحسن علي بن يوسف الجويني وابن أخيه إمام الحرمين أبا المعالي الجويني وأبا سهل محمد ابن أحمد بن عبد الله الحفصي المروزي ونصر بن علي الحاكمي الطوسي حدث عنه ابن السمعاني قال ابن السمعاني إمام فاضل عارف بالمذهب مفت مصيب تفقه على إمام الحرمين وعلق المذهب عليه وبرع فيه وكان سريع القلم نسخ بخطه المذهب الكبير للجويني أكثر من عشرين مرة وكان يكتبه ويبيعه قلت المذهب الكبير هو النهاية قال في التحبير وتوفي يوم الخميس تاسع عشر شعبان سنة ست وثلاثين وخمسمائة تفقه علي أبي إسحاق الشيرازي وسمع أبا نصر الزينبي وغيره ثم سكن جرجان وحدث فيها بشيء يسير روى عنه أبو عامر سعد بن علي العصاري وتوفي بجرجان بعد سنة خمس وعشرين وخمسمائة أبو نصر بن أبي بكر السراج ولد سنة أربع وأربعين وأربعمائة وتفقه على إمام الحرمين أبي المعالي الجويني وسمع أباه وأبا عثمان سعيد بن محمد البحيري وأبا سعد الكنجروذي وأبا القاسم القشيري وأبا بكر محمد بن الحسن ابن علي الخبازي الطبري وأبا يعلى إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني وغيرهم قال ابن السمعاني أحضرني والدي عنده وسمعني منه الحديث قال وهو الفقيه ابن الفقيه من بيت العلم والورع والصلاح نشأ في العبادة من صغره واختلف إلى الإمام أبي المعالي وبرع في الفقه وصار من خواص أصحابه والمعيدين في درسه على الشادين وجرى على منوال أسلافه في الورع والستر والأمانة والاجتزاء بالحلال من القوت اليسير وقلة الاختلاط توفي ليلة السبت الخامس من جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وخمسمائة تفقه ببغداد على الشيخ أبي إسحاق وسمع الحديث من ابن المهتدى وابن المأمون وغيرهما وكان حيا سنة إحدى وعشرين وخمسمائة سمع بنيسابور أباه وعبد الغافر بن محمد الفارسي وأبا عثمان سعيد بن محمد البحيري وغيرهم ولي قضاء أذربيجان وسمي قاضي القضاة مات بأصبهان في حدود سنة خمسمائة من بيت حشمة وتقدم رحل إلى بغداد وتفقه بها على الشاشي وأسعد الميهني وسمع من أبي القاسم بن بيان وعاد إلى بلده وقدم دمشق رسولا من صاحب حلب روى عنه ابن السمعاني وغيره وبنى بحلب مدرسة تعرف به توفى في شعبان سنة إحدى وستين وخمسمائة ولد ببغداد وتفقه على والده وعلى الشيخ أبي إسحاق الشيرازى وسمع الحديث من ابن البطر وجعفر السراج وغيرهما وولى التدريس بالنظامية وعزل أسعد الميهنى ثم عزل عن التدريس قال ابن السمعانى أنفق الأموال والذخائر حتى ولى التدريس بالنظامية وقيل خرج عنه في الرشوة للأكابر ليحصل المدرسة ما لو أراد لبنى مدرسة كاملة ورد علينا مرو وكان يتردد إلى الوزير محمود بن أبي توبة وكان يكرمه وكان شيخا بهى المنظر مليح الشيبة حسن الكلام في المسائل قلت روى عنه ابن السمعاني وذكر أنه خرج إلى خوارزم وبها توفى سنة ثلاثين أو إحدى وثلاثين وخمسمائة ولد بالموصل وتفقه على أبي سعد بن أبي عصرون وأبي منصور الرزاز مات في سابع شعبان سنة إحدى وسبعين وخمسمائة من أهل القيروان دخل بغداد وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي وأبي نصر بن الصباغ وسمع الحديث من ابن النقور وأبي القاسم إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي الجرجاني وحدث باليسير روى عنه ابن بوش مات في شهر رمضان سنة سبع عشرة وخمسمائة ونيه بكسر النون وإسكان آخر الحروف وبعدها الهاء وهو ابن أخي الحسن بن عبد الرحمن النيهي تلميذ القاضي الحسين وقد تقدم ذكر الحسن وأما عبد الرحمن فكانت ولادته وإقامته ووفاته بمرو الروذ وهو من تلامذة البغوي تفقه عليه وسمع منه الحديث ومن أبي محمد عبد الله بن الحسن الطبسي الحافظ وأبي الفضل عبد الجبار بن محمد الأصبهاني وعبد الرزاق بن حسان المنيعي وأبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الدقاق الحافظ وغيرهم سمع منه ابن السمعاني وذكره في مشيخته وآخرون وكان شيخ الشافعيه بتلك الناحية قال ابن السمعاني إمام فاضل مفت ورع دين حافظ لمذهب الشافعي مصيب في الفتاوى راغب في الحديث ونشره حسن الأخلاق مبارك لنفس كثيرة الصلاة والعبادة جمع بين العلم والعمل كان يملي بكر الجمعات ويذنب إملاءه بالوعظ النافع المفيد وتخرج عليه جماعة كثيرة من الفقهاء والعلماء لقيته بمرو الروذ وقرأت عليه المعجم الصغير للطبراني وحضرت مجالس أماليه ثم ورد هو إلى مرو وحدث به المعجم الصغير عن أبي الفضل الأصبهاني عن أبي بكر بن ريذه عن الطبراني وتوفي بمرو الروذ في الثامن والعشرين من شعبان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ذكره ابن السمعاني في الأنساب و التحبير من أهل الري قال ابن السمعاني فقيه إمام صالح دين خير حسن السيرة مشتغل بما يعنيه تفقه على أبي بكر الخجندي بأصبهان وتخرج عليه ورجع إلى الري وأضر على كبر السن ولد سنة اثنتين وستين وأربعمائة بالري وسمع من جماعة كثيرين ومات في شوال سنة ست وأربعين وخمسمائة مؤرخ هراة قال شيخنا الذهبي وليس تاريخه بمستوعب ولد في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة بهراة وكان حافظا أديبا يلقب ثقة الدين سمع أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري وأبا عبد الله محمد بن علي العميري ونجيب ابن ميمون الواسطي وأبا عامر الأزدي وأبا عطاء عبد الأعلى بن عبد الواحد المليحي وببغداد من ابن الحصين وآخر من روى عنه الحافظ ابن عساكر وأبو روح الهروي وأبو سعد بن السمعاني وقال حافظ فاضل مقدم المحدثين بهراة له معرفة بالحديث والأدب كثير الصدقة والصلاة دائم الذكر كتب عني الذيل في ثمان مجلدات وقرأها علي مات بهراة ليلة الخميس الخامسة والعشرين من ذي الحجة سنة ست وأربعين وخمسمائة من أهل نيسابور كان من العلماء الصالحين من تلامذة الأستاذ أبي نصر بن الأستاذ أبي القاسم القشيري سمع أبا سعد بن أبي صادق الحيري وأبا بكر الشيروى وإسماعيل بن عبد الغافر الفارسي وغيرهم وقرأ بنفسه الكثير روى عنه ابن السمعاني وقال إمام ورع عالم عامل يضرب به المثل في السيرة الحسنة والخصال الحميدة ودقيق الورع وحسن السيرة والتجنب عن السلطان تفقه على أبي نصر بن أبي القاسم القشيري وصحب الشيخ عبد الملك الطبري بمكة ودرس مختصر أبي محمد الجويني بمكة وعلق عنه جماعة بها وقدم بغداد متوجها وعائدا وتكلم في المسائل الخلافية وأحسن الكلام فيها ورجع إلى نيسابور فاعتزل الناس وحكى أنه أوصى إليه شخص أن يفرق طائفة من ماله على الفقراء والمساكين وكان فيه مسك فكان إذا فرقه على الفقراء أخذ عصابة فشدها على أنفه حتى لا يجد رائحته ويقول لا ينتفع به إلا برائحته ومثل هذا روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال ابن السمعاني توفي في فتنة الغز ضاحي نهار يوم الجمعة غرة ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمسمائة ودفن بالحيرة عند رجل والده وقال أبو الفرج بن الجوزي لما استولى الغز على نيسابور قبضوا عليه وأخرجوه ليعاقبوه فشفع فيه السلطان سنجر وقال كنت أمضي إليه متبركا به ولا يمكنني من الدخول عليه فاتركوه لأجلي فتركوه فدخل شهر ستان وهو مريض فبقي أياما ومات وبارباباذ بفتح الباء الموحدة وبعد الألف راء ساكنة ثم باء أخرى ثم بعد الألف باء ثالثة مفتوحة أيضا تتلوها ألف ثم ذال معجمة محلة بمدينة مرو عند باب شارستان خطب بالجامع الأقدم بمرو وأم الناس قال ابن السمعاني كان فقيها فاضلا عارفا بالمذهب مناظرا ورعا كثير التلاوة والصلاة يسكن الجامع الأقدم ويؤم الناس في الصلوات الخمس ولي الخطابة مدة نيابة عن عمي وتفقه على جدي أبي المظفر ثم خرج إلى بخارى ولقى بها الأئمة وخرج إلى طوس وأقام عند أبي حامد الغزالي مدة وعند الحسين بن مسعود الفراء مدة سمع أبا المظفر السمعاني وغيره كتب عنه ابن السمعاني وقال قرأت عليه مسندات كتاب الانتصار للإمام جدي قال وتوفي سحر ليلة الخميس لست ليال خلون من ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ودفن بسنجدان ولد في نصف شعبان سنة تسع وتسعين وأربعمائة وسمع أبا الحسن بن الموازيني وعبد الكريم بن حمزة وعلي بن أحمد بن قيس وأبا الحسن بن المسلم الفقيه وطاهر بن سهل الإسفرايني ونصر الله المصيصي وخلقا روى عنه الموفق بن قدامة والبهاء عبد الرحمن والحافظ الضياء ويوسف بن خليل وخطيب مردا وإبراهيم بن خليل وأحمد بن عبد الدائم وخلق قال عمر بن الحاجب كان فقيها عدلا صالحا يقرأ كل يوم وليلة ختمة وقال أبو حامد بن الصابوني إن أبا محمد بن الخرقي أعاد في الأمينية بدمشق لجمال الإسلام أبي الحسن السلمي فإنه أضر في الآخر وأقعد فاحتاج يوما إلى الوضوء ولم يكن عنده في البيت أحد وكان ليلا فذكر عنه أنه قال فبينما أنا أتفكر إذا بنور من السماء دخل البيت فبصرت بالماء فتوضأت وأنه حدث بذلك بعض إخوانه وأوصاه أن لا يخبر بها إلا بعد موته مات سنة سبع وثمانين وخمسمائة ولد بخرجرد من ناحية بوشنج سنة نيف وتسعين وأربعمائة وسكن مرو مدة وتفقه بنيسابور وهراة ومرو وكان فقيها صالحا متعبدا تفقه على إسماعيل الخرجردى وهو الذي يقول فيه الفقهاء الرافعي وغيره إسماعيل البوشنجي وخرجرد من بلاد بوشنج وتفقه أيضا على إبراهيم المروروذي وقرأ الخلاف على عمر بن محمد السرخسي وسمع الحديث من أبي نصر بن أبي القاسم القشيري والفضل بن محمد الأبيوردي والسيد بن أبي الغنائم حمزة بن هبة الله بن محمد العلوي وغيرهم وخرج لنفسه جزأين حدث بهما روى عنه عبد الرحيم بن السمعاني وذكره والده أبو سعد بن السمعاني في التحبير وقال كان فقيها فاضلا برع في الفقه وكان يحفظ المذهب ويناظر وقرأ طرفا من الأدب وأمعن في حفظ التواريخ والفتوح والملاحم وكان يحفظ شيئا كثيرا من النتف والطرف نظما ونثرا ومواليد الناس ووفياتهم توفي في واقعة الغز بمرو وهو أنه كان على المنارة بأسفل الماجان فرمت الغز لمنارة بالنار فاحترق من فيها منهم أبو نصر الخرجردي وابنه عبد الرزاق وكان ذلك في الثاني عشر من رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة صاحب التصانيف المفيدة وله الورع المتين والصلاح والزهد سكن بغداد وتفقه على أبي منصور بن الرزاز وقرأ النحو على أبي السعادات ابن الشجري واللغة على أبي منصور بن الجواليقي وصار شيخ العراق في الأدب غير مدافع له التدريس فيه ببغداد والرحلة إليه من سائر الأقطار ثم انقطع في منزلة مشتغلا بالعلم والعبادة والإفادة قال الموفق عبد اللطيف لم أر في العباد والمنقطعين أقوى منه في طريقه ولا أصدق منه في أسلوبه جد محض لا يعتريه تصنع ولا يعرف السرور ولا أحوال العالم وكان له من أبيه دار يسكنها ودار وحانوت مقدار أجرتهما نصف دينار في الشهر يقنع به ويشتري منه ورقا وسير إليه المستضيء خمسمائة دينار فردها فقالوا له اجعلها لولدك فقال إن كنت خلقته فأنا أرزقه وكان لا يوقد عليه ضوء وتحته حصير قصب وعليه ثوب وعمامة من قطن يلبسهما يوم الجمعة وكان لا يخرج إلا للجمعة ويلبس في بيته ثوبا خلقا وكان ممن قعد في الخلوة عند الشيخ أبي النجيب قلت سمع الحديث من أبي منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون وأبي البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي وأبي نصر أحمد بن نظام الملك ومحمد بن محمد بن محمد بن عطاف الموصلي وغيرهم وحدث باليسير روى عنه الحافظ أبو بكر الحازمي وابن الدبيثي وطائفه ومن تصانيفه في المذهب هداية الذاهب في معرفة المذاهب وبداية الهداية وفي الأصول الداعي إلى الإسلام في أصول الكلام والنور اللائح في اعتقاد السلف الصالح واللباب وغير ذلك وفي الخلاف التنقيح في مسلك الترجيح والجمل في علم الجدل وغير ذلك وفي النحو واللغة ما يزيد على الخمسين مصنفا وله شعر حسن كثير توفي ليلة الجمعة تاسع شعبان سنة سبع وسبعين وخمسمائة ودفن في تربة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي فقيه ورع تفقه على محيى السنة البغوي وبعده على عبد الرحمن بن عبد الله النيهي قال ابن السمعاني وكان حافظا للمذهب وتوفي كهلا سنة ست أو خمس وخمسين وخمسمائة من أهل نيسابور تفقه على أبي نصر القشيري بنيسابور وأبي بكر السمعاني بمرو قال ابن السمعاني كان إماما فاضلا ورعا تقيا نظيفا محتاطا كثير العبادة دائم المجاهدة اقتصر على خشونة العيش ولازم العزلة مات بأصبهان في شهر رمضان سنة ست وثلاثين وخمسمائة كان إماما مفتيا مناظرا من بيت الفضل والدين ورد خراسان ودخل إلى ما وراء النهر وتفقه بتلك الديار توفي بآمل في ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ووالده أبو الفرج محمد بن أبي حاتم فقيه صالح حج وضاع له ابن يشبه أن يكون هذا قبل وصوله إلى المدينة قال بعضهم فجعل يتمرغ في مسجد النبي في التراب ويتشفع به عليه أفضل الصلاة والسلام في لقي ولده والخلق حوله فبينا هو في تلك الحال إذ دخل ابنه من باب المسجد وجده الشيخ أبو حاتم من أعلام المذهب ولد بها في المحرم سنة أربع وتسعين وأربعمائة وولى خطابة نيسابور بعد والده وكان ضريرا وكان ورعا عالما مليح الوعظ سمع من عبد الغفار الشيروي وإسماعيل بن عبد الغافر الفارسي وخلق وروى عنه عبد الرحيم بن السمعاني توفي بنيسابور يوم عاشوراء سنة تسع وخمسين وخمسمائة تفقه ببغداد على أبي منصور الرزاز وقدم دمشق فدرس بالمجاهدية ثم بالغزالية ثم ولى قضاء بعلبك وقتل بها شهيدا قال الحافظ ابن عساكر كان عالما بالمذهب والأصول وعلوم القرآن قتل بيعلبك في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وخمسمائة الإمام العلم بحر مغدق زخار وحبر هو في زمانه رأس الأحبار إذا قيل كعب لأحبار وهمام مقدم وإمام تقتدي به الهداة وتأتم نما من تلك الأصول الطاهرة غصنه المورق علي الأنجم الزاهرة بدره المشرق ورع يأنف أن يعد غير دار السلام دارا ويستقل الجوزاء إذا هو جاوزها أن يتخذ فيها قرارا مجل ما ادلهم ليل المشكلات وأمسي ومصل يسمع الناس لكلامه فلا تسمع لهم إلا همسا تلتقط الدرر من كلمة ويتناثر الجوهر من حكمه ويؤوب المذنب عند وعظه ويتوب العاصي بمجرد سماع لفظه ينطبع في القلب من كلماته صورة ويحدث للأنفس الزكية منه عظات إذا مدها لم تكن على أهل الطاعة مقصورة كم من فاسق تاب في مجلسه ودخل في الطاعة وكم من كافر آب إلى الحق ساعة وعظه وآمن في الساعة بمن بعث بين يدي الساعة لو استمع له الصخر لانفلق ولو فهم كلامه الوحش لاستحسنه وقال صدق يصدع القلب القاسي خطابه ويكاد يجمع عظام ذوي الغفلة النخرة عتابه ويشتت شمل الشياطين ما يقول ويفتت الأكباد ما يجمعه من الحق المقبول هو الرابع من أولاد الأستاذ أبي القاسم وأكثرهم علما وأشهرهم اسما والكل من السيدة الجليلة فاطمة بنت الأستاذ أبي علي الدقاق تحرج بوالده ثم على إمام الحرمين وسمع أباه وأبا عثمان الصابوني وأبا الحسين الفارسي وأبا حفص بن مسرور وأبا سعد الكنجروذي وأبا بكر البيهقي وأبا الحسين بن النقور وأبا القاسم الزنجاني وغيرهم بخراسان والعراق والحجاز وحدث بالكثير روى عنه سبطه أبو سعد عبد الله بن عمر الصفار وأبو الفتوح الطائي وخطيب الموصل أبو الفضل الطوسي وغيرهم وأبو سعد الصفار آخر من حدث عنه ومن الغريب أنه سمع منه وهو ابن أربع سنين وكتب الطبقة بخطه وبقي إلى سنة ستمائة ذكر صاحب السياق وأفصح المؤرخين على الإطلاق عبد الغافر الفارسي الأستاذ أبا نصر فقال إمام الأئمة وحبر الأمة وبحر العلوم وصدر القروم قال وهو أشبه أولاد أبيه به خلقا حتى كأنه شق منه شقا رباه والده أحسن تربية وزقه العربية في صباه زقا حتى برع فيها وكمل في النظم والنثر فحاز فيهما قصب السبق وكان ينفث بالسحر أقلامه على الرق استوفى الحظ الأوفى من علم الأصول والتفسير تلقنا من والده ورزق السرعة في الكتابة بحيث كان يكتب كل يوم طاقات على الاعتياد لا يلحقه فيه كبير مشقة وحصل أنواعا من العلوم الدقيقة والحساب ولما توفي أبوه انتقل إلى مجلس إمام الحرمين وواظب على درسه وصحبته ليلا ونهارا ولزمه عشيا وإبكارا حتى حصل طريقته في المذهب والخلاف وجدد عليه الأصول وكان الإمام يعتد به ويستفرغ أكثر أيامه معه مستفيدا منه بعض مسائل الحساب في الفرائض والدور والوصاية فلما فرغ من تحصيل الفقه تأهب للخروج للحج وحين وصل إلى بغداد وعقد له المجلس ورأى أهل بغداد فضله وكماله وعانيوا خصاله بداله من القبول عندهم ما لم يعهد مثله لأحد قبله وحضر مجلسه الخواص ولزم الأئمة مثل أبي إسحاق الشيرازي الذي هو فقيه العراق في وقته عتبة منبره وأطبقوا على أنهم لم يروا مثله في تبحره وخرج إلى الحج ولما عاد كان القبول عظيما وزائدا على ما كان من قبل وبلغ الأمر في التعصب له مبلغا يؤدي إلى الفتنة وقلما كان يخلو مجلسه عن إسلام جماعة من أهل الذمة وخرج بعد من قابل راجعا إلى الحج في أكمل حرمه وترفه في خدمة من أمير الحاج وأصحابه وعاد إلى بغداد وأمر القبول بحاله والفتنة مشرئبة تكاد تضطرم فبعث إليه نظام الملك يستحضره من بغداد إلى أصبهان فأكرم مورده وبقي أهل بغداد عطاشا إليه وإلى كلامه منهم من لم يفطر عن الصوم سنين بعده ومنهم من لم يحضر من بعده مجلس تذكير قط وأشار الصاحب عليه بالرجوع إلى خراسان ووصله بصلات سنية ودخل قزوين ولقي بها قبولا تاما ولما عاد استقبله الأئمة والصدور وكان يواظب بعد ما لقي من القبول على درس إمام الحرمين ويشتغل بزيادة التحصيل وكان أكثر صغوة في أواخر أيامه إلى الرواية قلما يخلو يوم من أيامه عن مجلس للحديث أو مجلسين وتوفي عديم النظير فريد الوقت بقية أكابر الدنيا انتهى قلت وأعظم ما عظم به أبو نصر أن إمام الحرمين نقل عنه في كتاب الوصية من النهاية وهذه مرتبة رفيعة والفتنة المشار إليها في كلام عبد الغافر فتنة الحنابلة فإن الأستاذ أبا نصر قام في نصرة مذهب الأشعري وباح بأشد النكير على مخالفيه وغبر في وجوه المجسمة في كائنه لا يخلو هذا الكتاب عن شرحها وكان الأستاذ أبو نصر قد اعتقل لسانه في آخر عمره إلا عن الذكر فلا يتكلم إلا بآي القرآن وكان يحفظ من الأشعار والحكايات مالا يحصى كثرة وقيل إنه كان يحفظ خمسين ألف نصف بيت قيل وكان يحب العزلة والانزواء فلما انقرضت الجوينية وصار مقدما احتاج إلى الخروج وحضور المحافل إذ كان قد بقي عين أهل مدينة نيسابور والمشار إليه في صدور محافل العزاء والهناء بعدما انقرض بيت الشيخ أبي محمد الجويني وولده إمام الحرمين وبالجملة كان رجلا معظماحتى عند مشايخه فلقد أطنب شيخه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في الثناء عليه وكذلك شيخه إمام الحرمين ودخل الأستاذ أبو نصر مرة على الإمام أبي المعالي الجويني فأنشأ الإمام ارتجالا يميس كغصن إذا ما بدا ** ويبدو كشمس ويرنو كريم معاني النجابة مجموعة ** لعبد الرحيم بن عبد الكريم ومن شعر الأستاذ أبي نصر ليالي وصال قد مضين كأنها ** لآلي عقود في نحور الكواعب وأيام هجر أعقبتها كأنها ** بياض مشيب في سواد الذوائب وقال تقبيل خدك أشتهى ** أمل إليه أنتهى لو نلت ذلك لم أبل ** بالروح منى أن تهي دنياي لذة ساعة ** وعلى الحقيقة أنت هي وقال أيضا شيئان من يعذلني فيهما ** فهو على التحقيق مني برى حب أبي بكر إمام التقى ** ثم اعتقادي مذهب الأشعري وقال في ولده فضل الله كم حسرة لي في الحشا ** من ولدي وقد نشا كنا نشاء رشده ** فما نشا كما نشا وقال رمضان أرمضني بصادات على ** عدد الطبائع والفصول الأربعة صوم وصوب ما يغيب سحابة ** وصبابة وصدود من قلبي معه ووقعت إليه رقعة استفتاء فيها ما على عاشق رأى الحب مختا ** لا كغصن الأراك يحمل بدرا فدنا نحوه يقبل خديه ** غراما به ويلثم ثغرا وعليه من العفاف رقيب ** لا يداني في سنة الحب غدرا أعليه جناية توجب الحد م ** أجبنا لقيت رشدا وبرا فأجاب من أبيات ما على من يقبل الحب حد ** غير أني أراه حاول نكرا لا تشوق للثم خد وثغر ** لو تعففت كان ذلك أحرى فاخش منه إذا تسامحت فيه ** غائلات تجر إثما ووزرا توفي الأستاذ أبو نصر يوم الجمعة الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وخمسمائة بنيسابور
قال أبونصر سمعت والدي يقول ليكن لك في اليوم والليلة ساعة تحضر فيها بقلبك وتخلو بربك وتقول تدارك قلبي بشظية من إقبالك بذره من أفضالك من نذر أن لا يكلم الآدميين أو الصمت في صومه قال الرافعي في آخرباب النذر في تفسير أبي نصر القشيري أن القفال قال من التزم بالنذر أن لا يكلم الآدميين يحتمل أن يقال يلزمه لأنه مما يتقرب به ويحتمل أن يقال لا لما فيه من التضييق والتشديد وليس ذلك من شرعنا كما لو نذر الوقوف في الشمس قلت وقد رأيت ذلك في تفسير أبي نصر المذكور قال وعلى هذا يكون نذر الصمت يعني في قوله ذكره في تفسير سورة مريم ومراده بالقفال فيما أحسب القفال الكبير صاحب التفسير لا القفال المروزي فليعلم ذلك ورأيت صاحب البحر قد ذكر في كتاب الصوم ما نصه فرع جرد عادة الناس بترك الكلام في رمضان وليس له أصل في الشرع والرسول والصحابة لم يفعلوه إلا أن له أصلا في شرع من قبلنا قال تعالى لزكريا عليه السلام قلت وعلى هذا تتخرج المسألة السابقة فإن قلنا قربة صح التزامه بالنذر وإلا فلا إمام الأدباء وقائد لواء أهل الترسل وصاحب صناعة الإنشاء أجمع أهل الأدب على أن الله تعالى لم يخلق في صناعة الترسل من بعده مثله ولا من قبله بأكثر من مائتي عام وربما زادوا وهو بينهم كالشافعي وأبي حنيفة بين الفقهاء بل هم له أخضع لأن أصحاب الإمامين قد يتنازعون في الأرجحية فكل يدعى أرجحية إمامه وأما هذا فلا تنازع بين أهل صناعته فيه وكان صديق السلطان صلاح الدين وعضده ووزيره وصاحب ديوان إنشائه ومشيره وخليطه وسميره ولد في نصف جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وخمسمائة وسمع الحديث من الحافظ أبي القاسم بن عساكر وأبي طاهر السلفي وأبي محمد العثماني وأبي الطاهر بن عوف وغيرهم وكان ذا دين وتقوى وتقشف مع الرياسة التامة والإغضاء والصفح والحلم والعفو والستر صاحب أوراد من صلاة وصيام وغيرهما مع التمكن الزائد في الدولة وذكر العماد الكاتب أنه كان يختم كل يوم القرآن المجيد ويضيف إليه ما شاء الله وبلغنا أن كتبه التي ملكها مائة ألف مجلد وكان كثير البر والصدقة مقتصدا في ملبسه وطعامه كثير التشييع للجنائز وعيادة المرضى له تهجد في الليل لا يخل به وعادة في زيارة القبور لا يقطعها مع كونه أحدب ضعيف البنية كثير الاشتغال وكتب من الإنشاء الفائق الرائق الذي خضعت له الرقاب ما يربو على مائة مجلد قيل وكان يدخل له في السنة نحو خمسين ألف مثقال من الذهب غير ما يدخل له من فوائد المتجر وكانت متاجره في الهند والغرب وما بين ذلك مات سنة ست وتسعين وخمسمائة ولد سنة تسع وخمسين وأربعمائة بنيسابور وسمع أبا بكر بن خلف الشيرازي وأبا المظفر السمعاني وغيرهما روى عنه السمعاني وغيره وتفقه على إمام الحرمين قال ابن السمعاني في التحبير أخذ عن الإمام أبي المعالي حتى صار من فحول المناظرين وكان إمام نيسابور في عصره ومن مشاهير العلماء ولى التدريس بمدرسة عمه نظام الملك مدة ثم ارتفعت درجته إلى أن صار وزير السلطان سنجر ابن ملكشاه وبقي على الوزارة مدة وكان يجتمع عنده الأئمة ويناظرهم ويظهر كلامه عليهم وكان فصيحا جرئيا قال وتوفي بسرخس يوم الخميس التاسع عشر من المحرم سنة خمس عشرة وخمسمائة وحمل إلى نيسابور ودفن بداره برأس القنطرة قلت وأجاز لابن السمعاني قال ابن السمعاني في التحبير كان دهقانا لا يعرف شيئا وأما والده فكان إمام عصره وقد سمع هو من والده ومات في صفر سنة إحدى وأربعين وخمسمائة أقام ببغداد مدة متفقها بالمدرسة النظامية على إلكيا وولي قضاء البصرة وسمع بمكة صحيح مسلم من الحسين الطبري وكان فقيها أصوليا توفي في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وخمسمائة من أهل البندنيجين صحب أبا النجيب السهروردي ببغداد وتفقه عليه وسمع الحديث من أبي الوقت السجزي وغيره وتولى قضاء البندنيجين وتوفي بها في جمادى الآخرة سنة ثمان وسبعين وخمسمائة عبد السلام بن محمد الشيخ ظهير الدين الفارسي أحد الأئمة المعتبرين قال ابن باطيش قدم الموصل فصادف من صاحبها قبولا وفوض إليه تدريس الفريقين الشافعية والحنفية وبقي بها مدة يدرس وافر الحرمة ثم توجه إلى حلب على عزيمة العود إلى الموصل ثم مات بها سنة ست وتسعين وخمسمائة تفقه في بغداد بالنظامية على أسعد الميهني وسمع الحديث من هبة الله بن محمد بن الحصين وزاهر بن طاهر الشحامي وأبي غالب محمد بن الحسن الماوردي وغيرهم وصحب الشيخ أبا النجيب السهروردي وانقطع إلى العبادة والخلوة والرياضة ومواصلة الصيام والقيام حتى ظهرت عليه أنوار الطاعة وظهر له القبول من الناس وصار ممن يشار إليه بالزهد والعبادة ويقصده الناس للتبرك به واتخذ بعد موت الشيخ أبي النجيب رحمه الله لنفسه رباطا وكان يعقد به مجلس الوعظ ويحضره الناس وحدث بالكثير روى عنه الحافظ أبو بكر الحازمي وغيره وقد سئل عن مولده فذكر أنه قبل الخمسمائة وتوفي يوم الأحد لأربع عشرة خلت من ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة صاحب الفرائض المشهورة بضم الألف وسكون الشين المعجمة وضم النون وكسر الهاء نسبة إلى قرية أشنه بليدة بأذربيجان تفقه على أبي إسحاق الشيرازي وسمع أبا جعفر بن المسلمة وغيره سمع منه الفضل بن محمد النوقاني هذا كلام ابن السمعاني ولم يزد شيئا إلا أنه أسند له حديثا ولم يذكره ابن النجار ولد سنة إحدى وخمسين وأربعمائة وسمع من جده لأمه أبي القاسم القشيري وأحمد بن منصور المغربي وأحمد بن الحسن الأزهري وأبي الفضل محمد بن عبيد الله الصرام وعبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري وأبي بكر بن خلف وجدته فاطمة بنت الدقاق وخلائق وأجازه أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي وأبو محمد الجوهري مسند بغداد وغيرهما روى عنه الحافظ أبو القاسم بن عساكر وأبو سعد بن السمعاني وأبو العلاء الهمذاني وذكر شيخنا الذهبي أن ابن عساكر لم يرو عنه إلا بالإجازة لكن روى عنه بالسماع أبو سعد عبد الله بن عمر الصفار وتفقه على إمام الحرمين ولزمه مدة وكان إماما حافظا محدثا لغويا فصيحا أديبا ماهرا بليغا آدب المؤرخين وأفصحهم لسانا وأحسنهم بيانا أورثته صحبة الإمام فنا من الفصاحة وأكسبته ملازمته إياه سهرا حمد صباحه وكان خطيب نيسابور وإمامها وفصيحها الذي ألقت إليه البلاغة زمامها وبليغها الذي لم يترك مقالا لقائل وأديبها الآتي بما لم يستطعه كثير من الأوائل رحل إلىخوارزم وإلى غزنة وجال في بلاد الهند وصنف السياق لتاريخ نيسابور وكتاب مجمع الغرائب في غريب الحديث وكتاب المفهم لشرح غريب مسلم توفي سنة تسع وعشرين وخمسمائة بنيسابور من أهل فارس ويعرف بالركن تفقه بالمدرسة النظامية ببغداد وكان أديبا فاضلا عفيفا مستورا قال العماد الكاتب إنه غلب عليه العشق حتى حمل إلى البيمارستان وقيد ثم إنه عوفي مما ابتلى به ولم يقم بعد ذلك ببغداد خجلا وكتبت عنه أبياتا من شعره مليحة واسمه عبد الله بن سعد بن الحسين بن علقمة بن النضر بن معاذ بن عبد الرحمن الشيخ أبو النجيب السهروردي الصوفي الزاهد الفقيه الإمام الجليل أحد أئمة الطريقة ومشايخ الحقيقة من هداة الدين وأئمة المسلمين ولد في صفر سنة تسعين وأربعمائة وسمع أبا علي بن نبهان وزاهر بن طاهر والقاضي أبا بكر الأنصاري وغيرهم روى عنه ابن عساكر وابنه القاسم وابن السمعاني وأبو أحمد بن سكينة وابن أخيه الشيخ شهاب الدين ابن أخي أبي النجيب السهروردي وزين الأمناء أبو البركات وخلق كان من أهل سهرورد ثم قدم بغداد وتفقه بالمدرسة النظامية على أسعد الميهني وعلق عنه التعليق وبرع في المذهب وتأدب على الفصيحي وسمع الحديث ممن ذكرنا ثم ولي تدريس النظامية فدرس بهامدة ثم انصرف عنها وصحب الشيخ أحمد الغزالي وهب له نسيم التوفيق ودله على سواء الطريق فانقطع عن الناس وآثر العزلة والخلوة واشتملت المريدون عليه وعمت بركته وبقي عدة سنين يستقي بالقربة على ظهره بالأجرة ويتقوت بذلك ويقوت من عنده من الأصحاب وكانت له خربة على دجلة يأوي إليها هو وأصحابه واشتهر اسمه وبعد صيته واستفاضت كراماته وبنى تلك الخربة رباطا وبنى إلى جانبها مدرسة فصار حمى لمن التجأ إليه من الخائفين يجير من السلطان والخليفة وغيرهما وأفلح بسببه خلق وأملى مجالس وصنف مصنفات واتفقت له في بدايته مجاهدات كثيرة واجتمع بسادات وحكى عن نفسه قال كنت أدخل على شيخي وربما يكون اعتراني بعض الفتور عما كنت عليه من المجاهدة فيقول لي أراك قد دخلت وعليك ظلمة فأعلم سبب ذلك وكرامة الشيخ وكنت أبقى اليومين والثلاثة لا أستطعم بزاد وكنت أنزل إلى دجلة وأتقلب في الماء ليسكن جوعى حتى دعتني الحاجة إلى أن اتخذت قربة أستقي بها الماء للقوت فمن أعطاني شيئا أخذته ومن لم يعطني تركته ولما تعذر علي ذلك في الشتاء خرجت يوما إلى بعض الأسواق فوجدت رجلا وبين يديه طبرزد وعنده جماعة يدقون الأرز فقلت هل لك أن تستأجرني فقال أرني يديك فأريته فقال هذه يد لا تصلح إلا للقلم ثم ناولني قرطاسا فيه ذهب فقلت ما آخذ إلا أجرة عملي فاستأجرني على النسخ إن كان لك نسخ وإلا انصرفت وكان رجلا يقظا فقال اصعد وقال لغلامه ناوله المدقة فناولني فدققت معهم وليس لي عادة وصاحب الدكان يلحظني فلما عملت ساعة قال تعال فجئت إليه فناولني الذهب وقال هذه أجرتك فأخذته وانصرفت ثم أوقع الله في قلبي الاشتغال بالعلم فاشتغلت حتى أتقنت المذهب وقرأت أصول الدين وأصول الفقه وحفظت وسيط الواحدي في التفسير وسمعت كتب الحديث المشهورة توفي الشيخ أبو النجيب في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وخمسمائة من أهل همذان تفقه ببغداد على أسعد الميهني وسمع الحديث من أبي القاسم بن بيان وغيره ثم سافر إلى الموصل ولازم علي بن سعادة بن السراج الفقيه وعلق عنه الخلاف وسمع من أبي البركات بن خميس وعاد إلى بغداد روى عنه ابن السمعاني ولد في ذي الحجة سنة ست وأربعين وأربعمائة ومات في رجب سنة سبع وأربعين وخمسمائة قاضي آمل طبرستان ووقع في نسختي من كتاب ابن باطيش إسقاط شريح بن عبد الكريم وأحمد وهو غلط تبعته عليه في الطبقات الوسطى والصغرى والصواب ما ذكرته هنا وشريح والده هو صاحب أدب القضاء المسمى بروضة الحكام وعبد الكريم جده لا أعرفه وأحمد والد جده هو أبو العباس الروياني الإمام الكبير صاحب الجرجانيات ذكر ابن السمعاني عبد الكريم هذا في كتاب التحبير وقال إمام فاضل مناظر فقيه حسن الكلام فصيح المنطق ورد نيسابور وأقام بهاوسمع ببسطام أبا الفضل محمد ابن علي بن أحمد السهلكي وسمع أيضا بطبرستان وساوة ونيسابور وأصبهان وعدد ابن السمعاني جماعة من مشايخه ثم قال لقيته بمرو سنة نيف وعشرين وكان قدمها طالبا لقضاء بلده حضر يناظرنا وتكلم في مسألة القتل بالمثقل فأكرم الوزير محمود بن أبي توبة مورده وفوض إليه القضاء ولم يتفق لي أن أسمع منه شيئا وكتب إلي الإجازة بجميع مسموعاته من آمل ومات بها في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة أبو طاهر من أهل أصبهان قال ابن السمعاني كان أحد المعروفين بالخصال الجميلة والأخلاق المرضية وكان فاضلا يرجع إلى معرفة بالفقه والعربية ولسان أهل المعرفة تفقه على أبي بكر محمد بن ثابت الخجندي سمع أباه وأبا عثمان سعيد بن ابي سعيد الصوفي وابن هزار مرد الصريفيني وابن المهتدي بالله وغيرهم قال ابن السمعاني سمع منه والدي ولى عنه إجازة صحيحة توفي في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة تفقه على أبي بكر بن السمعاني قال ابن السمعاني وولي القضاء بناحية جوين وسمع عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري وإسماعيل بن البيهقي والحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ وغيرهم روى عنه ابن السمعاني مولده سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة ولم يذكر وفاته في الذيل قال ابن السمعاني إمام ظريف عفيف حسن السيرة قال وأقام بهراة بين الصوفية وسمع ببغداد أبا بكر بن الخاضبة وغيره وتفقه على الغزالي وإلكيا ومحمد بن ثابت الخجندي روى عنه أبو النصر الفامي مؤرخ هراة وغيره قال ابن السمعاني سمعت أبا نعيم عبد الرحمن بن عمر الأصفر البامنجي يقول لما فرغت من التفقه على الإمام الحسين بن مسعود الفراء ورجعت إلى بامئين كان أحد الفقهاء دخل علي وجرى بيننا مذاكرة علمية فوقعنا في هذه المسألة رجل له امرأتان طلق إحداهما فسئل أيهما طلقت فقال هذه بل هذه فقلت وهذه مسألة مشكلة وكان الإمام يقول لنا في هذه المسألة إشكال فحمل بعض الفقهاء هذه اللفظة إلى الإمام وزاد فيه حسد أنه قال ما علم الأستاذ هذه المسألة وما فهمها كما يجب فدعا الشيخ علي وأظهر الكراهة فقمت ومضيت إلى مرو الروذ راجلا ووصلت إليها بالباكر فلما قصدت الشيخ كان في الدرس والفقهاء حضور فألقى عليهم الدروس والإمام عبد الكريم الرازي بجنبه قاعد وكان يحضر درسه للتبريك لأنه كان من الأئمة الكبار فصبرت حتى فرغ الإمام من الدرس وخرج الفقهاء ولم يبق إلا الإمامان الحسين وعبد الكريم فدخلت وسلمت فرد الإمام الحسين السلام وما رفع رأسه إلي فقعدت وشرحت الحال بين يديهما فقال الإمام الحسين ليس الفقه إلا حل الإشكال ولم يطب قلب الإمام فقال الإمام عبد الكريم الرازي له إن للفقهاء شرطا وللصوفية شرطا ومن شرط الفقيه أن يعترض على أستاذه ويصير إلى حاله يمكنه أن يقول لأستاذه لم ويحسن الاعتراض عليه ومن شرط الصوفية أن لا يعترض على شيخه أصلا ويكون كالميت بين يدي الغاسل ثم قال وهب أن تلميذك اعترض عليك فهذا من شرط الفقهاء فتعفو عنه فرضي الشيخ وأدناني من نفسه وقبلت رجليه وعانقني وقمت ورجعت في الحال إلى بلدي ولم أقم بمرو والروذ وكان الرازي يحفظ الإحياء للغزالي وكان صالحا دينا توفي بفارس سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ظنا أو قبلها بسنة أو بعدها بسنة تاج الإسلام بن تاج الإسلام محدث المشرق وصاحب التصانيف المفيدة الممتعة والرياسة والسؤدد والأصالة قال محمود الخوارزمي بيته أرفع بيت في بلاد الإسلام وأعظمه وأقدمه في العلوم الشرعية والأمور الدينية قال وأسلاف هذا البيت وأخلافه قدوة العلماء وأسوة الفضلاء الإمامة مدفوعة إليهم والرياسة موقوفة عليهم تقدموا على أئمة زمانهم في الآفاق بالاستحقاق وترأسوا عليهم بالفضل والفقه لا بالبذل والوقاحة انتهى ولد في الحادي والعشرين من شعبان سنة ست وخمسمائة بمرو وحمله ولده الإمام أبو بكر إلى نيسابور سنة تسع وأحضره السماع علي عبد الغفار الشيروي وأبي العلاء عبيد بن محمد القشيري وجماعة وكان قد أحضره بمرو على أبي منصور محمد بن علي الكراعي وغيره ثم مات أبوه سنة عشر وأوصى إلى الإمام إبراهيم المروذي صاحب التعليقة فتفقه أبو سعد عليه وتهذب بأخلاقه وتربى بين أعمامه وأهله فلما راهق أقبل على القرآن والفقه وعني الحديث والسماع واتسعت رحلته فعمت بلاد خراسان وأصبهان وما وراء النهر والعراق والحجاز والشام وطبرستان وزار بيت المقدس وهو بأيدي النصارى وحج مرتين سمع بنفسه من الفراوي وزاهر الشحامي وهبة الله السيدي وتميم الجرجاني وعبد الجبار الخواري وإسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ وعبد المنعم بن القشيري وأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وعبد الرحمن بن محمد الشيباني القزاز وخلائق يطول سردهم وألف معجم البلدان التي سمع بها وعاد إلى وطنه بمرو سنة ثمان وثلاثين فتزوج وولد له أبو المظفر عبد الرحيم فرحل به إلى نيسابور ونواحيها وهراة ونواحيها وبلخ وسمرقند وبخارى وخرج له معجما ثم عاد به إلى مرو وألقى عصا السفر بعدما شق الأرض شقا وأقبل على التصنيف والإملاء والوعظ والتدريس قال ابن النجار سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ وهذا شيء لم يبلغه أحد سمع منه جماعة من مشايخه وأقرانه وروى عنه الحافظ الأكبر أبو القاسم بن عساكر وابنه القاسم بن عساكر وأبو أحمد ابن سكينة وعبد العزيز بن منينا وأبو روح عبد المعز الهروي وابنه أبو المظفر عبد الرحيم بن السمعاني ويوسف بن المبارك الخفاف وآخرون عاد بعد ما دوخ الأرض سفرا إلى بلده مرو وأقام مشتغلا بالجمع والتصنيف والتحديث والتدريس بالمدرسة العميدية ونشر العلم إلى أن توفي إماما من أئمة المسلمين في كثير من العلوم أمسها به الحديث على اختلاف فنونه ومن تصانيفه الذيل في أربعمائة طاقة تاريخ مرو وكتب منه خمسمائة طاقة طراز الذهب في أدب الطلب مائة وخمسون طاقة الإسفار عن الأسفار خمس وعشرون طاقة الإملاء والاستملاء خمس عشرة طاقة التذكرة والتبصرة مائة وخمسون طاقة معجم البلدان خمسون طاقة معجم الشيوخ ثمانون طاقة تحفة المسافر مائة وخمسون طاقة التحف والهدايا خمس وعشرون طاقة عز العزلة سبعون طاقة الأدب في استعمال الحسب خمس طاقات المناسك ستون طاقة الدعوات الكبيرة أربعون طاقة الدعوات المروية عن الحضرة النبوية خمس عشرة طاقة الحث على غسل اليد خمس طاقات أفانين البساتين خمس عشر طاقة دخول الحمام خمس عشرة طاقة وكان هذب فيه كتاب أبيه أبي بكر في دخول الحمام فضائل صلاة التسبيح عشر طاقات التحبير في المعجم الكبير ثلاثمائة طاقة الأنساب ثلاثمائة طاقة وخمسون الأمالي ستون طاقة صلاة الصبح عشر طاقات المساواة والمصافحة مقام العلماء بين يدي الأمراء لفتة المشتاق إلى ساكني العراق سلوة الأحباب ورحمة الأصحاب الأخطار في ركوب البحار النزوع إلى الأوطان صوم الأيام البيض تحفة العيدين التحايا والهدايا الرسائل والوسائل لم تكمل فضائل الديك ذكرى حبيب يرحل وبشرى مشيب ينزل كتاب الحلاوة فضائل الهرة الهريسة تاريخ الوفاة للمتأخرين من الرواة بخار بخور البخارى تقديم الجفان إلى الضيفان الصدق في الصداقة الربح والخسارة في الكسب والتجارة الارتياب عن كتابة الكتاب حث الإمام على تخفيف الصلاة مع الإتمام فرط الغرام إلى ساكني الشام الشد والعد لمن اكتنى بأبي سعد فضائل سورة يس فضائل الشام وغير ذلك من التصانيف والتخاريج ذكره صاحبة ورفيقه الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر واثنى عليه وقال هو الآن شيخ خراسان غير مدافع عن صدق ومعرفة وكثرة سماع للأجزاء وكتب مصنفة والله يبقيه لنشر السنة ويوفقه لأعمال أهل الجنة توفي الحافظ أبو سعد في الثلث الأخير من ليلة غرة ربيع الأول سنة اثنتين وستين وخمسمائة بمدينة مرو ودفن بسنجدان مقبرة مرو من أهل الدامغاني ولد بها يوم الجمعة عند طلوع الشمس سادس عشر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة ودخل إلى نيسابور وتفقه على إمام الحرمين ثم عاد إلى بلده وولى القضاء بها سمع الوزير نظام الملك وأبا القاسم بن مسعدة وأبا بكر أحمد بن علي الشيرازي وكامل بن إبراهيم الخندقي والمظفر بن حمزة التميمي وأبا القاسم إسماعيل بن زاهر النوقاني وإسماعيل بن الفضل الفضلي وأستاذه أبا المعالي وغيرهم بالدامغان وجرجان ونيسابور وهراة روى عنه ابن السمعاني وغيره توفي بالدامغان في غرة ذي القعدة سنة خمس وأربعين وخمسمائة ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة وسمع جمال الإسلام السلمي وغيره وحضر في بغداد درس ابن الرزاز وفي خراسان درس محمد بن يحيى ودرس بالأمينية بدمشق نيابة عن ابن أبي عصرون وتوفي في رمضان سنة إحدى وستين وخمسمائة أبو القاسم الملقب صدر الدين من أهل أصبهان كان يتولى الرياسة بها على قاعدة أبائة وكانت له المكانة عند السلاطين سمع الحديث من أبي الوقت السجزي وغيره وكان فقيها أديبا واعظا وله شعر جيد ولد في شهر رجب سنة خمس وثلاثين وخمسمائة ومات في جمادى الأولى سنة ثمانين وخمسمائة تفقه ببغداد وسمع الحديث من أبي القاسم بن الحصين وأبي العز بن كادش وأبي غالب بن البناء وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن وغيرهم توفي في شهر رمضان سنة ستين وخمسمائة خطيب دمشق والمدرس بها الفقيه ضياء الدين الأرقمي الموصلي والدولعية من قرى الموصل ولد سنة سبع وخمسمائة وقدم دمشق في شبيبته فتفقه بها وسمع من أبي الفتح نصر الله المصيصي وتفقه أيضا ببغداد وسمع بها الترمذي من عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي والنسائي من علي بن أحمد بن محمويه اليزدي روى عنه أبو الطاهر إسماعيل الأنماطي وابن خليل والشهاب القوصي والتقى ابن أبي اليسر وبالإجازة أبو الغنائم بن علان وأبو العباس بن أبي الخير وكان فقيها كبيرا متفننا عارفا بالمذهب دينا على طريقة حميدة ولي خطابة دمشق وأقام بها مدة طويلة ودهرا طويلا ودرس بالغزالية زمانا كبيرا وتفقه علي ابن أبي عصرون أيضا من أهل أسداباذ ورد بغداد وتفقه على الإمام أبي بكر الشاشي وأقام بها مدة ورجع إلى بلده أسداباذ ثم خرج منها إلى جرباذقان وولي به تدريس المدرسة كتب عنه ابن السمعاني وقال سألته عن مولده فقال في شوال سنة خمس وسبعين وأربعمائة ولم يذكر وفاته من أهل حلب كان يدرس بمدرسة الزجاجين بها قال ابن النجار كان فقيها فاضلا حسن المعرفة بمذهب الشافعي وكان زاهدا ورعا توفي بحلب في جمادى الآخرة سنة تسعين وخسمائة من أهل جيلان سكن بغداد وكان رجلا صالحا يأوي الخراب قال ابن السمعاني فقيه صالح دين خير عامل بعلمه كثير العبادة والصلاة ليس له مأوى معلوم ومنزل مشهور يسكنه يبيت أي موضع اتفق قال وتفقه على أسعد الميهني وسمع من القاضي أبي المحاسن بن الروياني وغيره وذكر ابن السمعاني أنه سمعه مذاكرة يقول سمعت أرباب القلوب تقول من عرف أن جميع اللذات المتفرقة على الأعضاء تنطوي تحت هذه اللذة ثم أنشأ يقول كانت لقلبي أهواء مفرقة ** فاستجمعت مذ رأتك العين أهواى فظل يحسدني من كنت أحسده ** فصرت مولى الورى مذ صرت مولاي تركت للناس دنياهم ودينهم ** شغلا بحبك ياديني ودنياي قال وسمعته يقول سمعت إمام الحرمين أبا مخلد الفزاري قال كنت بمكة فرأيت شيخا من أهل المغرب يطوف ويقول تمتع بالرقاد على شمال ** فسوف يطول نومك باليمين ومتع من يحبك من تلاق ** فأنت من الفراق على يقين مات في سنة خمس وأربعين وخمسمائة بفيد
|