الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
الشيخ الإمام الفقيه الصوفي الواعظ الملقب رضى الدين أحد الأعلام ولد في سنة اثنتى عشرة وخمسمائة بقزوين وقيل سنة إحدى عشرة وتفقه بها على ملكداد بن علي ثم ارتحل إلى نيسابور وتفقه على محمد بن يحيى وسمع الكثيرمن أبيه وأبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي وزاهر الشحامي وعبد المنعم بن القشيري وعبد الغافر الفارسي وعبد الجبار الخواري وهبة الله ابن السيدي ووجيه بن طاهر وأبي الفتح بن البطي وغيرهم بنيسابور وبغداد وغيرهما روى عنه ابن الدبيثي ومحمد بن علي بن أبي السهل الواسطي والموفق عبد اللطيف ابن يوسف والإمام الرافعي وغيرهم درس ببلده مدة ثم ببغداد ثم عاد إلى بلده ثم عاد إلى بغداد ودرس بالنظامية وحدث بكبار الكتب ك تاريخ الحاكم وسنن البيهقي وصحيح مسلم و مسند إسحاق وغيرها وأملى عدة مجالس قال ابن النجار كان رئيس أصحاب الشافعي وكان إماما في المذهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ والزهد وحدث عنه الإمام الرافعي في أماليه وقال فيه إمام كثير الخير موفر الحظ من علوم الشرع حفظا وجمعا ونشرا بالتعليم والتذكير والتصنيف وكان لسانه لا يزال رطبا من ذكر الله ومن تلاوة القرآن وربما قرىء عليه الحديث وهو يصلي ويصغي إلى ما يقول القارىء وينبهه إذا زل قلت وأطال ابن النجار في ترجمته والثناء على علمه ودينه وروىبإسناده حكاية مبسوطة ذكر أنه عربها من العجمي إلى العربية حاصلها أن الطالقاني حكى عن نفسه أنه كان بليد الذهن في الحفظ وأنه كان عند الإمام محمد بن يحيى في المدرسة وكان من عادة ابن يحيى أن يستعرض الفقهاء كل جمعة ويأخذ عليهم ما حفظوه فمن وجده مقصرا أخرجه فوجد الطالقاني مقصرا فأخرجه فخرج في الليل وهو لا يدري إلى أين يذهب فنام في أتون حمام فرأى النبي فتفل في فمه مرتين وأمره بالعود إلى المدرسة فعاد ووجد الماضي محفوظا واحتد ذهنه جدا قال فلما كان يوم الجمعة وكان من عادة الإمام محمد بن يحيى أن يمضي إلى صلاة الجمعة في جمع من طلبته فيصلي عند الشيخ عبد الرحمن الأكاف الزاهد قال فمضيت معه فلما جلس مع الشيخ عبد الرحمن تكلم الشيخ عبد الرحمن في شيء من مسائل الخلاف والجماعة ساكتون تأدبا معه وأنا لصغر سني وحدة ذهني أعترض عليه وأنازعه والفقهاء يشيرون إلى بالإمساك وأنا لا ألتفت فقال لهم الشيخ عبد الرحمن دعوه فإن هذا الكلام الذي يقوله ليس هو منه إنما هو من الذي علمه قال ولم يعلم الجماعة ما أراد وفهمت أنا وعلمت أنه مكاشف قال ابن النجار وقيل إنه كان مع كثرة اشتغاله يداوم الصيام ويفطر كل ليلة على قرص واحد وحكى أنه لما دعى إلى تدريس النظامية جاء بالخلعة وحوله الفقهاء وهناك المدرسون والصدور والأعيان فلما استقر على كرسي التدريس وقرئت الربعة الشريفة ودعى دعاء الختمة التفت إلى الجماعة قبل الشروع في إلقاء الدرس وقال من أي كتب التفاسير تحبون أن أذكر فعينوا كتابا فقال من أي سورة تريدون فعينوا وذكر لهم ما أرادوا وكذلك فعل في الفقه والخلاف لم يذكر إلا ما عين الجماعة له فعجبوا لكثرة استحضاره قال ابن النجار حدثني شيخنا أبو القاسم الصوفي قال صلى شيخنا القزويني بالناس التراويح في ليالي شهر رمضان وكان يحضر عنده خلق كثير فلما كان ليلة الختم دعا وشرع في تفسير القرآن من أوله ولم يزل يفسر سورة سورة حتى طلع الفجر فصلى بالناس صلاة الفجر بوضوء العشاء وخرج من الغد إلى المدرسة النظامية وكان نوبته في الجلوس بها فلما تكلم في المنبر على عادته و طاب الناس وكان في المجلس الأمير قطب الدين قيماز والأعيان فذكروا لهم أن الشيخ ليلة إذ فسر القرآن كله في مجلس واحد فقال قطب الدين الغرامة على الشيخ واجبه فالتفت الشيخ وقال إن الأمير أوجب علينا شيئا فإن كان لا يشق عليكم وفينا به فقالوا لا بل نؤثر ذلك فشرع وفسر القرآن من أوله إلى أخره من غير أن يعيد كلمة مما ذكر ليلا فأبلس الناس من قوة حفظه وغزارة علمه قال أبو أحمد بن سكينة لما أظهر ابن الصاحب الرفض ببغداد جاءني القزويني ليلا فودعني وذكر أنه متوجه إلى بلاده فقلت إنك ههنا طيب وتنفع الناس فقال معاذ الله أن أقيم ببلدة يجهر فيها بسب أصحاب رسول الله ثم خرج من بغداد إلى قزوين وكان آخر العهد به قلت أقام بقزوين معظما محترما إلى أن توفى بها قال الرافعي في الأمالي كان يعقد المجلس للعامة ثلاث مرات في الأسبوع إحداها صبيحة يوم الجمعة فتكلم على عادته يوم الجمعة ثاني عشر المحرم سنة تسعين وخمسمائة في قوله تعالى قال الرافعي ولما نزل من المنبر حم ومات في الجمعة الأخرى ولم يعش بعد ذلك إلا سبعة أيام قال وذلك من عجيب الاتفاقات قال وكأنه أعلم بالحال وأنه حان وقت الارتحال ودفن يوم السبت قال ولقد خرجت من الدار بكرة ذلك اليوم على قصد التعزية وأنا في شأنه متفكر ومما أصابه منكسر إذ وقع في خلدي من غير نية وفكر روية بكت العلوم بويلها وعويلها ** لوفاة أحمدها ابن إسماعيلها كأن أحدا يكلمني بذلك ثم أضفت إليه أبياتا بالروية ذهبت عني انتهى
له مصنف سماه حظائر القدس عد فيه لشهر رمضان أربعة وستين اسما ونقل فيه في معنى قوله فيما يحكيه عن ربه سبحانه وتعالى الصوم لي وأنا أجزى به خمسة وخمسين قولا من أغربها ما نقله عن سفيان بن عيينة وناهيك به أن يوم القيامة يتعلق خصماؤه بجميع أعماله إلا الصوم فلا سبيل لهم عليه فإنه لله تعالى وإذا لم يبق إلا الصوم يتحمل الله تعالى ما بقي من المظالم ويدخله بالصوم الجنة قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى ورضي عنه في باب صوم التطوع وهذا إن صح فيه توقيف فهو في غاية الحسن قلت قد يرد عليه بما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال قال النبي ( أتدرون من المفلس ) قالوا من لا درهم له ولا متاع قال ( إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من خطاياهم وطرحت عليه ثم طرح في النار ) الحديث ظاهره أنه يؤخذ من الصوم فإن قلت الصوم ليس من حسناته وإنما هو لله تعالى لا يضاف إلى العبد قلت هذا حسن غير أن قوله ثم طرح في النار مع أن له صياما يدل على أن الصوم وإن بقي سالما لم يتعلق الخصوم منه بشيء لا يتعين معه دخول الجنة بل يقع معه دخول النار فلا بد لسفيان من توقيف وإلا فهذا الحديث ظاهر يرد عليه ولد في سنة ست وسبعين وأربعمائة ورحل إلى بغداد وسمع من أبي القاسم بن بيان وأبي علي بن نبهان وغيرهما وكان فقيها عارفا باللغة والأدب ولي قضاء واسط مدة وصنف كتاب القضاة وغير ذلك توفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وهو والد أبي الفتح المندائي روى عنه ابنه وجماعة صاحب الغاية في الاختصار ووقفت له على شرح الإقناع الذي ألفه القاضي الماوردي قال ياقوت في البلدان في الكلام على عبادان ما نصه وإليها ينسب القاضي أبو شجاع أحمد بن الحسن بن أحمد الشافعي العباداني روى عنه السلفي وقال هو من أولاد الدهر درس بالبصرة أزيد من أربعين سنة في مذهب الشافعي قال ذكر لي ذلك في سنة خمسمائة وعاش بعد ذلك ما لا أتحققه وسألته عن مولده فقال سنة أربع وثلاثين وأربعمائة بالبصرة وأن والده مولده أصبهان قال السلفي قرأ على كثيرا من الحديث وعلقت عنه فوائد أدبية سمع الحديث وقرأ القرآن على أبي الحسين الخشاب واللغة على ابن القطاع والنحو على مسعود الدولة الدمشقي وكان أبوه ولي القضاء بمصر ولد سنة اثنتين وستين وأربعمائة وتوفي بالإسكندرية ثم حمل لمصر ودفن بها وكان شافعيا بارعا في الأدب ولم يذكر السلفي وفاته ذكر ذلك ياقوت في البلدان في الكلام على بلد عرقة بلد بشرقي طرابلس في آخر أعمال دمشق أبوه زر بكسر الزاي بعدها راء مشددة وجده كم بضم الكاف بعدها ميم مشددة كذا أحفظه وسمعت من يقول بل والده زرين كم بفتح الزاي ثم الراء الساكنة الخفيفة ثم آخر الحروف ساكنة ثم نون ثم كاف مضمومة ثم ميم مشددة قال وهو اسم عجمي على هيئة مضاف ومضاف إليه وجده عقيل ولد سنة ثمان وخمسين وسمعه أبوه ثم رحل هو بنفسه إلى أصبهان وبغداد والكوفة والري سمع أبا إسحاق الشيرازي ويوسف بن محمد الهمذاني الخطيب وأبا الفرج بن عبد الحميد وأبا طاهر بن الزاهد وغالب الهمذانيين وسليمان بن إبراهيم الحافظ والقاسم بن الفضل الرئيس بأصبهان وابن البطر وجماعة ببغداد ومكي بن علان بالكرج روى عنه ابن عساكر وابن السمعاني وابن الجوزي وطائفة قال ابن السمعاني شيخ إمام فاضل ثقة كبير جليل القدر واسع الرواية حسن المعاشرة وله شعر جيد توفي في رجب سنة خمس وثلاثين وخمسمائة وقبره يزار كان أحد الأئمة ومن يضرب به المثل في الخلاف والنظر تفقه على أبي إسحاق الشيرازي وأبي نصر بن الصباغ ثم خرج إلى أصبهان فأخذ عن محمد بن ثابت الخجندي وولي القضاء بالحريم الظاهري ببغداد والحسبة سمع أبا القاسم بن البسري وأبا نصر الزينبي وغيرهما روى عنه علي بن أحمد اليزدي ويحيى بن ثابت البقال ويحيى بن بوش وغيرهم وكان يؤدب الراشد بالله أمير المؤمنين وكثيرا من أولاد الخلفاء ولد في أواخر سنة ستين وأربعمائة وتوفي في رجب سنة سبع وعشرين وخمسمائة من أهل بهونة إحدى القرى الخمس التي يقال لها بنج دية من قرى مرو ويقال لمن ينسب إليها خمقري بفتح الخاء المعجمة وسكون الميم وفتح القاف وفي آخرها الراء ثم ياء النسب وهذه القرى خمس مجتمعة وهي ابغاني ومرست ويزد وكريكان وبهونة ويقال لها خمس قرى هكذا يقولون هذه خمس قرى ورأيت خمس قرى ومررت بخمس قرى ويقال لها أيضا بنج ديه ولد في العشرين من شعبان سنة ست وستين وأربعمائة وتفقه على أسعد الميهني وأبي بكر السمعاني قال ابن السمعاني في كتاب التحبير وتفقه بطوس أيضا على حجة الإسلام أبي حامد الغزالي وسمع هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي وأبا سعيد محمد بن علي البغوي وغيرهما قال ابن السمعاني كان إماما فاضلا متفننا مناظرا مبرزا عارفا بالأدب واللغة مليح الشعر نظر في علوم الأوائل وحصل منها طرفا مع حسن الاعتقاد وسرعة الدمعة والمواظبة على الصلاة سمعت منه كتاب فضيلة العلم والعلماء من جمع هبة الله الشيرازي بروايته عنه وكان قد اختل في آخر عمره واختلط وخف دماغه توفي في شهر ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وخمسمائة بخمس قرى وهي بنج ديه هذا كلامه في التحبير ولم يذكره في الأنساب وإنما ذكر شيخا خمقريا غيره يقال له عبد الله بن سعيد سمع أيضا من هبة الله الشيرازي وتوفي قبل هذا بسنة ولد سنة ست وستين وأربعمائة وسمع أبا القاسم بن البسري وأبا نصر الزينبي وجماعة حدث عنه أبو سعد السمعاني وأبو القاسم بن عساكر وغيرهما وتفقه على القاضي أبي بكر الشامي وأبي الفضل الهمذاني وكان يعرف المذهب والخلاف والفرائض والحساب توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة تفقه على أبي الحسن ابن الخل وسمع منه ومن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى وحدث بيسير مات في يوم الجمعة ثامن عشر شوال سنة ست وسبعين وخمسمائة وذكره ابن باطيش من بيت الرياسة التامة والحشمة الزائدة قال ابن السمعاني كان فقيها فاضلا مبرزا رحل إليه الفقهاء ودرسوا عليه وبنى المدرسة الكبيرة ببلده مرو الروذ وحدث عن جماعة وتوفي سنة نيف وعشرة وخمسمائة بمرو الروذ وصل ابن النجار نسبه إلى كسرى أنوشروان أبو العباس بن أبي يعلى بن أبي القاسم من أهل البندنيجين وكان قاضيها سمع ببغداد من أبي القاسم بن الحصين وغيره ولد في ليلة العيد الأكبر سنة إحدى وخمسمائة وتوفي في حدود سنة خمس وسبعين وخمسمائة بالبندنيجين أحد أولياء الله العارفين والسادات المشمرين أهل الكرامات الباهرة أبو العباس بن أبي الحسن بن الرفاعي المغربي قدم أبوه إلى العراق وسكن ببعض القرى وتزوج بأخت الشيخ منصور الزاهد ورزق منها أولادا منهم الشيخ أحمد هذا لكنه مات وأحمد حمل فلما ولد رباه وأدبه خاله منصور وكان مولده في المحرم سنة خمسمائة وتفقه على مذهب الشافعي وكان كتابه التنبيه ولو أردنا استيعاب فضائله لضاق الوقت ولكنا نورد ما فيه بلاغ قال الشيخ يعقوب بن كراز وهو من أخص أصحاب الشيخ أحمد كان سيدي أحمد في المجلس فقال لأصحابه أي سادة أقسمت عليكم بالعزيز سبحانه من كان يعلم في عيبا فليقله فقام الشيخ عمر الفاروثي فقال أنا أعلم عيبك إن مثلنا من أصحابك فبكى الشيخ والفقراء وقال أي عمر إن سلم المركب حمل من فيه في التعدية وقيل إن هرة نامت على كم الشيخ وجاء وقت الصلاة فقص كمه ولم يزعجها وعاد من الصلاة فوجدها قد قامت فوصل الكم بالثوب وخيطه وقال ما تغير شيء وعن يعقوب دخلت على سيدي أحمد في يوم بارد وقد توضأ ويده ممدودة فبقي زمانا لا يحرك يده فتقدمت إلى تقبيلها فقال أي يعقوب شوشت على هذه الضعيفة قلت من هي قال البعوضة كانت تأكل رزقها من يدي فهربت منك قال ورأيته مرة يتكلم ويقول يا مباركة ما علمت بك أبعدتك عن وطنك فنظرت فإذا جرادة تعلقت بثوبة وهو يعتذر إليها رحمة لها وقال الشيخ أحمد سلكت كل طريق فما رأيت أقرب ولا أسهل ولا أصلح من الذل والافتقار والانكسار لتعظيم أمر الله والشفقة على خلق الله والاقتداء بسنة سيدي رسول الله وكان يجمع الحطب ويحمله إلى بيوت الأرامل والمساكين وربما كان يملأ الماء لهم قال يعقوب قال لي سيدي أحمد لما بويع منصور قيل له منصور اطلب فقال أصحابي فقال رجل لسيدي أحمد يا سيدي فأنت أيش فبكى وقال أي فقير ومن أنا في البين ثبت نسب واطلب ميراث فقلت يا سيدي أقسم عليك بالعزيز أيش أنت قال يعقوب لما اجتمع القوم وطلب كل واحد شيئا دارت النوبة إلى هذا اللاش أحمد وقيل أي أحمد اطلب قلت أي رب علمك محيط بطلبي فكرر علي القول فقلت أي مولاي أريد ألا أريد وأختار ألا يكون لي خيار فأجابني وصار الأمر له وعن يعقوب مر سيدي أحمد على دار الطعام فرأى الكلاب يأكلون التمر من القوصرة وهم يتحارشون فوقف على الباب لئلا يدخل إليهم أحد يؤذيهم وعنه لو أن عن يميني خمسمائة يروحوني بمراوح الند والطيب وهم من أقرب الناس إلي وعن يساري مثلهم وهم من أبغض الناس لي معهم مقاريض يقرضون بها لحمى ما زاد هؤلاء عندي ولا نقص هؤلاء عندي بما فعلوه ثم قرأ وكان لايجمع بين قميصين لا في شتاء ولا صيف ولا يأكل إلا بعد يومين أو ثلاثة أكلة وأحضر بعض الأكابر مريضا ليدعو له الشيخ فبقي أياما لم يكلمه فقال يعقوب أي سيدي ما تدعو لهذا المريض فقال أي يعقوب وعزة العزيز لأحمد كل يوم عليه حاجة مقضية وما سألته منها حاجة واحدة فقلت أي سيدي فتكون واحدة لهذا المريض المسكين فقال لا كرامة ولا غزازة تريدني أكون سيىء الأدب لي إرادة وله إرادة ثم قرأ فقلت أراك تدعو عقيب الصلوات وكل وقت قال ذاك الدعاء تعبد وامتثال ودعاء الحاجات له شروط وهو غير هذا الدعاء ثم بعد يومين تعافى ذاك المريض وعن يعقوب وسئل عن أوراد سيدي أحمد فقال كان يصلي أربع ركعات بألف قل هو الله أحد ويستغفر كل يوم ألف مرة واستغفاره أن يقول وذكر غير ذلك توفي يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ومناقبة أكثر من أن تحصر وقد أفرد لها بعض الصلحاء كتابا يخصها قاضي الطيب بكسر الطاء وإسكان الياء أخر الحروف تفقه على الشيخ أبي إسحاق وسمع الحديث من ابن المهتدي وابن المأمون ولد سنة أربع وأربعين وأربعمائة وروى عنه أبو الحسن اليزدي وغيره واستشهد بالطيب بعد سنة خمسمائة المذكور في باب قسم الصدقات من شرح الرافعي أنه سمع أبا إسحق الشيرازي يقول في اختياره ورأيه إنه يجوز صرف زكاة الفطر إلى النفس الواحدة نقل الرافعي ذلك من خطه عن الشيخ أبي إسحق وكان هذا الشيخ بغداديا صالحا يعرف بخالوه ولد في حدود سنة عشرين وأربعمائة وسمع الكثير من الحديث من القاضي أبي الطيب والماوردي والجوهري وآخرين روى عنه أبو القاسم بن السمرقندي والسلفي وخطيب الموصل أبو الفضل وخلق أخرهم ابن كليب قال السلفي كان ممن يشار إليه بالصلاح والعفة وقد خرج الحميدي من حديثه فوائد سمعناها عليه توفي سنة سبع وخمسمائة
كتاب لطائف المعارف وفيه يقول أول ماظهر من الظلم في هذه الأمة قولهم تنح عن الطريق يقال إن ذلك حدث في زمان عثمان رضي الله تعالى عنه أول من اتخذ البيمارستان الوليد بن عبد الملك وبرهان بفتح الباء الموحدة هو الشيخ الإمام أبو الفتح كان أولا حنبلي المذهب ثم انتقل وتفقه على الشاشي والغزالي وإلكيا وكان حاذق الذهن عجيب الفطرة لا يكاد يسمع شيئا إلا حفظه وتعلق بذهنه ولم يزل مواظبا على العلم حتى ضرب المثل باسمه وولى تدريس النظامية مدة يسيرة ثم عزل ثم وليها يوما واحدا ثم عزل ثانيا وكانت الرحلة قد انتهت إليه وتزاحمت الطلاب على بابه حتى انتهى حاله إلى أن صار جميع نهاره وقطعه من ليله مستوعبا في الاشتغال يجلس من وقت السحر إلى وقت العشاء الآخرة ويتأخر أيضا بعدها وحكي أن جماعة سألوه أن يذكر لهم درسا من كتاب الإحياء للغزالي فقال لا أجد لكم وقتا فكانوا يعينون الوقت فيقول في هذا الوقت أذكر الدرس الفلاني إلى أن قرروا معه أن يذكر لهم درسا من الإحياء نصف الليل وقد سمع الحديث من أبي الخطاب بن البطر وأبي عبد الله الحسين بن أحمد ابن محمد بن طلحة النعالي وغيرهما وقرأ صحيح البخاري علي أبي طالب الزينبي ولد في شوال سنة تسع وسبعين وأربعمائة ومات في جمادى الأولى سنة ثمان عشرة وخمسمائة وله مصنفات في أصول الفقه منها الأوسط و الوجيز وغير ذلك وحكى في الوجيز قولا ثالثا في مفهوم اللقب عن بعض علمائنا أنه إن كان اسم ذات كقولك قام زيد فهو غير حجة وإن كان اسم نوع كقولك تجب الزكاة في النعم فحجة قال ابن النجار قرأ الفقه بتبريز على فقيهها ابن أبي عمرو حتى برع فيه ويقال إنه كان يحفظ كتاب المهذب لأبي إسحاق الشيرازي جميعه . . قدم بغداد واستوطنها إلى حين وفاته ورتب معيدا بالمدرسة النظامية قال وكان من أعيان الفقهاء المشهورين بالفضل والزهد والديانة والتقوى رأيته غير مرة وكان عليه مهابة وجلالة وأنوار العلم والصلاح ظاهرة عليه توفي في ذي الحجة من سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وجروآن بفتح الجيم وإسكان الراء ثم الواو ثم الألف الممدودة ثم النون محلة بأصبهان وسلفة فيما ذكر شيخنا الذهبي لقب لأحمد وفيما كنت أحفظه اسم لوالد إبراهيم ولعل الأثبت ما ذكر شيخنا كان حافظا جليلا وإماما كبيرا واسع الرحلة دينا ورعا حجة ثبتا فقهيا لغويا انتهى إليه علو الإسناد مع الحفظ والإتقان قيل مولده سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة تخمينا لا يقينا وقيل سنة خمس وسبعين وقيل سنة ثمان وسبعين وهو قول ساقط فإن السلفي جاوز المائة بلا ريب وقد طلب الحديث وكتب الأجزاء وقرأ بالروايات في سنة تسعين وبعدها وحكى عن نفسه إنه حدث سنة اثنيتن وتسعين وما في وجهه شعرة وأنه كان ابن سبع عشرة سنة أو نحوها وقال الحافظ عبد الغني سمعته يقول أنا أذكر قتل نظام الملك في سنة خمس وثمانين وكان عمري نحو عشر سنين وقد كتبوا عني في أول سنة اثنتين وتسعين وأنا ابن سبع عشرة سنة أو أكثر أو أقل وليس في وجهي شعرة كالبخاري يعني لما كتبوا عنه وأول سماع السلفي سنة ثمان وثمانين سمع من القاسم بن الفضل الثقفي وسمع من عبد الرحمن بن محمد بن يوسف السمسار وسعيد بن محمد الجوهري ومحمد بن محمد بن عبد الوهاب المديني والفضل بن علي الحنفي ومكي بن منصور بن علان الكرجي ومعمر بن أحمد اللنباني وعمل معجما حافلا لشيوخه الأصبهانيين ثم رحل في رمضان سنة ثلاث وتسعين إلى بغداد وأدرك نصرا ابن البطر قال فيما يحكي عن نفسه دخلتها في رابع شهر شوال فلم يكن لي همة ساعة دخولها إلا المضي إلى ابن البطر فدخلت عليه شيخا عسرا فقلت قد وصلت من أصبهان لأجلك فقال اقرأ جعل بدل الراء غينا فقرأت عليه وأنا متك لأجل دما مل بي فقال أبصر ذا الكلب فاعتذرت إليه بالدماميل وبكيت من كلامه وقرأت سبعة عشر حديثا وخرجت ثم قرأت عليه نحوا من خمسة وعشرين جزءا ولم يكن بذاك وسمع ببغداد أيضا من أبي بكر الطريثيثي وأبي عبد الله بن البسرى وثابت بن بندار والموجودين بها إذ ذاك وعمل معجما لشيوخها ثم حج وسمع في طريقه بالكوفة من أبي البقاء المعمر بن محمد الحبال وبمكة من الحسين بن علي الطبري وبالمدينة من أبي الفرج القزويني وعاد إلى بغداد فتفقه بها واشتغل بالعربية ثم رحل إلى البصرة سنة خمسمائة فسمع من محمد بن جعفر العسكري وجماعة وبزنجان من أبي بكر أحمد بن محمد بن زنجوية وبهمذان من أبي غالب أحمد بن محمد المزكي وطائفة وجال في الجبال ومذنها وسمع بالري والدينور وقزوين وساوة ونهاوند وكذلك طاف بلاد أذربيجان إلى دربند فسمع بأماكن وعاد إلى الجزيرة من ثغر آمد وسمع بخلاط ونصيبين والرحبة وقدم دمشق سنة تسع وخمسمائة بعلم جم فأقام بها عامين وسمع بها من أبي طاهر الحنائي وأبي الحسن ابن الموازيني وخلق ثم مضى إلى صور وركب منها البحر الأخضر إلى الإسكندرية واستوطنها إلى الموت لم يخرج منها إلا مرة في سنة سبع عشرة إلى مصر فسمع من أبي صادق المديني والموجودين بها وعاد وجمع معجما ثالثا لشيوخه فيما عدا بغداد وأصبهان سمع منه ببغداد من شيوخه ورفاقه أبو علي البرداني وهزارسب بن عوض وأبو عامر العبدري وعبد الملك بن يوسف وسعد الخير الأندلسي وروى عنه شيخة الحافظ محمد بن طاهر وسبطة أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي وبينهما في الموت مائة وأربع وأربعون سنة وروى عنه أيضا الحافظ سعد الخير وعلي بن إبراهيم السرقسطي وأبو العز محمد بن علي الملقاباذي والطيب بن محمد المروزي وقد روى عن هؤلاء الثلاثة عنه الحافظ أبو سعد ابن السمعاني ومات ابن السمعاني قبله بأربع عشرة سنة وروى عنه أيضا الصائن هبة الله بن عساكر ويحيى بن سعدون القرطبي وروى عنه بالإجازة جماعة ماتوا قبله منهم القاضي عياض وحدث عنه أمم منهم حماد الحراني والحفاظ علي بن المفضل وعبد الغني وعبد القادر الرهاوي والفقيه بهاء الدين بن الجميزي والسبط وخلائق آخرهم أبو بكر محمد بن الحسن السفاقسي ابن أخت الحافظ علي ابن المفضل المتوفى سنة أربع وخمسين وستمائة روى عن السلفي المسلسل بالأولية حضورا ولم يكن عنده سواه قال شيخنا الذهبي لا أعلم أحدا في الدنيا حدث نيفا وثمانين سنة سوى السلفي تفقه السلفي على إلكيا أبي الحسن الطبري وفخر الإسلام الشاشي ويوسف ابن علي الزنجاني وأخذ الأدب عن أبي زكريا التبريزي وغيره وقرأ القرآن بالروايات ذكره ابن عساكر فقال سمع من لا يحصى وحدث بدمشق فسمع منه أصحابنا ولم أظفر بالسماع منه وسمعت بقرأءته من شيوخ عدة ثم خرج إلى مصر واستوطن الإسكندرية وتزوج بها امرأة ذات يسار وحصلت له ثروة بعد فقر وتصوف وصارت له بالإسكندرية وجاهة وبنى له العادل علي بن إسحاق ابن السلار أمير مصر مدرسة بالإسكندرية وحدثني عنه أخي وأجاز لي انتهى وابن السلار وزير الخليفة الظافر العبيدي صاحب مصر وهذه عادة وزراء العبيديين يسمون بالملوك وكان ابن السلار هذا سنيا شافعيا ولي ثغر الإسكندرية مدة قبل الوزراء وبنى المدرسة إذ ذاك وقال ابن السمعاني هو ثقة ورع متقن مثبت حافظ فهم له حظ من العربية كثير الحديث حسن الفهم والبصيرة فيه وقال الحافظ عبد القادر الرهاوي سمعت من يحكي عن الحافظ ابن ناصر أنه قال عن السلفي كان ببغداد كأنه شعلة نار في تحصيل الحديث قال عبد القادر وكان له عند ملوك مصر الجاه والكلمة النافذة مع مخالفته لهم في المذهب وكان لا تبدو منه جفوة لأحد ويجلس للحديث فلا يشرب ماء ولا يبصق ولا يتورك ولا يبدوا له قدم وقد جاوز المائة بلغني أن سلطان مصر حضر عنده للسماع فجعل يتحدث مع أخيه فزبرهما وقال أيش هذا نحن نقرأ الحديث وأنتما تتحدثان قال وبلغني أنه في مدة مقامه بالإسكندرية وهي أربع وستون سنة ما خرج إلى بستان ولا فرجة غير مرة واحدة بل كان عامة دهره ملازما مدرسته وما كنا نكاد ندخل عليه إلا نراه مطالعا في شيء وكان حليما متحملا كفاء الغرباء وقد سمعت بعض فضلاء همذان يقول السلفي أحفظ الحفاظ قال عبد القادر وكان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر أزال من جواره منكرات كثيرة وجاء جماعة من المقرئين بالألحان فأرادوا أن يقرءوا فمنعهم من ذلك وقال هذه القراءة بدعة بل اقرءوا ترتيلا فقرءوا كما أمرهم قلت القراءة بالألحان جائزة ما لم يفرط بحيث يزيد حرفا أو ينقص حرفا وقال ابن نقطة في السلفي كان حافظا ثقة جوالا في الآفاق سآلا عن أحوال الرجال شجاعا سمع الذهلي والمؤتمن الساجي وأبا علي البرداني وأبا الغنائم النرسي وخميسا الحوزي وحدثني عنه عبد العظيم المنذري الحافظ قال لما أرادوا قراءة سنن النسائي على السلفي أتوه بنسخة سعد الخير وهي مصححة قد سمعها من الدوني فقال اسمي فيها فقالوا لا فاجتذبها من يد القارىء بغيظ وقال لا أحدث إلا من أصل فيه اسمي ولم يحدث بالكتاب وقال لي عبد العظيم إن أبا الحسن المقدسي قال حفظت أسماء وكنى وجئت إلى السلفى وذاكراته بها فجعل يذكرها من حفظه وما قال لي أحسنت وقال ما هذا شيء مليح أنا شيخ كبير في هذه البلدة هذه السنين لا يذاكرني أحد وحفظي هكذا انتهى ويحكى عن السلفي أنه كان إذا اشتد الطلق بامرأة جاء أهلها إليه فكتب لهم ورقة تعلق عليها فتخلص بإذن الله تعالى ولا يعلم ما يكتب فيها ثم كشف عن ذلك فإذا هو يكتب فيها اللهم إنهم ظنوا بنا خيرا فلا تخيبنا ولا تكذب ظنهم وكان السلفي مغرى بجمع الكتب حصل منها الكثير وكتب بخطه لا سيما من الأجزاء ما لا يعد كثرة توفي صبيحة يوم الجمعة الخامس من شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة فجأة وله مائة وست سنين على ما يظهر ولم يزل يقرأ عليه الحديث إلى أن غربت الشمس من ليلة وفاته وهو يرد على القارىء اللحن الخفي وصلى يوم الجمعة الصبح عند انفجار الفجر وتوفي عقيبة فجأة
قال أبو شامة سمعت الإمام علم الدين السخاوي يقول سمعت أبا طاهر السلفي يوما ينشد لنفسه شعرا قاله قديما وهو أنا من أهل الحديث ** وهم خير فئة جزت تسعين وأرجو ** أن أجوزن المائة فقيل له قد حقق الله رجاءك فعلمت أنه قد جاوز المائة وذلك في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة كتبت إلى زينب بنت الكمال وأحمد بن علي الجزري وفاطمة بنت أبي عمر عن محمد بن عبد الهادي عن السلفي رحمه الله ليس حسن الحديث قرب رجال ** عند أرباب علمه النقاد بل علو الحديث عند أولى الإتقان ** والحفظ صحة الإسناد فإذا ما تجمعا في حديث ** فاغتنمه فذاك أقصى المراد وبالإسناد قال ضل المجسم والمعطل مثله ** عن منهج الحق المبين ضلالا وأتى أماثلهم بنكر لارعوا ** من معشر قد حاولوا الإشكالا وغدوا يقيسون الأمور برأيهم ** ويدلسون على الورى الأقوالا فالأولون تعدوا الحق الذي ** قد حد في وصف الإله تعالى وتصوروه صورة من جنسنا ** جسما وليس الله عز مثالا والآخرون فعطلوا ما جاء في القرآن ** أقبح بالمقال مقالا وأبوا حديث المصطفى أن يقبلوا ** ورأوه حشوا لا يفيد منالا وبالإسناد أيضا غرضي من الدنيا صديق ** لي صدوق في المقه يرعى الجميل وعينه ** عن كل عيب مطرقه وإذا تغير من تغير ** كنت منه على ثقه ومن نبأ هذه الفتيا أن اليهود قبحهم الله رفعوا قصة إلى السلطان صلاح الدين رحمه الله أنهوا فيها أن عادتهم لم تزل بحمل أمورهم على ما يراه مقدم شريعتهم فهم يتحاكمون إليه ويتوارثون على حسب شرعهم من غير أن يعترضهم في ذلك معترض وإن كان في الورثة صغير أو غائب كان المحتاط على نصيبه مقدمهم وسؤالهم حمل الأمر على العادة فكتب السلطان ما نصه ليذكر السادة الأئمة وفقهم الله ما عندهم على مذهب مالك والشافعي رضي الله عنهما فكتب أبو طاهر بن عوف الإسكندري وجماعة مالكية ما عندهم وكتب الحافظ أبو طاهر السلفي ما نصه الحكم بين أهل الذمة إلى حاكمهم إذا كان مرضيا باتفاق منهم كلهم وليس لحاكم المسلمين النظر في ذلك إلا إذا أتاه الفريقان وهو إذا مخير كما في التنزيل وكتبه أحمد بن محمد الأصبهاني قلت وقد ذكر الإمام الشيخ الوالد رحمه الله هذه الفتيا في كتابه المسمى كشف الغمة في ميراث أهل الذمة وحكى خطوط الجماعة كلهم وذكر أنه وقف عليه أحضره له بعض اليهود ليستفتيه في هذا المعنى قال الوالد فإن كانوا زوروه فهم عريقون في التزوير وإلا فنتكلم عليه ثم تكلم على كلام واحد واحد إلى أن انتهى إلى السلفي فقال وأما السلفي فهو محدث جليل وحافظ كبير وماله وللفتوى وما رأيت له قط فتوى غير هذه وما كان ينبغي له أن يكتب فإن لكل عمل رجالا وقوله يتخير الحاكم في الحكم بينهم هو أحد قولي الشافعي ولعله لما كان مقيما بالإسكندرية وليس فيها إذ ذاك إلا مذهب مالك ونظره في الفقه قليل أو مفقود اعتقد أن الراجح عند الشافعية التخيير كالمالكية والصحيح عند الشافعية وجوب الحكم لقوله تعالى وقوله في مال الغائب والطفل لعله تقييد وحسن ظن بمن قاله من المالكية أما الشافعية الذين هو متمذهب بمذهبهم فلم يقل به أحد منهم انتهى وسبب تصنيف الوالد رحمه الله هذا الكتاب أنه وردت عليه فتيا في ذمى مات عن زوجة وثلاث بنات هل لوكيل بيت المال أن يدعي بما يقي عن ثمن الزوجة وثلثي البنات فيأ لبيت مال المسلمين ويحكم القاضي بذلك فكتب أن له ذلك وصنف فيه الكتاب المذكور وذكر فيه أن الاستفتاء رفع إلى الشيخ زين الدين بن الكتناني على صورة أخرى وهي ذمي مات وخلف ورثة يستوعبون ميراثه على مقتضى شرعهم فأراد وكيل بيت المال التعرض لهم فكتب ابن الكتناني ليس لوكيل بيت المال التعرض والحالة هذه قال الشيخ الإمام فإن كان مستند ابن الكتناني الرد أو توريث ذوي الأرحام فهو لم يذكر له في السؤال تعيين الورثة بل قالوا على مقتضى شريعتهم وحاروا أن يكونوا يرون توريث ورثته واستيعابهم ممن يجمع المسلمون على عدم توريثهم وإن كان مستنده فساد بيت المال فالمتأخرون إنما قالوا ذلك في الرد وذوي الأرحام وهو لم يسأل عن ذلك بل أطلق السائل سؤاله فشمل ذلك وغيره وإن كان مستنده تقريرهم على مقتضى شرعهم فليس له سلف من الشافعية يقول به قال فجوابه خطأ علىكل تقدير يفرض قال وحضرت إلى فتيا عليها خطوط أربعة من الشاميين بالحمل على مقتضى مواريثهم قال وهو إطلاق لا يمكن حمله على وجه من وجوه الصواب إلا بأن يراد إذا خلف ورثة مستوعبين بمقتضى شريعة الإسلام ولم يترافعوا إلينا فلا نتعرض لهم في قسمتهم وإطلاق تلك الفتاوى وإرادة هذه الصورة الخاصة خطأ وتجهيل وإغراء بالجهل كان جده أبو مطيع من أصحاب الإمام أبي القاسم الفوراني وأما أبو مطيع هذا فقال ابن السمعاني في التحبير ولد قبل الصلاة يوم الجمعة نصف ذي الحجة سنة سبع وسبعين وأربعمائة قال وكان شيخا عالما بهي المنظر كثير المحفوظ واعظا مليح الوعظ يحفظ الحكايات وأحوال الناس سمع بمرو أبا الفرج الزاز السرخسي وأبا عمرو الفضل بن أحمد بن متويه الكاكويي وبسرخس أبا حامد بن عبد الجبار بن علي الحمكاني وغيرهم روى عنه ابن السمعاني وولده عبد الرحيم بن أبي سعد وقال توفي يوم السبت رابع عشر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وخمسمائة تفقه على أبيه وسمع من أبي عبد الله بن طلحة وحدث باليسير روى عنه أبو بكر بن كامل والحافظ ابن عساكر توفي يوم الجمعة عاشر رجب سنة تسع وعشرين وخمسمائة ببغداد ودفن في داره عند جامع القصر
كتب إلى أحمد بن أبي طالب عن الحافظ أبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن المؤرخ أخبرني عمر بن عبد الرحمن الأنصاري بدمشق أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين ابن عمر أبو المظفر بن أبي بكر الشاشي بقراءتي عليه ببغداد وأخبرنا علي بن أبي محمد بن رشيد البزار أخبرنا عبد الواحد بن الحسين البزاز قالا قراءة أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعالي قراءة عليه أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أخبرنا إسماعيل ابن محمد النحوي حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي حدثنا يحيى ابن سعيد القطان حدثنا ثور هو ابن يزيد عن خاله وهو ابن معدان عن أبي أمامة قال كان رسول الله إذا رفعت المائدة قال ( الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا )
أحمد بن محمد بن أحمد بن زنجويه أبو بكر الزنجاني وزنجان بفتح الزاي وإسكان النون ثم جيم وآخرها نون بلدة في العجم معروفة أحد تلامذه القاضي أبي الطيب الطبري له رواية روى عنه محمد بن طاهر وأبو طاهر السلفي قال السلفي وكانت الرحلة إليه لفضله وعلو إسناده سمعته يقول لي أفتي من سنة تسع وعشرين قال وقيل لي عنه إنه لم يفت خطأ قط قال وأهل بلده يبالغون في الثناء عليه الخواص والعوام ويذكرون ورعه وقلة طمعه من الحديثة بلدة بالعراق على الفرات أبو نصر الشاهد والد قاضي القضاة روح مولده سنة سبع وخمسين وأربعمائة تفقه على أبي إسحاق الشيرازي وسمع النقيب أبا الفوارس طراد بن محمد الزينبي وأبا الفضائل محمد بن أحمد بن عبد الباقي ابن طوق الموصلي وحدث باليسير روى عنه ابن ابنه عبد الملك بن روح والمبارك بن كامل الخفاف في معجم شيوخه والحافظ أبو سعد السمعاني توفي ليلة الخميس رابع عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وخمسمائة بضم الدال وسكون الواو من الدور الأسفل بين سامرا وتكريت أبو العباس بن عون ذكره ابن باطيش في الفيصل وابن النجار في التاريخ وابن باطيش أعرف به قال كان يعرف بابن عون وكان فقيها فاضلا أديبا شاعرا منشئا كاتبا حاسبا أصوليا متكلما مليح الخط عارفا بعلوم الأوائل حلو الكلام في المناظرة قرأت عليه أصول الفقه وسمعت بقراءته علي ابن سكينة تفسير الواحدى و غريب الحديث لابن قتيبة وقال ابن النجار قرأ الفقه والخلاف والأصولين على المجير البغدادي ومن شعره قال رضيت إن كان أحبابي فديتهم ** بما أقاسيه من نار الغرام رضوا إن يقتلوني بلا ذنب فقد علموا ** أن ليس لي في حياة بعدهم غرض ومن شعره مما كتب به تلميذه ابن باطيش جوابا وافى كتابك بعد طول ترقب ** فأبل من مرضي وبل غليلا فلثمته فرحا به وصبابة ** حتى محوت مدادة تقبيلا ولو أن روحي في يدي بذلتها ** بشرى لحامله وكان قليلا فكتاب إسماعيل أفراحي به ** فرح الخليل بكبش إسماعيلا توفي ببغداد في صفر سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ساق له صاحبه ابن السمعاني في التحبير نسبا طويلا ولد سنة ثلاث وستين وأربعمائة وتفقه بهراة على فقيه الشاش أبي بكر محمد بن علي الشاشي ثم على الإمام أبي الممظفر بن السمعاني وعلق عليه الخلاف والأصول وكتب تصانيفه جميعها بخطه وقرأ المذهب بمرو على الشيخ أبي الفرج الزاز وسمع الحديث من شيخه أبي بكر الشاشي وأبي المظفر بن السمعاني ومن أبي تراب عبد الباقي بن يوسف المراغي وخلق كثير سمع منه ابن السمعاني وسمع بقراءته الكثير وقال كان إماما فاضلا ورعا مفتيا متفننا عاد إلى نيسابور واشتغل بالعبادة وانزوى عن الخلق وأعرض عنهم وما كان يخرج إلا أيام الجمعات وكانت أوقاته مستغرقة بالعبادة قال وخرج عازما على الحج وانصرف من طبرستان إلى نيسابور بسبب وقوع الخلل في الوضوء والطهارة قال وتوفي بنيسابور يوم الخميس السابع من شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وهو عصبة الإمام إسماعيل البوشنجي ذكره ابن السمعاني في التحبير وفي الأنساب ولد الإمام أبي بكر تفقه على والده ودرس بالنظامية وسمع أبا القاسم بن عليك وغيره وعمر حتى ناطح الثمانين روى عنه ابن السمعاني وقال توفي يوم السبت غرة شعبان سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة بأصبهان من أهل واسط تفقه علي القاضي أبي علي الفارقي وسمع الحديث من أبي القاسم بن السمرقندي وغيرهم روى عنه يوسف بن محمد بن مقلد الدمشقي وذكر أنه كان شيخا صالحا توفي سنة أربع وسبعين وخمسمائة بأصبهان كان قاضي مدينة تستر وشاعر عصره أصله من شيراز ولد في حدود سنة ستين وأربعمائة وسمع الحديث بأصبهان مع أبي بكر محمد بن أحمد بن الحسن بن ماجه وبكرمان من الشريف أبي يعلى بن الهبارية روى عنه أبو بكر محمد بن القاسم بن المظفر بن الشهرزوري وعبد الرحيم بن أحمد ابن الأخوة وابن الخشاب النحوي وغيرهم قال أبو سعد بن السمعاني توفي بتستر سنة أربع وأربعين وخمسمائة
كتب إلي أبو العباس بن الشحنة عن أبي عبد الله بن النجار الحافظ قال قرأت على أبي القاسم علي بن عبد الرحمن الوراق عن أبي محمد بن الخشاب قال أخبرني القاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني بقراءتي عليه أخبرنا الشريف أبو يعلى محمد بن محمد بن صالح الهاشمي بكرمان قراءة عليه أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن علي بن الفراء البغدادي بها أخبرنا الحافظ أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس أخبرنا عمر بن جعفر بن سلم حدثنا محمد بن يونس حدثنا حاتم بن سالم حدثنا زنفل أبو عبد الله العرفي من أهل عرفات ح وأخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل البعلبكي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله اليونيني سماعا عليه أخبرنا أبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي عن القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الأديب أخبرنا أبو تمام محمد بن الحسن المقري حدثنا علي بن أبي علي بن وصيف القطان حدثنا القاضي أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم حدثنا محمد بن إشكاب حدثنا محمد ابن ابي الوزير أبو المطرف حدثنا أبو عبد الله العرفي عن ابن أبي مليكة عن عائشة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي كان إذا أراد أمرا قال ( اللهم خر لي واختر لي ) تفرد الترمذي بتخريجه من هذا الوجه فراوة عن محمد بن بشار عن إبراهيم بن أبي الوزير أخي محمد بن أبي الوزير المذكور عن أبي عبد الله زنفل بن عبد الله وقبل زنفل ابن شداد العرفي به وقال ضعيف لا نعرفه إلا من حديث زنفل وهو ضعيف عند أهل الحديث وليس له نقل في شيء من الكتب الستة سوى هذا الحديث ومن شعر الارجاني أنا أشعر الفقهاء غير مدافع ** في العصر أو أنا أفقه الشعراء شعري إذا ما قلت دونه الورى ** بالطبع لا بتكلف الإلقاء كالصوت في ظلل الجبال إذا علا ** للسمع هاج تجاوب الأصداء وله من قصيدة أأحبتي الشاكين طول تغيبي ** والذاهبين على الهوى في مذهبي لا تحسبوا أني جعلت على المدى ** لجنابكم بالإختيار تجنبي ما جبت آفاق البلاد مطوفا ** إلا وأنتم في الورى متطلبي سعيى إليكم في الحقيقية والذي ** تجدون منى فهو سعى الدهربي أنحوكم ويرد وجهي القهقري ** سيرى فسيرى مثل سير الكوكب فالقصد نحو المشرق الأقصى له ** والسير رأى العين نحو المغرب تالله ما صدق الوشاة بما حكوا ** أني نسيت العهد عند تغربي هان الممات على بعد فراقكم ** والصعب يسهل عند حمل الأصعب وله أيضا ولقد دفعت إلى الهموم تنوبني ** منها ثلاث شدائد جمعن لي أسف على ماضي الزمان وحيرة ** في الحال منه وخشية المستقبل ما إن وصلت إلى زمان آخر ** إلا بكيت على الزمان الأول وله أيضا حيث انتهت من الهجران في فقف ** ومن وراء دمى بيض الظبا فخف يا عابثا بعدات الوصل يخلفها ** حتى إذا جاء ميعاد الفراق يفي اعدل كفاتن قد منك معتدل ** واعطف كمائل غصن منك منعطف ويا عذولي ومن يصغي إلى عذل ** إذا رنا أحول العينين لا تقف يلوم قلبي أن أصماه ناظره ** فيم اعتراضك بين السهم والهدف سلوا عقائل هذا الحي أي دم ** للأعين النجل عند الأعين الذرف يستوصفون لساني عن محبتهم ** وأنت أصدق يا دمعي لهم فصف ليست دموعي لنار الشوق مطفئة ** فكيف والماء باد واللهيب خفى في ذمة الله ذاك الركب إنهم ** ساروا وفيهم حياة المغرم الدنف فإن أعش بعدهم فردا فوا عجبا ** وإن أمت وجدا فيا أسفي ولد بالموصل سنة سبع وعشرين وخمسمائة وولى القضاء بها وتوفي في ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة ذكره ابن باطيش من تلامذة أبي إسحاق الشيرازي تفقه عليه وحج وسمع من كريمة ودخل العراق وفارس ثم عاد إلى بلاد الغرب وسكن سبتة وفاس قال ابن بشكوال كان صالحا دينا ذاكرا بكاء واعظا توفي بشرق الأندلس في نحو الخمسمائة خطيب الموصل مولده سنة سبع أو ثمان وثلاثين وأربعمائة وسمع من أبي جعفر بن المسلمة وأبي الغنائم بن المأمون وأبي بكر الخطيب وابن النقور وغيرهم روى عنه أبو الفضل بن ناصر وأبو الفرج بن الجوزي وابنه أبو الفضل خطيب الموصل وآخرون سمع منه أبو الفضل ابن ناصر وغيره كتب إليه القاضي المرتضى أبو محمد عبد الله بن القاسم الشهرزوري يقول وفيت له بالعهد دهري وما وفا ** وأصفيته محض الوداد وما صفا وعاملته بالود والوصل والرضا ** وعاملني بالهجر والسخط والجفا وأعطف إن ولى وأحنو إذا قسا ** وأقرب إذ ينأى وأعفو إذا هفا وأوليته منى الجميل تحننا ** وأنسا وإرفاقا به وتعطفا فما زاده إلا جفاء وغلظة ** فإن لان يوما كان ذاك تكلفا فوف بكأس الود من حاول الوفا ** ودع حظ من يهوى الخلاف ليخلفا فأجابه أبو نصر ارتجالا يا من وفيت له العهود وما وفا ** أصفيته منى الوداد وما صفا وأطعته جهدي فقابل طاعتي ** بالصد منه وبالقطيعة والجفا ما كان ظني في ودادك أنه ** يزداد لي إلا الصفاء فأخلفا قابلت محض مودتي بقطيعة ** وهجرتني طبعا وزدت تكلفا فلأجعلن الصبر عنك مطيتي ** فلعل قلبك أن يلين ويعطفا فأجابه القاضي المرتضى حلفت برب البيت والركن والصفا ** يمين صدوق لا يحول عن الوفا لئن قربت بعد التنائي ديارهم ** وحالوا عن الهجران والغدر والجفا وعادوا إلى ما كنت أعهد منهم ** من الود والإخلاص والصدق والوفا تجاوزت عن ذنب الليالي وجرمها ** وعن كل ما يهفو الزمان وما هفا شعر القاضي المرتضى أولا وآخرا من بحر الطويل وشعر الخطيب من بحر الكامل وكان الأحسن للخطيب أن يجيب من البحر الذي سئل منه ولقد شعر جيدا وما أرق قوله ( وهجرتني طبعا وزدت تكلفا ) مولده سنة سبع أو ثمان وثلاثين وأربعمائة ومات بالموصل سنة خمس وعشرين وخمسمائة واعظ صوفي عالم عارف طاف البلاد وخدم الصوفية وتفقه ثم غلب عليه التصوف والوعظ واختصر الإحياء الذي صنفه أخوه في مجلد سماه لباب الإحياء وصنف أيضا الذخيرة في علم البصيرة وغير ذلك قال الحافظ السلفي حضرت مجلس وعظه بهمذان وكنا في رباط واحد وبيننا ألفة وتودد وكان أذكى خلق الله وأقدرهم على الكلام فاضلا في الفقه وغيره انتهى وقال ابن النجار من أحسن الناس كلاما في الوعظ وأرشقهم عبارة مليح التصرف فيما يورده حلو الاستشهاد أظرف أهل زمانه وألطفهم طبعا خدم الصوفية في عنفوان شبابه وصحب المشايخ واختار الخلوة والعزلة حتى انفتح له الكلام على طريقة القوم ثم خرج إلى العراق ومالت إليه قلوب الناس وأحبوه ودخل بغداد وعقد مجلس الوعظ وظهر له القبول التام وازدحم الناس على حضور مجلسه ودون مجالسه صاعد بن فارس اللبان ببغداد فبلغت ثلاثة وثمانين مجلسا كتبها بخطه في مجلدين وقال ابن خلكان كان واعظا مليح الوعظ حسن المنظر صاحب كرامات وإشارات وكان من الفقهاء غير أنه مال إلى الوعظ فغلب عليه ودرس بالنظامية نيابة عن أخيه لما تزهد وتركها
من كان في الله تلفه كان على الله خلفه وقرأ القارىء يوما بين يديه فقال شرفهم بياء الإضافة إلى نفسه بقوله وهان على اللوم في جنب حبها ** وقول الأعادي إنه لخليع أصم إذا نوديت باسمي وإنني ** إذا قيل لي يا عبدها لسميع وسئل في مجلس وعظه عن قول علي رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا والخليل عليه الصلاة والسلام يقول فقال اليقين يتصور عليه الجحود والطمأنينة لا يتصور عليها الجحود قال الله تعالى وكان يدخل القرى والضياع ويعظ لأهل البوادي تقربا إلى الله تعالى ويحصل له في وعظه حال وحكى يوما في مجلس وعظه أن بعض العشاق كان مشغولا بحسن الصورة وكان ذلك موافقا له فاتفق أن جاء له يوما بكرة وقال له أنظر إلى وجهي فأنا اليوم أحسن من كل يوم فقال وكيف ذلك قال نظرت في المرآة فاستحسنت وجهي فأردت أن تنظر إليه فقال بعد إن نظرت إلى وجهك قبلي لا يصلح لي وكان يلقب بلقب أخيه زين الدين حجة الإسلام قال ابن الصلاح ورأيت مما دون من مجالسة مجلدات أربعا وحكى يوما على رأس منبره عن أخيه حجة الإسلام أثرا غريبا فقال سمعت أخي حجة الإسلام قدس الله روحه يقول إن الميت من حين يوضع على النعش يوقف في أربعين موقفا يسائله ربه عز وجل نسأل الله أن يثبتنا على دينه ويختم لنا بخير بمنه وفضله ومن شعر أخي الغزالي إذا صحبت الملوك فالبس ** من التوقي أعز ملبس وادخل إذا ما دخلت أعمى ** واخرج إذا ما خرجت أخرس قال أبو سعد بن السمعاني توفي أحمد الغزالي في حدود سنة عشرين وخمسمائة وخواف بفتح الخاء المعجمة وآخرها فاء بعد الواو والألف قرية من أعمال نيسابور تفقه على أبي إبراهيم الضرير ثم على إمام الحرمين ولازمه فكان من عظماء أصحابه وأخصاء طلابه يذاكره في ليله ونهاره ويسامره علانية إذا دجا الليل وماج في أسراره والإمام يعجب بفصاحته ويثنى على حسن مناظرته ويصفه بالفضل ثم درس في حياة الإمام وولى قضاء طوس ثم صرف عنها وكان دينا ورعا ناسكا لم تعرف له هناة سمع الحديث من أبي صالح المؤذن وغيره كان في المناظرة أسدا لا يصطلى له بنار قادرا على قهر الخصوم وإرهاقهم إلى الانقطاع قال معاصروه زرق من السعد في المناظرة كما رزق الغزالي من السعد في المصنفات تفقه عليه عمر السلطان ومحمد بن يحيى وغيرهما توفي بطوس سنة خمسمائة عرف بابن زين التجار مدرس المدرسة الناصرية الصلاحية المجاورة للجامع العتيق بمصر وبه تعرف المدرسة توفي في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة من أهل سجستان قال ابن السمعاني فيه إمام أصحاب الشافعي بها في عصره تفقه بمرو على والدي وأقام عنده مدة وبرع في الفقه وله يد باسطة في النظر وسمع الكثير وحدث ببلده وكتب لي بإلإجازة من أهل كازرون أحد بلاد فارس قدم بغداد في صباه للتفقه في سنة أربعين وخمسمائة فسمع بها من جماعة كثيرين وجمع معجما لمشايخه في سبعة أجزاء قال ابن النجار وولى القضاء ببلده ثم سكن شيراز إلى حين وفاته وكان فقيها فاضلا و محدثا صدوقا قدم بغداد رسولا إلى الديوان من جهة صاحب شيراز في سنة ست وثمانين وخمسمائة الإمام أبو القاسم ابن الإمام الجليل أبي المظفر ابن الإمام أبي منصور عم الحافظ أبي سعد وأخو والده الإمام أبي بكر قال الحافظ أبو سعد كان إماما فاضلا عالما مناظرا مفتيا واعظا مليح الوعظ شاعرا حسن الشعر له فضائل جمة ومناقب كثيرة وذكر أنه تفقه على والده يعني أبا بكر محمدا أخا أحمد وأخذ عنه العلم وخلفه بعده فيما كان مفوضا إليه وسمع منه الحديث ومن كامكار بن عبد الرزاق الأديب وأبي نصر محمد بن محمد الماهاني وطبقتهم قال وانتخبت عليه أوراقا وقرأت عليه عن شيوخه وخرجت معه إلى سرخس وانصرفنا إلى مرو وخرجنا في شوال سنة تسع وعشرين إلى نيسابور وكان خروجه بسبببي لأني رغبت في الرحلة لسماع صحيح مسلم فسمع معي الصحيح وعزم على الخروج إلى الوطن وتأخرت عنه مختفيا لأقيم بنيسابور بعد خروجه فصبر إلى أن ظهرت ورجعت معه إلى طوس وانصرفت بإذنه إلى نيسابور ورجع هو إلى مرو وأقمت أنا بنيسابور سنة وخرجت منها إلى أصبهان ولم أره بعد ذلك وكانت ولادته في سنة سبع وثمانين وأربعمائة وتوفي في الثالث والعشرين من شوال سنة أربع وثلاثين وخمسمائة ووصل إلى نعيه وأنا ببغداد دخل بغداد وتفقه على أبي سعد المتولي صاحب التتمة وسمع أبا الغنائم الدقاق وأبا جعفر محمد بن أحمد بن حامد النجاري وغيرهما وحدث بكتاب تنبيه الغافلين روى عنه أبو بكر المبارك وأبو القاسم ذاكر ابنا كامل بن أبي غالب الخفاف وكان فقيها فاضلا ذكره ابن باطيش في الطبقات وابن النجار في التاريخ وقال كان غزير الفضل متدينا صالحا وقال المبارك بن كامل كان زاهدا ورعا فقيها مفتيا لم أر في أصحابنا مثله مولده سنة خمسين وأربعمائة ومات في ليلة السبت ثاني ذي الحجة سنة خمس عشرة وخمسمائة ودفن يوم السبت بجنب شيخه أبي سعد المتولي المعروف بالشمس الدنبلي بضم الدال وسكون النون وضم الباء الموحدة كذا ضبطه ابن باطيش في كتاب الفيصل وكان هذا الرجل من علماء الموصل قال ابن باطيش تفقه على جماعة وأعاد درس الشيخ أبي المظفر بن مهاجر وكانت له معرفة تامة بالمذهب ودرس بالنظامية العتيقة بالموصل وبالمدرسة الكمالية القضوية وولي قبل ذلك نيابة القضاء ببغداد عن القاضي الشهرزوري قال وكان كثير النقل للمسائل مسددا في الفتاوى معتنيا بوسيط الغزالي لم يزل يدرس ويفتي إلى أن توفي بالموصل سنة ثمان وتسعين وخمسمائة قال وحضرت دفنه والصلاة عليه أبو الفضل الزهري البغدادي المعروف بابن شقران معيد المدرسة النظامية ببغداد كان إماما واعظا صوفيا سمع أبا الحسن بن العلان وأبا الغنائم بن المهتدي بالله وأبا القاسم بن بيان الرزاز وغيرهم روى عنه إبراهيم الشعار وأحمد بن منصور الكازروني وعبد العزيز بن الأخضر وغيرهم توفي في المحرم سنة إحدى وستين وخمسمائة د وكانت ولادته سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة
ولد بميافارقين في المحرم سنة تسع وعشرين وأربعمائة وكان إماما جليلا حافظا لمعاقد المذهب وشوارده ورعا زاهدا متقشفا مهيبا وقورا متواضعا من العاملين القانتين يضرب المثل باسمه تفقه علي محمد بن بيان الكازروني وعلى القاضي أبي منصور الطوسي صاحب الشيخ أبي محمد الجويني إلى أن عزل أبو منصور عن قضاء ميافارقين ورجع إلى طوس فرحل فخر الإسلام إلى العراق قبل وفاة شيخه الكازروني ودخل بغداد ولازم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي وعرف به وصار معيد درسه وتفقه بها أيضا على أبي نصر بن الصباغ وجد واجتهد حتى صار الإمام المشار إليه وسمع الحديث من محمد بن بيان الكازروني بميافارقين وقاسم بن أحمد الخياط بآمد وأبا بكر الخطيب وأبا إسحاق الشيرازي وأبا جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة وأبا الغنائم بن المأمون وأبا يعلى بن الفراء وغيرهم ببغداد وهياج بن محمد الحطيني بمكة روى عنه أبو المعمر الأزجي وأبو الحسن علي بن أحمد اليزدي وأبو بكر ابن النقور وشهده الكاتبة وأبو طاهر السلفي وغيرهم قال أبو القاسم الزنجاني كان أبو بكر الشاشي يتفقه معنا وكان يسمى الجنيد لدينه وورعه وعلمه وزهده وقال محمد بن عبد الله القرطبي الفقيه حضرت أبا بكر الشاشي وقد أغمي عليه في مرض موته فلما أفاق أحضر له ماء ليشربه فقال لا أحتاج قد سقاني الآن ملك شربة أغنتني عن الطعام والشراب ثم مات من ساعته وقال أبو العز الواعظ كنت مشرفا على غسله ولما قلب الغاسل عليه الماء انكشفت الخرقة عن عورته فوضع يده على عورته وسترها توفي فخر الإسلام يوم السبت خامس عشرى شوال سنة سبع وخمسمائة ودفن بباب أبرز مع شيخه أبي إسحاق في قبر واحد وخلف ولدين إمامين في المذهب والنظر أحمد وعبد الله وكان فخر الإسلام يدرس أولا في مدرسة لنفسه لطيفة بناها بقراح ظفر فلما بنى تاج الملك أبو الغنائم مدرسته بباب أبزر رتبه مدرسا بها ثم لما مات إلكيا الهراسي درس بالنظامية واستمر إلى أن مات
المستظهري الذي صنفه لأمير المؤمنين المستظهر بالله وهو المسمى حلية العلماء والمعتمد وهو كالشرح له والترغيب في المذهب والشافي في شرح مختصر المزني والعمدة المختصر المشهور وصنف أيضا الشافي في شرح الشامل وكان بقي من إكماله نحو الخمس هذا في سنة أربع وتسعين وأربعمائة كذا ذكر ابن الصلاح ولعله هو شرح مختصر المزني
أخبرنا المشايخ والدي الشيخ الإمام رحمه الله فيما قرأه علينا من لفظه والمسندة زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد المقدسي قراءة عليها وأنا أسمع وفاطمة بنت إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر بهذه القراءة التي قرأها والدي رحمه الله عليها وأنا أسمع له قارئا ومستمعا قال الشيخ الإمام أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي البدر بن مقبل بن فتيان بن المنى وغيره سماعا عن شهدة بنت أحمد بن الفرج الإبري سماعا عليها وقالت زينب أخبرنا المشايخ أبو جعفر محمد بن عبد الكريم بن السيدي وإبراهيم بن محمود بن سالم بن الخير والأعز بن الفضائل بن العليق ومحمد بن المني إجازة قالوا أخبرتنا شهدة سماعا وقالت فاطمة أجازنا محمد بن عبد الهادي أجازتنا شهدة قالت حدثنا الإمام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين الشاشي أخبرنا الشيخ الزاهد أبو عبد الله الحسين بن سلامة أخبرنا محمد بن علي بن محمد بن سليمان بن بحشل حدثنا أبو الحسن علي بن القاسم المقري حدثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن حبان حدثنا محمد بن أحمد بن سلمة حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا الفضل بن الموفق ابن عم سفيان الثوري أنبانا الأعمش قال سمعت أبا وائل يقول إن أهل بيت يوجد على مائدتهم رغيف حلال لأهل بيت غرباء وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن محمد بن الحسن بن نباتة بقراءتي عليهما قالا أخبرنا علي بن أحمد الغرافي سماعا أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي ببغداد أخبرنا أبو الحسن محمد بن المبارك بن الخل سماعا عليه أخبرنا شيخنا الإمام أبو بكر محمد ابن أحمد بن الحسين الشاشي قراءة علينا من كتابه أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن بيان بن محمد الكازروني قراءة عليه في جامع ميافارقين أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي الفارسي قراءة عليه حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل القاضي حدثنا أحمد بن إسماعيل المدني حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله قال ( من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ) فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على أحد ممن دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعي أحد من تلك الأبواب كلها قال ( نعم وأرجو أن تكون منهم ) كذا وقع في الأصل نودي في الجنة
قال ابن الرفعة في الكفاية إن الشاشي ذكر في الحلية أنه روي عن الشافعي في الإملاء أن المسلم يقتل بالمستأمن قلت والذي في الحلية نقل ذلك عن الإملاء عن أبي حنيفة أو عن أبي يوسف لا عن الشافعي وهذا نص الحلية لا يقتل المسلم بالكافر وبه قال عطاء والحسن البصري ومالك والأوزاعي والثوري وأحمد وأبو ثور وقال أبو حنيفة يقتل المسلم بالذمي ولا يقتل بالمستأمن وبه قال الشعبي والنخعي وهو المشهور عن أبي يوسف وروى عنه في الإملاء أنه يقتل المسلم بالمستأمن انتهى فالضمير في عنه يعود على أبي يوسف وأبي حنيفة وأما الشافعي فلم يقل بذاك لا في قديم ولا في جديد بل نقل الإجماع على خلافه في الأم قال ابن الرفعة أيضا في الكفاية إن الشاشي نقل في الحلية وجها عن بعض العراقيين أنه لا يصح نكاح المسلم الحربية قلت و هذا كالأول وليس في الحلية نقل ذلك إلا عن العراقيين ولم يقل إنه وجه في المذهب إنما مراده بالعراقيين الحنفية ومن الحاوي للماوردي أخذه إذ في الحاوي وأبطل العراقيون نكاحها في دار الحرب بناء على أصولهم في أن عقود دار الحرب باطلة وهي عندنا صحيحة انتهى كلام الحاوي ولذلك لم يحكه صاحب البحر مع كثرة استقصائه للحاوي وإنما ذلك لكونه لا يستوعب غالبا إلا منقول المذهب دون مذاهب المخالفين قال فخر الإسلام الشاشي في المستظهري اختلف في وجوب الإشهاد على الشهادة فقال بعض فقهاء العراق يجب ومذهب الشافعي أنه لا يجب على الشاهد أن يشهد على شهادته قال القاضي أبو الحسن الماوردي أولى المذهبين عندي أن يعتبر بالحق المشهود به فإن كان مما ينتقل إلى الأعقاب كالموقف المؤبد لزمه الإشهاد على شهادته و أما الحقوق المعجلة فلا يلزم فيها قال الشيخ الإمام وعندي أنه لو بنى على وجوب الإسجال على الحاكم فيماحكم وكتبه المحضر كان أشبه انتهى والشيخ الإمام المشار إليه فيمايظهر هو الشاشي كأن ناسخ الكتاب عبر عنه بذلك وعلى هذا أجر ابن الرفعة لم يفهم سواه فعزا النبأ إلى الشاشي وفهم صاحب الذخائر أنه أبو إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه شيخ الشاشي لأن من عادة الشاشي أن يطلق عليه الشيخ الإمام ولكن ليس الأمر كذلك هنا فيما أحسب وهذا من آفات النساخ يغيرون ألفاظ المصنفين فيوقعون خللا كبيرا وكان الواجب تبقية صورة خط المصنف على حالها قال فخر الإسلام في كتابه العمدة المختصر المشهور إذا كان في صلاة الصبح ورفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية إنه يقنت بعد قوله ربناولك الحمد بتمامه وكذلك قال البغوي في التهذيب وحكى ابن الرفعة عن النبدينجي أنه يقوله بعد الذكر الراتب قال ابن الرفعة وهو سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد كما قال الماوردي وهذا يتقضى أنه لا يقول ما بعد ذلك وقد ينازع في ذلك قول الشاشي والبغوي إنه يقوله بتمامه فظاهر التمام أنه يقول ما بعد ذلك ولم أجد في المسألة صريح نقل في الطرفين ويظهر أن يقال إنه يقول الذكر كله لا سيما على القول بأن الاعتدال ركن يطول سواء كان طويلا في نفسه أم قصيرا وفي حلية الشاشي أنه إذا باع صبرة طعام بصبرة طعام مكايلة صاعا بصاع فخرجتا سواء أنا إن قلنا فيما إذا خرجتا متفاضلتين يبطل فها هنا وجهان وتوقف الوالد في إثبات هذا الخلاف وقال أخشى أن يكون وهما والمجزوم به عند الأصحاب الصحة قال صاحب البيان إذا أراد الرجل وطء امرأته فقالت أنا حائض ولم يعلم بحيضها فاختلف أصحابنا فمنهم من قال إن كانت فاسقة لم يقبل قولها وإن كانت عفيفية قبل قولها وقال الشاشي إن كانت بحيث يمكن صدقها قبل وإن كانت فاسقة كما يقبل في العدة انتهى ولا فرق بين الزوجة والأمة قاله النووي في شرح المهذب قال والمذهب الأول وليس كما إذا علق طلاقها على حيضها حيث يقبل قولها في الحيض وإن كانت فاسقة قال القاضي لأن الزوج مقصر في تعليقه بما لا يعرف إلا من جهتها قلت لا ينبغي أن يدار الحكم هذا على فسقها وعدمه بل على ظنه صدقها وعدمه وإليه أشار في شرح المهذب فمتى اتهمها بالكذب وطئها لأصل الحل ومتى ظن صدقها وإن كانت في نفسها فاسقة ينبغي أن يحرم لأن مثل هذا لا يكذب فيه الحليلة حيث لا يظهر غرض وهو لا يعلم إلا من جهتها ومن شعر الشاشي إني وإن بعدت داري لمقترب ** منكم بمحض موالاة وإخلاص ورب دان وإن دامت مودته ** أدنى إلى القلب منه النازح القاصي وقال أبو القاسم بن السمرقندي سمعته يقول رأيت في النوم كأني أنشد قد نادت الدنيا على نفسها ** لو كان في العالم من يسمع كم واثق بالعمر أفنيته ** وجامع بددت ما يجمع ومن شعره أيضا لحا الله دهر سدتم فيه أهله ** وأفضى إليكم فيهم النهى والأمر فلم تسعدوا إلا وقد أنحس الورى ** ولم ترأسوا إلا وقد خرف الدهر إذا لم يكن نفع وضر لديكم ** فأنتم سواء والذي ضمه القبر أما لو قيل لي وهجير الصيف متقد ** وفي فؤادي جوى للحر يضطرم أهم أحب إليك اليوم تبصرهم ** أم شربة من زلال الماء قلت هم فإنهما ليساله وإنما رواهما عن غيره من أهل خرق إحدى قرى مرو وهو الإمام أبو بكر المروزي ولد بقرية خرق فيما ذكر صاحبه ابن السمعاني بعد السبعين وأربعمائة تقديرا ورحل إلى نيسابور وتفقه بها فقها وأصولا وكلاما واشتهر بعلم الكلام وسمع من أبي بكر بن خلف الشيرازي وجماعة روى عنه ابن السمعاني وقال فقيه فاضل متكلم عاد إلى قريته وكان يعظ في القرى وبقرية خرق مات في شوال أو ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وهي قرية بمرو بضم التاء المثناة من فوق في آخرها ثاء مثلثة وربما جعلت المعجمة ذالا معجمة ولد في حدود سنة ستين وأربعمائة قال ابن السمعاني كان فقيها صالحا عفيفا متزهدا متقشفا تفقه على الإمام عبد الرزاق الماخواني وكتب الحديث الكثير سمع جدي أبا المظفر وأبا الفرج السرخسي ومحمد بن عبد الرزاق الماخواني وغيرهم كتبت عنه الأربعين للإمام أبي الفرج السرخسي وغيرها توفي ليلة السبت الثاني عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين وخمسمائة محمد بن أحمد بن علي بن مجاهد الخلال أبو بكر من أصحاب المزني ذكره أبو عاصم العبادي كذا أورد نسبه الحافظ أبو طاهر السلفي وابن السمعاني هو الأديب الماهر المجمع على علمه وذكائه وقوة نفسه وكثرة تعففه أبو المظفر الأبيوردي قال ابن السمعاني أوحد عصره وفريد دهره في معرفة اللغة والأنساب وغير ذلك أورد في شعره ما عجز عنه الأوائل من معان لم يسبق إليها وأليق ما وصف به بيت أبي العلاء المعري وإني وان كنت الأخير زمانه ** لآت بما لم تستطعه الأوائل وله تصانيف كثيرة منها تاريخ ابيوردونسا والمختلف والمؤتلف وطبقات العلم هذا بعض كلام ابن السمعاني وذكره عبد الغافر فقال فخر العرب أبو المظفر الأبيوردي الكوفني الرئيس الكاتب الأديب النسابة من مفاخر العصر وأفاضل الدهر وأطال في مدحه سمع أبو المظفر الحديث من إسماعيل بن مسعدة الأسماعيلي وأبي بكر بن خلف الشيرازي ومالك بن أحمد البانياسي وعبد القاهر الجرجاني النحوي روى عنه السلفي وأبو بكر بن الخاضبة وأبو عامر العبدري وتفقه على إمام الحرمين وامتدحه بقصائد بديعة وأثنى عليه غير واحد بحسن العقيدة وجميل الطريقة وكمال الفضيلة حتى قال السلفي كان الأبيوردي والله من أهل الدين والخير والصلاح والفقه قال لي والله ما نمت في بيت فيه كتاب الله أو حديث رسول الله احتراما لهما قالوا إلا أنه كان ذا نفس أبية تحدثه بالخلافة وبأمور رفيعة فلذلك نسبت إلى نقص في العقل قال ابن السمعاني سمعت غير واحد من شيوخي يقولون إنه إذا صلى يقول اللهم ملكني مشارق الأرض ومغاربها ومن شعره الدال على قوة نفسه يا من يساجلني وليس بمدرك ** شأوي وأين له جلالة منصبي لا تتبعن فدون ما حاولته ** خرط القتادة وامتطاء الكوكب والمجد يعلم أننا خير أبا ** فاسأله تعلم أي ذي حسب أبي جدي معاوية الأغر سمعت به ** جرثومة من طينها خلق النبي وورثته شرفا رفعت منارة ** فبنو أمية يفخرون به وبي وترجمه الحافظ السلفي في جزء مفرد وعظمه كثيرا وذكر أنه فوض إليه إشراف الممالك بخراسان كلها وأحضر عند السلطان أبي شجاع محمد بن ملكشاة لتشخيصه وهو على سرير ملكه فارتعد ووقع ورفع ميتا ولعل ذلك من الله مقابلة له لقوة نفسه ومن شعره أيضا تنكر لي دهري ولم يدر أنني ** أعز وأحدث الزمان تهون فبات يريني الخطب كيف اعتداؤه ** وبت أريه الصبر كيف يكون قال عبد الغافر حصلت له من السلطان مكانه ونعمة ثم كان يرشح من كلامه نوع تشبيب بالخلافة ودعوة إلى اتباع فضله وادعاء استحقاق الإمامة يبيض وسواس الشيطان في رأسه ويفرخ ويرفع الكبر بأنفه ويشمخ فاضطره الحال إلى مفارقة بغداد ورجع إلى همذان فأقام بها يدرس ويفيد ويصنف مدة توفي مسموما بأصبهان في شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسمائة كتب إلى أحمد بن أبي طالب عن ابن النجار أن القاضي عبد الرحمن بن أحمد بن العمري حدثه عن أبي عامر محمد بن سعدون بن مرجي العبدري قال حدثنا أبو المظفر الأبيوردي من لفظه ببغداد في جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني بجرجان أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي حدثنا أبو أحمد الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنا زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن علية عن عبد العزيز عن أنس قال قال رسول الله لايتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) ولد في سنة سبع وستين وأربعمائة وسمع أبا بكر بن خلف الشيرازي روى عنه عبد الرحيم بن السمعاني وقال توفي بنوقان في أواخر المحرم سنة ثمان وأربعين وخمسمائة تفقه بها ثم ارتحل إلى مرو فتفقه على الشيخين أبي بكر السمعاني وإبراهيم المروروذي وسمع الحديث من أبي بكر السمعاني سمع منه صاحب الكافي وحدث عنه في تاريخ خوارزم وقال فيه الشيخ الفقيه الدين الورع قال وأقام بقريته كردرانخاسية فكان هو العالم والواعظ والخطيب بها وكان ثقة صالحا توفي في شهر شوال سنة ثمان وخمسين وخمسمائة قال ابن السمعاني شافعي المذهب هو أحد نواب قاضي القضاة الزينبي ببغداد مرضي الطريقة في القضاء والأحكام وحسن المعاشرة ملح المجالسة سمع أبا عبد الله الحسين بن أحمد بن طلحة النعالي وأبا عبد الله الحسين بن علي بن أحمد البسري وغيرهما سمع منه ابن السمعاني وقال سألته عن مولده فقال في سنة خمس وسبعين وأربعمائة وتوفي في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين وخمسمائة قال صاحب الكافي في تاريخ خوارزم شاب رفيع الشأن من صدور خراسان ومن أفراد الزمان بلطافة البيان وفصاحة اللسان عديم النظير في التذكير دخل خوارزم مرتين وكان يروي الأحاديث مسندة عن أبيه وهو ابن عم الحافظ أبي سعد قال صاحب الكافي سمعته يقول على المنبر احفظ إيمانك حفظ العمامة على رأسك لا تكن العمامة أعز عليك من إيمانك أو كما قال فإنه ذكره بالفارسية وأنا ترجمته وأنشد على رأس المنبر شعرا يقول وقفت وقفة بباب الطاق ** قينة من مخدرات العراق بنت عشر وأربع وثلاث ** هي حتف المتيم المشتاق قلت من أنت يا خلوب فقالت ** أنا من لطف صنعة الخلاق لا تعرض لنا فهذا بنان ** قد خضبناه من دم العشاق من أهل نابلس مولده سنة اثنتين وستين وأربعمائة ببيروت تفقه على الفقيه نصر المقدسي وسمع الحديث منه ومن الحسين بن علي الطبري بمكة ومن مكي بن عبد السلام المقدسي وجماعة روى عنه يحيى بن اسعد بن بوش وإسماعيل بن أبي تراب القطان وغيرهما وكان إماما زاهذا ورعا جامعا بين العلم والعمل مقدما في الفقه وعلم الكلام على مذهب الأشعري قال يوسف الدمشقي كان الديباجي سيدنا في علم الأصول ومقدمنا في الزهد والسنة والمنقول وعن الحافظ أبي الفضل بن ناصر ما رأيت من جمع له بين العفاف والورع في الوعظ كالديباجي وعن أبي الحسن سعد الله بن محمد بن علي المقري ما صعد كرسي وعظ فيما رأيناه لا أعلم ولا أعف ولا أروع من الشريف الديباجي وقال الحافظ ابن عساكر كان يعقد المجلس في جامع الخليفة وبالمدرسة النظامية ويناظر في مسائل الخلاف نظرا حسنا ويفتي على مذهب الشافعي وله حرمة عند الخليفة وعند العامة لتصونه وتعففه ولزومه مسجده توفي يوم الأحد ثامن عشري صفر سنة سبع وعشرين وخمسمائة خطيب قرية آش وفقيهها تفقه بمرو على محمد بن عبد الرزاق الماخواني وبمرو الروذ على القاضي الحسين قال صاحب الكافي توفي بقريته بانهدام جدار عليه سنة ثلاث وخمسمائة سمع من أبي الحسن علي بن الحسين بن عمر الموصلي الفراء وأبي علي الحسن ابن محمد بن حسن الجيلي روى عنه جماعات ولابن المفضل منه إجازة وكان مشهور بالبدعة متظاهرا فيما يذكر بالتجسيم دفن لما مات بالقرب من الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فأخرج ونبش ثم أعيد ثم أخرج الشيخ العالم الزاهد الخبوشاني رحمه الله عظامه وقال لا يدفن صديق وزنديق واستقر بمكانه المشهور بالقرافة توفي في ربيع الأول سنة اثنتين وستين وخمسمائة ومن شعره إن كنت لا بد المخالط للورى ** فاصبر فإن من الحجا أن تصبرا وإذا لقوك بمنكر من فعلهم ** فتلق المعروف ذاك المنكرا كالأرض تلقى فوقها أقذارها ** أبدا وتنبت ما يروق المنظرا فقيه فاضل محدث حافظ متدين كثير العبادة سمع من أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ وأبي الفضل محمد بن عمر الأرموي وغيرهم ولازم أبا الفضل محمد بن ناصر مولده سنة سبع وخمسمائة ومات سنة تسع وأربعين وخمسمائة الواعظ الملقب حفدة بفتح الحاء المهملة والفاء والدال المهملة من أهل نيسابور وأصله من طوس ولد سنة ست وثمانين وأربعمائة وتفقه بطوس على حجة الإسلام أبي حامد الغزالي وبمرو على الإمام أبي بكر محمد بن منصور بن السمعاني وبمر الروذ علي الحسين بن مسعود الفراء البغوي وأتقن المذهب والأصول والخلاف وكان من أئمة الدين وأعلام الفقهاء المشهورين سمع الكثير من شيخه البغوي وحدث عنه بشرح السنة ومعالم التنزيل وسمع أيضا من أبي الفتيان عمر بن ابي الحسن الدهستاني وناصر بن أحمد ابن محمد العياضي وعبد الغفار بن محمد الشيرويي وغيرهم روى عنه أبو المواهب بن صصري وأبو أحمد بن سكينة وعبد العزيز بن الأخضر وأبو المجد محمد بن الحسين القزويني والقاضي أبو المحاسن يوسف بن رافع بن شداد وغيرهم قال ابن النجار وكان قد أقام مدة بمرو يعظ ثم خرج منها إلى نيسابور فلما وقعت حادثة الغز بها في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة سافر إلى العراق ومنها إلى أذربيجان ودخل بلاد الجزيرة واجتمع عليه الناس بسبب الوعظ وحدث بجميع البلاد التي دخلها وروى عنه أهلها ثم إنه سكن تبريز إلى حين وفاته قلت أصح القولين أنه توفي بها سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وقيل سنة إحدى وسبعين وقد وقفت له على أجوبة مسائل سأله إياها يوسف بن مقلد الدمشقي فقهية وصوفية تفقه على الغزالي وقتل في مشهد علي بن موسى الرضا في ذي القعدة سنة ست وخمسين وخمسمائة في واقعة الغز وكان يلقب بالسديد ترجمة ابن باطيش قال ابن النجار كان فقهيا فاضلا حسن المعرفة بالمذهب والخلاف مليح الكلام في النظر والجدل ورتب معيدا بالمدرسة النظامية قال ثم إنه خرج عن بغداد متوجها إلى الشام وناظر الفقهاء في البلاد التي دخلها وظهر كلامه عليهم قال ووصل إلى دمشق مريضا فأقام بها أياما وتوفي قال وكان قد صنف كتابا مليحا في اللعب بالبندق وقسمه على تقسيم كتب الفقه على ألسنة الرماة فجاء حسنا في فنه وأظنه قصد به الإمام الناصر لدين الله مات في النصف من شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وكان شابا وكان والده حيا فقيه مناظر كبير ولد سنة ثمانين وأربعمائة سمع أبا بكر بن خلف الشيرازي وعلي بن أحمد المديني روى عنه ابن السمعاني وابنه عبد الرحيم وعبد الواحد بن عبد السلام بن سلطان البيع وأبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع وغيرهم وكان قد انتقل به أبوه إلى كرمان فأقام بها قال أبو الفرج بن الجوزي قدم إلى بغداد رسولا من صاحب كرمان في سنة ست وثلاثين وقدم رسولا إلى السلطان في سنة أربع وأربعين وقال ابن النجار قدم إلى بغداد رسولا غير مرة توفي بكرمان في ذي القعدة سنة سبع وأربعين وخمسمائة وقيل محمد بن أحمد بن أميركا نزيل الدواليب على وادي مرو سمع من أبي المظفر بن السمعاني وغيره روى عنه عبد الرحيم بن السمعاني ولد سنة سبعين وأربعمائة بمرو وتوفي في نصف المحرم سنة خمس وأربعين وخمسمائة من أهل طوس ورد نيسابور وتفقه على إمام الحرمين وسافر إلى العراق والشام والحجاز والثغور وسمع بها الحديث ورجع إلى نيسابور وسكنها إلى أن مات سمع رزق الله التميمي ومالك بن أحمد البانياسي وأبا الخطاب بن البطر ونصر المقدسي والحسين بن علي الطبري وخلقا يطول ذكرهم روى عنه أبو بكر بن السمعاني وأجاز لابنه أبي سعد الحافظ وتوفي بعد استهلال جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ذكره ابن السمعاني ولم يذكره ابن النجار قاضي الرحبة ثم قاضي الموصل ولد سنة عشرين وخمسمائة وحكم نحوا من ثلاثين سنة كذا ذكره ابن باطيش وذكر أنه مات سنة خمس وسبعين وخمسمائة من أهل واسط قرأ القرآن على جماعة وتفقه علي أبي إسحاق الشيرازي وسمع من أبي الحسين بن المهتدي وأبي الغنائم بن المأمون وأبي جعفر بن المسلمة وأبي الحسين بن النقور وجماعة وعمر حتى قرأ عليه الناس الكثير وقصدوه من البلدان حدث عنه ذاكر بن كامل الحذاء وغيره توفي في شوال سنة إحدى وعشرين وخمسمائة قدم بغداد سنة خمس وستين وأربعمائة وتفقه علي الشيخ أبي إسحاق وسمع من أبي الحسين بن النقور وغيره وحدث باليسير روى عنه أبو معمر الأنصاري في معجم شيوخه وابن السمعاني في ذيله توفي في المحرم سنة سبع وثلاثين وخمسمائة ودفن بالكرخ عند الفقهاء ابن سريج وغيره وزاغول بفتح الزاي بعدها ألف يتلوها غين معجمة مضمومة بعدها واو في آخرها اللام قرية من قرى خراسان تفقه بمرو على الإمام أبي بكر محمد بن الإمام أبي المظفر السمعاني والموفق بن عبد الكريم الهروي وقال أبو سعد وكان صالحا فاضلا سديد السيرة خشن العيش قانعا باليسير عارفا بالحديث وطرقه اشتغل بطلبه وجمعه طول عمره ونظر في الأدب والكتب وجمع مجموعات لعلها بلغت أربعمائة مجلدة سماها قيد الأوابد جمع فيها العلوم ورتبها وكان قد سافر إلى هراة ونيسابور وسمع بهما الحديث سمع بهراة أبا الفتح نصر بن أحمد بن إبراهيم الحنفي وأبا عبد الله عيسى بن شعيب بن إسحاق السجزي وأبا سعد محمد بن أبي الربيع الجيلي وبمرو الروذ أبا محمد عبد الله بن الحسن الطبسي الحافظ والحسين بن مسعود البغوي الفراء وبمرو الإمام والدي وأبا سعيد محمد بن علي الدهان وجماعة كثيرة كتبت عنه وسمعت بقراءته وإفادته الكثير علىالشيوخ وكان حريصا على طلب العلم ونسخه مع كبر السن سألته عن مولده غير مرة فقال لا أحق وولده بهذه القرية أعني زاغول قبل سنة ثمانين وأربعمائة انتهى ومات في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وخمسمائة من أهل البصرة حدث عن أبي الحسن بن أحمد الحداد الأصبهاني وغيره قال أبو بكر المارستاني كان إمام الشافعية بالبصرة فقيها مفتيا توفي بالبصرة في ذي الحجة سنة ثمان وستين وخمسمائة بكسر السين المهملة والميم وسكون النون وبالجيم بلدة من وراء بلخ أبو جعفر تفقه على أبي سهل الأبيوردي ببخارى والقاضي الحسين بمرو الروذ وأملى ببلخ قال ابن السمعاني حدثني عنه جماعة بخراسان وما وراء النهر وتوفي سنة أربع وخمسمائة ببلخ القاضي المعروف بفخر القضاة يضرب به المثل في علم النظر مات يوم الأربعاء ثامن عشر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ترجمة ابن باطيش المعروف بحنفش سمع من أبي محمد الصرييفني وأبي الحسين بن النقور وغيرهما روى عنه ابن السمعاني وابن عساكر وغيرهما تفقه على المتولى ومات سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة تفقه على جمال الإسلام وسمع ببغداد من أبي القاسم بن بيان وبدمشق من هبة الله بن الأكفاني روى عنه أبو القاسم بن صصري وزين الأمناء أبو البركات قال الحافظ كان متجملا حسن الاعتقاد باع أملاكه وأنفقها على نفسه مات في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وخمسمائة تفقه على البغوي بمرو الروذ وعلى محمد بن يحيى بنيسابور وسمع بها من أبي عبد الله الفراوي قال ابن السمعاني قدم علينا مرو وأقام عندي في مدرستي مدة وسمعت منه أحاديث وتوفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة من أهل الري حدث ببغداد عن أبيه أبي الفضائل بيسير سمع منه القاضي أبو المحاسن عمر بن علي بن الخضر القرشي وذكر أنه كان أحد الأئمة القائمين بعلم الأصول الكلام على مذهب الأشعري مولده في عاشر صفر سنة ست وخمسمائة ولد في ثاني المحرم سنة إحدى وخمسمائة وتفقه على والده وسمع أبا علي بن نبهان وأبا لقاسم بن بيان الرزاز وهبة الله بن محمد بن الحصين وزاهر بن طاهر الشحامي وغيرهم قال ابن النجار روى لنا عنه أبو نصر عمر بن محمد بن أحمد الصوفي قال ابن النجار ورتب ناظرا في ديوان التركات الحشرية فلم تحمد طريقته وذمت أفعاله وأجمع الناس على سوء سيرته حتى صار المثل يضرب بهفي الظلم والجور ومن شعره ومن لم يكن في الدهر ألقاه مسعدا ** ولم يلف يوم الحشر وهو شفيع ولم يك خلا في المودة مخلصا ** أراه إذا أدعوه وهو مطيع وكنت إذا ما السر أبداه حافظا ** ومخفي أسراري لديه تشيع وأصبحت لا أرجو جزيل نواله ** ولا لي مرعى من نداه مريع فلا زال يوليني الصدود مع القلي ** ويا ليت حبل الوصل منه قطيع وقال أيضا طمع الرجال ذوو الغنى أن يسعدوا ** في فضل ما ادخروا من الأموال كذبتهم الأطماع حتى إنهم ** أنسوا بها إذ أوعدت بمحال أمل يقربه الرجاء إلى المنى ** كم تسخر الآجال بالآمال توفي يوم الخميس ثالث ذي الحجة سنة ا ثنتين وسبعين وخمسمائة بضم الفاء وسكون النون وكسر الدال المهملة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها النون نسبة إلى فندين قرية بمرو قال ابن السمعاني كان فقيها زاهدا ورعا عابدا متهجدا تاركا للتكلف تفقه على الإمام عبد الرحمن الزاز وسمع منه ومن أبي بكر محمد بن علي بن حامد الشاشي وأبي المظفر السمعاني روى عنه عبد الرحيم بن السمعاني مولده سنة اثنتين وأربعمائة وتوفي بفندين في عشرين من المحرم سنة أربع وأربعين وخمسمائة مولده سنة ست وأربعين وأربعمائة تفقه على أبي إسحاق الشيرازي وقرأ الفرائض علي أبي حكيم الخبري والكلام على أبي عبد الله القيرواني وسمع من أبي جعفر بن المسلمة وأبي الحسين بن المهتدي وأبي الغنائم بن المأمون وأبي الحسين بن النقور وخلق وحدث بيسير لأنه مات في الكهولة وروى عنه السلفي وأبو بكر بن العربي الأندلسي وأبو مسعود عبد الجليل كوتاه وجماعة وكان يقال إنه مستجاب الدعوة مات في ثامن عشر صفر سنة ثلاث عشرة وخمسمائة أطنب ولده في وصفه في تاريخ خوارزم وقال قرأ الأصول والفروع على الإمام أبي إبراهيم إسماعيل بن الحسين الدرغاني مهر في الأصول وصار فريد الزمان في انطلاق اللسان وحسن البيان وانتزاع البرهان من الأصول العقلية والقرآن وأضحى نادرة الأيام في إفحام فحول المجاهدين وقت الخصام بأقطع الإلزام وقرأ شرح المهذب لأبي بكر الصيدلاني في مجلدات وأتى على حفظ جميعه فربما كان يسأل عن مائة مسألة في مجلسه في مواضع مختلفة ويجيب عنها على الفور من غير تردد ولا تخبط ويذكر ما فيها من القولين والتنبيه على الجوابين ويذكر عللها قال وحفظ تفسير الثعلبي جميعه فكان إذا سئل في مجلسه عن عشر آيات في مواضع متفاوتة ذكر تفسيرها باختلاف أقوال المفسرين من غير غلط ولا خطأ ثم قال توفي والدي يوم الإربعاء رابع صفر سنة ثلاث وخمسمائة وهو ابن أربعين وأشهرا ورد نيسابور وتفقه على إمام الحرمين قال ابن السمعاني وبرع في الفقه وكان إماما متنسكا كثير العبادة حسن السيرة مشتغلا بنفسه وكان مفتى أصحابنا في وقته سمع أبا الحسن الواحدي وأبا بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي وأبا علي بن نبهان الكاتب وخلقا روى عنه جماعة منهم أبو سعد بن السمعاني بالإجازة مولده سنة أربع وخمسين وأربعمائة وتوفي في ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ودفن بظاهر نيسابور صاحب دعوة السلطان عبد المؤمن ملك المغرب كان رجلا صالحا زاهدا ورعا فقيها أصله من جبل السوس من أقصى المغرب وهناك نشأ ثم رحل إلى المشرق لطلب العلم فتفقه على الغزالي وإليكا أبي الحسن الهراسي وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر خشن العيش كثير العبادة شجاعا بطلا قوي النفس صادق الهمة فصيح اللسان كثير الصبر على الأذى يعرف الفقه على مذهب الشافعي وينصر الكلام على مذهب الأشعري وكان كثير الأسفار ولا يستصحب إلا عصا وركوة ولا يصبر عن النهى عن المنكر وأوذي بذلك مرات دخل إلى مصر وبالغ في الإنكار فبالغوا في أذاه وطرده وكان ربما أوهم أن به جنونا وذلك عند خشية القتل ثم خرج إلى الإسكندرية فأقام بها مدة ثم ركب البحر ومضى إلى بلاده وكان قد رأى في منامه وهو بالمشرق كأنه قد شرب ماء البحر جميعه كرتين فلما ركب السفينة شرع ينكر وألزمهم بالصلاة والتلاوة فلما انتهى إلى المهدية وصاحبها يومئذ يحيى بن تميم الصنهاجي وذلك في سنة خمس وخمسمائة نزل بها في مسجد معلق على الطريق وكان يجلس في طاقته فلا يرى منكرا من آلة الملاهي أو أواني الخمر إلا نزل وكسره فتسامع به الناس وجاءوا إليه وقرءوا عليه كتبا في أصول الدين وبلغ خبره الأمير يحيى فاستدعاه مع جماعة من الفقهاء فلما رأى سمته وسمع كلامه أكرمه وسأله الدعاء فقال له أصلحك الله لرعيتك ثم نزح عن البلد إلى بجاية فأقام بها ينكر كدأبة فأخرج منها إلى قرية ملالة فوجد بها عبد المؤمن بن علي القيسي فيقال إن ابن تومرت كان قد وقع بكتاب فيه صفة عبد المؤمن واسمه وصفته رجل يظهر بالمغرب الأقصى من ذرية النبي يدعو إلى الله يكون مقامه ومدفنه بموضع من المغرب يسمى ت ى ن م ل ويجاوز وقته المائة الخامسة فالقى في ذهنه أنه هو وأن الله ألقى في روعه ذلك كله من غير أن يجده في كتاب فقد كان رجلا صالحا متمكنا ثم إنه أخذ يتطلب صفة عبد المؤمن فرأى في الطريق شابا قد بلغ أشده على الصفة التي ألقيت في روعه فقال يا شاب ما اسمك فقال عبد المؤمن فقال الله أكبر أنت بغيتي فأين مقصدك قال المشرق لطلب العلم قال قد وجدت علما وشرفا اصحبني تنله ثم نظر في حليته فوافقته فألقى إليه سره ثم اجتمع على ابن تومرت جمع كثير لما رأوه من قوته في الحق وصبره على طلب المعيشة وورعه وعلمه فدخل مراكش وملكها علي بن يوسف بن تاشفين وكان حليما متواضعا فأخذ ابن تومرت في الإنكار على عادته حتى أنكر على ابنه الملك وذلك في قصة طويلة فبلغ خبره الملك وذكر أنه تحدث في تغيير الدولة فتكلم مالك بن وهيب الأندلسي الفقيه في أمره وقال نخاف من فتح باب يعسر علينا سده وكان ابن تومرت وأصحابه مقيمين بمسجد خراب بظاهر البلد فأحضروا في محفل من العلماء فقال الملك سلوا هذا ما يبغي فكلموه وقالوا ما الذي يذكر عنك من القول في حق هذا الملك العادل الحليم المنقاد إلى الحق فقال أماما نقل عني فقد قلته ولى من ورائه أقوال وكان من قول القاضي في مساءلة ابن تومرت أن الملك يؤثر طاعة الله على هواه وينقاد إلى الحق فقال ابن تومرت فأما قولك إنه يوثر طاعة الله على هواه وينقاد إلى الحق فقد حضر اعتبار صحة هذا القول عليه ليعلم بتعريه عن هذه الصفة أنه مغرور بما تقولون له وتطرونه به مع علمكم أن الحجة عليه متوجهة فهل بلغك يا قاضي أن الخمر تباع جهارا وتمشي الخنازير بين المسلمين وتؤخذ أموال اليتامى وعدد كثيرا من ذلك حتى ذرفت عينا الملك وأطرق حياء فقال مالك بن وهيب إن عندي نصيحة إن قبلها الملك حمد عاقبتها وإن تركها لم آمن عليه فقال وما هي قال إني خائف عليك من هذا الرجل وأرى أن تسجنه وتسجن أصحابه وتنفق عليهم كل يوم دينارا وإلا أنفقت عليه خزائنك فوافقه الملك فقال الوزير أيها الملك يقبح أن تبكي من موعظة هذا ثم تسيء إليه في مجلس واحد وأن يظهر منك الخوف مع عظم ملكك وهو رجل فقير لا يملك سد جوعه فانقاد الملك لكلام الوزير وصرفه وسأله الدعاء فقيل إن ابن تومرت لما خرج من عنده لم يزل وجهه تلقاء وجهه إلى أن فارقه فقيل له نراك تأدبت مع الملك فقال أردت ألا يفارق وجهي الباطل حتى أغيره ما استطعت ولما خرج قال لأصحابه لا مقام لنا بمراكش مع وجود مالك بن وهيب وإن لنا بأغمات أخا في الله فنقصده فلن نعدم منه رأيا ودعاء وهو الفقيه عبد الحق بن إبراهيم المصمودي فسافر في جماعته إليه فأنزلهم فبث إليه سره وما اتفق له فقال هذا الموضع لا يحميكم وإن أحصن الأماكن المجاوة لهذا البلد تينملل وهو مسيرة يوم في هذا الجبل فانقطعوا فيه مدة ريثما ينسى ذكركم فلما سمع ابن تومرت بهذا الاسم تجدد له ذكر اسم الموضع الذي رآه في الكتاب فقصده مع أصحابه فلما أتوه ورآهم أهل ذلك المكان على تلك الصورة فعلموا أنهم طلاب علم فتلقوهم وأكرموهم وأنزلوهم وبلغ الملك سفرهم فسر بذلك وتسامع أهل الجبل بوصول ابن تومرت فجاؤوه من النواحي يتبركون به وكان كل من أتاه استدناه وعرض عليه ما في نفسه فإن أجابه أضافه إلى خواصه وإن خالفه أعرض عنه وكثرت أتباعه ومن كلام عبد الواحد بن علي التميمي المراكشي صاحب كتاب المعجب أن ابن تومرت لما ركب البحر وأخذ ينكر على أهل المركب ما يراه من المناكر ألقوه في البحر وأقام نصف يوم يجري في الماء مع السفينة ولم يغرق فأنزلوه إليه من أطلعه وعظموه إلى أن نزل ببجاية ووعظ بها ودرس وحصل له القبول فأمره صاحبها بالخروج منهاخوفا منه فخرج ووقع بعيد المؤمن وكان بارعا في خط الرمل ووقع بجفر فيما قيل وصحبهما من ملالة عبد الواحد المشرقي فتوجه الثلاثة إلى أقصى المغرب وقيل إنه لقي عبد المؤمن ببلاد متيجة فرآه يعلم الصبيان فأسر إليه وعرفه بالعلامات وكان عبد المؤمن قد رأى رؤيا وهي أنه يأكل مع أمير المسلمين علي بن يوسف في صحفة قال ثم زاد أكلي على أكله ثم اختطفت الصحفة منه فقصصتها علىعابر فقال هذه لا ينبغي أن تكون لك إنما هي لرجل ثائر يثور على أمير المسلمين إلى أن يغلب على بلاده وسار ابن تومرت إلى أن نزل في مسجد لظاهر تلمسان وكان قد وضع له هيبة في النفوس وكان طويل الصمت كثير الانقباض إذا انفصل عن مجلس العلم لا يكاد يتكلم أخبرني شيخ عن رجل من الصالحين كان معتكفا في ذلك المسجد أن ابن تومرت خرج ليلة فقال أين فلان قالوا مسجون فمضى من وقته ومعه رجل حتى أتى باب المدينة فدق على البواب دقا عنيفا ففتح له بسرعة فدخل حتى أتى الحبس وابتدر إليه السجانون يتمسحون به ونادى يا فلان فأجاب فقال اخرج فخرج والسجانون باهتون لا يمنعونه وخرج به حتى أتى المسجد وكانت هذه عادته في كل ما يريده لا يتعذر عليه قدسخرت له الرجال وعظم شأنه بتلمسان إلى أن انفصل عنها وقد استحوذ على قلوب كبرائها فأتى فاس فأظهر الأمر بالمعروف وكان جل ما يدعو إليه علم الاعتقاد على طريقة الأشعرية وكان أهل المغرب ينافرون هذه العلوم ويعادون من ظهرت عليه فجمع والي فاس الفقهاء له فناظرهم فظهر عليهم لأنه وجد جوا خاليا وناسا لا علم لهم بالكلام فأشاروا على المتولي بإخراجه فسار إلى مراكش وكتبوه بخبره إلى ابن تاشفين فجمع له الفقهاء فلم يكن فيهم من يعرف المناظرة إلا مالك ابن وهيب وكان متفننا قد نظر في الفلسفة فلما سمع كلامه استشعر حدته وذكاءه فأشار على أمير المسلمين ابن تاشفين بقتله وقال هذا لا تؤمن غائلته وإن وقع في بلاد المصامدة قوى شره فتوقف عن قتله دينا فأشار عليه بحبسه فقال غلام أسجن مؤمنالم يتعين لنا عليه حق ولكن يخرج عنا فخرج هو وأصحابه إلى السوس ونزل بتينملل ومن هذا الموضع قام أمره وبه قبره فلما نزله اجتمع إليه وجوه المصامدة فشرع في بث العلم والدعاء إلى الخير وكتم أمره وصنف له عقيدة بلسانهم وعظم في أعينهم وأحبته قلوبهم فلما استوثق منهم دعا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونهاهم عن سفك الدماء فأقاموا على ذلك مدة وأمر رجالا منهم ممن استصلح عقولهم بنصب الدعوة واستمالة رؤساء القبائل وأخذ يذكر المهدي ويشوق إليه وجمع الأحاديث التي جاءت في فضله فلما قرر عندهم عظمة المهدي ونسبه ونعته ادعى ذلك لنفسه وقال أنا محمد ابن عبد الله وسرد له نسبا إلى علي عليه السلام وصرح بدعوى العصمة لنفسه وأنه المهدي المعصوم وبسط يده للمبايعة فبايعوه فقال أبايعكم على ما بايع عليه أصحاب رسول الله ثم صنف لهم تصانيف في العلم منها كتاب سماه أعز ما يطلب وعقائد على مذهب الأشعري في أكثر المسائل إلا في إثبات الصفات فإنه وافق المعتزلة في نفيها وفي مسائل قليلة غيرها وكان يبطن شيئا من التشيع ورتب أصحابه طبقات فجعل منهم العشرة . . . ولد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وتفقه ببغداد على أسعد الميهني وسمع من أبي طالب الزينبي وأبي البركات بن خميس وجده لأمه علي بن أحمد ابن طوق وغيرهم روى عنه أبو المواهب بن صصرى وأخوه أبو القاسم ابن صصرى والشيخ الموفق ابن قدامة وآخرون ولى قضاء الموصل وكان يتردد بينها وبين بغداد رسولا من صاحبها إلى الخليفة ثم قدم الشام وافدا على نور الدين فبالغ في إكرامه وولاه قضاء دمشق ونظر الأوقاف ونظر أموال السلطان وغير ذلك فاستناب ابنه القاضي أبا حامد بحلب وابن أخيه أبا القاسم بحماة وابن أخيه الآخر بحمص وكان فقهيا أصوليا أديبا شاعرا ظريفا ذا أفضال وقف أوقافا كثيرة منها مدرسة بالموصل ومدرسة بنصيبين ورباطا بمدينة النبي وتمكن في الأيام النورية تمكنا بالغا فلما تملك السلطان صلاح الدين أقره على ما كان عليه ونال ما لم ينله أحد من الفقهاء من التقدم ونفاذ الكلمة ولما قدم صلاح الدين دمشق سنة سبعين لأجل أخذها نزل بدار العقيقي وتعسرت عليه القلعة أياما مشى بنفسه إلى دار قاضي القضاة كمال الدين زائرا مستشيرا فتلقاه وجالسه وباسطه وقال طب نفسا وقر عينا فالأمر أمرك والبلد بلدك وفي هذا من الدلالة على جلالة قدر القاضي ما لا يخفى وكان يهب الألف دينار فما فوقها وهو الذي وقف الحصة من قرية الهامة على المقادسة وفيما أحفظه من محاسن الثلاثة السلطان صلاح الدين والقاضي الفاضل وقاضي القضاة كمال الدين أن السلطان لما جاء إلى الشام كتبت قصص كثيرة في كمال الدين ومرافعات شتى ونسب إلى أمور مما جرت عادة المرافعين بنسبة الحكام إليها وقيل إن القاضي الفاضل كان يكره القاضي كمال الدين فأدى القصص إلى السلطان في كمال الدين في أثناء الطريق فلم يصل السلطان إلى الكسوة إلأ وقد حصل عنده من كمال الدين شيء مع ما قيل إنه كان لا يحبه من أيام نور الدين فاجتمع أصحاب كمال الدين إليه وأشاروا عليه بالخروج لتلقي السلطان فأبى جريا على ما ألفه في أيام نور الدين من تردد الناس إليه وعدم تردده إلى الناس فلما كان ليلة دخول السلطان دمشق تحزب أصحاب كمال الدين عليه وقالوا هذا السلطان من الأصل لا يحبك ومدبر دولته القاضي الفاضل كذلك وأعداؤك قد تحزبوا عليك وما كنت تعرفه من الرفعة قد زال بزوال دولة نور الدين والسلطان بكرة غد يدخل البلد وقد دخل القاضي الفاضل البلد الليلة ونرى أن تمشي إليه فأظهر تألما كثيرا لذلك فألزم وربما حلف عليه فمضى ومعه اثنان أحدهما ولده والآخر بعض من أشار عليه وفي ذهنه أنه من حين يقبل على دار القاضي الفاضل يخرج لتلقيه فقعد على الباب زمانا طويلا ليؤذن له فأما الرجل الذي كان معه وأشار عليه فإنه هرب حياء من القاضي كمال الدين وصار كمال الدين وولده فخرج الطواشي وذكر أن الفاضل نائم فقام كمال الدين وعاد إلى دار في أسوأ حال وسرى القاضي الفاضل في أثناء الليل لتلقي صلاح الدين وجاراه الكلام حتى انتهى إلى ذكر كمال الدين فقال ياخوند هذا رجل معظم في العلم والسؤدد وأفعال نور الدين عند الناس مسددة وكان منها تعظيم هذا الرجل وغالب ما ينسب إليه كذب وأما ما ذكر من كثرة دخله فهو وإن كثر دون كثير من أمراء المملكة ولعله أحق ببيت المال وأمواله من كثير منهم فالذي أراه تعظيمه وكذا وكذا وعاد إلى البلد مصبحا قبل دخول صلاح الدين وتوجه إلى دار كمال الدين فجلس على الباب وطلب الإذن فلما دخل الخادم ليستأذن كمال الدين عليه مضى ولم يلبث علما منه بأن كمال الدين سيجازيه على عدم خروجه له ولا يخرج لقوة نفس كمال الدين فكان كذلك دخل الخادم إلى كمال الدين فاعتل بعلة ولم يخرج فخرج الخادم فلم يجد الفاضل ثم لما عبر السلطان البلد وبدأ بالجامع فصلى فيه قيل إن الفاضل أخذه من الجامع وجاء به إلى دار كمال الدين وصارت له اليد البيضاء عند كمال الدين بهذه الواقعة وتصادقا فإما أن يكون صلاح الدين توجه إلى بيت كمال الدين مرتين مرة أول قدومه وهي هذه ومرة بسبب القلعة وإما أن يكون مرة واحدة وهو الأقرب ومن شعر كمال الدين وجاءوا عشاء يهرعون وقد بدا ** بجسمي من داء الصبابة ألوان فقالوا وكل معظم بعض ما رأى ** أصابتك عين قلت عين وأجفان وقال أيضا ولي كتائب أنفاس أجهزها ** إلى جنابك إلا أنها كتب ولي أحاديث من نفسي أسر بها ** إذا ذكرتك إلا أنها كذب توفي في سادس المحرم سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة الشيخ أبو الفتح ولد في شوال سنة سبع وثمانين وأربعمائة قال ابن السمعاني في التحبير وهو من الري وأصله من شيراز وسكن آمل طبرستان وكان فقيها واعظا شاعرا مليح الشعر سمع بالري أبا الفتح محمد بن محمد بن علي الفراوي الواعظ وغيره كتبت عنه بآمل شيئا يسيرا من شعره توفي بآمل طبرستان سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة أخو الشيخ أبي النجيب تفقه علي أسعد الميهني قال يوسف الدمشقي كان له حظ وافر من العلم وكان حسن الوعظ وتولى قضاء شهرزور وقتل بها في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة تفقه علي إلكيا الهراسي ورحل إلى خراسان واستوطنها قال ابن السمعاني كان فقيها فاضلا مناظرا وشاعرا مجودا قال وسمع من أبي القاسم بن بيان وأبي الحسن بن العلاف وأبي علي بن نبهان وغيرهم وروى عنه ابن السمعاني وقال إنه سأله عن مولده فقال ببغداد في سنة ست وثمانين وأربعمائة وتوفي ببلخ في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ومن شعره إذا كنت في دار القناعة ثاويا ** فذلك كنز في يديك عتيد وإن ساءك الآتي بما لا تريده ** فذلك هم لا يزال يزيد ولد في حدود سنة خمسين وأربعمائة ومات في سنة ثلاثين وخمسمائة في صفر ترجمه ابن باطيش تفقه على أبي بكر محمد بن ابي المظفر السمعاني وسمع من إسماعيل بن أحمد البيهقي وهبة الله بن عبد الوارث الحافظ وغيرهما سمع منه عبد الرحيم بن السمعاني مولده سنة بضع وستين وأربعمائة ومات في عشر الخمسين وخمسمائة سمع ابا الحسن أحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي وأبا إسحاق الشيرازي ومحمد ابن إسماعيل التفليسي وغيرهم ولد سنة اثنتين وستين وأربعمائة روى عنه ابن السمعاني وابنه عبد الرحيم وقال توفي في خامس شهر رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة الخطيب شيخ الصوفية بمرو مولده إما سنة إحدى وستين أو اثنتين وستين وأربعمائة وهو آخر من روى في الدنيا عن أبي الخيرمحمد بن أبي عمران سمع منه صحيح البخاري وسمع أيضا من أبي المظفر بن السمعاني وهبة الله بن عبد الوارث وغيرهما وتفقه على أبي المظفر بن السمعاني وحدث بالكثير روى عنه أبو سعد بن السمعاني وابنه عبد الرحيم بن أبي سعد ومسعود بن محمود المنيعي وشريفة بنت أحمد بن علي الغازي وغيرهم قال أبو سعد كان عالما حسن السيرة جميل الأمر سخيا مكرما للغرباء توفي في الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة إمام عارف بالمذهب سمع أبا الخير الصفار ومحمد بن الحسن المهر بندقشايي وجماعة صاحب كتاب الإكمال لما وقع في التنبيه من الإشكال والإجمال من أهل الري رئيسها وابن رؤسائها والمقدم على سائر الطوائف بها كان من كبار الفقهاء على مذهب الشافعي وذا مكانة رفيعة عند الملوك ومن شعره لكلب عقور أسود اللون حالك ** على صدر سوداء الذوائب كاعب أحب إليها من معانقة الذي ** له لحية بيضاء فوق الترائب توفي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ومولده سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة هذا مختصر من تاريخ ابن النجار لقد فاق في الآفاق كل موفق ** أفاق بها من سكرها صحابها فسل جامع الأموال فيها بحرصه ** أخلفها من بعده أم سرى بها هي الآل فاحذرها وذرها لأهلها ** وما الآل إلا لمعة من سرابها وكم أسد ساد البرايا ببره ** ولو نابها خطب إذا ما وني بها فأصبح فيها عبرة لأولى النهى ** بمخلبها قد مزقته ونابها وفي كتاب الطبقات الوسطى والصغرى محمد بن عبد الكريم بن أحمد بن طاهر الوزان لقي أبا إسحاق الشيرازي وتفقه على والده ثم على أبي بكر الخجندي بأصبهان وسمع ببغداد علي ابن النقور ومات في حدود سنة خمس وعشرين وخمسمائة بالري وهذا مختصر من كلام ابن السمعاني ولم يذكره ابن النجار وإنما ذكر من صدرنا الترجمة باسمه وعندي أن هذا جد ذاك فيكون صاحب الترجمة محمد بن عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم لا محمد بن عبد الكريم ابن أحمد ولكن وقع في تاريخ ابن النجار أحمد موضع محمد فليحرر ذلك والحاصل أنهما فقيهان ترجم المتأخر منهما ابن النجار ولم يترجم المتقدم وعكس ابن السمعاني وللمتأخر منهما شرح على وجيز الغزالبي صاحب كتاب الملل والنحل وهو عندي خير كتاب صنف في هذا الكتاب ومصنف ابن حزم وإن كان أبسط منه إلا أنه مبدد ليس له نظام ثم فيه من الحط على أئمة السنة ونسبة الأشاعرة إلى ما هم بريؤون منه ما يكثر تعداده ثم ابن حزم نفسه لا يدري علم الكلام حق الدراية على طريق أهله وللشهر ستاني أيضا كتاب نهاية الإقدام في علم الكلام وغيرهما كان إماما مبرزا مقدما في علم الكلام والنظر برع في الفقه والأصول والكلام وتفقه على أحمد الخوافي وأخذ أصول الكلام على الأستاذ أبي نصر بن الأستاذ أبي القاسم القشيري وقرأ الكلام أيضا على الأستاذ أبي القاسم الأنصاري قال ابن السمعاني ورد بغداد في سنة عشر وخمسمائة وأقام بها ثلاث سنين وكان بعظ بها ويظهر له قبول عند العوام وقد سمع بنيسابور من أبي الحسن علي بن أحمد المديني وغيره سألته عن مولده فقال سنة تسع وسبعين وأربعمائة ومات سنة ثمان وأربعين وخمسمائة هذا كلام ابن السمعاني في الذيل وقد حكاه ابن الصلاح في الطبقات ووقفت على الذيل وعندي منه نسختان فلم أجد في الترجمة زيادة على ما حكيت إلا أنه روى عنه حديثا وحكايتين مسندتين وذكر أنه سمعه يقول في المذاكرة سئلت ببغداد في المجلس عن موسى فقلت التفت موسى يمينا ويسار فما رأى من يستأنس به ولا جارا فآنس من جانب الطور نارا خرجنا نبتغي مكة ** حجاجا وعمارا فلما بلغ الحيرة ** حادى جملي حارا فصادفنا بها ديرا ** ورهبانا وخمارا هذا ملخص ما في ذيل ابن السمعاني وفي تاريخ شيخنا الذهبي أن ابن السمعاني ذكر أنه كان متهما بالميل إلى أهل القلاع يعني الإسماعيلية والدعوة إليهم والنصرة لطاماتهم وأنه قال في التجير إنه متهم بالإلحاد والميل إليهم غال في التشيع انتهى مختصرا فأما الذيل فلا شيء فيه من ذلك وإنما ذلك في التحبير وما أدري من أين ذلك لابن السمعاني فإن تصانيف أبي الفتح دالة على خلاف ذلك ويقع لي هذا دس على ابن السمعاني في كتابة التحبير وإلا فلم لم يذكره في الذيل لكن قريب منه قول صاحب الكافي لولا تخبطه في الاعتقاد وميله إلى أهل الزيغ والإلحاد لكان هو الإمام في الإسلام وأطال في النيل منه وقال كانت بيننا محاورات ومفاوضات فكان يبالغ في نصرة مذاهب الفلاسفة والذب عنهم هذا كلام الخوارزمي كان إماما فاضلا روى عن أبي البركات الفراوي وعبد الخالق الشحامي وسعد الخير محمد بن طراد الزينبي وغيرهم وتفقه بقزوين على ملكداد بن علي وبنيسابور على محمد بن يحيى وببغداد على أبي منصور بن الرزاز ذكره ولده الإمام الرافعي في كتاب الأمالي وأكثر فيه الرواية عنه وفرق ترجمته على المجالس التي روي عنه فيها فذكر في كل مجلس غير ما في المجلس المتقدم عنه وقال فيه والدي ممن خص بعفة الذيل وحسن السيرة والجد في العلم والعبادة وذلاقة اللسان وقوة الجنان والصلابة في الدين والمهابة عند الناس والبراعة في العلم حفظا وضبطا ثم إتقانا وبيانا وفهما ودراية ثم أداء ورواية قال وأقبلت عليه المتفقهة بقزوين فدرس وأفاد وصنف في الحديث والفقه والتفسير وكان جيد الحفظ سمعته يقول سهرت البارحة مفكرا فيما أحفظ من الأبيات المفردة والمقطوعات خاصة فذكر آلافا قال وحكي لي الحسين بن عبد الرحيم المؤذن وهو رجل صالح أن والدي خرج ليلة لصلاة العشاء وكانت ليلة مظلمة فرأيت نورا فحسبت أن معه سراجا فلما وصل إلي لم أجد معه شيئا فذكرت له فلم يعجبه وقوفي على حاله وقال لي أقبل علي شأنك قلت وسيأتي في ترجمة ولده ما يشبه هذه الحكاية فلعل نوع هذه الكرامة في الوالد والولد قال الرافعي ولعل الله أن يوفقني لما هممت به من جمع مختصر في مناقبه قلت وقد نقل عنه في الشرح في مواضع كثيرة منها التيمم و في الجنائز في موضعين والبيع والشهادات وفي الصلاة في إشارة الأخرس فيها نقل أن الغزالي أجاب في الفتاوى بأنها تبطل وأنه رأى بخط والده حكاية وجه أنها لا تبطل ثم حكى هو أعني الرافعي وجهين في المسألة في كتاب الطلاق وصحح عدم البطلان توفي والد الرافعي في شهر رمضان سنة ثمانين وخمسمائة من أولاد المهلب بن أبي صفرة على ما ذكر بعضهم صدر الدين الخجندي أبو بكر من أهل أصبهان كان رئيسها والمقدم عند السلاطين قدم بغداد وولي تدريس النظامية وكان يعظ بها وبجامع القصر وسمع بأصبهان أبا علي الحداد وغانم بن أحمد وأبا القاسم إسماعيل بن الفضل بن أحمد السراج وطبقتهم قال ابن السمعاني كان إماما فاضلا مناظرا فحلا واعظا مليح الوعظ سخي النفس جوادا قال وكان بالوزراء أشبه من العلماء ثم قال وكان يروي الحديث على رأس المنبر من حفظه قلت ومن شعره أنفق جسورا واسترق الورى ** ولا تخف خشية إملاق الناس أكفاء إذا قوبلوا ** إن فاق شخص فبإنفاق وكان موصوفا بحسن المناظرة وتحرير العبارة فيها وكان لرياسته يمشي وحوله السيوف خرج إلى أصبهان من بغداد فنزل قرية بين همذان والكرج نام في عافية وأصبح ميتا في الثاني والعشرين من شوال سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة قال ابن الأثير وقعت لموته فتنة عظيمة قتل فيها خلق بأصبهان ولد ولد المقدم ذكره كان يلقب بلقب جده صدر الدين قال ابن باطيش انتهت إليه رياسة الشافعية بأصبهان بعد موت أبيه ورد بغداد في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة واستوطنها وأنعم عليه الخليفة بما لم ينعم به على أحد من أمثاله وولي النظر في أوقاف النظاتمية وصار معظما ثم خرج مع الوزير مؤيد الدين بن القصاب متوجها إلى خوزستان ثم إلى أصبهان وملكها وأذن له في المقام بأصبهان وبها الأمير سنقر فجرت بينهما أمور أدت إلى الوحشة بينهما فيقال إنه دس على ابن الخجندي من قتله وذلك في إحدى الجماديين من سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وكان قد سمع شيئا من الحديث إلا أنه لم يبلغ سن الرواية ولد في نصف شعبان سنة ثلاث وستين وأربعمائة وسمع أبا الحسين بن النقور وطراد الزينبي وغيرهما وروى عنه الحافظ ابن العساكر وغيره وله تصانيف كثيرة قال ابن النجار به ختم فن التاريخ وله الذيل على تاريخ ابن جرير و الذيل على الذيل الذي عمله الوزير أبو شجاع لتاريخ ابن مسكويه وعنوان السير وأخبار الوزراء وطبقات الفقهاء توفي فجأة في شوال سنة إحدى وعشرين وخمسمائة صاحب الأحوال السنية مولده سنة ثمان وخمسين وقدم بغداد في صباه واستوطنها وقد أطال ابن النجار ترجمته وذكر أن بعضهم دون كلامه في التصوف وأنه من تلامذة أبي البقاء المبارك بن الخل وأنه حدث عنه ومن كلامه المحب بسطوة سلطان الجمال مغلوب وبحسام الحسن مضروب مأخوذ عنه مسلوب نجم رغبته غارب عن كل مرغوب طالع في آفاق الغيوب مصباح حبه يتوهج في زجاجة وجده بنار الوله بالمحبوب شهاب شوقه وكمده في قلبه وكبده ساطع في الألهوب ومن شعره إذا أفادك إنسان بفائدة ** من العلوم فأكثر شكره أبدا وقل فلان جزاه الله صالحة ** أفادنيها وألق الكبر والحسدا قال ابن النجار كان يتكلم على الناس في كل جمعة بعد الصلاة بجامع القصر يجلس على آجرتين ويقوم قائما إذا حمى في الكلام وسئل أنه يعمل له كرسي فأبى وكان زاهدا مخشوشنا مات في رجب سنة أربع وستين وخمسمائة ولد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وسمع الحديث من مكي بن علان الكرجي وأبي القاسم علي بن أحمد بن بيان الرزاز وأبي علي محمد بن سعيد بن نبهان الكاتب وأبي الحسن بن العلاف وغيرهم روى عنه ابن السمعاني وأبو موسى المديني وجماعة وصنف تصانيف في المذهب والتفسير ووقفت له على كتاب الذرائع في علم الشرائع وسأذكر منه مسائل إن شاء الله تعالى قال ابن السمعاني فيه أبو الحسن من أهل الكرج رأيته بها إمام ورع عالم عاقل فقيه مفت محدث شاعر أديب له مجموع حسن أفنى طول عمره في جمع العلم ونشره وكان شافعي المذهب إلا أنه كان لا يقنت في صلاة الصبح وكان يقول إمامنا الشافعي رحمه الله قال إذا صح الحديث فاتركوا قولى وخذوا بالحديث وقد صح عندي أن النبي ترك القنوت في صلاة الصبح قلت وكذلك رأيته قال في كتابه الذرائع القنوت في الصبح غير ثابت في الحديث بل منهي عنه ولم أرتض أنا منه ذلك فإنه يصنف الكتاب على مذهب الشافعي ثم يفتي فيه بخلاف مذهبه ظنا منه صحة الحديث وأمامه عقبتان في غاية الصعوبة صحة الحديث وهيهات إن الوصول إلى ذلك لشديد عليه عسير وكونه يصير مذهبا للشافعي وهو أيضا صعب وقد جاريت الشيخ الإمام الوالد في هذا وكان سببا لتصنيفه مصنفه المسمى بمعنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي وذكر كلام محمد بن عبد الملك هذا وأنه ترك لأجله قنوت الصبح ثم تبين له عدم صحته وأن النبي لم يترك قنوت الصبح وإنما ترك القنوت على رعل وذكوان وأطال الشيخ الإمام فيه وأطاب فلينظره من أراده قال ابن السمعاني وحكى لي الكرجي قال رأيت ليلة الشيخ أبا إسحاق في النوم فسلمت عليه وأردت أن أقبل يده فأعرض عني وامتنع فقلت له يا سيدنا أن من جملة غلمانك وأذكر المهذب من تصنيفك في الدرس فقال لي لم تركت القنوت في صلاة الصبح فقلت له إن الشافعي قال إذا صح الحديث فهو مذهبي وشرعت معه في شرح الحديث وهو يصغي إلي إلى أن تبسم في وجهي انتهى قلت وقد حكى الحافظ أبو محمد الدمياطى هذه الحكاية وذكر أن هذا الكرجي من أكابر أصحاب الشيخ أبى إسحاق ولعله أخذ ذلك من قوله أنا من غلمانك والمذكور لم يصحب أبا إسحاق ولا رآه وإنما اعتزى إليه لتدريسه كتابه وقد حكى لي والدي رحمه الله عن شيخه الدمياطي هذا فقلت له ليس الأمر كذلك ولم يكن والدي يعرف ترجمة هذا الكرجي فكتب عني هذا في كتابه معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي وقال قال لي ابني عبد الوهاب إنه ليس من أصحاب الشيخ أبي إسحاق ولكن من أصحاب أصحابه وكان يدرس كتابه وكان الوالد رحمه الله يعتمد ما أقوله فلذلك يعز إلي غالبا في تصانيفه ما كان يسمعه مني ويقع منه موقع الاستحسان أحسن الله جزاءه وقد ذكر هذا الشيخ في كتابه الذرائع أنه أخذ الفقه عن أبي منصور محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني عن الإمام أبي بكر عبد الله بن أحمد الزاذقاني عن الشيخ أبي حامد الإسفرايني ثم قال ابن السمعاني وله قصيدة بائية في السنة شرح فيها اعتقاده واعتقاد السلف تزيد على مائتي بيت قرأتها عليه في داره بالكرج قلت ثبت لنا بهذا الكلام إن ثبت أن ابن السمعاني قاله أن لهذا الرجل قصيدة في الاعتقاد على مذهب السلف موافقة للسنة وابن السمعاني كان أشعري العقيدة فلا نعترف بأن القصيدة على السنة واعتقاد السلف إلا إذا وافقت ما نعتقد أنه كذلك وهو رأى الأشعري إذا عرف هذا فاعلم أنا وقفنا على قصيدة تعزى إلى هذا الشيخ وتلقب بعروس القصائد في شموس العقائد نال فيها من أهل السنة وباح بالتجسيم فلا حيا الله معتقدها ولا حيى قائلها كائنا من كان وتكلم فيها في الأشعري أقبح كلام وافترى عليه أي افتراء ثم رأيت شيخنا الذهبي حكى كلام ابن السمعاني الذي حكيته ثم قال قلت أولها محاسن جسمي بدلت بالمعايب ** وشيب فودي شوب وصل الحبائب ومنها عقائدهم أن الإله بذاته ** على عرشه مع علمه بالغوائب ومنها ففي كرج الله من خوف أهلها ** يذوب بها البدعي يا شر ذائب يموت ولا يقوى لإظهار بدعة ** مخافة حز الرأس من كل جانب انتهى ما حكاه الذهبي وكان يتمنى فيما أعرفه منه أن يحكى الأبيات الأخر ذات الطامات الكبر التي سأذكرها لك ولكن يخشى صولة الشافعية وسيف السنة المحمدية وأقول أولا أني ارتبت في أمره هذه القصيدة وصحة نسبتها إلى هذا الرجل وغلب على طني أنها إما مكذوبة عليه كلها أو بعضها والذي يرجح أنها مكذوبة عليه كلها أن ابن الصلاح ترجم هذا الرجل وحكى كلام ابن السمعاني إلا فيما يتعلق بهذه القصيدة فلم يذكره فيجوز أن يكون ذلك قد دس في كتاب ابن السمعاني ليصحح به نسبة القصيدة إلى الكرجي وقد جرى كثير مثل ذلك ويؤيد هذه أيضا أن ابن السمعاني ساق كثيرا من شعره ولم يذكر من هذه القصيدة بيتا واحدا ولو كان قد قرأها عليه لكان يوشك أن يذكر ولو بعضها ويحتمل أن يكون له بعضها ولكن زيدت الأبيات المقتضية للتجسيم وللكلام في الأشاعرة ويؤيد ذلك أن القصيدة المشار إليها تزيد على المائتين وأربعين وابن السمعاني قال تزيد على المائتين وظاهر هذه العبارة أنها تزيد بدون عقد وأنها لو كانت مائتين وأزيد من أربعين لقال نزيد على المائتين وأربعين ويؤيده أيضا أن أبياتها غير متناسبة فإن بعضها شعر مقبول وأظنه شعره وبعضها وهو المشتمل على القبائح في غاية الرداءة لا يرضى به من يحسن الشعر وها أنا أحكي لك بعضها فأولها يقول محاسن جسمي شانها بالمعايب ** وشيب فودي شوب وصل الحبائب وأقبل شيبي والشبيبة أدبرت ** وقرب من أحزاننا كل غارب ومنها أيضا وليس يرد العمر ما قلت آهة ** ولا الحزن يدني قاصيات الشبائب وهذا كله شعر مقبول لا يصل إلى درجة الحسن ولا ينزل إلى درجة الرد كما يعرف ذلك من يذوق الأدب منها أيضا عقائدهم أن الإله بذاته ** على عرشه مع علمه بالغوائب وهذا من أسهل ما فيها وليس فيها ما ينكر معناه إلا قوله بذاته وهي عبارة سبقه إليها ابن أبي زيد المالكي في الرسالة إلا أنه بيت سمج مردود فإن قوله على عرشه مع علمه بالغوائب كلام لا ارتباط لبعضه ببعض فإنه لا ارتباط لعلم الغيب بمسألة الاستواء وقوله بالغوائب إن أراد جمع غيب فهو لحن فإن الغيب لا يثني ولا يجمع لأنه اسم جنس ولئن جمع فجمعه غيوب وإن أراد جمع غائبة لحن عليه ثم ساق أبياتا في اليدين والكيف والصوت والضحك ووضع القدم والأصابع والصورة والغيرة والحياء وأنحاء ذلك وليس فيه كبير أمر إلا أن جمعها دليل منه على محاولة التجسيم فإنها لم ترد في الشريعة مجموعة بل مفرقة وفي كل مكان قرينة ترشد إلى المراد فإذا جمعها جامع أضل ضلالا مبينا ثم ذكر التجسيم والتجهم والاعتزال والرفض والإرجاء وجمع الكل في بيتين فقال طرائق تجسيم وطرق تجهم ** وسبل اعتزال مثل نسج العناكب وفي قدر والرفض طرق عمية ** وما قيل في الإرجاء من نعب ناعب ثم قال وخبث مقال الأشعري تخنث ** يضاهي تلويه تلوي الشغازب يزين هذا الأشعري مقاله ** ويقشبه بالسم ياشر قاشب فينفي تفاصيلا ويثبت جملة ** كناقصه من بعد شد الذوائب يؤول آيات الصفات برأيه ** فجرأته في الدين جرأة خارب ويجزم بالتأويل من سنن الهدى ** ويخلب أغمارا فأشئم بخالب وهذا كلام من لا يستحيي من الله والغرض على كلامه لائح فإن أهل البدع الذين هم أهل البدع حقا بلا خلاف بين المحدثين والفقهاء هم المجسمة والمعتزلة والقدرية و هم المجسمة والجهمية والرافضة والمرجئة لم يشتغل بهم إلا في بيتين وأطال في الأشاعرة ولا يخفى أن الأشاعرة إنما هم نفس أهل السنة أو هم أقرب الناس إلى أهل السنة ثم إن قوله مقال الأشعري تخنث من ردىء الكلام ومن أعظم الافتراء ويعجبني من كلام الشيخ كمال الدين بن الزملكاني في رده على ابن تيمية قوله إن كانت الأشاعرة الذين فيهم القاضي أبو بكر الباقلاني والأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني وإمام الحرمين والغزالي وهلم جرا إلى الإمام فخر الدين مخانيث فليس بعد الأنبياء والصحابة فحل وأقول إن كان هؤلاء أغمارا والأشعري يخلبهم فليس بعد الأنبياء والصحابة فطن فيالله والمسلمين ثم قال يعني الأشعري ولم يك ذا علم ودين وإنما ** بضاعته كانت مخوق مداعب وفي هذا البيت من الكذب ما لا يخفى على لبيب فإن أحدا من الطوائف لم ينكر علم الأشعري بل اتفقوا على أنه كان أوحد عصره لا يختلف في ذلك لا من ينسبه إلى السنة ولا من ينسبه إلى البدعة وأما دينه فاتفقوا علىزهده وورعه ثم قال وكان كلاميا بالاحساء موته ** بأسوأ موت ماته ذو السوائب وهذا أيضا كذب ولم يبلغنا أنه مات إلا كما مات غيره من الصالحين ولم يمت بالأحساء ثم قال كذا كل رأس للضلالة قد مضى ** بقتل وصلب باللحى والشوارب كجعد وجهم والمريسي بعده ** وذا الأشعري المبتلى شر دائب فقبحه الله ما أجرأه على الله أي بلية ابتلى بها الأشعري وقد مات فراشه حتف أنفه ومات يوم بعد يوم مات والمسلمون باكون وأهل السنة ينوحون وأي صلب أو قتل كان وكيف يجمع بينه وبين جعد وجهم والمريسي وهؤلاء ثلاثة لا يختلف في بدعتهم وسوء طريقتهم وما أبرد هذا الشعر وأسمجه ثم قال هذا البيت معايبهم توفي على مدح غيرهم ** وذا المبتلى المفتون عيب المعايب فقبحه الله جعل شيخ السنة شرا من هؤلاء المبتدعين فهذا ما أردت حكايته منها ولو أمكن إعدامها من الوجود كان أولى والأغلب على الظن أنها ملفقة موضوعة وضع ما فيها من الخرافات من لا يستحي ثم أقول قبح الله قائلها كائنا من كان وإن يكن هو هذا الكرجي فنحن نبرأ إلى الله منه إلا أني على قطع بأن ابن السمعاني لا يقرأ هذه الأبيات ولا يستحل روايتها وقد بينت لك من القرائن الدالة على أنها موضوعة ما فيه كفاية توفي الكرجي سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وأورد ابن السمعاني كثيرا من شعره وكله لا بأس به وليس فيه إلا ما إذا وقف عليه أديب وعلى الأبيات القبيحة التي اشتملت عليها هذه القصيدة قضى بأن قائلها هذا غير قائل ذاك قال أبو الحسن الكرجي في كتابه الذرائع إن خلاف المعاطاة في البيع جار في الإجارة وهذا عزاه النووي في شرح المهذب إلى المتولي وآخرين وأنهم قالوا خلاف المعاطاة يجري في الإجارة والرهن والهبة قلت وينبغي أن يكون الأصح في الإجارة والرهن والمختار والراجح عدم الاكتفاء إذ لا عرف فيهما ولا عادة بخلاف البيع والهبة وذكر في كتاب الذرائع أنه يحرم أكل الشواء الذي يغطى حارا فيحتبس بخارة فيه لأنه سم قاتل وكل ما يستقذر في الغالب إلا الماء الآجن واللحم المنتن انتهى وقد حكى في الروضة وجها أيضا أنه يحرم أكل اللحم المنتن أيضا وأن العمراني قال إنه نجس على هذا الوجه ولم أر هذه الزيادة في كلام العمراني وما ذكره الكرجي في الشواء إن صح أنه قاتل فظاهر لا شك فيه قال ابن السمعاني إمام فاضل متدين حسن السيرة قليل الاختلاط بالناس تفقه على الغزالي ببغداد وسمع من أبي عبد الله الحميدي الحافظ قال ولقيته بأسفراين ودخلت عليه متبركا به مغتنما دعاه فكتبت عنه بيتين لا غير أنشدنيهما قال أنشدني أبو نصر عبد الرحيم القشيري لنفسه رب أخ سمته فراقي ** وكنت من قبل أصطفيه ذاك لأني ارتجيت راشدا ** فلاح أن لا فلاح فيه من بيت الفقه والرواية والقضاء ولد يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسمائة وتفقه على أسعد الميهني وأبي منصور بن الرزاز وسمع الحديث من هبة الله بن محمد بن الحصين وأبي السعادات بن المتوكل على الله والقاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وأبي منصور محمد بن عبد الملك ابن خيرون وأبي القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي سمع منه عمر بن علي القرشي وسعيد بن هبة الله ومحمد بن النفيس الأزجي وغيرهم وكانت له إجازة من ابن بيان الرزاز وولى القضاء بحريم دار الخلافة ثم عزل لأن سيرته على ما ذكر ابن النجار لم تحمد ودرس بالنظامية نيابة عند موت يوسف الدمشقي مات في الثاني عشر من ذي الحجة سنة خمس وثمانين وخمسمائة نزيل بغداد تفقه على إلكيا وسمع من هبة الله بن المبارك بن السفطي وغيره روى عنه ابن السمعاني وغيره وشروان بفتح الشين المعجمة وسكون الراء بفتح الواو وفي آخرها النون من نواحي دربند وعشير بفتح العين المهملة بعدها شين معجمة ثم ياء آخر الحروف ساكنة ثم راء توفي في شوال سنة تسع وثلاثين وخمسمائة تفقه على أسعد الميهني وعلى غيره وبرع في الفقه وتولى التدريس بمدرسة جد والده ثم عزل منها ثم أعيد وفوض إليه النظر في أوقافها وكان له جاه عريض وحرمة وافرة ثم عزل عنها ثانيا واعتقل مديدة ثم أفرج عنه فحج وعاد إلى بغداد ثم قدم دمشق ودرس يالغزالية وأقام بها إلى حين وفاته سمع الحديث من أبي منصور بن خيرون وأبي الوقت السجزي وأبي زرعة طاهر بن محمد المقدسي قال ابن النجار وما أظنه روى شيئا لأنه مات شابا مات سنة إحدى وستين وخمسمائة من أهل بغداد سمع أبا الخطاب بن البطر والحسين بن أحمد بن طلحة وأبا الفضل بن خيرون وغيرهم روى عنه الحافظ أبو سعد بن السمعاني وقال شيخ فاضل ثقة دين خير له معرفة تامة بالفرائض والحساب وكان له دكان في سوق الريحانيين يبيع فيه العطر والأدوية وكان الفقهاء يقرأون عليه الفرائض في دكانه قال وكانت ولادته في ذي الحجة سنة تسع وسبعين وأربعمائة هذا كلام ابن السمعاني في الأنساب وزاد في الذيل أنه ركبه دين فخرج إلى بلاد الموصل ثم خرج منها إلى بعض ثغور أذربيجان ومات بها قال ابن النجار قرأت بخط أبي الفضل أحمد بن صالح بن شافع الشاهد اتصل بنا الخبر بوفاة هذا الرجل بخلاط في سنة خمس وخمسين وخسمائة قيل في رجب قال ابن الصلاح فاضل وابن فاضل وأبو فاضل فهو ابن القاضي علي الميانجي وأبو عين القضاة عبد الله صحب الشيخ أبا إسحاق الشيرازي وقال ابن السمعاني في الأنساب إنه ولي القضاء بهمذان قال وكان فاضلا ذكيا حسن الظاهر روى لنا عنه أبو الفتوح محمد بن أبي جعفر الطائي بهمذان قال الحافظ محمد بن طاهر المقدسي في المنثورات سمعت القاضي محمد بن علي الميانجي بهمذان يقول كنت مع أبي إسحاق الفيروزاباذي بنيسابور فلما كان يوم النظر سأله بعض المتفقهة عن مسألة فأجاب فطالبه بالدليل وكان أبو المعالي ابن الجويني حاضرا فقال قوله ( وإذنها صماتها ) فقال أبو المعالي لم أستدل قط بهذا الحديث في هذا المسألة لأني لم أعرف صحته فالآن أستدل به فيما بعد لا ستدلال الشيخ به قال ابن الصلاح لعله عني صحة الاستدلال لا صحة الحديث في نفسه فإنه لا يحسن فيه مثل هذا منه قلت والدليل على أنه لم يعن غير ذلك قوله لم أستدل به قط في هذه المسألة فإن هذا القيد يفهم أنه يستدل به في غيرها ولو كان عدم استدلاله به لضعفه لم يستدل به لا فيها ولا في غيرها وفي ترجمة الشيخ أبي إسحاق عن بعضهم أن الشيخ حين خرج إلى خراسان رسولا صحبة جماعة من أصحابه الفضلاء منهم علي الميانجي وإنما أراد ابن علي الميانجي هذا فغلط في اسمه فإن عليا الميانجي مات قبل ذلك سنة إحدى وسبعين وجاوان قبيلة من الأكراد سكنوا الحلة وقد كني بأبي عبد الله أيضا تفقه ببغداد على الغزالي والشاشي وإلكيا وبرع وتميز وسمع من أبي عبد الله الحميدي وأبي سعيد عبد الواحد ابن الأستاذ أبي القاسم القشيري وأبي بكر الشامي القاضي وقرأ المقامات على مؤلفها القاسم الحريري وله شرح المقامات وعيوب الشعر والفرق بين الراء والغين وحدث بكتاب الجام العوام للغزالي عنه ومن شعره سلام علىعهد الهوى المتقادم ** وأيامنا اللاتي بجرعاء جاسم ودار ألفنا الوجد فيها ومسكن ** نعمنا به مع كل حوراء ناعم مرابع أنسي في الهوى ومنازل ** للهو الصبا والوصل راسي الدعائم قال ابن النجار بلغني أن مولده في سنة ثمان وستين وأربعمائة ولم يؤرخ وفاته ولهم محمد بن علي بن عبد الله أبو عبد الله العراقي البغدادي من تلامذة الغزالي والشاشي وإلكيا وأبي بكر الشامي لقيه المحدث أبو الفوارس الحسن بن عبد الله بن شافع الدمشقي بإربل وسمع منه ذكر شيخنا الذهبي أنه بقي إلى بعد الأربعين وخمسمائة فلا أدري هل هو هذا أو غيره من أهل جيان إحدى بلاد الأندلس دخل ديار مصر والشام والعراق وخراسان وما وراء النهر ولقي الأئمة وتفقه بسنجار حتى مهر في المذهب والخلاف والجدل ثم اشتغل بالحديث وسكن بلخ مدة ثم عاد إلى بغداد بعد فتنة الغز وتوجه إلى مكة وحج وانصراف إلى الشام واستوطن مدينة حلب إلى أن توفي بها سمع بدمشق أبا الحسن علي بن المسلم السلمي وببغداد أبا القاسم بن الحصين وبنيسابور أبا القاسم سهل بن إبراهيم المسجدي وبمرو أبا منصور محمد بن علي الكراعي روى عنه أبو المظفر عبد الرحيم بن السمعاني وغيره توفي بحلب في سنة ثلاث وستين وخمسمائة من آمل طبرستان كان زاهدا منقطعا في بعض الجزائر وحده سنين عديدة ثم رجع إلى آمل وتوفي بها ليلة الأحد لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وقبره معروف هناك يزار ويتبرك به وقد ولد سابع عشر جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وأربعمائة ترجمه ابن باطيش من أهل بروجرد قدم بغداد وتفقه على أسعد الميهني ثم سافر إلى خراسان وأقام بمرو مدة يتفقه حتى برع وسمع الحديث هناك من جماعة ثم صحب الشيخ يوسف بن أيوب الزاهد وسلك طريق الزهد والخلوة والانقطاع إلى الله تعالى وحج مولده سنة أربع وتسعين وأربعمائة ومات سنة خمس وخمسين وخمسمائة صاحب كتاب احترازات المهذب وله كتاب آخر في مستغرب ألفاظه وفي أسماء رجاله وله مصنف حافل في الفرائض كان من أهل اليمن فقيه فاضل صنف كتبا مات بالرحبة بكرة الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة سبع وسبعين وخمسمائة عن ثمانين سنة أرخه ابن باطيش بتشديد اللام وكسر الراء والزاي نسبة إلى لارز قرية من طبرستان أبو جعفر قال ابن السمعاني شاب صالح دين حريص على طلب الحديث قال وسمع بنيسابور أبا سعد الحيري وعبد الغفار الشيروي وببلدة آمل أبا المحاسن الروياني وغيرهم روى عنه ابن كامل المبارك الخفاف وكانت وفاته ببغداد في تاسع عشر المحرم سنة ثماني عشرة وخمسمائة بالمارستان العضدي قاضي قضاة الشام محيي الدين أبو المعالي ابن قاضي القضاة زكي الدين بن قاضي القضاة المنتخب ابن قاضي القضاة أبي الفضل القرشي العثماني على ما يذكرون ابن الزكي ولد سنة خمسين وخمسمائة وقرأ المذهب على جماعة وسمع من والده وعبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني والصائن هبة الله ابن عساكر وجماعة روى عنه شهاب القوصي والمجد ابن عساكر وجماعة وحدث عنه بالإجازة أحمد بن أبي الخير وكان فقيها أديبا منشئا بليغا فصيحا قال أبو شامة كان عالما صارما حسن الخط واللفظ وشهد فتح بيت المقدس فكان أول من خطب بالمسجد الأقصى بعد ما تطاول كثير من الحاضرين لها فلم يتقدم عليه غيره وأتى بتلك الخطبة البديعة المفتتحة بتحميدات الكتاب العزيز ثم قال الحمد لله معز الإسلام بنصره ومذل الشرك بقهره إلى آخر الخطبة وكان له من العمر يومئذ ثلاث وثلاثون سنة وكان يتولى نظر الجامع الأموي بنفسه واسمه إلى الآن موجود على يمين قبة النسر بخط كوفي بفص أبيض وهو ظاهر في الجهة الشرقية فيه أن ذلك فصص في مباشرته وكان قوي النفس ناب في أول أمره في الحكم عن ابن عصرون ثم تظاهر بترك النيابة فأرسل السلطان صلاح الدين إلى ابن أبي عصرون وأمره أن يضرب على علامته في مجلس حكمه ففعل به ذلك فلزم بيته حياء وطلب ابن أبي عصرون من ينوب عنه فأشير عليه بالخطيب ضياء الدين الدولعي فأرسل إليه خلعة النيابة فلم يقبل فأرسلها إلى جمال الدين بن الحرستاني فقبل وناب عنه واستمر ابن الزكي ملازما لبيته إلى أن توفي ابن أبي عصرون فولاه السلطان القضاء وعظمت رتبته عنده ثم اضطرب حاله في آخر عمره وجرت له قضية مع الإسماعلية بسبب قتل شخص منهم فلذلك فتح بابا سريا إلى الجامع من داره التي بباب البريد لأجل صلاة الجمعة توفي سابع شعبان سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وله ثمان وأربعون سنة الفقيه الزاهد الجزري تفقه على إلكيا أبي الحسن الهراسي ببغداد وعاد إلى بلده الجزيرة العمرية واستقر بزاوية له معروفة به في الجزيرة قال ابن باطيش وظهرت له آثار جميلة وكرامات كثيرة قال وله أصحاب فيهم كثرة قال وتوفي في ديار بكر في سنة نيف وأربعين وخمسمائة صاحب التصانيف ولد في ذي القعدة سنة إحدى وخمسمائة وسمع حضورا في سنة ثلاث باعتناء والده من أبي سعد محمد بن محمد المطرز ومات المطرز تلك السنة وسمع أيضا من أبي منصور محمد بن عبد الله بن مندوية الشروطي وغانم البرجي وأبي علي الحداد وأبي الفضل محمد بن طاهر الحافظ وأبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ وبه تخرج وهبة الله بن الحصين وفاطمة الجوزدانية وأبي العز بن كادش وخلق كثير ببلده وببغداد وهمذان روى عنه الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي والحافظ عبد الغني والحافط عبد القادر الرهاوي والحافظ محمد بن مكي والحسن بن أبي معشر الأصبهاني والناصح بن الحنبلي وخلق كثير ومن مصنفاته الكتاب المشهور في تتمة معرفة الصحابة الذي ذيل به علي أبي نعيم وكتاب الأخبار الطوالات مجلد وكتاب تتمة الغريبين وكتاب اللطائف في المعارف وكتاب الوظائف وكتاب عوال التابعين وغير ذلك وعرض من حفظه كتاب علوم الحديث للحاكم علي إسماعيل الحافظ قال ابن الدبيثي عاش حتى صار أوحد وقته وشيخ زمانه إسنادا وحفظا وقال ابن النجار انتشر حفظه وعلمه في الآفاق وكتب عنه الحفاظ واجتمع له ما لم يجتمع لغيره من الحفظ والعلم والثقة والإتقان والدين والصلاح وسديد الطريقة وصحة الضبط والنقل وحسن التصانيف قال وتفقه على أبي عبد الله الحسن بن العباس الرستمي قال ومهر في النحو واللغة قال وسمعت أبا عبد الله بن خمارتاش يقول كان الحافظ أبو مسعود كوتاه يقول أبو موسى كنز مخفي وقال الحافظ عبد القادر الرهاوي حصل من المسموعات بأصبهان خاصة ما لم يتحصل لأحد في زمانه وانضم إلى كثرة مسموعاته الحفظ والإتقان قال وتعففه الذي لم نره لأحد من حفاظ الحديث في زماننا له شيء يسير يتربح به وينفق منه ولا يقبل من أحد شيئا قط وقال الحسين بن يوحن بن النعمان الباوري كنت في مدينة الخان فجاءني رجل فسألني عن رؤيا قال رأيت كأن رسول الله توفي فقلت هذه رؤيا الكبار وإن صدقت رؤياك يموت إمام لا نظير له في زمانه فإن هذا المنام رؤى حالة وفاة الشافعي والثوري وأحمد بن حنبل قال فما أمسينا حتى جاءنا الخبر بوفاة الحافظ أبي موسى وعن عبد الله بن محمد الخجندي لما دفن أبو موسى لم يكادوا يفرعون حتى جاء مطر عظيم في الحر الشديد وكان الماء قليلا بأصبهان قال وكان الحافظ أبو موسى قد ذكر في آخر إملاء أملاه أنه متى مات في كل أمة من له منزلة عند الله رفيعة بعث الله سحابا يوم موته علامة للمغفرة له ولمن صلى عليه فوقع له ذلك عند موته كما كان حدث في حياته توفي رحمه الله بأصبهان يوم الأربعاء منتصف النهار تاسع جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ودفن بالمصلى خلف محراب الجامع قال أبو البركات محمد بن محمود الرويدشتي وصنفت الأئمة في مناقبه تصانيف كثيرة نقل ابن الأثير أن أبا موسى الحافظ رحمه الله حدث عن مكي بن أحمد البردعي عن إسحاق بن إبراهيم الطوسي أنه قال رأيت سرباتك ملك الهند بمدينة قنوج فقال لي أتت علي تسعمائة سنة وخمس وعشرون سنة وزعم أن رسول الله أرسل إليه كتابا مع عشرة من أصحابه فيهم أسامة وحذيفة وسفينة وصهيب وعمرو ابن العاص وأبو موسى الأشعري وأنه قبل كتاب رسول الله وأسلم قلت سرباتك بكسر السين المهملة ثم راء ساكنة ثم باء موحدة وبعدها ألف ساكنة ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة وقد أنكر ابن الأثير على أبي موسى ذكره لهذا في الصحابة وهو موضع الإنكار علي مثل أبي موسى ولد بقرية راونير من ناحية أرغيان سنة تسعين وأربعمائة ذكره ابن السمعاني في التحبير ولم يؤرخ وفاته وقال فقيه فاضل عارف بالمذهب حافظ له مناظر حسن السيرة دين ورع تفقه على الإمامين عمر بن محمد السرخسي وإبراهيم المروروذي وأقام بمرو مدة ثم انتقل إلى نيسابور وولى إمامة مسجد عقيل بعد عمه وبقي يعظ الناس سمع أبا بكر الشيروي وغيره قال سمعت منه أحاديث يسيرة بنيسابور من الفقهاء العباد تفقه بمرو علي البغوي وحدث عنه بالأربعين الصغرى له رواها عنه عبد الرحيم بن السمعاني توفي في شعبان سنة ست وخمسين وخمسمائة وله بضع وسبعون سنة من أهل أرمية ولد في صفر سنة تسع وخمسين وأربعمائة ببغداد وسمع صغيرا من أبي جعفر بن المسلمة وأبي الحسين بن المهتدي بالله وعبد الصمد بن المأمون وتفرد عنهم بالسماع وسمع أيضا من أبي الحسين بن النقور وأبي نصر الزينبي وغيرهما حدث عنه ابن عساكر والسلفي وابن السمعاني وعبد الخالق بن أسد وعمر ابن طبرزد وأسعد بن المنجا وخلائق آخرهم الفتح بن عبد السلام وكان أسند من بقي ببغداد فقيها فاضلا من تلامذة أبي إسحاق الشيرازي قال ابن السمعاني هو فقيه إمام متدين ثقة صالح حسن الكلام في المسائل كثير التلاوة للقرآن قلت وولي قضاء دير العاقول مدة ومات في رجب سنة سبع وأربعين وخمسمائة الملقب بفقيه الحرم مولده تقديرا سنة إحدى وأربعين وأربعمائة بنيسابور وسمع صحيح مسلم من عبد الغافر الفارسي وسمع جزء ابن نجيد من عمر بن مسرور وسمع من شيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني أجاز له وسمع منه في هذه السنة التي قلنا إنه ولد تقديرا فيها وسمع أيضا من أبي سعد الكنجروذي وأبي بكر البيهقي وسعيد العيار وأبي القاسم القشيري وأبي سهل الحفصي وأبي عثمان سعيد بن محمد البحيري وأبي يعلى إسحاق أخي الصابوني والشيخ أبي إسحاق الشيرازي لما قدم إلى نيسابور رسولا وإمام الحرمين أبي المعالي الجويني وببغداد من أبي نصر الزينبي وعاصم بن الحسن وقد أخل ابن النجار بذكره في الذيل مع ذكر ابن السمعاني له وتفرد بمسلم وبدلائل النبوة للبيهقي والأسماء والصفات له والدعوات له والبعث له روى عنه أبو سعد بن السمعاني وقال إمام مفت مناظر واعظ حسن الأخلاق والمعاشرة كثير التبسم مكرم للغرباء ما رأيت في شيوخي مثله والحافظ أبو القاسم بن عساكر وأبو العلاء الهمذاني وأبو الحسن المرادي ومحمد بن علي بن ياسر الجياني ومحمد بن علي بن صدقة الحراني وأحمد بن إسماعيل القزويني وأبو سعيد عبد الله بن عمر الصفار وعبد الرحيم بن عبد الرحمن الشعري ومنصور بن عبد المنعم الفراوي وخلق آخرهم وفاة المؤيد الطوسي ذكره عبد الغافر في السياق فقال فيه فقيه الحرم البارع في الفقه والأصول الحافظ للقواعد نشأ بين الصوفية ووصل إليه بركات أنفاسهم درس على زين الإسلام القشيري الأصول والتفسير ثم اختلف إلى مجلس إمام الحرمين ولازم درسه ما عاش وتفقه عليه وعلق عنه الأصول وصار من جملة المذكورين من أصحابه وحج وعقد المجلس ببغداد وسائر البلاد وأظهر العلم بالحرمين وكان منه بهما أثر وذكر ونشر العلم وعاد إلى نيسابور وما تعدى قط حد العلماء ولا سيرة الصالحين من التواضع والتبذل في الملابس والمعاش وتستر بكتابة الشروط لاتصاله بالزمرة الشحامية مصاهرة ودرس بالمدرسة الناصحية وأم بمسجد المطرز وعقد مجلس الإملاء يوم الأحد وله مجالس الوعظ المشحونة بالفوائد والمبالغة في النصح وحدث بالصحيحين وغريب الخطابي وغير ذلك والله يزيد مدته ويفسح في مهلته إمتاعا للمسلمين بفائدته وقال أبو سعد بن السمعاني سمعت عبد الرشيد بن علي الطبري بمرو يقول الفراوي ألف راوي قال أبو سعد وسمعت الفراوي يقول كنا نسمع مسند أبي عوانة علي أبي القاسم القشيري وكان يحضر رجل من المحتشمين يجلس بجنب الشيخ وكان القارىء أبي فاتفق أنه بعد قراءة جملة من الكتاب انقطع ذلك المحتشم يوما وخرج الشيخ على العادة وكان في أكثر الأوقات يخرج ويقعد وعليه قميص أسود خشن وعمامة صغيرة وكنت أظن أن والدي يقرأ الكتاب على ذلك الرئيس فشرع أبي في القراءة فقلت يا سيدي على من تقرأ والشيخ ما يحضر فقال وكأنك تظن أن شيخك ذلك الشخص قلت نعم فضاق صدره واسترجع وقال يا بني شيخك هذا القاعد وعلم ذلك المكان ثم أعاد لي من أول الكتاب إليه قال أبو سعد سمعت عبد الرزاق بن أبي نصر الطبسي يقول قرأت صحيح مسلم على الفراوي سبع عشرة نوبة ففي آخر الأيام قال لي إذا أنا مت أوصيك أن تحضر غسلي وأن تصلي أنت بمن في الدار وأن تدخل لسانك في في فإنك قرأت به كثيرا حديث رسول الله قلت أملي الفراوي أكثر من ألف مجلس وانفرد بعلو الإسناد مع البصر بالعلم والديانة المتينة قال ابن السمعاني وأذكر أنا خرجنا في رمضان سنة ثلاثين وحملنا محفته على رقابنا إلى قبر مسلم بن الحجاج بنصر أباذ لإتمام الصحيح عند قبر المصنف فبعد أن فرغ القارىء من قراءة الكتاب بكى ودعا وأبكى الحاضرين وقال لعل هذا الكتاب لا يقرأ علي بعد هذا وكان قوله هذا في شهر رمضان وما قرىء عليه الكتاب بعد ذلك بل توفي في شوال ضحوة يوم الخميس الحادي والعشرين من سنة ثلاثين وخمسمائة ودفن عند ابن خزيمة
أحد الأئمة المشمرين في العباد الناصرين للسنة الصابرين على ما ينوبهم من الاذى في ذلك مولده في سنة أربع وسبعين وأربعمائة بأسفراين سمع بنيسابور أبا الحسن المديني وبهمذان شيرويه بن شهردار وغيرهما روى عنه الحافظان ابن عساكر وابن السمعاني وغيرهما قال ابن عساكر هو آخر من رأيته أفصح لسانا وأكثرهم فيما يورد إعرابا وإحسانا وأسرعهم عند السؤال جوابا وأسلسهم عند الإيراد خطابا مع ما رزق بعد صحة العقيدة من السجايا الكريمة والخصال الحميدة من قلة المراآة لأبناء الدنيا وعدم المبالاة بذوي الرتب العليا والإقبال على إرشاد الخلق وبذل النفس في نصرة الحق والصلابة في الدين وإظهار صحة اليقين وما ينضاف إلى هذه الشيم من سعة النفس وشدة الكرم والتحلي بالتصوف والزهادة والتخلي لوظائف العبادة والاستحقاق لوصف السيادة والفوز في آخر عمره بالشهادة وقال ابن السمعاني إمام واعظ حلو الكلام حسن الوعظ فصيح العبارة ظريف الجملة وقال ابن النجار كان من أفراد الدهر في الوعظ فصيح العبارة ظريف الإشارة حلو الإيراد وكان أوحد وقته في مذهب الأشعري وله في التصوف قدم راسخ وكلام دقيق صنف في الحقيقة كتبا منها كشف الأسرار وبيان التقلب وبث الأسرار وعد غير ذلك قال وورد بغداد سنة خمس عشرة وظهر له القبول التام من الخاص والعام وكان يتكلم على مذهب الأشعري فثارت عليه الحنابلة ووقعت فتن فأمر المسترشد بإخراجه فخرج إلى أن ولي المقتفى فعاد واستوطن بغداد فلم يزل يعظ ويظهر مذهب الأشعري إلى أن عادت الفتن على حالها فأخرج ثاني مرة وأدركه أجله قال الحافظ بلغني أنه لماوقعت له الواقعة ببغداد اجتمعت إليه جماعة من أصحابه وشكو إليه ما يتوقعونه من وحشة فراقه فقال لعل في ذلك خيرة قال فكان كما قال خرج من بغداد متوجها إلى خراسان فأصابه مرض البطن فمات غريبا مبطونا شهيدا ودفن ببسطام إلى جنب قبر أبي يزيد البسطامي في شهور سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وحكى جماعة من أهل بسطام أن قيم مسجد أبي يزيد رآه في المنام وهو يقول له غدا يجيء أخي ويكون في ضيافتي فقدم الشيخ أبو الفتوح وعمل له وقت وأقام ثلاثة أيام ببسطام ثم مات قال وبلغني من وجه آخر أن قيم مسجد أبي يزيد رأى أبا يزيد في النوم في الليلة التي في صبيحتها دفن الإمام أبو الفتوح وهو يقول له غدا يقبر إلى جنبي رجل صالح فاحفر له قبرا فأصبح القيم وحفر القبر وتلقى الصحبة التي قدم به فيها فوجده قد مات فدفنه إلى جنبه ومن وجه آخر رأى أبا يزيد يكنس الرباط ويملأ الآنية التي فيه ماء فقلت أنا أكفيك فقال إنه يقدم في غد ضيف أحب أن أتولى خدمته فاسيقظت فوجدت الآنية ملأى ماء وقدم الشيخ أبو الفتوح قال الحافظ وسمعت خطيب بسطام يقول نزلت في حفرة الشيخ أبي الفتوح فكان بين حافتي القبر وصدري أربع أصابع فتناولته وتحيرت من الضيقة فإذا أنا بعد ذلك بسعة كثيرة في القبر وكأنه أخذ من يدي فأخذني الغشي وأصعدت من القبر وأنا لا أعقل وقال ابن السمعاني وقد ذكره إمام واعظ حلو الكلام حسن الوعظ فصيح العبارة ظريف الجملة ومارشك بفتح الميم بعدها ألف ساكنة ثم راء مكسورة ثم كاف من قرى طوس وهو من نجباء تلامذة الغزالي سمع أبا الفتيان الرواسي ونصر الله بن أحمد الخشنامي وأبا عمرو عثمان بن محمد الطرازي وغيرهم سمع منه ابن السمعاني وولده عبد الرحيم بن السمعاني قال أبو سعد برع في الفقه وكان مصيبا في الفتاوى حسن الكلام في المسائل عارفا بالأصول قلت وهو شيخ الشيخ شهاب الدين أحمد الطوسي وكان يلقب بالفخر توفي يوم عيد الفطر أو في رمضان سنة تسع وأربعين وخمسمائة في فتنة الغز قيل مات من شدة الخوف قاضي الخافقين كذا كان يلقب ولد بإربل سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة أو سنة أربع وتفقه ببغداد على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وسمع منه ومن أبي نصر الزينبي وعبد العزيز بن علي الأنماطي وأبي بكر بن خلف الشيرازي وأبي حامد أحمد بن محمد الشجاعي وغيرهم ببغداد وبلاد خراسان روى عنه ابن السمعاني وابن عساكر وعمر بن طبرزد وجماعة ولي القضاء بعدة بلاد من بلاد الجزيرة والشام قال ابن السمعاني كان أحد الفضلاء المعروفين توفي ببغداد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة تفقه على أبي إسحاق الشيرازي وكان من أعيان تلامذته وكان صهرا لفخر الإسلام أبي بكر الشاشي وخالا لأولاده ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة وولي قضاء البصرة والتدريس بالمدرسة النظامية حدث بيسير عن شيخه أبي إسحاق روى عنه ولده القاضي أبو المعالي محمد توفي بالبصرة ليلة الجمعة ودفن يوم الجمعة حادي عشر رجب سنة ثلاث وخمسمائة أحد أئمة المذهب ولد سنة خمس وسبعين وأربعمائة وحدث عن أبي عبد الله النعالي وأبي الخطاب نصر بن البطر وثابت بن بندار وأبي عبد الله البسري وجعفر السراج وأبي بكر الطوسي وأبي غالب الباقلاني وأبي الحسين بن الطيوري وآخرين روى عنه عبد الخالق بن أسد وأبو سعد بن السمعاني وأحمد بن طارق الكركي والفتح بن عبد السلام وجماعة آخرهم وفاة أبو الحسن القطيعي وتفقه على فخر الإسلام الشاشي وصنف توجيه التنبيه وهو أول شرح وضع على التنبيه وكان بديع الخط يتحيل الناس على أخذ خطة في الفتاوى لحسن خطه لا للحاجة للفتيا قال ابن السمعاني هو أحد الأئمة الشافعية ببغداد برع في العلم وهو مصيب في فتاويه وله السيرة الحسنه والطريقة الجميلة خشن العيش تارك للتكلف على طريقة السلف حلس مسجده الذي بالرحبة لا يخرج منه إلا بقدر الحاجة وقال ابن النجار كان إماما كبيرا في معرفة المذهب ونقل نصوص الشافعي ووجوه أصحابه وله في النظر والخلاف اليد الباسطة وكان من الورع والزهد والتقشف في غاية وقال ابن السمعاني هو الذي تفرد بالفتوى السريجية الساعة ببغداد قلت كان قد تلقى المسألة السريجية من شيخه فخر الإسلام الشاشي وفخر الإسلام تلقى ذلك من شيخه أبي إسحاق الشيرازي وأبو إسحاق تلقى ذلك من شيخه القاضي أبي الطيب وقد خرج أبو الرضا أحمد بن طارق بن سنان الكركي لابن الخل مشيخة عن كل شيخ حديث واحد بالسماع وقع لنا منها بعلو الجزء الأول ومن شعر ابن الخل من أبيات بلغه عني بأني بعد فرقته ** ماء الشؤون شرابي والضنا زادي يا منية النفس لا تنسى مودة من ** في قلبه منك هم رائح غاد توفي في المحرم سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة أخبرنا . . . . سافر إلى خراسان وجال في بلادها واستوطن بالآخرة أسفراين إلى أن توفي بها سمع جعفرا السراج وأبا القاسم ابن بيان وحدث بنيسابور روى عنه ابن عساكر وابن السمعاني وله شعر حسن وتفقه على إلكيا الهراسي توفي بأسفراين سنة أربع وأربعين وخمسمائة بضم الهمزة واللام العماد الكاتب ويعرف بابن أخي العزيز من أهل أصبهان من بيت الرياسة والسؤدد وهو أحد من مهر في الأدب نظما ونثرا وشاع فيه اسمه ولد بأصبهان في ثاني جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وخمسمائة وقدم بغداد فتفقه على أبي منصور بن الرزاز وأتقن الخلاف والنحو والأدب وسمع من ابن الرزاز وأبي منصور ابن خيرون وأبي الحسن علي بن عبد السلام وأبي بكر بن الأشقر وأبي القاسم علي ابن الصباغ وطائفة وأجاز له أبو القاسم بن الحصين وأبو عبد الله الفراوي ثم عاد إلى أصبهان وتفقه بها أيضا علي أبي المعالي الوركاني ومحمد بن عبد اللطيف الخجندي ثم عاد إلى بغداد واشتغل بصناعة الكتابة وقدم مصر وسمع من السلفي وغيره روى عنه ابن خليل والشهاب القوصي والعز عبد العزيز بن عثمان الإربلي والشرف محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري والتاج القرطبي وآخرون ورد إلى دمشق في أيام الملك نور الدين ودرس بالمدرسة العمادية ثم عاد إلى العراق ثم لما أخذ صلاح الدين الشام عاد إليها ومدحه ولزم ركابه إلى أن استكتبه وصار يضاهي الوزراء ومرتبته تضاهي مرتبة القاضي الفاضل وإذا انقطع الفاضل بشغل يعرض لازم هو السلطان ولم يزل عند السلطان صلاح الدين في أعز جانب وأنعم نعمة والدنيا تخدمه والأرزاق يتصرف فيها لسانه وقلمه إلى أن توفي السلطان صلاح الدين وبارت سوق العلم والدين بوفاته استوطن دمشق ولزم مدرسته العمادية ومن تصانيفه الخريدة والبرق الشامي والفتح القدسي وغير ذلك قال ابن النجار وكان من العلماء المتقنين فقها وخلافا وأصولا ونحوا ولغة ومعرفة بالتواريخ وأيام الناس قال وكان من محاسن الزمان لم تر العيون مثله ثم وصفه بالأدب وصفا كثيرا وهو فيه كما قال وأزيد وأكثر ما يعاب عليه كثرة استعماله للجناس لا سيما في النثر بحيث تضيق به الأنفاس ويكاد لا يترك للفظة الواحدة مجالا وإنما يحسن الجناس إذا خف على القلب واللسان ولم يتعد المرتين وقد ذكره صاحبنا شيخ الأدب القاضي صلاح الدين خليل بن أبيك الصفدي رحمه الله وقال بعد أن ذكر قدرته على كل من النظم والنثر أرى أن شعره ألطف من نثره لإكثار الجناس في نثره وأما النظم فكان الوزن فيه يضايقه فلا يدعه يتمكن من الجناس ثم ذكر من كلام العماد الخالي عن الجناس قوله فلما أراد الله الساعة التي جلاها لوقتها والآية التي لا أخت لها فنقول هي أكبر من أختها أفضت الليلة الماطلة إلى فجرها ووصلت الدنيا الحامل إلى تمام شهرها وجاءت بواحدها الذي تضاف إليه الأعداد وملكها الذي له الأرض بساط والسماء خيمة والحبك أطناب والجبال أوتاد والشمس دينار والقطر دراهم والأفلاك خدم والنجوم أولاد وقال هذا لما كان خاليا من الجناس عذب في السمع وقعه واتسع في الإحسان صقعه ورشفه اللب مدامه وكان عند من له ذوق أطيب من تغريد حمامه ثم ذكر من كلامه المشتمل على الجناس قوله من جواب مكاتبة فوقف الخادم عليه وأفاض في شكر فيض فضله المستفيض وتبلج وجه وجاهته وتأرج نبأ نباهته ما عرفه من عوارفه البيض ثم قال فانظر إلى قلق هذا التركيب وتعسفه في هذا الترتيب قلت والأمر كما وصف ولقد يمج سمعي فواتح أبواب الخريدة لما يكثر فيها الجناس ورد العجز على الصدر ولكن قد يقع له الجناس المطبوع وأكثر ما يكون ذلك في شعره كقوله في مطلع قصيدة يمتدح الفاضل . . . . . . وكقوله وقد ساير القاضي الفاضل في الفضاء وقد انتشر الغبار لكثرة فرسان العسكر أما الغبار فإنه ** مما أثارته السنابك والحق منه مظلم ** لكن أنارته السنابك يا دهر لي عبد الرحيم ** فلست أخشى مس نابك وبينه وبين القاضي الفاضل أدبيات يطول شرحها ومن لطائفها قوله للقاضي الفاضل وهو يسايره سر فلا كبا بك الفرس فأجابه القاضي بقوله دام علا العماد ولا يخفى أن جواب القاضي أرشق وأحلى من كلام العماد وأن بين كلاميهما كما بينهما توفي العماد بدمشق في مستهل شهر رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة ومن شعره وذلك بحر لا ساحل له غير أنا نورد من حسنه قليلا قال يمتدح المستنجد بالله وما كل شعر مثل شعري فيكم ** ومن ذا يقيس البازل العود بالنقض وما عز حتى هان شعر ابن هانىء ** وللسنة الغراء عز على الرفض وقال أفدي الذي خلبت قلبي لواحظه ** وخلفت لذعات الحب في كبدي صفات ناظرة سقم بلا ألم ** سكر بلا قدح جرح بلا قود معشق الدل من تيه ومن صلف ** مرنح العطف من لين ومن سد على محياه من نار الصبا شعل ** وورد خديه من ماء الحياة ندى وقال وما هذه الأيام إلا صحائف ** يورخ فيها ثم يمحى ويمحق ولم أر في دهرى كدائرة المنى ** توسعها الآمال والعمر ضيق وقال اقنع ولا تطمع فإن الفتى ** كماله في عزة النفس وإنما ينقص بدر الدجى ** لأخذه الضوء من الشمس وقال أبصرني مكبلا ** من الغرام ممتحن فقال من قاتله ** قلت له قائل من من أهل فارس تفقه على أبي إسحاق الشيرازي وسمع أبا الحسين ابن النقور وعبد الله بن محمد الصريفيني وأبا القاسم بن البسري وعبد العزيز بن علي الأنماطي وغيرهم روى عنه أبو عامر العبدري ومحمد بن ناصر الحافظان وغيرهما وله مجموعات وتواليف وتخاريج مولده سنة أربعين ومات في شوال سنة سبع وخمسمائة ودفن عند قبر أبيه مولده يوم الجمعة السابع والعشرين من المحرم سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة قاضي القضاة محيي الدين أبو حامد ابن قاضي القضاة كمال الدين أبي الفضل ابن الشهرزوري الموصلي تفقه ببغداد على أبي منصور بن الرزاز وسمع من عم أبيه أبي بكر محمد بن القاسم كتب عنه القاضي أبو عبد الله محمد بن علي الأنصاري قدم الشام وناب في الحكم عن أبيه ثم ولي قضاء حلب ثم انتقل إلى الموصل وولي قضاءها ودرس بمدرسة أبيه وبالمدرسة النظامية بها وتمكن من الملك عز الدين مسعود بن زنكي وكان جوادا سريا قيل إنه أنعم في بعض رسائله إلى بغداد بعشرة الآف دينار أميرية على الفقهاء والأدباء والشعراء ويقال إنه في مدة حكمه بالموصل لم يعتقل غريما على دينارين فما دونهما بل كان يوفيهما عنه ومن شعره في جرادة لها فخذا بكر وساقا نعامة ** وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم حبتها أفاعي الرمل بطنا وأنعمت ** عليها جياد الخيل بالرأس والفم وقال أيضا قامت بإثبات الصفات أدلة ** قصمت ظهور جماعة التعطيل وطلائع التنزيه لما أقبلت ** هزمت ذوي التشبيه والتمثيل فالحق ما صرنا إليه جميعا ** بأدلة الأخبار والتنزيل من لم يكن بالشرع مقتديا فقد ** ألقاه فرط الجهل بالتضليل توفي في رابع عشر جمادى الأولى سنة ست وثمانين وخمسمائة وله اثنتان وستون سنة بالموصل ولد بقرية سنج العظمى في سنة ثلاث وستين وأربعمائة أو قبلها وسمع الكثير ورحل إلى نيسابور وبغداد وأصبهان وتفقه على الإمام أبي المظفر السمعاني وعلي أبي الفرج الزاز وسمع إسماعيل بن محمد الزاهري وأبا بكر محمد بن علي الشاشي الفقيه وعلي بن أحمد المديني ونصر الله بن أحمد الخشنامي وفيد بن عبد الرحمن الشعراني وثابت ابن بندار وجعفر السراج وأبا بكر أحمد بن محمد بن الحافظ بن مردويه وخلقا سواهم روى عنه ابن السمعاني وولده عبد الرحيم قال أبو سعد بن السمعاني كان من أخص أصحاب والدي في الحضر والسفر سمع الكثير معه ونسخ لنفسه ولغيره وله معرفة بالحديث وهو ثقة دين قانع بما هو فيه كثير التلاوة حج مع والدي وكان يتولى أموري بعد والدي وسمعت من لفظه الكثير وكان يتولى الخطابة بمرو في الجامع الأقدم توفي في شوال سنة ثمان وأربعين وخمسمائة قلت ولهم شيخ آخر اسمه محمد بن أبي بكر بن عثمان أبو طاهر السبخي فقيه صالح من أصحاب يوسف الهمذاني الزاهد وإبراهيم الصفار الزاهد وهو أيضا من شيوخ ابن السمعاني وولده عبد الرحيم مات ببخارى سنة خمس وخمسين وخمسمائة فينبغي أن يتفطن له لئلا يشتبه بهذا صاحب الأربعين الطائية التي أخبرنا بجميعها أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه بالسند إليه وقد خرجنا منها الكثير في هذا الكتاب وهي من أحلى ما وضع في النوع ولدفي سنة خمس وسبعين وأربعمائة بهمذان وسمع فيد بن عبد الرحمن الشعراني وعبد الرحمن بن حمد الدوني وظريف بن محمد وعبد الغفار الشيروي والروياني وتاج الإسلام أبا بكر بن السمعاني وشيرويه الديلمي وابن طاهر المقدسي وأبا القاسم بن بيان الرزاز روى عنه محمد بن عبد الله بن البناء الصوفي والحسين بن الزبيدي وجماعة آخرهم ابن اللتي قال ابن السمعاني يرجع إلى نصيب من العلوم فقها وحديثا وأدبا ووعظا وغير ذلك تفقه على والدي بمرو وأقام عنده سنين كتبت عنه في الرحلة إلى همذان توفي سنة خمس وخمسين وخمسمائة نزيل الري عقد له ببغداد مجلس الوعظ والحديث واستملى عليه أبو بكر بن الخاضبة سمع عبد الغافر الفارسي وأبا الخير محمد بن أبي عمران الصفار وأبا القاسم القشيري روى عنه محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام وسعد الله بن محمد الدقاق وغيرهما وكان حسن الوعظ مليح الإشارة قال ابن الجوزي لكنه كان روى الكثير من الموضوعات قال وكذلك مجالس الغزالي وابن العبادي فيها العجائب والمعاني التي لا توافق الشريعة وأطال في ذلك وليس الأمر مسلما لابن الجوزي فلم نر في كلام أحد منهم ما يخالف الشرع وأما راوية الحديث الموضوع فقد يقع في كلامهم وما ذلك إلا لعدم معرفتهم بكونه موضوعا فلا يعاب عليهم والحالة هذه وليس ابن الجوزي عندنا بحيث يتكلم في مثل هؤلاء توفي الخزيمي بالري في المحرم سنة أربع عشرة وخمسمائة حجة الإسلام ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام جامع أشتات العلوم والمبرز في المنقول منها والمفهوم جرت الأئمة قبله بشأو ولم تقع منه بالغاية ولا وقف عند مطلب وراءه مطلب لأصحاب النهاية والبداية حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ** وليس وراء الله للمرء مذهب حتى أخمل من القرناء كل خصم بلغ مبلغ السها وأخمد من نيران البدع كل ما لا تستطيع أيدي المجالدين مسها كان رضي الله عنه ضرغاما إلا أن الأسود تتضاءل بين يديه وتتوارى وبدرا تماما إلا أن هداه يشرق نهارا وبشرا من الخلق ولكنه الطود العظيم وبعض الخلق لكل مثل ما بعض الحجر الدر النظيم جاء والناس إلى رد فرية الفلاسفة أحوج من الظلماء لمصابيح السماء وأفقر من الجدباء إلى قطرات الماء فلم يزل يناضل عن الدين الحنيفي بجلاد مقاله ويحمى حوزه الدين ولا يلطخ بدم المعتدين حد نصاله حتى أصبح الدين وثيق العرى وانكشفت غياهب الشبهات وما كانت إلا حديثا مفترى هذا مع ورع طوى عليه ضميره وخلوة لم يتخذ فيها غير الطاعة سميره وتجريد تراه به وقد توحد في بحر التوحيد وباهى ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ** والزاد حتى نعله ألقاها ترك الدنيا وراء ظهره وأقبل على الله يعامله في سره وجهره ولد بطوس سنة خمسين وأربعمائة وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس فلما حضرته الوفاة وصى به وبأخيه أحمد إلى صديق له متصوف من أهل الخير وقال له إن لي لتأسفا عظيما على تعلم الخط وأشتهى استدارك ما فاتني في ولدي هذين فعلمهما ولا عليك أن تنفذ في ذلك جميع ما أخلفه لهما فلما مات أقبل الصوفي على تعليمهما إلى أن فنى ذلك النزر اليسير الذي كان خلفه لهما أبوهما وتعذر على الصوفي القيام بقوتهما فقال لهما اعلما أني قد أنفقت عليكما ما كان لكما وأنا رجل من الفقر والتجريد بحيث لا مال لي فأواسيكما به وأصلح ما أرى لكما أن تلجآ إلى مدرسة كأنكما من طلبة العلم فيحصل لكما قوت يعينكما على وقتكما ففعلا ذلك وكان هو السبب في سعادتهما وعلو درجتهما وكان الغزالي يحكي هذا ويقول طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله ويحكى أن أباه كان فقيرا صالحا لا يأكل إلا من كسب يده في عمل غزل الصوف ويطوف على المتفقهة ويجالسهم ويتوفر على خدمتهم ويجد في الإحسان إليهم والنفقة بما يمكنه وأنه كان إذا سمع كلامهم بكى وتضرع وسأل الله أن يرزقه ابنا ويجعله فقهيا ويحضر مجالس الوعظ فإذا طاب وقته بكى وسأل الله أن يرزقه ابنا واعظا فاستجاب الله دعوتيه أما أبو حامد فكان أفقه أقرانه وإمام أهل زمانه وفارس ميدانه كلمته شهد بها الموافق والمخالف وأقر بحقيتها المعادى والمحالف وأما أحمد فكان واعظا تنفلق الصم الصخور عند استماع تحذيره وترعد فرائض الحاضرين في مجالس تذكيره قرأ في صباه طرفا من الفقه ببلده على أحمد بن محمد الراذكاني ثم سافر إلى جرجان إلى الإمام أبي نصر الإسماعيلي وعلق عنه التعليقة ثم رجع إلى طوس قال الإمام أسعد الميهني فسمعته يقول قطعت علينا الطريق وأخذ العيارون جميع ما معي ومضوا فتبعتهم فالتفت إلى مقدمهم وقال ارجع ويحك وإلا هلكت فقلت له أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن ترد على تعليقتي فقط فما هي بشيء تنتفعون به فقال لي وما هي تعليقتك فقلت كتبت في تلك المخلاة هاجرت لسماعها وكتابتها ومعرفة علمها فضحك وقال كيف تدعي أنك عرفت علمها وقد أخذناها منك فتجردت من معرفتها وبقيت بلا علم ثم أمر بعض أصحابه فسلم إلى المخلاة قال الغزالي فقلت هذا مستنطق أنطقه الله ليرشدني به في أمري فلما وافيت طوس أقبلت على الاشتغال ثلاث سنين حتى حفظت جميع ما علقته وصرت بحيث لو قطع على الطريق لم أتجرد من علمي وقد روى هذه الحكاية عن الغزالي أيضا الوزير نظام الملك كما هو مذكور في ترجمة نظام الملك من ذيل ابن السمعاني ثم إن الغزالي قدم نيسابور ولازم إمام الحرمين وجد واجتهد حتى برع في المذهب والخلاف والجدل والأصلين والمنطق وقرأ الحكمة والفلسفة وأحكم كل ذلك وفهم كلام أرباب هذه العلوم وتصدى للرد على مبطليهم وإبطال دعاويهم وصنف في كل فن من هذه العلوم كتبا أحسن تأليفها وأجاد وضعها وترصيفها كذا نقل النقلة وأنا لم أر له مصنفا في أصول الدين بعد شدة الفحص إلا أن يكون قواعد العقائد وعقائد صغرى وأما كتاب مستقل على قاعدة المتكلمين فلم أره وسأعقد فصلا لأسماء ما وقفت عليه من تصانيفه وكان رضي الله عنه شديد الذكاء سديد النظر عجيب الفطرة مفرط الإدراك قوي الحافظة بعيد الغور غواصا على المعاني الدقيقة جبل علم مناظرا محجاجا وكان إمام الحرمين يصف تلامذته فيقول الغزالي بحر مغدق وإليكا أسد مخرق والخوافي نار تحرق ويقال إن الإمام كان بالآخرة يمتعض منه في الباطن وإن كان يظهر التبجح به في الظاهر ثم لما مات إمام الحرمين خرج الغزالي إلى المعسكر قاصدا للوزير نظام الملك إذ كان مجلسه مجمع أهل العلم وملاذهم فناظر الأئمة العلماء في مجلسه وقهر الخصوم وظهر كلامه عليهم واعترفوا بفضله وتلقاه الصاحب بالتعظيم والتبجيل وولاه تدريس مدرستة ببغداد وأمره بالتوجه إليها فقدم بغداد في سنة أربع وثمانين وأربعمائة ودرس بالنظامية وأعجب الخلق حسن كلامه وكمال فضله وفصاحة لسانه ونكته الدقيقة وإشاراته اللطيفة وأحبوه وأقام على التدريس وتدريس العلم ونشره بالتعليم والفتيا والتصنيف مدة عظيم الجاه زائد الحشمة عالي الرتبة مسموع الكلمة مشهور الاسم تضرب به الأمثال وتشد إليه الرحال إلى أن عزفت نفسه عن رذائل الدنيا فرفض ما فيها من التقدم والجاه وترك كل ذلك وراء ظهره وقصد بيت الله الحرام فخرج إلى الحج في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين واستناب أخاه في التدريس ودخل دمشق في سنة تسع وثمانين فلبث فيها يويمات يسيرة على قدم الفقر ثم توجه إلى بيت المقدس فجاور به مدة ثم عاد إلى دمشق واعتكف بالمنارة الغربية من الجامع وبها كانت إقامته على ما ذكر الحافظ ابن عساكر فيما نقله عنه الذهبي ولم أجده في كلامه وكان الغزالي يكثر الجلوس في زاوية الشيخ نصر المقدسي بالجامع الأموي المعروفة اليوم بالغزالية نسبة إليه وكانت تعرف قبلة بالشيخ نصر المقدسي قال لحافظ ابن عساكر أقام الغزالي بالشام نحوا من عشرين سنة كذا نقل شيخنا الذهبي ولم أجد ذلك في كلام ابن عساكر لا في تاريخ الشام ولا في التبيين ويحكى هنا حكايات منها أنه قصد الاجتماع بالشيخ نصر وأنه لم يدخل دمشق إلا يوم وفاته فصادف أنه دخل إلى الجامع وهو لابس زي الفقراء فاتفق جلوسه في الزاوية المشار إليها فبعد هنيهة أتى جماعة من طلبة العلم وشاكلوه في العلوم بعد أن تأملوه ونظروا إليه مليا فوجدوه بحرا لا ينزف فقال لهم ما فعل الشيخ نصر المقدسي قالوا توفي وهذا مجيئنا من مدفنه وكان لما حضرته الوفاة سألناه من يخلفك في حلقتك فقال إذا فرغتم من دفني عودوا إلى الزاوية تجدوا شخصا أعجميا ووصفك لنا أقروه منى السلام وهو خليفتي وهذه الحكاية لم تثبت عندي ووفاة الشيخ نصر كانت سنة تسعين وأربعمائة وإن صحت فلعل ذلك عند عوده إلى دمشق من القدس وإلا فقد كان اجتماعه به ممكنا لما دخل دمشق سنة تسع وثمانين قبل وفاة الشيخ نصر بسنة وصرح شيخنا الذهبي بأن الغزالى جالس نصرا قلت والذي أوصى نصر المقدسي به أن يخلفه بعده هو نصر الله المصيصي تلميذه ومنها أنه لما دخلها على زي الفقراء جلس على باب الخانقاه السميساطية إلى أن أذن له فقير مجهول لا يعرف وابتدأ بكنس الميضات ألتي للخانقاه وخدمتها واتفق أن جلس يوما في صحن الجامع الأموي وجماعة من المفتين يتمشون في الصحن وإذا بقروي أتاهم مستفتيا ولم يردوا عليه جوابا والغزالي يتأمل فلما رأى الغزالي أنه لا أحد عنده جوابه ويعز عليه عدم إرشاده دعاه وأجابه فأخذ القروي يهزأ به ويقول إن كبار المفتين ما أجابوني وهذا فقير عامي كيف يجيبني وأولئك المفتون ينظرونه فلما فرغ من كلامه معه دعوا القروي وسألوه ما الذي حدثك به هذا العامي فشرح لهم الحال فجاءوا إليه وتعرفوا به واحتاطوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلسا فوعدهم إلى ثاني يوم وسافر من ليلته رضي الله عنه ومنها أنه صادف دخوله يوما المدرسة الأمينية فوجد المدرس يقول قال الغزالي وهو يدرس من كلامه فخشي الغزالي على نفسه العجب ففارق دمشق وأخذ يجول في البلاد فدخل منها إلى مصر وتوجه منها إلى الإسكندرية فأقام بها مدة وقيل إنه عزم على المضي إلى السلطان يوسف بن تاشفين سلطان المغرب لما بلغه من عدله فبلغه موته واستمر يجول في البلدان ويزور المشاهد ويطوف على التراب والمساجد ويأوى القفار ويروض نفسه ويجاهدها جهاد الأبرار ويكلفها مشاق العبادات بأنواع القرب والطاعات إلى أن صار قطب الوجود والبركة العامة بكل موجود والطريق الموصلة إلى رضا الرحمن والسبيل المنصوب إلى مركز الإيمان ثم رجع إلى بغداد وعقد بها مجلس الوعظ وتكلم على لسان أهل الحقيقة وحدث بكتاب الإحياء قال ابن النجار ولم يكن له إسناد ولا طلب شيئا من الحديث لم أر له إلا حديثا واحدا سيأتي ذكره في هذا الكتاب يعني تاريخه قلت ولم أره ذكر هذا الحديث بعد ذلك وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بحديث من حديثه سنذكره وذكر الحافظ ابن عساكر أنه سمع صحيح البخاري من أبي سهل محمد ابن عبد الله الحفصي وذكر عبد الغافر له مسموعات سنذكرها في كلام عبد الغافر ثم عاد الغزالي إلى خراسان ودرس بالمدرسة النظامية بنيسابور مدة يسيرة وكل قلبه معلق بما فتح عليه من الطريق ثم رجع إلى مدينة طوس واتخذ إلى جانب داره مدرسة للفقهاء وخانقاه للصوفية ووزع أوقاته على وظائف من ختم القرآن ومجالسة أرباب القلوب والتدريس لطلبة العلم وإدامة الصلاة والصيام وسائر العبادات إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى ورضوانه طيب الثناء أعلى منزلة من نجم السماء لا يكرهه إلا حاسد أو زنديق ولا يسومه بسوء إلا حائد عن سواء الطريق ينشدهم لسان حاله وإن تكنفني من شرهم غسق ** فالبدر أحسن إشراقا مع الظلم وإن رأوا بخس فضلى حق قيمته ** فالدر در وإن لم يشر بالقيم وكانت وفاته قدس الله روحه بطوس يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة ومشهده بها يزار بمقبرة الطابران قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الثبات عند الممات قال أحمد أخو الإمام الغزالي لماكان يوم الاثنين وقت الصبح توضأ أخي أبو حامد وصلى وقال علي بالكفن فأخذه وقبله ووضعه على عينيه وقال سمعا وطاعة للدخول على الملك ثم مدرجليه واستقبل القبلة ومات قبل الإسفار قدس الله روحه فهذه ترجمة مختصرة يقنع بها طالب الاختصار وإذا أبيت إلا البسط في شرح حال هذا النجم الذي تشرف الأوراق يذاكره ويعبق الوجود برياه فنقول
قد قدمنا كلام شيخه إمام الحرمين وقوله الغزالي بحر مغدق وقال الحافظ أبو طاهر السلفي سمعت الفقهاء يقولون كان الجويني يعني إمام الحرمين يقول في تلامذته إذا ناظروا التحقيق للخوافي والحدسيات للغزالي والبيان للكيا وقال تلميذه الإمام محمد بن يحيى الغزالي هو الشافعي الثاني وقال أسعد الميهني لا يصل إلى معرفة علم الغزالي وفضله إلا من بلغ أو كاد يبلغ الكمال في عقله قلت يعجبني هذا الكلام فإن الذي يحب أن يطلع على منزله من هو أعلى منه في العلم يحتاج إلى العقل والفهم فبالعقل يميز وبالفهم يقضي ولما كان علم الغزالي في الغاية القصوى احتاج من يريد الاطلاع على مقداره فيه أن يكون هو تام العقل وأقول لا بد مع تمام العقل من مداناة مرتبته في العلم لمرتبة الآخر وحينئذ فلا يعرف أحد ممن جاء بعد الغزالي قدر الغزالي ولا مقدار علم الغزالي إلا بمقدار علمه أما بمقدار علم الغزالي فلا إذ لم يجيء بعده مثله ثم المداني له إنما يعرف قدره بقدر ما عنده لا بقدر الغزالي في نفسه سمعت الشيخ الإمام رحمه الله يقول لا يعرف قدر الشخص في العلم إلا من ساواه في رتبته وخالطه مع ذلك قال وإنما يعرف قدره بمقدار ما أوتيه هو وكان يقول لنا لا أحد من الأصحاب يعرف قدر الشافعي كما يعرفه المزني قال وإنما يعرف المزني من قدر الشافعي بمقدار قوى المزني والزائد عليها من قوى الشافعي لم يدركه المزني وكان يقول لنا أيضا لا يقدر أحد النبي حق قدره إلا الله تعالى وإنما يعرف كل واحد من مقداره بقدر ما عنده هو قال فأعرف الأمة بقدره أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأنه أفضل الأمة قال وإنما يعرف أبو بكر من مقدار المصطفى ما تصل إليه قوى أبي بكر وثم أمور تقصر عنها قواه لم يحط بها علمه ومحيط بها علم الله
وأنا أرى أن أسوقه بكماله على نصه حرفا فإن عبد الغافر ثقة معاصر عارف وقد تخرب الحاكون لكلامه حزبين فمن ناقل لبعض الممادح وحاك لجميع ما أورده مما عيب على حجة الإسلام الغزالي وذلك صنيع من يتعصب على حجة الإسلام وهو شيخنا الذهبي فإنه ذكر بعض الممادح نقلا معجرف اللفظ محكيا بالمعنى غير مطابق في الأكثر ولما انتهى إلى ما ذكره عبد الغافر مما عيب عليه استوفاه ثم زاد ووشح وبسط ورشح ومن ناقل لكل الممادح ساكت عن ذكر ما عيب به وهو الحافظ أبو القاسم بن عساكر وسأبحث عن سبب فعله ذلك وأما أنا فأورد جميعه ثم أتكلم عليه وأسأل الله التوفيق والحماية من الميل قال أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الخطيب الفارسي خطيب نيسابور محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي حجة الإسلام والمسلمين إمام أئمة الدين من لم تر العيون مثله لسانا وبيانا ونطقا وخاطرا وذكاء وطبعا شدا طرفا في صباه بطوس من الفقه على الإمام أحمد الراذكاني ثم قدم نيسابور مختلفا إلى درس إمام الحرمين في طائفة من الشبان من طوس وجد واجتهد حتى تخرج عن مدة قريبة وبذ الأقران وحمل القرآن وصار أنظر أهل زمانه وواحد أقرانه في أيام إمام الحرمين وكان الطلبة يستفيدون منه ويدرس لهم ويرشدهم ويجتهد في نفسه وبلغ الأمر به إلى أن أخذ في التصنيف وكان الإمام مع علو درجته وسمو عبارته وسرعة جريه في النطق والكلام لا يصفي نظره إلى الغزالي سرا لإنافته عليه في سرعة العبارة وقوة الطبع ولا يطيب له تصدية للتصانيف وإن كان متخرجا به منتسبا إليه كما لا يخفى من طبع البشر ولكنه يظهر التبجح به والاعتداد بمكانه ظاهرا خلاف ما يضمره ثم بقي كذلك إلى انقضاء أيام الإمام فخرج من نيسابور وصار إلى المعسكر واحتل من مجلس نظام الملك محل القبول وأقبل عليه الصاحب لعلو درجته وظهور اسمه وحسن مناظرته وجري عبارته وكانت تلك الحضرة محط رحال العلماء ومقصد الأئمة والفصحاء فوقعت للغزالي اتفاقات حسنة من الاحتكاك بالأئمة وملاقاة الخصوم اللد ومناظرة الفحول ومنافرة الكبار وظهر اسمه في الآفاق وارتفق بذلك أكمل الارتفاق حتى أدت الحال به إلى أن رسم للمصير إلى بغداد للقيام بتدريس المدرسة الميمونة النظامية بها فصار إليها وأعجب الكل بتدريسه ومناظرته وما لقي مثل نفسه وصار بعد إمامة خراسان إمام العراق ثم نظر في علم الأصول وكان قد أحكمها فصنف فيه تصانيف وجدد المذهب في الفقه فصنف في تصانيف وسبك الخلاف فحرر فيه أيضا تصانيف وعلت حشمته ودرجته في بغداد حتى كانت تغلب حشمة الأكابر والأمراء ودار الخلافة فانقلب الأمر من وجه آخر وظهر عليه بعد مطالعة العلوم الدقيقة وممارسة الكتب المصنفة فيها وسلك طريق التزهد والتأله وترك الحشمة وطرح ما نال من الدرجة والاشتغال باسباب التقوى وزاد الآخرة فخرج عما كان فيه وقصد بيت الله وحج ثم دخل الشام وأقام في تلك الديار قريبا من عشر سنين يطوف ويزور المشاهد المعظمة وأخذ في التصانيف المشهورة التي لم يسبق إليها مثل إحياء علوم الدين والكتب المختصرة منها مثل الأربعين وغيرها من الرسائل التي من تأملها علم محل الرجل من فنون العلم وأخذ في مجاهدة النفس وتغيير الأخلاق وتحسين الشمائل وتهذيب المعاش فانقلب شيطان الرعونة وطلب الرياسة والجاه والتخلق بالأخلاق الذميمة إلى سكون النفس وكرم الأخلاق والفراغ عن الرسوم والترتيبات والتزيى بزي الصالحين وقصر الأمل ووقف الأوقات على هداية الخلق ودعائهم إلى ما يعنيهم من أمر الآخرة وتبغيض الدنيا والاشتغال بها على السالكين والاستعداد للرحيل إلى الدار الباقية والانقياد لكل من يتوسم فيه أو يشم منه رائحة المعرفة أو التيقظ لشيء من أنوار المشاهدة حتى مرن على ذلك ولان ثم عاد إلى وطنه لازما بيته مشتغلا بالتفكير ملازما للوقت مقصودا نفيسا وذخرا للقلوب ولكل من يقصده ويدخل عليه إلى أن أتى على ذلك مدة وظهرت التصانيف وفشت الكتب ولم تبد في أيامه مناقضة لما كان فيه ولا اعتراض لأحد على ما آثره حتى انتهت نوبة الوزارة إلى الأجل فخر الملك جمال الشهداء تغمده الله برحمته وتزينت خراسان بحشمته ودولته وقد سمع وتحقق بمكان الغزالي ودرجته وكمال فضله وحالته وصفاء عقيدته ونقاء سيرته فتبرك به وحضره وسمع كلامه فاستدعى منه أن لا يبقي أنفاسه وفوائده عقيمة لا استفادة منها ولا اقتباس من أنوارها وألح عليه كل الإلحاح وتشدد في الاقتراح إلى أن أجاب إلى الخروج وحمل إلى نيسابور وكان الليث غائبا عن عرينه والأمر خافيا في مستور قضاء الله ومكنونه فأشير عليه بالتدريس في المدرسة الميمونة النظامية عمرها الله فلم يجد بدا من الإذغان للولاة ونوى بإظهار ما اشتغل به هداية الشداة وإفادة القاصدين دون الرجوع إلى ما انخلع عنه وتحرر عن رقة من طلب الجاه ومماراة الأقران ومكابرة المعاندين وكم قرع عصاة بالخلاف والوقوع فيه والطعن فيما يذره ويأتيه والسعاية به والتشنيع عليه فما تأثر به ولا اشتغل بجواب الطاعنين ولا أظهر استيحاشا بغميزة المخلطين ولقد زرته مرارا وما كنت أحدس في نفسي مع ما عهدته في سالف الزمان عليه من الزعارة وإيحاش الناس والنظر اليهم بعين الازدراء والاستخفاف بهم كبرا وخيلاء واغترارا بما رزق من البسطة في النطق والخاطر والعبارة وطلب الجاه والعلو في المنزلة أنه صار على الضد وتصفى عن تلك الكدورات وكنت أظن أنه متلفع بجلباب التكلف متنمس بما صار إليه فتحققت بعد السبر والتنقير أن الأمر على خلاف المظنون وأن الرجل أفاق بعد الجنون وحكى لنا في ليال كيفية أحواله من ابتداء ما ظهر له سلوك طريق التأله وغلبت الحال عليه بعد تبحره في العلوم واستطالته على الكل بكلامه والاستعداد الذي خصه الله به في تحصيل أنواع العلوم وتمكنه من البحث والنظر حتى تبرم من الاشتغال بالعلوم العرية عن المعاملة وتفكر في العاقبة وما يجدي وما ينفع في الآخرة فابتدأ بصحبة الفارمذي وأخذ منه استفتاح الطريقة وامتثل ماكان يشير به عليه من القيام بوظائف العبادات والإمعان في النوافل واستدامة الأذكار والجد والاجتهاد طلبا للنجاة إلى أن جاز تلك العقبات وتكلف تلك المشاق وما تحصل على ما كان يطلبه من مقصوده ثم حكى أنه راجع العلوم وخاض في الفنون وعاود الجد والاجتهاد في كتب العلوم الدقيقة والتقى بأربابهاحتى انفتح له أبوابها وبقي مدة في الوقائع وتكافؤ الأدلة وأطراف المسائل ثم حكى أنه فتح عليه باب من الخوف بحيث شغله عن كل شيء وحمله على الإعراض عما سواه حتى سهل ذلك وهكذا هكذا إلى أن ارتاض كل الرياضة وظهرت له الحقائق وصار ما كنا نظن به ناموسا وتخلقا طبعا وتحققا وأن ذلك أثر السعادة المقدرة له من الله تعالى ثم سألناه عن كيفية رغبته في الخروج من بيته والرجوع إلى ما دعي إليه من أمر نيسابور فقال معتذرا عنه ما كنت أجوز في ديني أن أقف عن الدعوة ومنفعة الطالبين بالإفادة وقد حق علي أن أبوح بالحق وأنطق به وأدعو إليه وكان صادقا في ذلك ثم ترك ذلك قبل أن يترك وعاد إلي بيته واتخذ في جواره مدرسة لطلبة العلم وخانقاه للصوفية وكان قد وزع أوقاته على وظائف الحاضرين من ختم القرآن ومجالسة أهل القلوب والقعود للتدريس بحيث لا تخلو لحظة من لحظاته ولحظات من معه عن فائدة إلى أن أصابه عين الزمان وضنت الأيام به على أهل عصره فنقله الله إلى كريم جواره بعد مقاساة أنواع من القصد والمناوأة من الخصوم والسعي به إلى الملوك وكفاية الله به وحفظه وصيانته عن أن تنوشه أيدي النكبات أو ينهتك ستر دينه بشيء من الزلات وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى ومجالسة أهله ومطالعة الصحيحين البخاري ومسلم اللذين هما حجة الإسلام ولو عاش لسبق الكل في ذلك الفن بيسير من الأيام يستفرغه في تحصيله ولا شك أنه سمع الأحاديث في الأيام الماضية واشتغل في آخر عمره بسماعها ولم تتفق له الرواية ولا ضرر فيما خلفه من الكتب المصنفة في الأصول والفروع وسائر الأنواع تخلد ذكره وتقرر عند المطالعين المستفيدين منها أنه لم يخلف مثله بعده مضى إلى رحمة الله تعالى يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة ودفن بظاهر قصبة طابران والله تعالى يخصه بأنواع الكرامة في آخرته كما خصه بفنون العلم في دنياه بمنه ولم يعقب إلا البنات وكان له من الأسباب إرثا وكسبا ما يقوم بكفايته ونفقة أهله وأولاده فما كان يباسط أحد في الأمور الدنيوية وقد عرضت عليه أموال فما قبلها وأعرض عنها واكتفى بالقدر الذي يصون به دينه ولا يحتاج معه إلى التعرض لسؤال ومنال من غيره ومما كان يعترض به عليه وقوع خلل من جهة النحو يقع في أثناء كلامه وروجع فيه فأنصف من نفسه واعترف بأنه ما مارس ذلك الفن واكتفى بما كان يحتاج إليه في كلامه مع أنه كان يؤلف الخطب ويشرح الكتب بالعبارات التي تعجز الأدباء والفصحاء عن أمثالها وأذن للذين يطالعون كتبه فيعثرون على خلل فيها من جهة اللفظ أن يصلحوه ويعذروه فما كان قصده إلا المعاني وتحقيقها دون الألفاظ وتلفيقها ومما نقم عليه ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية في كتاب كيمياء السعادة والعلوم وشرح بعض الصور والمسائل بحيث لا يوافق مراسم الشرع وظواهر ما عليه قواعد الإسلام وكان الأولى به والحق أحق أن يقال ترك ذلك التصنيف والإعراض عن الشرح به فإن العوام ربما لا يحكمون أصول القواعد بالبراهين والحجج فإذا سمعوا شيئا من ذلك تخيلوا منه ما هو المضر بعقائدهم وينسبون ذلك إلى بيان مذاهب الأوائل على أن المصنف اللبيب إذا رجع إلى نفسه علم أن أكثر ما ذكره مما رمز إليه إشارات الشرع وإن لم يبح به ويوجد أمثاله في كلام مشايخ الطريقة مرموزة ومصرحا بها متفرقة وليس لفظ منه إلا وكما يشعر أحد وجوهه بكلام موهم فإنه يشعر سائر وجوهه بما يوافق عقائد أهل الملة فلا يجب إذا حمله إلا على ما يوافق ولا ينبغي أن يتعلق به في الرد عليه متعلق إذا أمكنه أن يبين له وجها في الصحة يوافق الأصول على أن هذا القدر يحتاج إلى من يظهره وكان الأولى أن يترك الإفصاح بذلك كما تقدم ما ذكره وليس كما يتقرر ويتمشى لأحد تقريره ينبغي أن يظهره بل أكثر الأشياء مما يدري ويطوي ولا يحكى فعلى ذلك درج الأولون وعبر السلف الصالحون إبقاء على مراسم الشرع وصيانة لمعالم الدين عن طعن الطاعنين وعيره المارقين الجاحدين والله الموفق للصواب وقد سمعت أنه سمع من سنن أبي داود السجستاني عن الحاكم أبي الفتح الحاكمي الطوسي وما عثرت على سماعه وسمع من الأحاديث المتفرقة اتفاقا مع الفقهاء فمما عثرت عليه ما سمعه من كتاب لمولد النبي من تأليف أبي بكر أحمد ابن عمرو بن أبي عاصم الشيباني رواية الشيخ أبي بكر محمد بن الحارث الأصبهاني الإمام عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان عن المصنف وقد سمعه الإمام الغزالي من الشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد الخواري خوار طبران رحمه الله مع ابنيه الشيخين عبد الجبار وعبد الحميد وجماعة من الفقهاء ومن ذلك ما قال أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد الخواري أخبرنا أبو بكر بن الحارث الأصبهاني أخبرنا أبو محمد بن حيان أخبرنا أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت حدثنا الزبير ابن موسى عن أبي الحويرث قال سمعت عبد الملك بن مروان سأل قباث بن أشيم الكناني أنت أكبر أم رسول الله فقال رسول الله أكبر مني وأنا أسن منه ولد رسول الله عام الفيل وتمام الكتاب في جزأين مسموع له انتهى كلام عبد الغافر وقد ساق الحافظ ابن عساكر من أوله إلى قوله ومما كان يعترض به عليه وترك الباقي فعل ذلك في تاريخ الشام وفي كتاب التبيين فإن قلت هل ذلك من الحافظ تعصب له كما أن ما فعله الذهبي تعصب عليه قلت يحتمل أن يكون الأمر كذلك ويحتمل أن يكون لكونه لم ير إشاعة ذلك عن مثل هذا الإمام مع القطع بأنه غير قادح فيه وأما الذهبي فإنه ذكر ذلك وضم إليه ما شاء وسأوقفك عليه وسأتكلم على ما عيب به هذا الإمام بعد نجاز الغرض من ذكر ما أنا بصدده إن شاء الله تعالى ومن كلام المترجمين لحجة الإسلام رحمه الله وأكثرهم اجتزأ بكلام عبد الغافر قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر كان إماما في علم الفقه مذهبا وخلافا وفي أصول الديانات وسمع صحيح البخاري من أبي سهل محمد بن عبد الله الحفصي وولي التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد ثم خرج إلى الشام زائر لبيت المقدس فقدم دمشق في سنة تسع وثمانين وأربعمائة وأقام بها مدة وبلغني أنه صنف بها بعض مصنفاته ثم رجع إلى بغداد ومضى إلى خراسان ودرس مدة بطوس ثم ترك التدريس والمناظرة واشتغل بالعبادة وقال الحافظ أبو سعد بن السمعاني فيه من لم تر العيون مثله لسانا وبيانا ونطقا وخاطرا وذكاء وطبعا ثم اندفع في نحو مما ذكره عبد الغافر من الممادح ولم يتعرض لذكر شيء من الفصل الأخير وذكر أنه استدعى بأبي الفتيان عمر بن أبي الحسن الرواسي الحافظ الطوسي وأكرمه وسمع عليه صحيحي البخاري ومسلم قال وما أظن أنه حدث بشيء وإن حدث فيسير لأن رواية الحديث ما انتشرت عنه انتهى وقد أوجب لي عدم ذكره لشيء من الفصل الأخير الذي ذكره عبد الغافر وكذلك عدم ذكر ابن عساكر له مع تبري ابن عساكر دائما حيث أمكنه عن الغرض ونقله أبدا ماله وما عليه ومع تعرضه لما ذكره عبد الغافر في الفصل الأخير لسماع الغزالي ما اسمعه واقتصاره على أنه استدعى الرواسي لسماع الصحيحين مع كون هذا الفصل لم يذكره عبد الغافر إلا بعد نجاز الترجمة وذكر الوفاة وليس ذلك بمعتاد والمعتاد ختم التراجم بالوفاه وموضع هذا الفصل أثناء الترجمة كل ذلك أن أظن أنه اختلق على عبد الغافر ودس في كتابه فالله أعلم بذلك على أنه ليس فيه كبير أمر كما سنبحث عنه وقال ابن النجار إمام الفقهاء على الإطلاق ورباني الأمة بالاتفاق ومجتهد زمانه وعين وقته وأوانه ومن شاع ذكره في البلاد واشتهر فضله بين العباد واتفقت الطوائف على تبجيله وتعظيمه وتوقيره وتكريمه وخافه المخالفون وانقهر بحججه وأدلته المناظرون وظهرت بتنقيحاته فضائح المبتدعة والمخالفين وقام بنصر السنة وإظهار الدين وسارت مصنفاته في الدنيا مسير الشمس في البهجة والجمال وشهد له المخالف والموافق بالتقدم والكمال انتهى وفي كلام المترجمين كثرة فلا نطيل ففيما ذكرناه مقنع وبلاغ
قال ابن السمعاني قرأت في كتاب كتبه الغزالي إلى أبي حامد بن أحمد بن سلامة بالموصل فقال في خلال فصوله أما الوعظ فلست أرى نفسي أهلا له لأن الوعظ زكاة نصابه الاتعاظ فمن لا نصاب له كيف يخرج الزكاة وفاقد الثوب كيف يستر به غيره ومتى يستقيم الظل والعود أعوج وقد أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم عليه السلام عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني وقال أيضا سمعت أبا سعيد محمد بن أسعد بن محمد بن الخليل النوقاني بمرو ومذاكرة في دارنا يقول حضرت درس الإمام أبي حامد الغزالي لكتاب إحياء علوم الدين فأنشد وحبب أوطان الرجال إليهم ** مآرب قضاها الفؤاد هنالكا إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ** عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا قال فبكى وأبكى الحاضرين وقال أيضا سمعت أبا نصر الفضل بن الحسن بن علي المقري مذاكرة بمرو يقول دخلت على الإمام الغزالي مودعا فقال لي احمل هذا الكتاب إلى المعين النائب أبي القاسم البيهقي ثم قال لي وفيه شكاية على العزيز المتولي للأوقاف بطوس وكان ابن أخي المعين فقلت له كنت بهراة عند عمه المعين وكان العماد الطوسي جاء بمحضر في الثناء على العزيز وعليه خطك وكان عمه قد طرده وهجره فلما رأى شكرك وثناءك عليه قربه ورضى عنه فقال الإمام الغزالي سلم الكتاب إلى المعين واقرأ عليه هذا البيت وأنشد ولم أر ظلما مثل ظلم ينالنا ** يساء إلينا ثم نؤمر بالشكر وقال أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد المنعم العبدري المؤذن رأيت بالإسكندرية في سنة خمسمائة في إحدى شهري المحرم أو صفر فيما يرى النائم كأن الشمس طلعت من مغربها فعبر ذلك بعض المعبرين ببدعة تحدث فيهم فبعد أيام وصلت المراكب بإحراق كتب الإمام أبي حامد الغزالي بالمرية وعن الإمام فخر الإسلام أبي بكر الشاشي لما ولي نظام الملك أبا حامد درس النظامية ببغداد وقدم إليها في سنة أربع وثمانين وأربعمائة اجتمع عليه الفقهاء وقالوا له قد علم سيدنا أن العادة أن من درس بهذه البقعة عمل دعوة للفقهاء ويحضرهم سماعا ونريد أن تكون دعوتك كرتبتك في العلم فقال الغزالي سمعا وطاعة لكن على أحد أمرين إما أن يكون التقدير إليكم والتعيين لي أو بالعكس فقالوا بل التقدير إليك والتعين لنا فنريد الدعوة اليوم فقال لهم فالتقدير حينئذ مني على حسب ما يمكنني وهو خبز وخل وبقل فقالوا لا والله بل التعيين لك والتقدير لنا ونريد أن يكون في هذه الدعوة من الدجاج كذا ومن الحلو كذا فقال سمعا وطاعة والتعيين بعد سنتين فقالوا قد عجزنا وسلمنا الكل إليك لعلمنا أننا إن جرينا معك على قاعدة النظر حلت بيننا وبين الظفر من هذه الدعوة بقضاء الوطر وكان في زماننا شخص يكره الغزالي يذمه ويستعيبه في الديار المصرية فرأى النبي في المنام وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما بجانبه والغزالي جالس بين يديه وهو يقول يا رسول الله هذا يتكلم في وأن النبي قال هاتوا السياط وأمر به فضرب لأجل الغزالي وقام هذا الرجل من النوم وأثر السياط على ظهره ولم يزل وكان يبكي ويحكيه للناس وسنحكي منام أبي الحسن بن حرزهم المغربي المتعلق بكتاب الإحياء وهو نظير هذا وحكى لي بعض الفقهاء أهل الخير بالديار المصرية أن شخصا تكلم في الغزالي في درس الشافعي وسبه فحمل هذا الحاكي من ذلك هما مفرطا وبات تلك الليلة فرأى الغزالي في النوم فذكر له ما وجد من ذلك فقال لا تحمل هما غدا يموت فلما أصبح توجه إلى درس الشافعي فوجد ذلك الفقيه قد حضر طيبا في عافية ثم خرج من الدرس فلم يصل إلى بيته إلا وقد وقع من على الدابة ودخل بيته في حال التلف وتوفي آخر ذلك النهار ومما يعد من كرامات الغزالي أيضا أن السلطان علي بن يوسف بن تاشفين صاحب المغرب الملقب بأمير المسلمين وكان أميرا عادلا نزها فاضلا عارفا بمذهب مالك خيل إليه لما دخلت مصنفات الغزالي إلى المغرب أنها مشتملة على الفلسفة المحضه وكان المذكور يكره هذه العلوم فأمر بإحراق كتب الغزالي وتوعد بالقتل من وجد عنده شيء منها فاختلت حاله وظهرت في بلاده مناكير كثيرة وقويت عليه الجند وعلم من نفسه العجز بحيث كان يدعو الله بأن يقيض للمسلمين سلطانا يقوى على أمرهم وقوي عليه عبد المؤمن بن علي ولم يزل من حين فعل بكتب الغزالي ما فعل في عكس ونكد إلى أن توفي
قرأت على عبد الله محمد بن أحمد الحافظ في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة أخبرنا الحافظ أبو محمد الدمياطي عن الحافظ عبد العظيم المنذري أنبأنا الشيخ أبو منصور فتح بن خلف السعدي أخبرنا الإمام شهاب الدين ابو الفتح محمد بن محمود الطوسي أخبرنا محي الدين محمد بن يحيى الفقيه أخبرنا حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي حدثنا الشيخ محمد بن يحيى بن محمد الشجاعي الزوزني بزوزن في داره قراءة عليه حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد حفيد العباس بن حمزة حدثنا أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عامر الطائي بالبصرة حدثني أبي في سنة ستين ومائتين حدثني علي بن موسى الرضا في سنة أربع وتسعين ومائة حدثني أبي موسى بن جعفر حدثني أبي جعفر بن محمد حدثني أبي محمد بن علي حدثني أبي علي بن الحسين حدثني أبي الحسين بن علي حدثني أبي علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله ( يظهر قوم لا خلاق لهم في الدين شابههم فاسق وشيخهم مارق وصبيهم عارم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر فيما بينهم مستضعف والفاسق والمنافق فيما بينهم مشرف إن كنت غنيا وقروك وإن كنت فقيرا حقروك همازون لمازون يمشون بالنميمة ويدسون بالخديعة أولئك فراش نار وذباب طمع وعند ذلك يوليهم الله أمراء ظلمة ووزراء خونة ورفقاء غشمة وتوقع عند ذلك جرادا شاملا وغلاء متلفا ورخصا مجحفا ويتتابع البلاء كما يتتابع الخرز من الخيظ إذا انقطع ) هذا حديث ضعيف واه أخبرنا الحافظ أبو العباس الأشعري إذنا خاصا عن أبي الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر عن أبي المظفر عبد الرحيم قال أخبرنا والدي الحافظ أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور أنشدنا أبو سعد محمد بن أبي العباس الخليلي إملاء بنوقان في الجامع أنشدنا الإمام أبو حامد الغزالي ارفه ببال امرىء يمس على ثقة ** أن الذي خلق الأرزاق يرزقه فالعرض منه مصون لا يدنسه ** والوجه منه جديد ليس يخلقه إن القناعة من يحلل بساحتها ** لم يلق في دهره شيئا يؤرقه كتب إلي أحمد بن أبي طالب المسند عن الحافظ أبي عبد الله محمد بن محمود عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن سليمان الزهري قال أنشدني أبو محمد عبد الحق بن عبد الملك بن مويه العبدري قال أنشدني أبو بكر بن العربي قال أنشدني أبو حامد الغزالي لنفسه سقمي في الحب عافيتي ** ووجودي في الهوى عدمي وعذاب يرتضون به ** في فمي أحلى من النعم ما لضر في محبتكم ** عندنا والله من ألم وبالسند إلى الحافظ أبي عبد الله قال قرأت على أبي القاسم بن الأسعد البزار عن يوسف بن أحمد الحافظ قال أنشدنا محمد بن أبي عبد الله الجوهري قال أنشدنا لأبي حامد فقهاؤنا كذبالة النبراس ** هي في الحريق وضوءها للناس خبر دميم تحت رائق منظر ** كالفضة البيضاء فوق نحاس أخبرنا علي بن الفضل الحافظ أنشدني أبو محمد عبد الله بن يوسف الأندي أنشدني أمية بن أبي الصلت أنشدني أبو محمد التكريتي أنشدني أبو حامد الغزالي لنفسه حلت عقارب صدغه من خده ** قمرا فجل بها عن التشبيه ولقد عهدناه يحل ببرجها ** ومن العجائب كيف حلت فيه ومما أنشد فيه أنشد أبو حفص عمرو بن عبد العزيز بن عبيد بن يوسف الطرابلسي لنفسه هذب المذهب حبر ** أحسن الله خلاصه ببسيط ووسيط ** ووجيز وخلاصه وقال أبو المظفر الأبيوردي يرثيه بكى على حجة الإسلام حين ثوى ** من كل حي عظيم القدر أشرفه فما لمن يمتري في الله عبرته ** على أبي حامد لاح يعنفه تلك الرزية تستوهي قوي جلدي ** فالطرف تسهره والدمع تنزفه فماله خله في الزهد تنكره ** وما له شبهة في العلم تعرفه مضى فأعظم مفقود فجعت به ** من لا نظير له في الناس يخلفه وقال القاضي عبد الملك بن أحمد بن محمد بن المعافى رحمهم الله تعالى بكيت بعيني واجم القلب واله ** فتىلم يوال الحق من لم يواله وسيبت دمعا طال ما قد حبسته ** وقلت لجفني واله ثم واله أبا حامد محي العلوم ومن بقي ** صدى الدين والإسلام وفق مقاله
له في المذهب الوسيط والبسيط والوجيز والخلاصة وفي سائر العلوم كتاب إحياء علوم الدين وكتاب الأربعين وكتاب الأسماء الحسنى والمستصفى في أصول الفقه والمنخول في أصول الفقه ألفه في حياة أستاذه إمام الحرمين وبداية الهداية والمآخذ في الخلافيات وتحصين المآخذ وكيمياء السعادة بالفارسية والمنقذ من الضلال واللباب المنتخل في الجدل وشفاء الغليل في بيان مسالك التعليل والاقتصاد في الاعتقاد ومعيار النظر ومحك النظر وبيان القولين للشافعي ومشكاة الأنوار والمستظهري في الرد على الباطنية وتهافت الفلاسفة والمقاصد في بيان اعتقاد الأوائل وهو مقاصد الفلاسفة وإلجام العوام في علم الكلام والغاية القصوي وجواهر القرآن وبيان فضائح الإمامية وغور الدور في المسألة السرجية وهو المختصر الأخير فيها رجع فيه عن مصنفه الأول فيها المسمى بغاية الغور في دراية الدور وكشف علوم الآخرة والرسالة القدسية والفتاوى وميزان العمل وقواصم الباطنية وهو غير المستظهري في الرد عليهم وحقيقة الروح وكتاب أسرار معاملات الدين وعقيدة المصباح والمنهج الأعلى وأخلاق الأنوار والمعراج وحجة الحق وتنبيه الغافلين والمكنون في الأصول ورسالة الأقطاب ومسلم السلاطين والقانون الكلي والقربة إلى الله ومعيار العلم ومفصل الخلاف في أصول القياس وأسرار اتباع السنة وتلبيس إبليس والمبادى والغايات والأجوبة وكتاب عجائب صنع الله ورسالة الطير الرد على من طغى
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في كتاب التبيين سمعت الشيخ الفقيه الإمام أبا القاسم سعد بن علي بن أبي القاسم بن أبي هريرة الإسفرايني الصوفي بدمشق قال سمعت الشيخ الإمام الأوحد زين القراء جمال الحرم أبا الفتح عامر بن نجا بن عامر العربي الساوي بمكة حرسها الله يقول دخلت المسجد الحرام يوم الأحد فيما بين الظهر والعصر الرابع عشر من شوال سنة خمس وأربعين وخمسمائة وكان بي نوعا تكسر ودوران رأس بحيث أني لا أقدر أن أقف أوأجلس لشدة ما بي فكنت أطلب موضعا أستريح فيه ساعة على جنبي فرأيت باب بيت الجماعة للرباط الرامشتي عند باب الحزورة مفتوحا فقصدته ودخلت فيه ووقعت على جنبي الأيمن بحذاء الكعبة المشرفة مفترشا يدي تحت خدي لكي لا يأخذني النوم فتنتقض طهارتي فإذا رجل من أهل البدعة معروف بها جاء ونشر مصلاه على باب ذلك البيت وأخرج لويحا من جيبه أظنه كان من الحجر وعليه كتابة فقبله ووضعه بين يديه وصلى صلاة طويلة مرسلا يديه فيها على عادتهم وكان يسجد على ذلك اللويح في كل مرة وإذا فرغ من صلاته سجد عليه وأطال فيه وكان يمعك خده من الجانبين عليه ويتضرع في الدعاء ثم رفع رأسه وفيله ووضعه على عينيه ثم قبله ثانيا وأدخله في جيبه كما كان قال فما رأيت ذلك كرهته واستوحشت منه ذلك وقلت في نفسي ليت كان رسول الله حيا فيما بيننا ليخبرهم بسوء صنيعهم وما هم عليه من البدعة ومع هذا التفكر كنت أطرد النوم عن نفسي كي لا يأخذني فتفسد طهارتي فبينا أنا كذلك إذ طرأ علي النعاس وغلبني فكأني بين اليقظة والمنام فرأيت عرصة واسعة فيها ناس كثيرون واقفون وفي يد كل واحد منهم كتاب مجلد وقد تحلقوا كلهم على شخص فسألت الناس عن حالهم وعمن في الحلقة فقالوا هو رسول الله وهؤلاء أصحاب المذاهب يريدون أن يقرءوا مذاهبهم واعتقادهم من كتبهم على رسول الله ويصححوها عليه قال فبينا أنا كذلك أنظر إلى القوم إذ جاء واحد من أهل الحلقة وبيده كتاب قيل إن هذا هو الشافعي رضي الله عنه فدخل في وسط الحلقة وسلم على رسول الله قال فرأيت رسول الله في جماله وكماله متلبسا بالثياب البيض المغسولة النظيفة من العمامة والقميص وسائر الثياب على زي أهل التصوف فرد عليه الجواب ورحب به وقعد الشافعي بين يديه وقرأ من الكتاب مذهبه واعتقاده عليه وبعد ذلك جاء شخص آخر قيل هو أبو حنيفة رضي الله عنه وبيده كتاب فسلم وقعد بجنب الشافعي وقرأ من الكتاب مذهبه واعتقاده عليه ثم أتى بعده كل صاحب مذهب إلى أن لم يبق إلا القليل وكل من يقرأ يعقد بجنب الآخر فلما فرغوا إذا واحد من المبتدعة الملقبة بالرافضة قد جاء وفي يده كراريس غير مجلدة فيها ذكر عقائدهم الباطلة وهم أن يدخل الحلقة ويقرأها عل رسول الله فخرج واحد ممن كان مع رسول الله إليه وزجره وأخذ الكراريس من يده ورمى بها إلى خارج الحلقة وطرده وأهانه قال فلما رأيت أن القوم قد فرغوا وما بقي أحد يقرأ عليه شيئا تقدمت قليلا وكان في يدي كتاب مجلد فناديت وقلت يا رسول الله هذا الكتاب معتقدي ومعتقد أهل السنة لو أذنت لي حتى أقرأه عليك فقال رسول الله وأي شيء ذاك قلت يا رسول الله هو قواعد العقائد الذي صنفه الغزالي فإذن لي بالقراءة فقعدت وابتدأت بسم الله الرحمن الرحيم كتاب قواعد العقائد وفيه أربعة فصول الفصل الأول في ترجمة عقيدة أهل السنة في كلمتي الشهادة التي هي أحد مباني الإسلام فنقول وبالله التوفيق الحمد لله المبدئ المعيد الفعال لما يريد ذي العرش المجيد والبطش الشديد الهادي صفوة العبيد إلى المنهج الرشيد والمسلك السديد المنعم عليهم بعد شهادة التوحيد بحراسة عقائدهم عن ظلمات التشكيك والترديد السائق بهم إلى اتباع رسوله المصطفى واقتفاء صحبه الأكرمين بالتأبيد والتسديد المتحلى لهم في ذاته وأفعاله بمحاسن أوصافه التي لا يدركها إلا من ألقي السمع وهو شهيد المعرف إياهم في ذاته أنه واحد لا شريك له فرد لامثل له صمد لا ضد له متفرد لاند له وأنه قديم لا أول له أزلي لا بداية له مستمر الوجود لا آخر له أبدي لا نهاية له قيوم لا انقطاع له دائم لا انصرام له لم يزل ولا يزال موصوفا بنعوت الجلال لا يقضى عليه بالانقضاء تصرم الآباد وانقراض الآجال بل هو الأول والآخر والظاهر والباطن
وأنه ليس بجسم مصور ولا جوهر محدود مقدر وأنه لا يماثل الأجسام لا في التقدير ولا في قبول الانقسام وأنه ليس بجوهر ولا تحله الجواهر ولا بعرض ولا تحله الأعراض بل لا يماثل موجودا ولا يماثله موجود و ليس كمثله شيء ولاهو مثل شيء وأنه لا يحده المقدار ولا تحويه الأقطار ولا تحيط به الجهات ولا تكتنفه الأرضون والسموات وأنه استوى على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون في قبضته وهو فوق العرش وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى فوقيه لا تزيده قربا إلى العرش والسماء بل هو رفيع الدرجات عن العرش والسما كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى وهو مع ذلك قريب من كل موجود وهو أقرب إلى العبيد من حبل الوريد وهو على كل شيء شهيد إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام كما لا ثماثل ذاته ذات الأجسام وأنه لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدس عن أن يحويه زمان بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان وأنه بائن من خلقه بصفاته وليس في ذاته سواه ولا في سواه ذاته وأنه مقدس عن التغير والانتقال لا تحله الحوادث ولا تغيره العوارض بل لا يزال في نعوت جلاله منزها عن الزوال وفي صفات كماله مستغنيا عن زيادة الاستكمال وأنه في ذاته معلوم الوجود بالعقول مرئي الذات بالأبصار نعمة منه ولطفا بالأبرار في دار القرار وإتماما للنعيم بالنظر إلى وجهه الكريم
وأنه حي قادر جبار قاهر لا يعتريه قصور ولا عجز ولا تأخذه سنة ولا نوم ولا يعارضه فناء ولا موت وأنه ذو الملك والملكوت والعزة والجبروت له السلطان والقهر والخلق والأمر السموات مطويات بيمينه والخلائق مقهورون في قبضته وأنه المتفرد بالخلق والاختراع المتوحد بالإيجاد والإبداع خلق الخلق وأعمالهم وقد أرزاقهم وآجالهم لا يشذ عن قبضته مقدور ولا يعزب عن قدرته تصاريف الأمور لا تحصى مقدوراته ولا تتناهى معلوماته
وأنه عالم بجميع المعلومات محيط علمه بما يجري في تخوم الأرضين إلى أعلى السموات لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء بل يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ويدرك حركة الذر في جو الهواء ويعلم السر وأخفى ويطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر وخفيات السرائر بعلم قديم أزلي لم يزل موصوفا في أزل الآزال لا بعلم متجدد حاصل في ذاته بالحلول والانتقال
وأنه مريد للكائنات مدبر للحادثات لا يجري في الملك والملكوت قليل أو كثير صغير أو كبير خير أو شر نفع أو ضر إيمان أو كفر عرفان أو نكر فوز أو خسر زيادة أو نقصان طاعة أو عصيان كفر أو إيمان إلا بقضائه وقدره وحكمه ومشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا يخرج عن مشيئته لفتة ناظر ولا فلتة خاطر بل هو المبدئ المعيد الفعال لما يريد لا راد لحكمة ولامعقب لقضائه ولا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته ولا قوة على طاعته إلا بمحبته وإرادته لو اجتمع الإنس والجن والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته ومشيئة عجزوا عنه وأن إرادته قائمة بذاته في جملة صفاته لم يزل كذلك موصوفا بها مريدا في أزله لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدرها فوجدت في أوقاتها كما أراده في أزله من غير تقدم وتأخر بل وقعت على وفق علمه وإرادته من غير تبديل وتغيير دبر الأمور لا بترتيب افتكار وتربص زمان فلذلك لم يشغله شأن عن شأن
وأنه تعالى سميع بصير يسمع ويرى لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفى ولايغيب عن رؤيته مرئي وإن دق لا يحجب سمعه بعد ولايدفع رؤيته ظلام يرى من غير حدقة وأجفان ويسمع من غير أصمخة وآذان كما يعلم بغير قلب ويبطش بغير جارحة ويخلق بغير آله إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق كما لا تشبه ذاته ذات الخلق وأنه متكلم آمر ناه واعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته لا يشبه كلام الخلق فليس بصوت يحدث من انسلال هواء أو اصطكاك أجرام ولا بحرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان وأن القرآن والتوارة والإنجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله وأن القرآن مقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف محفوظ في القلوب وأنه مع ذلك قديم قائم بذات الله تعالى لا يقبل الانفصال والفراق بالانتقال إلى القلوب والأوراق وأن موسى عليه السلام سمع كلام الله بغير صوت ولا بحرف كما يرى الأبرار ذات الله تعالى من غير جوهر ولا عرض وإذ كانت له هذه الصفات كان حيا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما بالحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام لا بمجرد الذات
وأنه لا موجود سواه إلا وهو حادث بفعله وفائض من عدله على أحسن الوجوه وأكملها وأتمها وأعدلها وأنه حكيم في أفعاله عادل في أقضيته ولا يقاس عدله بعدل العباد إذ العبد يتصور منه الظلم بتصرفه في ملك غيره ولا يتصور الظلم من الله تعالى فإنه لا يصادف لغيره ملكا حتى يكون تصرفه فيه ظلما فكل ماسواه من جن وإنس وشيطان وملك وسماء وأرض وحيوان ونبات وجوهر وعرض ومدرك ومحسوس حادث اخترعه بقدرته بعد العدم اختراعا وأنشأه بعد أن لم يكن شيئا إذ كان في الأزل موجودا وحده ولم يكن معه غيره فأحدث الخلق بعده إظهار لقدرته وتحقيقا لماسبق من إرادته وحق في الأزل من كلمته لا لافتقاره إليه وحاجته وأنه تعالى متفضل بالخلق والاختراع والتكليف لا عن وجوب ومتطول بالإنعام والإصلاح لا عن لزوم فله الفضل والإحسان والنعمة والامتنان إذ كان قادرا على أن يصب على عباده أنواع العذاب ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب ولو فعل ذلك لكان منه عدلا ولم يكن قبيحا ولاظلما وأنه يثيب عباده على الطاعات بحكم الكرم والوعد لا بحكم الاستحقاق واللزوم إذ لا يجب عليه فعل ولا يتصور منه ظلم ولا يجب لأحد عليه حق وأن حقه في الطاعات وجب على الخلق بإيجابه على لسانه أنبيائه لا بمجرد العقل ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة فبلغوا أمره ونهيه ووعده ووعيده فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاءوا به
وأنه تعالى بعث النبي الأمي القرشي محمدا برسالته إلى كافة العرب والعجم والجن والإنس قال فلما بلغت إلى هذا رأيت البشاشة والبشر في وجهه إذ انتهيت إلى نعته وصفته فالتفت إلي وقال أين الغزالي فإذا بالغزالي كأنه واقف على الحلقة بين يديه فقال ها أنا ذا يا رسول الله وتقدم وسلم على رسول الله فرد عليه الجواب وناوله يده العزيزة والغزالي يقبل يده ويضع خديه عليها تبركا به وبيده العزيزة المباركة ثم قعد قال فما رأيت رسول الله أكثر استبشارا بقراءة أحد مثل ما كان بقراءتي عليه قواعد العقائد ثم انتبهت من النوم وعلى عيني أثر الدمع مما رأيت من تلك الأحوال والمشاهدات والكرامات فإنها كانت نعمة جسيمة من الله تعالى سيما في أخر الزمان مع كثرة الأهواء فنسأل الله تعالى أن يثبتنا على عقيدة أهل الحق ويحيينا عليها ويمتنا عليها ويحشرنا معهم ومع الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فإنه بالفضل جدير وعلى ما يشاء قدير قال الشيخ الإمام أبو القاسم الإسفرايني هذا معنى ماحكى لي أبو الفتح الساوي أنه رآه في المنام لأنه حكاه لي بالفارسة وترجمته أنا بالعربية وتتمة الفصل الأول من فصول قواعد العقائد الذي يتم الاعتقاد به ولم يتفق قراءته إياه على رسول الله ومن المصلحة إثباته ليكون الاعتقاد تاما في نفسه غير ناقص لمن أراد تحصيله وحفظه بعد قوله وأنه تعالى بعث النبي الأمي القرشي محمدا برسالته إلى كافة العرب والعجم والجن والإنس فنسخ بشرعة الشرائع إلا ماقرر وفضله على سائر الأنبياء وجعله سيد البشر ومنع كمال الإيمان بشهادة التوحيد وهو قول لا إله إلا الله ما لم تقترن به شهادة الرسول وهو قول محمد رسول الله فألزم الخلق تصديقه في جميع ما أخبر عنه من الدنيا والآخرة وأنه لا يتقبل إيمان عبد حتى يوقن بما أخبر عنه بعد الموت وأوله سؤال منكر ونكير وهما شخصان مهيبان هائلان يعقدان العبد في قبره سويا ذا روح وجسد فيسألانه عن التوحيد والرسالة ويقولان من ربك وما دينك ومن نبيك وهما فتانا القبر وسؤالهما أول فتنة القبر بعد الموت وأن يؤمن بعذاب القبر وأنه حق وحكمه عدل على الجسم والروح على ما يشاء ويؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان وصفته في العظم أنه مثل طباق السموات والأرض توزن فيه الأعمال بقدرة الله تعالى والسنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل تحقيقا لتمام العدل وتطرح صحائف الحسنات في صورة حسنة في كفة النور فيثقل بها الميزان على قدر درجاتها عند الله بفضل الله تعالى وتطرح صحائف السيئات في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله تعالى وأن يؤمن بأن الصراط حق وهو جسر ممدود على متن جهنم أحد من السيف وأدق من الشعرة تزل عليه أقدام الكافرين بحكم الله فيهوى بهم إلى النار وتثبت عليه أقدام المؤمنين فيساقون إلى دار القرار وأن يؤمن بالحوض المورود حوض محمد يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة وبعد جواز الصراط من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا عرضه مسيرة شهر ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل حوله أباريق عددها عدد نجوم السماء فيه ميزابان يصبان من الكوثر ويؤمن بيوم الحساب وتفاوت الخلق فيه إلى مناقش في الحساب و إلى مسامح فيه و إلى من يدخل الجنة بغير حساب وهم المقربون فيسأل من شاء من الأنبياء عن تبليغ الرسالة ومن شاء من الكفار عن تكذيب المرسلين ويسأل المبتدعة عن السنة ويسأل المسلمين عن الأعمال ويؤمن بإخراج الموحدين من النار بعد الانتقام حتى لا يبقى في جهنم موحد بفضل الله تعالى ويؤمن بشفاعة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم سائر المؤمنين كل على حسب جاهه ومنزلته ومن بقي من المؤمنين ولم يكن له شفيع أخرج بفضل الله تعالى ولا يخلد في النار مؤمن بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان وأن يعتقد فضل الصحابة وتربيتهم وأن أفضل الناس بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وأن يحسن الظن بجميع الصحابة ويثنى عليهم كما أثنى الله تعالى ورسوله عليهم أجمعين فكل ذلك مما وردت به السنة وشهدت به الآثار فمن اعتقد جميع ذلك موقنا به كان من أهل الحق وعصابة السنة وفارق رهط الضلال والبدعة فنسأل الله تعالى كمال اليقين والثبات في الدين لنا ولكافة المسلمين إنه أرحم الراحمين و وعلى آله وصحبه أجمعين
قال الإمام أبو عبد الله المازري المالكي مجيبا لمن سأله عن حال كتاب إحياء علوم الدين ومصنفه هذا الرجل يعني الغزالي وإن لم أكن قرأت كتابه فقد رأيت تلامذته وأصحابه فكل منهم يحكي لي نوعا من حاله وطريقته فأتلوح بها من مذهبه وسيرته ماقام لي مقام العيان فأنا أقتصر على ذكر حال الرجل وحال كتابه وذكر جمل من مذاهب الموحدين والفلاسفة والمتصوفة وأصحاب الإشارات فإن كتابه متردد بين هذه الطرائق لا يعدوها ثم أتبع ذلك بذكر حيل أهل مذهب على أهل مذهب آخر ثم أبين عن طرق الغرور وأكشف عما دفن من حبال الباطل ليحذر من الوقوع في حبالة صائدة ثم أثنى على الغزالي في الكشف وقال هو أعرف بالفقه منه بأصوله وأما علم الكلام الذي هو أصول الدين فإنه صنف فيه أيضا وليس بالمستبحر فيها ولقد فطنت لسبب عدم استبحاره فيها وذلك أنه قرأ علم الفلسفة قبل استبحاره في فن أصول الدين فكسبته قراءة الفلسفة جراءة على المعاني وتسهيلا للهجوم على الحقائق لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها وليس لها حكم شرع ترعاه ولا تخاف من مخالفة أئمة تتبعها وعرفني بعض أصحابه أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا وهي إحدى وخمسون رسالة ومصنفها فيلسوف قد خاض في علم الشرع والعقل فمزج ما بين العلمين وذكر الفلسفة وحسنها في قلوب أهل الشرع بأبيات يتلوها عندها وأحاديث يذكرها ثم كان في هذا الزمان المتأخر رجل من الفلاسفة يعرف بابن سينا ملأ الدنيا تآليف في علم الفلسفة وهو فيها إمام كبير وقد أدته قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة وتلطف جهده حتى تم له ما لم يتم لغيره وقد رأيت جملا من دواوينه ورأيت هذا الغزالي يعول عليه في أكثر ما يشير عليه من الفلسفة ثم قال وأما مذاهب الصوفية فلست أدري على من عول فيها ثم أشار إلى أنه عول على أبي حيان التوحيدي ثم ذكر توهية أكثر ما في الإحياء من الأحاديث وقال عادة المتورعين أن لا يقولوا قال مالك قال الشافعي فيمالم يثبت عندهم ثم أشار إلى أنه يستحسن أشياء مبناها على مالا حقيقية له مثل قوله في قص الأظفار أن تبدأ بالسبابة لأن لها الفضل على بقية الأصابع لكونها المسبحة إلى أخر ما ذكر من الكيفية وذكر فيه أثرا وقال من مات بعد بلوغه ولم يعلم أن الباري قديم مات مسلما إجماعا قال ومن تساهل في حكاية هذا الإجماع الذي الأقرب أن يكون فيه الإجماع بعكس ما قال فحقيق أن لا يوثق بما نقل وقد رأيت له أنه ذكر أن في علومه هذه ما لا يسوغ أن يودع في كتاب فليت شعري أحق هو أو باطل فإن كان باطلا فصدق وإن كان حقا وهو مراده بلا شك فلم لا يودع في الكتب الغموضة ودقته قال فإن كان هو فما المانع أن يفهمه عليه هذا ملخص كلام المازري وسبقه إلى قريب منه من المالكية أبو الوليد الطرطوشي فذكر في رسالة إلى ابن مظفر فأما ما ذكرت من أمر الغزالي فرأيت الرجل وكلمته فرأيته رجلا من أهل العلم قد نهضت به فضائله واجتمع فيه العقل والفهم وممارسة العلوم طول زمانه ثم بدا له الانصراف عن طريق العلماء ودخل في غمار العمال ثم تصوف فهجر العلوم وأهلها ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين ولقد كاد ينسلخ من الدين فلما عمل الإحياء عمد يتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية وكان غير أنيس بها ولا خبير بمعرفتها فسقط على أم رأسه وشحن كتابه بالموضوعات انتهى وأنا أتكلم على كلامهما ثم أذكر كلام غيرهما وأتعقبه أيضا وأجتهد أن لا أتعدى طور الإنصاف وأن لا يلحقني عرق الحمية والاعتساف وأسأل الله الإمداد بذلك والإسعاف فما أحد منهم معاصرا لنا ولا قريبا ولا بيننا إلا وصلة العلم ودعوة الخلق إلى جناب الحق فأقول أما المازري فقبل الخوض معه في الكلام أقدم لك مقدمة وهي أن هذا الرجل كان من أذكى المغاربة قريحة وأحدهم ذهنا بحيث اجترأ على شرح البرهان لإمام الحرمين وهو لغز الأمة الذي لا يحوم نحو حماه ولا يدندن حول مغزاة إلا غواص على المعاني ثاقب الذهن مبرز في العلم وكان مصمما على مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه جليلها وحقيرها كبيرها وصغيرها لا يتعداها ويبدع من خالفه ولو في النزر اليسير والشيء الحقير ثم هو مع ذلك مالكي المذهب شديد الميل إلى مذهبه كثير المناضلة عنه وهذان الإمامان أعني إمام الحرمين وتلميذه الغزالي وصلا من التحقيق وسعة الدائرة في العلم إلى المبلغ الذي يعرف كل منصف بأنه ما انتهى إليه أحد بعدهما وربما خالفا أبا الحسن في مسائل من علم الكلام والقوم أعني الأشاعرة لا سيما المغاربة منهم يستصعبون هذا الصنع ولا يرون مخالفة أبي الحسن في نقير ولا قطمير وكأنما عناه الغزالي بقوله . . . وربما ضعفا مذهب مالك في كثير من المسائل كما فعلا في مسألة المصالح المرسلة وعند ذكر الترجيح بين المذاهب فهذان أمران نفر المازري منهما وينضم إلى ذلك أن الطرق شتى مختلفة وقل ما رأيت سالك طريق إلا ويستقبح الطريق التي لم يسلكها ولم يفتح عليه من قبلها ويضع عند ذلك من غيره لا ينجو من ذلك إلا القليل من أهل المعرفة والتمكين ولقد وجدت هذا واعتبرته حتى في مشايخ الطريقة ولا يخفى أن طريقة الغزالي التصوف والتعمق في الحقائق ومحبة إشارات القوم وطريقة المازري الجمود على العبارات الظاهرة والوقوف معها والكل حسن ولله الحمد إلا أن اختلاف الطريقين يوجب تباين المزاجين وبعد مابين القلبين لا سيما وقد انضم إليه ما ذكرناه من المخالفة في المذهب وتوهم المازري أنه يضع من مذهبه وأنه يخالف شيخ السنة أبا الحسن الأشعري حتى رأيته أعني المازري قال في شرح البرهان في مسألة خالف فيها إمام الحرمين أبا الحسن الأشعري وليست من القواعد المعتبرة ولا المسائل المهمة من خطأ شيخ السنة أبا الحسن الأشعري فهو المخطأ وأطال في هذا وقال في الكلام على ماهية العقل في أوائل البرهان وقد حكى عن الأشعري أنه يقول العقل هو العلم وأن الإمام رضي الله عنه قال مقالة الحارث المحاسبي إنه غريزة بعد أن كان في الشامل ينكرها وإنه إنما رضيها لكونه في آخر عمره قرع باب قوم آخرين يشير إلى الفلاسفة فليت شعري ما في هذه المقالة مما يدل على ذلك وأعجب من هذا أنه أعني المازري في أخر كلامه اعترف بأن الإمام لا ينحو نحوهم وأخذ يجل من قدرة وله من هذا الجنس كثير فهذه أمور توجب التنافر بينهم وتحمل المنصف على أن لا يسمع كلام المازري فيهما إلا بعد حجة ظاهرة ولا تحسب أننا نفعل ذلك إزراء بالمازري وحطا من قدره لا والله بل بينا بطريق الوهم عليه وهو في الحقيقة معذور فإن المرء إذا ظن بشخص سوءا قلما أمعن بعد ذلك في النظر إلى كلامه بل يصير بأدنى لمحة أدلت يحمل أمره على السوء ويكون مخطئا في ذلك إلا من وفق الله تعالى ممن برىء عن الأغراض ولم يظن إلا الخير وتوقف عند سماع كل كلمة وذلك مقام لم يصل إليه إلا الآحاد من الخلق وليس المازري بالنسبة إلى هذين الإمامين من هذا القبيل وقد رأيت فعله في حق إمام الحرمين في مسألة الاسترسال التي حكيناها في ترجمة الإمام في الطبقة الرابعة وكيف وهم على الإمام وفهم عنه مالا يفهمه عنه العوام وفوق نحوه سهام الملام إذا عرفت هذه المقدمة فأقول إن ما ادعاه من أنه عرف مذهبه بحيث قام له مقام العيان هو كلام عجيب فإنا لا نستجير أن نحكم على عقيدة أحد بهذا الحكم فإن ذلك لا يطلع عليه إلا الله ولن تنتهي إليه القوانين والأخبار أبدا وقد وقفنا نحن على غالب كلام الغزالي وتأملنا كتب أصحابه الذين شاهدوه وتناقلوا أخباره وهم به أعراف من المازري ثم لم ننته إلى أكثر من غلبة الظن بأنه رجل أشعري المعتقد خاض في كلام الصوفية وأما قوله وذكر جملا من مذاهب الموحدين والفلاسفة والمتصوفة وأصحاب الإشارات فأقول إن عني بالموحدين الذين يوحدون الله فالمسلمون أول داخل فيهم ثم عطف الصوفية عليهم يوهم أنهم ليسوا مسلمين وحاشا لله وإن عني به أهل التوكل على الله فهم من خير فرق الصوفية الذين هم من خير المسلمين فما وجه عطف الصوفية عليهم بعد ذلك وإن أراد أهل الوحدة المطلقة المنسوب كثير منهم إلى الإلحاد والحلول فمعاذ الله ليس الرجل في هذا الصوب وهو مصرح بتكفير هذه الفئة وليس في كتابه شيء من معتقداتهم وأما قوله الغزالي ليس بالمتبحر في علم الكلام فأنا أوافقه على ذلك لكني أقول إن قدمه فيه راسخ ولكن لا بالنسبة إلى قدمه في بقية علومه هذا ظني وأما قوله إنه اشتغل في الفلسفة قبل استبحاره في فن الأصول فليس الأمر كذلك بل لم ينظر في الفلسفة إلا بعد ما استبحر في فن الأصول وقد أشار هو أعني الغزالي إلى ذلك في كتابه المنقذ من الضلال وصرح بأنه توغل في علم الكلام قبل الفسلفة ثم قول المازري قرأ علم الفلسفة قبل استبحاره في علم الأصول بعد قوله إنه لم يكن بالمستبحر في الأصول كلام يناقض أوله آخره وأما دعواه أنه تجرأ على المعاني فليست له جرأة إلا حيث دله الشرع ويدعى خلاف ذلك من لا يعرف الغزالي ولايدري مع من يتحدث ومن الجهل بحاله دعوى أنه اعتمد على كتب أبي حيان التوحيدي والأمر بخلاف ذلك ولم يكن عمدته في الإحياء بعد معارفة وعلومه وتحقيقاته التي جمع بها شمل الكتاب ونظم بها محاسنه إلا على كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي وكتاب الرسالة للأستاذ أبي القاسم القشيري المجمع على جلالتهما وجلالة مصنفيهما وأما ابن سينا فالغزالي يكفره فكيف يقال إنه يقتدى به ولقد صرح في كتاب المنقذ من الضلال أنه لا شيخ له في الفلسفة وسنحكي كلامه في ذلك إن شاء الله تعالى وقوله لا أدري على من عول في التصوف قلت عول على كتاب القوت و الرسالة مع ما ضم إليهما من كلام مشايخه أي على العلائي وأمثاله ومع ما زاده من قبل نفسه بفكره ونظره وما فتح به عليه وهو عندي أغلب ما في الكتاب وليس في الكتاب للفلاسفة مدخل ولم يصنفه إلا بعد ما ازدرى علومهم ونهى عن النظر في كتبهم وقد أشار إلى ذلك في غير موضع من الإحياء ثم في كتاب المنقذ من الضلال ما نصه ثم إني لما ابتدأت بعد الفراغ من علم الكلام بعلم الفلسفة وعلمت يقينا أنه لا يقف على فساد نوع من العلوم من لا يقف على منتهى ذلك العلم حتى يساوي أعلمهم في أصل العلم ثم يزيد عليه ويجاوز درجته فيطلع على ما لم يطلع عليه صاحب العلم من غور وغائلة فإذ ذاك يمكن أن يكون ما يدعيه من فساده حقا ولم أر أحدا من علماء الإسلام وجه عنايته إلى ذلك ولم يكن في كتب المتكلمين من كلامهم حيث اشتغلوا بالرد عليهم إلا كلمات معقدة مبددة ظاهرة النتاقض والفساد ولا يظن الاعتراف بها عاقل عامي فضلا عمن يدعي دقائق العلوم فعلمت أن رد هذا المذهب قبل فهمه والاطلاع على كنهه يرمي في عماية فشمرت عن ساق الجد في تحصيل ذلك العلم من الكتب بمجرد المطالعة من غير استعانة بأستاذ وتعلم فأقبلت على ذلك في أوقات فراغي من التدريس والتصنيف في العلوم الشرعية وأنا مهتم بالتدريس والإفادة لبل غلة نفر من الطلبة ببغداد فأطلعني الله تعالى بمجرد المطالعة في هذه الأوقات على منتهى علومهم في أقل من سنتين ثم لم أزل أواظب على التفكر فيه بعد فهمه قريبا من سنة أعاوده وأراودوه وأتفقد غوائله وأغواره حتى اطلعت على ما فيه من خداع وتلبيس وتحقيق وتحيل اطلاعا لم أشك فيه فاسمع الآن حكايتي وحكاية حاصل علومهم فإني رأيت أصنافا ورأيت علومهم أقساما وهم على كثرة أصنافهم تلزمهم وجهة الكفر والإلحاد وإن كان بين القدماء منهم والأقدمين والأواخر منهم والأوائل تفاوت عظيم في البعد عن الحق والقرب منه انتهى وقال بعده فصل في بيان أصنافهم وشمول سمة الكفر كافتهم واندفع في ذلك فهذا رجل ينادي على كافة الفلاسفة بالكفر وله في الرد عليهم الكتب الفائقة وفي الذب عن حريم الإسلام الكلمات الرائقة ثم يقال إنه بني كتابه على نالتهم فيا لله ويا للمسلمين نعوذ بالله من تعصب يحمل على الوقيعة في أئمة الدين وأما ما عاب به الإحياء من توهنه بعض الأحاديث فالغزالي معروف بأنه لم تكن له في الحديث يد باسطة وعامة ما في الإحياء من الأخبار والآثار مبدد في كتب من سبقه من الصوفية والفقهاء ولم يسند الرجل لحديث واحد وقد اعتنى بتخريج أحاديث الاحياء بعض أصحابنا فلم يشذ عنه إلا اليسير وسأذكر جملة من أحاديثه الشاذة استفادة وأما ما ذكروه في بعض قص الأظفار فالأمر المشار إليه يروي عن علي كرم الله وجهه غير أنه لم يثبت وليس في ذلك كبير أمر ولا مخالفة شرع وقد سمعت جماعة من الفقراء يذكرون أنهم جربوه فوجدوه لا يخطىء من داومة أمن من وجع العين ويروون من شعر علي كرم الله وجهه هذا أبدا بيمناك وبالخنصر ** في قص أظفارك واستبصر واختم بسبابتها هكذا ** لا تفعل في الرجل ولاتمتر وابدا ليسراك بإبهامها ** والأصبع الوسطى وبالخنصر ويتبع الخنصر سبابة ** بنصرها خاتمة الأيسر هذا أمان لك قد حزته ** من رمد العين كما قد قرى وأما قول المازري عادة المتورعين أن لا يقولوا قال مالك إلى آخره فليس ما قال الغزالي قال سول الله على سبيل الجزم وإنما يقول عزو بتقدير الجزم فلو لم يغلب على ظنه لم يقله وغايته أنه ليس الأمر على ما ظن وسنعقد فضلا للأحاديث المنكرة في كتاب الإحياء وأما مسألة من مات ولم يعلم قدم الباري ففرق بين عدم اعتقاد بالقدم واعتقاد أن لا قدم والثاني هو الذي أجمعوا على تكفيره من اعتقده فمن استحضر بذهنه صفة القدم ونفاها عن الباري و أوجبها منفية أوشك في انتفائها كان كافرا وأما الساذج في مسألة القدم الخالي الخلو المؤمن بالله على الجملة فهو الذي ادعى الغزالي الإجماع على أنه مؤمن على الجملة ناج من حيث مطلق الإيمان الجملي ومن البلية العظمى والمصيبة الكبرى أن يقال عن مثل الغزالي إنه غير موثوق بنقله فما أدري ما أقول ولا بأني يلقى الله يعتقد ذلك في هذا الإمام وأما تقسيم المازري في العلم الذي أشار حجة الإسلام أنه لا يودع في كتاب فوددت لو لم يذكره فإنه شبه عليه وهذا المازري كان رجلا فاضلا ركنا ذكيا وما كنت أحسبه يقع في مثل هذا أو خفي عليه أن للعلوم دقائق نهى العلماء عن الإفصاح بها خشية على ضعفاء الخلق وأمور أخر لاتحيط بها العبارات ولا يعرفها إلا أهل الذوق وأمور أخر لم يأذن الله في إظهارها لحكم تكثر عن الإحصاء وماذا يقول المازري فيما خرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي الطفيل سمعت عليا رضي الله عنه يقول حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله وكم مسألة نص العلماء عن عدم الإفصاح بها خشية على إفضاح من لا يفهمها وهذا إمامنا الشافعي رضي الله عنه يقول إن الأجير المشترك لا يضمن قال الربيع وكان لا يبوح به خوفا من أجير السوء قال الربيع أيضا وكان الشافعي رضي الله عنه يذهب إلى أن القاضي يقضي بعلمه وكان لا يبوح به مخافة قضاة السوء فقد لاح لك بهذا أنه ربما وقع السكوت عن بعض العلم خشية من الوقوع في محذور ومثل ذلك يكثر وأما كلام الطرطوشي فمن الدعاوي العارية عن الأدلة وما أدري كيف استجار في دينه أن ينسب هذا الحبر إلى أنه دخل في وسواس الشيطان ولا من أين أطلع على ذلك وأما قوله شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج فلا أدري أي رموز في هذا الكتاب غير إشارات القوم التي لا ينكرها عارف وليس للحلاج رموز يعرف بها وأما قوله كاد ينسلخ من الدين فيالها كلمة وقانا الله شرها وأما دعواه أنه غير أنيس بعلوم الصوفية فمن الكلام البارد فإنه لا يرتاب ذو نظر بأن الغزالي كان ذا قدم راسخ في التصوف وليت شعري إن لم يكن الغزالي يدري التصوف فمن يدريه وأما دعواه أنه سقط على أم رأسه فوقيعة في العلماء يغير دلالة فإنه لم يذكر لنا بماذا سقط كفاه الله وإيانا غائلة التعصب وأما الموضوعات في كتابه فليت شعري أهو واضعها حتى ينكر عليه إن هذا إلا تعصب بارد وتشنيع بما لا يرتضيه ناقد ولقد ماجوا في هذا الإحياء الذي لا ينبغي لعالم أن ينكر مكانته في الحسن والإفادة ولقد قال بعض المحققين لو لم يكن للناس في الكتب التي صنفها الفقهاء الجامعون في تصانيفهم بين النقل والنظر والفكر والأثر غيره لكفى وهو من الكتب التي ينبغي للمسلمين الاعتناء بها وإشاعتها ليهتدي بها كثير من الخلق وقلما ينظر فيه ناظرا إلا وتيقظ به في الحال رزقنا الله بصيرة ترينا وجه الصواب ووقانا شر ما هو بيننا وبينه حجاب وللشيخ تقي الدين ابن الصلاح في حق الغزالي كلام لا نرتضيه ذكره على المنطق تكلمنا عليه في أوائل شرحنا للمختصر لابن الحاجب وكتب إلى مرة الخافظ عفيف الدين المطري المقيم بمدينة سيدنا رسول الله كتابا سألني أن أسال الشيخ الإمام رأيه فذكرت له ذلك فكتب إلي الجواب بما نصه الحمد لله الولد عبد الوهاب بارك الله فيه وقفت على ما ذكرت مما سأل عنه الشيخ الإمام العالم القدوة عفيف الدين المطري نفع الله به في ترجمة الغزالي وأبي حيان التوحيدي وما ذكرته أنت في الطبقات في ترجمة التوحيدي وما عندي فيه أكثر من ذلك فتكتبه له وكذلك الغزالي ما عندي فيه زيادة على ما ذكره ابن عساكر وغيره ممن ترجمه وماذا يقول الإنسان فيه وفضله واسمه قد طبق الأرض ومن خبر كلامه عرف أنه فوق اسمه وأما ما ذكره الشيخ تقي الدين ابن الصلاح وما ذكره من عند نفسه ومن كلام يوسف الدمشقي والمازري فما أشبه هؤلاء الجماعة رحمهم الله إلابقوم متعبدين سليمة قلوبهم قد ركنوا إلى الهوينا فرأوا فارسا عظيما من المسلمين قد رأى عدوا عظيما لأهل الإسلام فحمل عليهم وانغمس في صفوفهم وما زال في غمرتهم حتى فل شوكتهم وكسرهم وفرق جموعهم شذر بذر وفلق هام كثيرة منهم فأصابه يسير من دمائهم وعاد سالما فرأوه وهو يغسل الدم عنه ثم دخل معهم في صلاتهم وعبادتهم فتوهموا أيضا أثر الدم عليه فأنكروا عليه هذا حال الغزالي وحالهم والكل إن شاء الله مجتمعون في مقعد صدق عند مليك مقتدر وأما المازري . . . . . . لأنه مغربي وكانت المغاربة لما وقع بهم كتاب الإحياء لم يفهموه فحرفوه فمن تلك الحالة تكلم المازري ثم إن المغاربة بعد ذلك أقبلوا عليه ومدحوه بقصائد منه قصيدة أباحامد أنت المخصص بالحمد ** وأنت الذي علمتنا سنن الرشد وضعت لنا الإحياء تحي نفوسنا ** وتنقدنا من ربقة المارد المردي وهي طويلة وإن كنت لا أرتضي قوله أنت المخصص بالحمد ويتأول لفاعليه أنه من بين أقرانه أو من بين من يتكلم فيه وأين نحن من فوقنا وفوقهم من فهم كلام الغزالي أو الوقوف على مرتبته في العلم والدين والتأله ولا ينكر فضل الشيخ تقي الدين وفقهه وحديثه ودينه وقصده الخير ولكن لكل عمل رجال ولا ينكر علو مرتبة المازري ولكن كل حال لا يعرفه من لم يذقه أو يشرف عليه وكل أحد إنما يتكيف بما نشأ عليه ووصل إليه وأمامن ذكر أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في هذا المقام فالله يوفقنا وأياه لفهم مقامهما على قدرنا وأما على قدرهما فمستحيل بل وسائر الصحابة لا يصل أحد ممن بعدهم إلى مرتبتهم لأن أكثر العلوم التي نحن نبحث وندأب فيها الليل والنهار حاصلة عندهم بأصل الخلقة من اللغة والنحو والتصريف وأصول الفقه ما عندهم من العقول الراجحة وما أفاض الله عليهم من نور النبوة العاصم من الخطأ في الفكر يغني عن المنطق وغيره من العلوم العقلية وما ألف الله بين قلوبهم حتى صاروا بنعمته أخوانا يغني عن الاستعداد للمناظرة والمجادلة فلم يكن يحتاجون في علومهم إلا إلى مايسمعونه من النبي من الكتاب والسنة فيفهمونه أحسن فهم ويحملونه على أحسن محمل وينزلونه منزلته وليس بينهم من يمارى فيه ولا يجادل ولا بدعة ولا ضلالة ثم التابعون على منازلهم ومنوالهم قريبا منهم ثم أتباعهم وهم القرون الثلاثة التي شهد النبي لها بأنها خير القرون بعده ثم نشأ بعدهم وكان قليلا في أثناء الثاني والثالث أصحاب بدع وضلالات فاحتاجت العلماء من أهل السنة إلى مقاومتهم ومجادلتهم ومناظرتهم حتى لا يلبسوا على الضعفاء أمر دينهم ولا يدخلوا في الدين ما ليس منه ودخل في الكلام أهل البدع من كلام المنطقين وغيرهم من أهل الإلحاد شيء كثير ورتبوا علينا شبها كثيرة فإن تركناهم وما يصنعون استولوا على كثير من الضعفاء وعوام المسلمين والقاصرين من فقهائهم وعلمائهم فأضلوهم وغيروا ما عندهم من الاعتقادات الصحيحة وانتشرت البدع والحوادث ولم يمكن كل واحد أن يقاومهم وقد لا يفهم كلامهم لعدم اشتغاله به وإنما يرد الكلام من يفهمه ومتى لم يرد عليه تعلو كلمته ويعتقد الجهلاء والأمراء والملوك و المستولون على الرعية صحة كلام ذلك المبتدع كما اتفق في كثير من الأعصار وقصرت همم الناس عما كان عليه المتقدمون فكان الوجب أن يكون في الناس من يحفظ الله به عقائد عباده الصالحين ويدفع به شبه الملحدين وأجره أعظم من أجر المجاهد بكثير ويحفظ أجر بقية الناس عبادات المتعبدين واشتغال الفقهاء والمحدثين والمقرئين والمفسرين وانقطاع الزاهدين لا يعرف الشوق إلا من يكابده ** ولا الصبابة إلا من يعانيها واللائق بابن الصلاح وأمثاله أن يشكر الله على ما أنعم به من الخير وما قيض الله له من الغزالي وأمثاله الذين تقدموه حتى حفظوا له مايتعبد به وما يشتغل به وما يحتمل هذا الموضع بسط القول في ذلك وإذا كان في الإحياء أشياء يسيرة تنتقد لا تدفع محاسن أكثره التي لا توجد في كتاب غيره وكم من منه للغزالي وسواء عرف من أخذ عنه التصوف أم لا فالاعتقادات هي هبة من الله تعالى وليست رواية انتهى وما أشرت إليه من كلام ابن الصلاح في الغزالي هو ما ذكره في الطبقات من إنكاره عليه المنطق وقوله في أول المستصفى هذه مقدمة العلوم كلها ومن لا يحيط بها فلا ثقة بمعلومه أصلا ثم حكايته كلام المازري وقد أوردناه وذكر ابن الصلاح أن كتاب المضنون المنسوب إليه معاذ الله أن يكون له وبين سبب كونه مختلفا موضوعا عليه والأمر كما قال وقد اشتمل المضنون على التصريح بقدم العالم ونفى العلم القديم بالجزئيات ونفى الصفات وكل واحدة من هذه يكفر الغزالي قائلها هو وأهل السنة أجمعون وكيف يتصور أنه يقولها ومما حكى واشتهر عن الشيخ العارف أبي الحسن الشاذلي وكان سيد عصره وبركة زمانه أنه رأى النبي في النوم وقد باهى عليه الصلاة والسلام موسى وعيسى عليهما السلام بإلإمام الغزالي وقال أفي أمتيكما حبر كهذا قالا لا وسئل السيد الكبير العارف بالله سيد وقته أيضا أبو العباس المرسي تلميذ الشيخ أبي الحسن عن الغزالي فقال أنا أشهد له بالصديقية العظمى وعن الشيخ الكبير الجليل العارف بالله أوحد الأولياء أبي العباس أحمد بن أبي الخير اليمني المعروف بالصياد وهو من أولياء الله ببلاد اليمن أراه في حدود الخمسين والخمسمائة أنه رأى في بعض الأيام وهو قاعد أبواب السماء مفتحة وإذا بعصبة من الملائكة قد نزلوا إلى الأرض ومعهم خلع خضر ودابة من الدواب فوقفوا على رأس قبرمن القبور وأخرجوا شخصا من قبره وألبسوه الخلع وأركبوه على الدابة وصعدوا به إلى السماء ثم لم يزالوا يصعدون به من سماء إلى سماء حتى جاوزا السبع السموات كلهاوخرق بعدها سبعين حجابا قال فتعجبت من ذلك وأردت معرفة ذلك الراكب فقيل لي هو الغزالي ولا علم لي إلى أين بلغ انتهاؤه قلت فإذا كان هذا كلام أهل الله ومرائيهم في هذا الحبر وقد قدمنا كلام أهل العلم من معاصريه فمن بعدهم فيه وذكرنا اليسير من سيرته فكيف يسوغ أن يقال إنه كاد ينسلخ من الدين ولقد وقعت في بلاد المغرب بسبب الإحياء فتن كثيرة وتعصب أدي إلى أنهم كادوا يحرقونه وربما وقع إحراق يسير وقد قدمنا من ذلك شيئا
وهو الشيخ أبو الحسن بن حرزهم بكسر الحاء المهملة وسكون الراء بعدها زاي وربما قيل ابن حرازهم لماوقف على الإحياء تأمل فيه ثم قال هذا بدعة مخالف للسنة وكان شيخا مطاعا في بلاد المغرب فأمر بإحضار كل ما فيها من نسخ الإحياء وطلب من السلطان أن يلزم الناس بذلك فكتب إلى النواحي وشدد في ذلك وتوعد من أخفى شيئا منه فأحضر الناس ما عندهم واجتمع الفقهاء ونظروا فيه ثم أجمعواعلى إحراقه يوم الجمعة وكان ذلك يوم الخميس فلما كان ليلة الجمعة رأى أبو الحسن المذعور في المنام كأنه دخل من باب الجامع الذي عادته يدخل منه فرأى في ركن المسجد نورا وإذا بالنبي وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما جلوس والإمام أبو حامد الغزالي قائم وبيده الإحياء فقال يا رسول الله هذا خصمي ثم جثا على ركبتيه وزحف عليهما إلى أن وصل إلى النبي فناوله كتاب الإحياء وقال يا رسول الله انظر فيه فإن كان بدعة مخالفا لسنتك كما زعم تبت إلى الله تعالى وإن كان شيئا تستحسنه حصل لي من بركتك فأنصفني من خصمي فنظر فيه رسول الله ورقة ورقة إلى آخره ثم قال والله إن هذا شيء حسن ثم ناوله أبا بكر فنظر فيه كذلك ثم قال نعم والذي بعثك بالحق يا رسول الله إنه لحسن ثم ناوله عمر فنظر فيه كذلك ثم قال كما قال أبوبكر ثم فأمر النبي يتجريد أبي الحسن من ثيابه وضربه حد المفترى فجرد وضرب ثم شفع فيه أبو بكر بعد خمسة أسواط وقال يا رسول الله إنما فعل هذا اجتهاد في سنتك وتعظيما فعفا عنه أبو حامد عند ذلك فلما استيقظ من منامه وأصبح أعلم أصحابه بما جرى ومكث قريبا من الشهر متألما من الضرب ثم سكن عنه الألم ومكث إلى أن مات وأثر السياط على ظهره وصار ينظر كتاب الإحياء ويعظمه ويبجله أصلا أصلا وهذا حكاية صحيحية حكاها لنا جماعة من ثقات مشيختنا عن الشيخ العارف ولي الله ياقوت الشاذلي عن شيخه السيد الكبير ولي الله تعالى أبي العباس المرسي عن شيخه الشيخ الكبير ولي الله أبي الحسن الشاذلي رحمهم الله تعالى أجمعين
|