الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
سبط إمام الحرمين أبي المعالي الجويني كان يعرف بالفخر وهو من بيت الإمامة والعلم قال ابن السمعاني في التحبير صار مقدم الأصحاب بنيسابور مدة وكان يرجع إلى فضل وذكاء وفطنة يناظر ويذكر سمع معي من جده هبة الله بن سهل السيدي ووصل إلى نعيه وأنا ببغداد في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة قلت كذا في التحبير وفي كتاب ابن باطيش وابن باطيش من التحبير يأخذ وفي هذه السنة توفي جده هبة الله بن سهل صاحب الأحوال والكرامات والجد في العبادات نزيل مكة وشيخ الحرم في وقته كان أحد المشهورين بالزهد والورع قال ابن السمعاني أقام بمكة قريبا من أربعين سنة على الجد والاجتهاد في العبادة والرياضة وقهر النفس وكان ابتداء أمره أنه كان يتفقه بالمدرسة قلت أحسبها النظامية فلاح له شيء فخرج على التجريد إلى مكة وبقي بها إلى أن توفي وكان يلبس الخشن ويأكل الجشب ويزجي وقته على ذلك صابرا فيه وسمعت بعضهم يقول إنه كان لا يدخل المسجد الحرام في وقت الموسم واجتماع الناس إلا على سبيل الندرة وإنه كان يدخل الحرم وعليه إزار خشن مشدود بالليف على وسطه ومعه مكتل يلتقط البعر من المسجد الحرام ويطرحه في المكتل ويخرجه من مكة ويرميه خارجا منها وسمعت هبة الله القشيري بنيسابور يقول لما كنت بمكة أردت أن أزور الشيخ عبد الملك الطبري فدللت إليه فمضيت عليه فوجدته محموما منطرحا فلمادخلت عليه تكلف وجلس وقال أنا إذا حممت أفرح بذلك لأن النفس تشتغل بالحمى فلا تشغلني عما أنا فيه وأخلو بقلبي كما أريد قال ابن السمعاني قرأت بخط الأديب أبي الحسن علي بن حسكويه المراغي سمعت الحسين الزغنداني يقول رأيت حوضا يقال به عنبر والماء في أسفله بحيث لا تصل إليه اليد فرأيت غير مرة الشيخ عبد الملك توضأ منه وارتفع الماء إلى أن وصلت يده إليه ثم عاد الماء بعد فراغه قال الحسين وغاب الشيخ وقتا عن نفسه فدنوت منه وأسندته إلى صدري بحيث كان رأسه عند صدري وكان الناس يتزاحمون عليه وكنت أذبهم عنه فدخل واحد فسأله عن مسألتين فما أجاب ثم سأله مسألة ثالثة فأجاب فبعد مدة سألت الشيخ عن السكوت عن المسألتين والجواب عن الثالثة فقال لقنني الثالثة رسول الله وسكت عن الأوليين فما أجبت عنهما وقال الحسين قصدت الشيخ عبد الملك يوما فلم أصادفه في موضعه وكنت أسمع صوتا فطلبته في خربة فوجدته وكان ذلك الصوت من غليان صدره وقال الحسين كنت مع الشيخ عبد الملك ليلة في المسجد الحرام وكانت ليلة باردة وكان ظهر الشيخ قد تشقق من البرد وكان عريانا فنام على باب المسجد فوضع يده اليمنى تحت خده واليد اليسرى على رأسه وكان يذكر الله تعالى فقلت لو نمت في زاوية من زوايا المسجد كان أصلح وكان يكنك من البرد فقال نمت في بعض الليالي في المسجد فرأيت شخصين دخلا المسجد وتقدما إلى وقالا لا تنم في المسجد فقلت لهما من أنتما فقالا نحن ملكان فانتبهت وما نمت بعد ذلك في المسجد قال الحسين وكان أكثر ذكر الشيخ عبد الملك سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وبحمده قال الحسين سألت الشيخ هل رأيت في الحرم عجبا قال رأيت حمامة بيضاء طافت أسبوعا بالكعبة في الهواء ثم جاءت فوقفت على باب الكعبة هذا مختصر من كلام ابن السمعاني رحمة الله عليهما ورضوانه سمع أباه وأبا عثمان سعيد بن محمد البحيري وأبا بكر البيهقي وغيرهم وسافر بعد وفاة والده مع أخيه أبي نصر عبد الرحيم إلى الحج فسمع ببغداد أبا الحسين بن النقور وأبا نصر الزينبي وغيرهما وحج وسمع بمكة ثم ورد بغداد كرة بعد كرة وحدث بها وروى عنه من أهلها عبد الوهاب الأنماطي والمبارك بن كامل الخفاف وغيرهما وعاد إلى نيسابور وحدث بها أكثر من عشرين سنة وروى عنه من أهلها المؤيد ابن محمد الطوسي وغيره مولده في صفر سنة خمس وأربعين وأربعمائة وتوفي في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة قال ابن السمعاني تفقه وبرع في الفقه حتى صار يفتي بأصبهان ويرجع إليه في الوقائع سمع ببغداد القاضي أبا الطيب الطبري وغيره روى عنه أبو المعمر الأنصاري توفي سنة خمس عشرة وخمسمائة صاحب البحر أحد أئمة المذهب ولد في ذي الحجة سنة خمس عشرة وأربعمائة وتفقه على أبيه وجده ببلده وعلى ناصر المروزي بنيسابور ومحمد بن بيان الكازروني بميافارقين وسمع عبد الله بن جعفر الخبازي وأبا إسحاق إبراهيم بن محمد المطهري وأبا حفص بن مسرور ومحمد بن بيان الكازروني شيخه وأبا غانم أحمد ابن علي الكراعي وأبا عثمان الصابوني وجده أبا العباس الروياني وأبا منصور محمد ابن عبد الرحمن الطبري وغيرهم بآمل ونيسابور وبخارى وغزنة ومرو وغيرها روى عنه زاهر الشحامى وابو الفتوح الطائي وابو رشيد إسماعيل بن غانم وأبو طاهر السلفي وإسماعيل بن محمد التيمي الحافظ وخلق كثيرون وكان يلقب فخر الإسلام وله الجاه العريض في تلك الديار والعلم الغزيز والدين المتين والمصنفات السائرة في الآفاق والشهرة بحفظ المذهب يضرب المثل باسمه في ذلك حتى يحكى أنه قال لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي قلت ولا يعني بكتبه منصوصاته فقط بل منصوصاته وكتب أصحابه هذا هو الذي يراد عند إطلاق كتب الشافعي وكان نظام الملك كثير التعظيم له قال فيه القاضي أبو محمد الجرجاني نادرة العصر إمام في الفقه وقال ابن السمعاني كان من رءوس الأئمة والأفاضل لسانا وبيانا له الجاه العريض والقبول التام في تلك الديار وحميد المساعي والآثار والتصلب في المذهب والصيت في البلاد المشهورة والأفضال على المنتابين والقاصدين إليه وقال العماد محمد بن أبي سعد وهو صدر الري في زمانه أبو المحاسن الروياني شافعي عصره قلت ولي القاضي أبو المحاسن قضاء طبرستان ورويان من قراها وهي بضم الراء وسكون الواو والفقهاء يهمزون الروياني والمعروف أنه بغير همز وكان القاضي فيما أحسب مدرس نظامية طبرستان ثم انتقل إلى آمل وهي وطن أهله فأقام بها إلى يوم الجمعة عند ارتفاع النهار حادي عشر المحرم سنة اثنتين وخمسمائة فقتلته الملاحدة حسدا ومات شهيدا بعد فراغه من الإملاء وهو ممن دخل بغداد وذكره ابن السمعاني في الذيل وأخل به ابن النجار ومن تصانيفه البحر وهو وإن كان من أوسع كتب المذهب إلا أنه عبارة عن حاوي الماوردي مع فروع تلقاها الروياني عن أبيه وجده ومسائل أخر فهو أكثر من الحاوي فروعا وإن كان الحاوي أحسن ترتيبا وأوضح تهذيبا ومن تصانيفه أيضا الفروق والحلية والتجربة والمبتدا وحقيقة القولين ومناصيص الشافعي والكافي وغير ذلك
قال في الحلية في باب الرهن إذا رأى المحتسب في دار خمرا علم أنها محترمة يجوز أبقاؤها فلا يريقها في قول أكثر أصحابنا خلافا للقفال وقال في البحر في مسألة من تيقن طهارة وحدثا وجهل الأول تفريعا على الوجه المشهور وهو أنه يحكم الآن بضدما كان قبلهما وهو رأى ابن القاص والأكثر وإن قال عرفت قبل هاتين الحالتين حدثا وطهارة ولا أدري أيهما كان الأول اعتبرنا ما كان مستقبل هاتين الحالتين الأوليين فإن عرف الطهارة من نفسه قبلهما جاز له أن يصلي الآن وإن عرف الحدث قبلهما لم يجز له أن يصلي الآن ما لم يتطهر قال فجواب هذه المسألة بعكس ما ذكرنا وهما سواء في المعنى إذا تأملته وهذا على قول ابن أبي أحمد انتهى يعني ابن القاص والحاصل أنه في الأوتار يحكم بضد ما كان قبل وفي الأشفاع بمثله وهو واضح للمتأمل وحكي في البحر وجها فيما إذا اشتبهت نجاسة مكان من بيت أنه يتحرى فيه كالثوبين والبيتين قال والصحيح لا يتحرى بل يغسل الكل كبعض مجهول من ثوب قلت وبالصحيح جزم الوالد في شرح المنهاج قال في البحر قبيل كتاب الشهادات إذا اعتقد الشاهد أن الحاكم لا يصلح للقضاء لكنه يوصل المشهود له إلى حقه بشهادته لزمه أن يشهد عنده ذكره أصحابنا انتهى وأصل هذا الفرع في تعليقه الشيخ أبو حامد فإن فيها ما نصه فرع إذا سأله المشهود له أن يشهد له عند سلطان أوحاكم والشاهد يعتقد أن الحاكم أو السلطان ليس من أهل الولاية ويعلم أنه إن شهد عنده أوصل المشهود له إلى حقه فإنه يلزمه أن يشهد عنده لأن الشهادة حق للمشهود له ويمكنه أن يتوصل به إلى حقه انتهى وعبارته كما ترى السلطان أو الحاكم ولا يعني بالحاكم القاضي أما القاضي الذي لا يصلح فسنذكر ما فيه عن حكاية الرافعي عن أبي الفرج وقد ذكر الرافعي اختلاف ابن القطان وابن كج في شاهد دعي لأداء الشهادة عند أمير أووزير هل تلزمه الإجابة وصحح النووي قول ابن كج وهو أنه تلزمه إذا علم أنه يصل به إلى الحق قلت والقاضي غير الصالح كالأمير أو خير حالا لأن اسم القضاء وسماع الشهادة يختص بمنصبه أو شر حالا لأن منصبه احلف كل ذلك محتمل فلا يبعد أن يطرقه الخلاف بل قد طرقه ألا ترى أن الرافعي ذكر أن الشيخ أبا الفرج حكي وجهين في أنه هل يجب الحضور عند قاض جائر أو متعنت وأداء الشهادة عنده لأنه لا يأمن أن يرد شهادة فيتغير قال الرافعي وعلى هذا فعداله القاضي واستجماعه الصفات الشرعية شرط آخر من شرائط الوجوب يعني في الأداء ومراد ابن القطان وابن كج بالأمير غير مراد ابن الحداد به في قوله ولو أن وصيا على يتيم ولي الحكم إلى قوله لم يكن له أن يحكم حتى يصير إلى الإمام أو الأمير فيدعي المسألة فإن مراده بالأمير من جعل له الحكم من الأمراء ومراد ابن القطان وابن كج من لا حكم له منهم بل يقدم على الحكم ظلما وكذلك كانت عبارة الشيخ أبي علي في شرح الفروع على غير مراد ابن الحداد ما نصه أو الأمير الذي ولاه القاضي على أن الروياني ذكر في البحر في باب من تجوز شهادته ومن لا تجوز مسألة ابن القطان وفصل فيها فقال إن كان الأمير ممن يجوز له الإلزام بالحقوق لزمت تأدية الشهادة عنده والإ فلا وصورة مسألة ابن القطان فيمن ليس له ذلك فإذا الروياني مرجح لمقالة ابن القطان ولكن يريد باللزوم أن الشاهد المشتهر بالفسق يلزمه تأدية الشهادة كما سننقله عن تصريح الماوردي والروياني للإيصال إلى الحق فكذلك من يؤدي عند من لا يصلح بل وقال الروياني في هذا المكان أيضا إذا أراد النظر إلى أجنبية للشهادة مرة واحدة وهو يعلم أنه لا تقع له المعرفة بالكرة الواحدة فأبصرها على وجه لو رآها ثانيا علم أنها تلك المرأة يحتمل أن يقال لا يفسق لأن لهذه الرؤية تأثيرا في شهادته لأن الرؤية لو تكررت حتى وقعت المعرفة على الوجه الذي ذكرناه كان المؤثر في ذلك جميع ما تقدم وإن كان هذا القدر غير كاف في جواز الشهادة بذلك لا يفسق لجواز أداء الشهادة بهذه الرؤية بعد الحرية وإن كانت لا تقبل في الحال ويحتمل أن يقال يفسق لأن التحمل لا يقع بهذه الرؤية فهي إذا غير معتبرة فصار كالرؤية لا لغرض صحيح ويفارق مسألة العبد فإن التحمل هناك يقع بتلك الرؤية على وجه الصحة فصارت الرؤية معتبرة وقال في باب من تجوز شهادته ومن لا تجوز شهادته من يستبيح دم مسلم لا يقتل عليه وإن كان متأولا وقد قدمناه هذا في الطبقة الأولى في ترجمة أحمد بن صالح المصري وجزم بأن الكذب عن قصد يرد الشهادة قال لأنه حرام بكل حال قال قال القفال إلا أن يكون على عادة الكتاب والشعراء في المبالغة قال وقيل إذا ترك صلاة واحدة بالاشتغال بشيء هل تسقط عدالته فيه وجهان وهذا ليس بشيء انتهى يعني والصواب القطع بالسقوط لتعمده واعلم أن الرافعي اقتصر على عزو وجه عدم سقوط العدالة إلى التهذيب وهو في تعليقة القاضي الحسين وغيرها فرأيت به أن كلام البحر مما يقتضي جعل المسألة على طريقين إحداهما القطع بالسقوط وقال في الفاسق يدعى إلى أداء شهادة تحملها إن كان ظاهر الفسق لم يلزمه أداؤها وإن كان فسقه باطنا لزمه لأن رد شهادته بالفسق الظاهر متفق عليه وبالباطن مختلف فيه وعزاه إلى الحاوي وهي مسألة مليحة والذي في الرافعي أنه إذا كان مجمعا عليه ظاهرا أو خفيا لم يجز له أن يشهد فضلا عن الوجوب وقضية كلام الحاوي والبحر أن الخفي غير مجمع على الرد به وهو حسن ويخرج منه فاسق لا يرد لعدم علم القاضي بفسقه قال في البحر في الفروع المنثورة آخر كتاب الأقضية مانصه فرع إذا زنى بأمره وعنده أنه ليس ببالغ فبأن أنه كان بالغا هل يلزمه الحد فيه وجهان انتهى وقد غلط بعض المتأخرين كما نبه ابن الرفعة عليه فنسب إلى صاحب البحر حكاية وجهين في وجوب الحد على الصبي وهذا لا حكاه صاحب البحر ولا غيره وإنما الذي حكاه ما ذكرناه قلت وقد قال في البحر قبيل باب اختلاف نية الإمام والمأموم في صلاة الصبي وأومأ في الأم إلى أنها تجب قبل بلوغه ولكنه لا يعاقب علىتركها عقوبة البالغ ورأيت كثيرا من المشايخ يرتكبون هذا القول في المناظرة وليس بمذهب لأنه غير مكلف أصلا وإنما هذا قول أحمد في رواية أنها تجب على الصبي إذا بلغ عشرا انتهى قلت وهو ما يحكى عن ابن سريج أن الصلاة تجب على الصبي إذا بلغ عشرا وجوب مثله وإن لم يأثم بتركها إذ لو لم تجب لما ضرب عليها وقد ذكر أن الشافعي أشار إليه الكلب يلغ في ماء يشربه المرء ثم يبوله اختار الروياني في الحلية الاكتفاء بمرة واحدة في الغسل من ولوغ الكلب وزعم فيه أن الأخبار فيه متعارضة وليس كما زعم ثم استدل على اختياره بأنه لو شرب الماء الذي ولغ فيه الكلب ثم بال قال الشافعي يغسل من بوله مرة ويغسل فاه سبعا قال الروياني وقد زادت النجاسة باستحالته بولا وعليه العمل في جميع بلاد الإسلام وتشكيك النفس فيه من الوسواس انتهى فأن تجزى مرة واحدة ولم يستحل أولى وأجدر وما حكاه عن النص مسألة حسنه الدخول في صلاة الصبح بغلس والخروج منها بغلس قال الروياني في التجربة يستحب أن يدخل في صلاة الصبح بغلس ويخرج منها بغلس نص عليه ومن أصحابنا من قال يدخل بغلس ويخرج بالإسفار جمعا بين الأخبار وهو حسن لكنه خلاف المذهب الشاهد الواحد يشهد بطلوع فجر رمضان أو غروب شمسه قال في البحر قبيل باب الأيام التي نهى عن الصيام فيها في فروع نقلها عن أبيه فرع إذا شهد عدل بطلوع الفجر في رمضان هل يلزمه الإمساك عن الطعام أو يعتبر قول اثنين إذا لم يمكنه معرفة الحال قال يعني أباه يحتمل وجهين وهما مبنيان على قبول شهادة الواحد في هلال رمضان وهذا لأن مقتضاه وجوب الصوم والإمساك كذلك وفي الشهادة على غروب الشمس لا بد من اثنين كالشهادة على هلال شوال انتهى واختار الوالد رحمه الله بعد ما حكى هذا الكلام اعتماد الواحد في الموضعين من أولاد المحدثين تفقه على إلكيا الهراسي ببغداد وعلى أبي حامد الغزالي وأبي نصر القشيري بنيسابور وسمع من أبي عبد الله بن طلحة وأبي الحسين بن الطيوري وبنيسابور من عبد الغفار الشيروي وغيره وكان فقيها أديبا قدم بغداد في جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وخمسمائة ومعه كتاب السلطان سنجر بن ملكشاه بتسليم المدرسة النظامية إليه فأجيب إلى ذلك وقام الفقهاء عليه ولم يفد واستمر يدرس بها إلى أن جاء أسعد الميهني بكتاب السلطان فعزل واستقر أسعد وعن ابن الباقرحي بت ليلة متفكرا في قلة حظي من الدنيا فرأيت في المنام مغنيا يغني فالتفت إلي وقال لي اسمع يا شيخ أقسمت بالبيت العتيق وركنه ** والطائفين ومنزل القرآن ماالعيش في المال الكثير وجمعه ** بل في الكفاف وصحة الأبدان توفي بغزنة سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وتوث من قرى مرو وكان من تلامذة أبي المظفر السمعاني وسمع محمد بن الحسن المهربندقشايي وشيخه أبا المظفر وغيره سمع منه عبد الرحيم بن السمعاني وغيره مولده في حدود سنة خمسين وأربعمائة وعمر العمر الطويل هلك في معاقبة الغز في الخامس من شعبان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة من أهل شيراز قدم بغداد والحسين الطبري يدرس بالنظامية فتقرر أن يدرس كل واحد منهما يوما مناوبة وحدث عن أبوي بكر أحمد بن الحسن بن الليث الحافظ ومحمد بن أحمد بن عبدك الحبال وجماعة روى عنه عبد الوهاب الأنماطي وأبو الفضل بن ناصر وغيرهما وكان من أفقه أهل زمانه وأفضلهم وله كتاب الآحاد وقيل إنه صنف سبعين تأليفا وأنه ألف تفسيرا ضمنه مائة ألف بيت من الشواهد وكان يملي الحديث إلا أنه ربما صحف التصحيف الشنيع فرد عليه فلم يرجع وربما أسقط من الإسناد وحاصل أمره أنه ذو وهم بالغ في الكثرة حدا عاليا ولكل فن رجال يعرفونه وهو لم يكن محدثا ولكنه كان لا يرى تنقيص نفسه فيدخل في الإملاء وقد كان غنيا عن ذلك ومن مصنفاته كتاب تاريخ الفقهاء قال فيه ابن السمعاني أحد الفقهاء الشافعية وكان له يد في المذهب ونقل أن أبا زكريا يحيى بن أبي عمرو بن منده قال في تاريخ أصفهان أبو محمد الفامي أحفظ من رأيناه لمذهب الشافعي توفي بشيراز في السابع والعشرين من شهر رمضان سنة خمسمائة من بيت جلالة وهو من أشياخ السلفي وكان يقضي في الجانب الشرقي في الحريم وفي دار الخلافة مستقلا بنفسه كما يقضي ابن الدامغاني في الجانب الغربي وسمع الحديث من أبي محمد الصريفيني وغيره أسندنا حديثه قال السلفي سألته عن مولده فقال سنة سبع وعشرة وأربعمائة وتوفي في ثالث المحرم سنة أربع وخمسمائة كان فاضلاكثير العبادة له مصنفات في الطريقة وسكن أسفراين إلى حين وفاته وسمع الحديث من والده وعبد الغافر الفارسي وأبي عثمان سعيد بن محمد البحيري وأبي حفص بن مسرور وغيرهم توفي سنة إحدى وعشرين وخمسمائة نزيل الموصل أقام بها يدرس ويفتي إلى أن مات في سنة أربع وتسعين وخمسمائة وتقدم ذكر والده محمد بن عبد الرزاق وأما هذه فكنيته أبو بكر وولادته بمرو ليلة الثلاثاء لثلاث ليال بقين من المحرم سنة تسع وسبعين وأربعمائة وحدث عن أبيه بجزء من أمالي الشيخ أبي علي السنجي سمعه منه أبو سعد ابن السمعاني وذكره في التحبير وقال كان فقيها واعظا سخي النفس مسددا وهو صهرنا قال وتوفي ببلخ يوم السبت الخامس من جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين وخمسمائة العجلي الشرافي نسبة إلى جده شراف بفتح الشين والراء المخففة وبالفاء المرستى الكالمستي من أهل بنج دية ولد سنة خمس وثلاثين وأربعمائة قال ابن السمعاني كان إماما فاضلا زاهدا ورعا محتاطا في الوضوء والصلاة والتنظف مفتيا مصيبا من تلامذه القاضي الحسين تفقه عليه وبرع في الفقه واشتغل بالعبادة ولزم منزله وسمع الحديث من أستاذه القاضي الحسين ومن أبي مسعود أحمد بن محمد بن عبد الله البجلي الرازي الحافظ وأبي حامد أحمد بن محمد بن إبراهيم الخليلي البغوي وأبي عثمان سعيد بن أبي سعيد العيار وغيرهم كتب إلى الإجازة بجميع مسموعاته وعمر العمر الطويل قال ولم يكن يغتاب أحدا ولا يمكن أحدا من الغيبة في منزله وإذا لامه أحد على الوسواس في وضوئه وغسل ثيابه قال أنا لا ألومكم على لبس الثياب الفاخرة فلا تلوموني على هذا توفي ببنج ديه في شعبان سنة ست وعشرين وخمسمائة ذكره ابن السمعاني في التحبير وابن باطيش في الفيصل شارح مختصر الجويني أراه فيما أحسب من أهل أذربيجان وقد وقفت على النصف الأول من هذا الشرح في مجلد وهو شرح مختصر كما قال مصنفه في خطبته نازل عن حد التطويل مترق عن درجة الاختصار والتقليل قال وسميته شرح مختصر الجويني لأني جريت على ترتيب مختصر الشيخ أبي محمد فصلا فصلا وزدت مالا يستغني الفقيه عن معرفته فمن تأمله عرف صرف همتي إليه وبذل جهدي فيه هذا ملخص ما في الخطبة وينقل في هذا الشرح كثيرا عن إمام الحرمين ومأ أظنه أدركه وإنما هو فيما أحسب وأظن ظنا وليس بالمتيقن في أثناء هذا القرن لعله في حدود الخمسين والخمسمائة أو بعدها ذكر ابن السمعاني أنه يعرف بفقيه بغداد وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي وسمع أبوي الحسين ابن المهتدي وابن النقور وغيرهما كانت وفاته بعد الخمسمائة من أهل نصيبين قدم بغداد وسمع أبا القاسم بن الحصين وأبا العز بن كادش ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري وأبا القاسم بن السمرقندي وطائفة ثم عاد إلى نصيبين وأقام بها يفتي ويدرس وكان فقيها صالحا دينا توفي بنصيبين سنة ستين وخمسمائة ومولده سنة اثنتين أو ثلاث وتسعين وأربعمائة سمع أبا بكر محمد بن محمود الثقفي وأبا المكارم محمد بن علي بن الحسن النسوي المقرىء وأبا علي الحسن بن أحمد الحداد ومحمد بن عبد الكريم بن خشيش وأبا الحسن علي بن محمد بن العلاف وأبا علي بن نبهان وغيرهم وتفقه على فخر الإسلام الشاشي والقاضي أبي علي الفارقي سافر إليه إلى واسط وصنف الكثير حديثا وفقها وزهدا وكان من الفقهاء المتعبدين وكان له عمامة وقميص بينه وبين أخيه إذا خرج ذاك قعد هذا في البيت وبالعكس ودخل إليه زائر فوجده عريانا فقال نحن إذا غسلنا ثيابنا نكون كما قال القاضي أبو الطيب الطبري قوم إذا غسلو ثياب جمالهم ** لبسوا البيوت إلى فراغ الغاسل وقيل إنه رأى النبي في المنام وهو يقول له يا علي صم رجبا عندنا فمات ليلة رجب سنة إحدى وخمسين وخمسمائة علي بن أحمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسين الطبري الروياني سكن بخارى قال ابن السمعاني كان إماما فاضلا عارفا بمذهب الشافعي تفقه على الإمام أبي القاسم الفوراني وأبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي وغيرهما روى لنا عنه أبو عمرو عثمان بن علي البيكندي ومات ببخارى في شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة يتصل نسبه بزيد بن علي بن الحسين بن علي كان من المشار إليهم في الزهد والعبادة وحسن الطريقة وصحة العقيدة وطلب العلم ودرسه والسعي في تحصيله وحصل له القبول التام من الناس وهو في غاية التواضع ونهاية التمسكن وأقصى المروءة من كرم وحسن وأخلاق وأفضال سمع الكثير وقرأ بنفسه وكتب واستكتب ووقف كتبا كثيرة هو وصاحب له يسمى صبيحا كانا على طريقة حميدة وصحبة أكيدة ووقفا كتبهماجملة سمع أبا الفضل بن ناصر وأبا الوقت السجزي وخلائق كثيرين وبالغ في الطلب حتى كتب عن أقرانه وعمن هو دونه وحدث باليسير لأنه مات شابا قبل وقت التحديث ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة ومات سنة خمس وسبعين وخمسمائة ومن كلامه اجعل النوافل كالفرائض والمعاصي كالكفر والشهوات كالمسموم ومخالطة الناس كالنار والغذاء كالدواء تفقه ببغداد على إلكيا الهراسي وولى قضاء واسط وكان يدرس الفقه بجامع واسط مات في شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين وخمسمائة تفقه ببغداد على الشيخ أبي إسحاق قال ابن السمعاني برع في الفقه وكان عارفا باللغة والشعر سكن مرو إلى حين وفاته وسمع من الخطيب أبي بكر والشيخ أبي إسحاق وابن هزارمرد وغيرهم روى عنه ابن السمعاني وغيره توفي بمرو فجأة بينا هو يمشي وقع ميتا سنة ست عشرة وخمسمائة ومن شعره رجائي عناني وروحني الياس ** وما لمعنى القلب كاليأس إيناس فكل طموع مستهان رجائه ** وذو اليأس في روض القناعة مياس ألا كل عز نيل بالذل ذلة ** وكل ثراء حيز بالهون إفلاس وكان السبب في قوله هذه الأبيات أنه حضر دار الوزير فلم يمكن من الدخول فالتزم أن لا يدخل بعدها إلى أحد من العسكر ومن شعره لست بآت باب ملك له ** بالباب نواب وحجاب وإنما آتي المليك الذي ** لا يغلق الدهر له باب الفقيه الفرضي النحوي المعروف بجمال الأئمة ابن الماسح من علماء دمشق ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة سمع خلقاوتفقه على نصر الله المصيصي وجمال الإسلام السلمي وكان معيدا لجمال الإسلام بالأمينية ودرس بالمجاهدية مات سنة اثنتين وستين وخمسمائة كان فاضلا في الفقه والأصول والخلاف واللغة والنحو وله الخط البديع على طريقة ابن البواب تفقه على يوسف الدمشقي وسمع من علي بن عبد السيد بن الصباغ وأبي الفضل محمد بن عمر الأرموي وغيرهما وأعاد بالنظامية من شعره ما كتب به إلى بعض الناس وقد ارتعشت يداه وتغير خطه طول سقمي والذي يعتادني ** صير الرائق من خطي كذا كل شيء هدر ما سلمت ** منك لي نفس ووقيت الأذى مات في جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة ولا نعلم أحدا من جدوده يسمى عساكر وإنما هو اشتهر بذلك هو الشيخ الإمام ناصر السنة وخادمها وقامع جند الشيطان بعساكر اجتهاده وهادمها إمام أهل الحديث في زمانه وختام الجهابذه الحفاظ ولا ينكر أحد منه مكانه مكانه محط رحال الطالبين وموئل ذوي الهمم من الراغبين الواحد الذي أجمعت الأمة عليه والواصل إلى مالم تطمح الآمال إليه والبحر الذي لا ساحل له والحبر الذي حمل أعباء السنة كاهله قطع الليل والنهار دائبين في دأبه وجمع نفسه على أشتات العلوم لا يتخذ غير العلم والعمل صاحبين وهما منتهى أربه حفظ لا تغيب عنه شاردة وضبط أستوت لديه الطريفة والتالدة وإتقان ساوى به من سبقه إن لم يكن فاقه وسعة علم أثري بها وترك الناس كلهم بين يديه ذوي فاقة له تاريخ الشام في ثمانين مجلدة وأكثر أبان فيه عما لم يكتمه غيره وإنما عجز عنه ومن طالع هذا الكتاب عرف إلى أي مرتبة وصل هذا الإمام واستقل الثريا وما رضي بدر التمام وله الأطراف وتبيين كذب المفترى فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري وعدة تصانيف وتخاريج وفوائد ما الحفاظ إليها إلا محاويج ومجالس إملاء من صدرة يخرلها البخاري ويسلم مسلم ولا يرتد أو يعمل في الرحلة إليها البزل المهارى ولد في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة وسمع خلائق وعدة شيوخه ألف وثلاثمائة شيخ ومن النساء بضع وثمانون امرأة وارتحل إلى العراق ومكة والمدينة وارتحل إلى بلاد العجم فسمع بأصبهان ونيسابور ومرو وتبريز وميهنة وبيهق وخسروجرد وبسطام ودامغان والري وزنجان وهمذان وأسداباذ وجي وهراة وبون وبغ وبوشنج وسرخس ونوقان وسمنان وأبهر ومرند وخوى وجرباذقان ومشكان وروذراور وحلوان وأرجيش وسمع بالأنبار والرافقة والرحبة وماردين وماكسين وغيرها من البلاد الكثيرة والمدن الشاسعة والأقاليم المتفرقة لا ينفك نائي الديار يعمل مطية في أقاصي القفار وحيدا لا يصحبه إلا تقي اتخذه أنيسه وعزم لا يرى غير بلوغ المآرب درجة نفيسة ولا يظلله إلا سمرة في رباع قفراء ولا يرد غير إداوة لعله يرتشف منها الماء وسمع منه جماعة من الحفاظ كأبي العلاء الهمذاني وأبي سعد السمعاني وروى عنه الجم الغفير والعدد الكثير ورويت عنه مصنفاته وهو حي بالإجازة في مدن خراسان وغيرها وانتشر اسمه في الأرض ذات الطول والعرض وكان قد تفقه في حداثته بدمشق على الفقيه أبي الحسن السلمي ولما دخل بغداد لزم بها التفقه وسماع الدروس بالمدرسة النظامية وقرأ الخلاف والنحو ولم يزل طول عمره مواظبا على صلاة الجماعة ملازما لقراءة القرآن مكثرا من النوافل والأذكار والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار وله في العشر من شهر رمضان في كل يوم ختمة غير ما يقرؤه في الصلوات وكان يختم كل جمعة ولم ير إلا في اشتغال يحاسب نفسه على ساعة تذهب في غير طاعة ولما حملت به أمه رأى والده في المنام أنه يولد لك ولد يحيى الله به السنة ولعمر الله هكذا كان أحيا الله به السنة وأمات به البدعة يصدع بالحق لا يخاف في الله لومة لائم ويسطو على أعداء الله المبتدعة ولا يبالي وإن رغم أنف الراغم لا تأخذه رأفة في دين الله ولا يقوم لغضبه أحد إذا خاض الباغي في صفات الله قال له شيخه أبو الحسن بن قبيس وقد عزم على الرحلة إني لأرجو أن يحيى الله تعالى بك هذا الشأن فكان كما قال وعدت كرامة للشيخ وبشارة للحافظ ولما دخل بغداد أعجب به العراقيون وقالوا ما رأينا مثله وكذلك قال مشايخه الخراسانيون وقال شيخه أبو الفتح المختار بن عبد الحميد قدم علينا أبو علي بن الوزير فقلنا ما رأينا مثله ثم قدم علينا أبو سعد بن السمعاني فقلنا ما رأينا مثله حتى قدم علينا هذا فلم نر مثله وقال الحافظ أبو العلاء الهمذاني لبعض تلامذته وقد استأذنه أن يسافر إن عرفت أستاذا أعلم مني أو يكون في الفضل مثلي فحينئذ آذن لك أن تسافر إليه اللهم إلا أن تسافر إلى الشيخ الحافظ ابن عساكر فإنه حافظ كما يجب وقال شيخه الخطيب أبو الفضل الطوسي ما نعرف من يستحق هذا اللقب اليوم سواه يعني لفظه الحافظ وكان يسمى ببغداد شعلة نار من توقده وذكائه وحسن إدراكه لم يجتمع في شيوخه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة منذ أربعين سنة يلازم الجماعة في الصف المقدم التطلع إلا من عذر ومانع والاعتكاف والمواظبة عليه في الجامع وإخراج حق الله وعدم التطلع إلى أسباب الدنيا وإعراضه عن المناصب الدينية كالإمامة والخطابة بعد أن عرضتا عليه قال ولده الحافظ بهاء الدين أبو محمد القاسم قال لي أبي لما حملت بي أمي رأت في منامها قائلا يقول لها تلدين غلاما يكون له شأن فإذا ولدتيه فاحميله إلى المغارة يعني مغارة الدم بجبل قاسيون يوم الأربعين من ولادته وتصدقي بشيء فإن الله تعالى يبارك لك وللمسلمين فيه ففعلت ذلك كله وصدقت اليقظة منامها ونبهه السعد فأسهره الليالي في طلب العلم وغيره سهرها في الشهوات أو نامها وكان له الشأن العظيم والشأو الذي يجل عن التعظيم وذكره الحافظ أبو سعد بن السمعاني في تاريخه فوصفه بالحفظ والفضل والإتقان وذكره الحافظ ابن الدبيثي في مذيلة علي ابن السمعاني لأن وفاته تأخرت عن وفاة ابن السمعاني ومدحه أيضا مدحا كثيرا وقال ابن النجار هو إمام المحدثين في وقته ومن انتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان والمعرفة التامة بعلوم الحديث والثقة والنبل وحسن التصنيف والتجويد وبه ختم هذا الشأن قال وسمعت شيخنا عبد الوهاب بن الأمين يقول كنت يوما مع الحافظ أبي القاسم بن عساكر وأبي سعد بن السمعاني نمشي في طلب الحديث ولقاء الشيوخ فلقينا شيخا فاستوقفه ابن السمعاني ليقرأ عليه شيئا وطاف على الجزء الذي هو سماعه في خريطته فلم يجده وضاق صدره فقال له ابن عساكر ما الجزء الذي هو سماعه فقال كتاب البعث والنشور لابن أبي داود سمعه من أبي نصر الزينبي فقال له لا تحزن وقرأ عليه من حفظه أو بعضه قال ابن النجار الشك من شيخنا وصح أن أبا عبد الله محمد بن الفضل الفراوي قال قدم ابن عساكر يعني الحافظ فقرأ علي ثلاثة أيام فأكثر وأضجرني فآليت على نفسي أن أغلق بابي فلما أصبحنا قدم علي شخص فقال أنا رسول الله إليك فقلت مرحبا بك فقال قال لي في النوم امض إلى الفراوي وقل له قدم بلدكم شخص شامي أسمر اللون يطلب حديثي فلا تمل منه قال الحاكي فوالله ما كان الفراوي يقوم حتى يقوم الحافظ وقال فيه الشيخ محي الدين النووي ومن خطه نقلت هو حافظ الشام بل هو حافظ الدنيا الإمام مطلقا الثقة الثبت وحكى ولده الحافظ أبو محمد القاسم قال كان أبي قد سمع كتبا كثيرة لم يحصل منها نسخا اعتمادا منه على نسخ رفيقة الحافظ أبي علي بن الوزير وكان ما حصله ابن الوزير لا يحصله أبي وما حصله أبي لا يحصله ابن الوزير فسمعته ليلة من الليالي وهو يتحدث مع صاحب له في ضوء القمر في الجامع فقال رحلت وما كأني رحلت وحصلت وما كأني حصلت كنت أحسب أن رفيقي ابن الوزير يقدم بالكتب التي سمعتها مثل صحيح البخاري ومسلم وكتب البيهقي وعوالي الأجزاء فاتفقت سكناه بمرو وإقامته بها وكنت أؤمل وصول رفيق آخر يقال له يوسف بن فاروا الجياني ووصول رفيقنا أبي الحسن المرادي فإنه يقول لي ربما وصلت إلى دمشق وتوجهت منها إلى بلدي بالأندلس وما أرى أحدا منهم جاء إلى دمشق فلا بد من الرحلة ثالثا وتحصيل الكتب الكبار والمهمات من الأجزاء العوالي فلم يمض إلا أيام يسيرة حتى جاء إنسان من أصحابه إليه ودق عليه الباب وقال هذا أبو الحسن المرادي قد جاء فنزل أبي إليه وتلقاه وأنزله في منزله وقدم علينا بأربعة أسفاط مملوءة من الكتب المسموعات ففرح أبي بذلك فرحا شديدا و شكر الله سبحانه على ما يسره له من وصول مسموعاته إليه من غير تعب وكفاه مؤونة السفر فأقبل على تلك الكتب فنسخ واستنسخ حتى أتى على مقصودة منها وكان كلما حصل على جزء منها كأنه حصل على ملك الدنيا قال الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد الله المنذري سألت شيخنا الحافظ أبا الحسن علي ابن المفضل المقدسي فقلت له أربعة من الحفاظ تعاصروا أيهم أحفظ قال من هم قلت الحافظ ابن عساكر وابن ناصر قال ابن عساكر أحفظ قلت الحافظ أبو العلاء وابن عساكر قال ابن عساكر أحفظ قلت الحافظ أبو طاهر السلفي وابن عساكر فقال السلفي أستاذنا السلفي أستاذنا قال الحافظ زكي الدين وغيره من الحفاظ الأثبات كشيخنا الذهبي وأبي العباس بن المظفر هذا دليل على أن عنده ابن عساكر أحفظ إلا أنه وقر شيخه أن يصرح بأن ابن عساكر أحفظ منه قال الذهبي وإلا فابن عساكر أحفظ منه وقال وما أرى ابن عساكر رأى مثل نفسه قلت وقد كنت أتعجب من المنذري في ذكره هؤلاء وإهماله السؤال عن الحافظ أبي سعد بن السمعاني ثم لاح لي أنه اقتدى بالحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر حيث يقول فيما أخبرنا الحافظ ابن المظفر بقراءتي عليه اخبرنا الحافظ أبو الحسين بن اليونيني بقراءتي أخبرنا الحافظ المنذري أخبرنا الحافظ ابن المفضل قال سمعت الحافظ السلفي يقول سمعت الحافظ ابن طاهر يقول سألت سعدا الزنجاني الحافظ بمكة وما رأيت مثله قلت له أربعة من الحفاظ تعاصروا أيهم أحفظ قال من قلت الدارقطني ببغداد وعبد الغني بمصر وأبو عبد الله بن منده بأصبهان وأبو عبد الله الحاكم بنيسابور فسكت فألححت عليه فقال أما الدارقطني فأعلمهم بالعلل وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب وأما ابن منده فأكثرهم حديثا مع معرفة تامة وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفا ولكن بقي على هذا أنه لم أهمل ذكر ابن السمعاني وذكر غيره كابن ناصر وأبي العلاء والذي نراه أن ابن السمعاني أجل منهما وقد يقال في جواب هذا إن ابن السمعاني لم يكن حين سؤال المنذري قد عرف المنذري قدره فإن تصانيفه فيما يغلب على الظن لم تكن وصلت إذ ذاك إلى هذه الديار بخلاف هؤلاء الأربعة فإنهم متقاربون ابن عساكر بالشام والسلفي بالإسكندرية وابن ناصر ببغداد وأبو العلاء بهمذان وأما ابن السمعاني ففي مرو وهي من أقاصي بلاد خراسان وأبو العلاء المشار إليه هو الحسن بن أحمد بن الحسن العطار الهمذاني الحافظ توفي سنة تسع وستين وخمسمائة بهمذان وليس هو أبا العلاء أحمد بن محمد بن الفضل الأصفهاني الحافظ المتوفي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة بأصبهان فليعلم ذلك وقال أبو المواهب بن صصري أما أنا فكنت أذاكره يعني الحافظ في خلواته عن الحفاظ الذين لقيهم فقال أما ببغداد فأبو عامر العبدري وأما بأصبهان فأبو نصر اليونارتي لكن إسماعيل الحافظ كان أشهر منه فقلت له على هذا ما رأى سيدنا مثله فقال لا تقل هذا قال الله تعالى قلت إنا لا نشك أن عينه لم تر مثله ولا من يدانيه وللحافظ شعر كثير قلما أملى مجلسا إلا وختمه بشيء من شعره وكان بينه وبين حافظ خراسان أبي سعد بن السمعاني مودة أكيدة كتب إليه أبو سعد كتابا سماه فرط الغرام إلى ساكنى الشام وكتب هو إلى ابن السمعاني يعاتبه في إنفاذ كتاب إليه ماكنت أحسب أن حاجاتي إليك ** وإن نأت داري مضاعه أنسيت ثدي مودتي ** بيني وبينك وارتضاعه ولقد عهدتك في الوفاء ** أخا تميم لا قضاعه قال المصنف رضي الله تعالى عنه البيت الأول من هذه فيه زيادة جزء ولعله قال ما كنت أحسب حاجتي ** لك إن نأت داري مضاعه توفي الحافظ في حادي عشر شهر رجب الفرد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة بدمشق ودفن بمقبرة باب الصغير وكان الملك العادل محمود بن زنكي نور الدين قد بنى له دار الحديث النورية فدرس بها إلى حين وفاته غير ملتفت إلى غيرها ولا متطلع إلى زخرف الدنيا ولا ناظر إلى محاسن دمشق ونزهها بل لم يزل مواظبا على خدمة السنة والتعبد باختلاف أنواعه صلاة وصياما واعتكافا وصدقة ونشر علم وتشييع جنائز وصلات رحم إلى حين قبض رحمه الله تعالى ورضي عنه تفقه علي القاضي أبي الطيب والماوردي وأبي القاسم منصور بن عمر الكرخي وقرأ الكلام على أبي علي بن الوليد أحد أشياخ المعتزلة وسمع من أبي الحسن بن مخلد وأبي علي بن شاذان وأبي القاسم بن بشران وغيرهم روى عنه محمد بن ناصر وأبو الفتح بن شاتيل وغيرهما ومن شعره إن كنت نلت من الحياة وطيبها ** مع حسن وجهك عفة وشبابا فاحذر لنفسك أن ترى متمنيا ** يوم القيامة أن تكون ترابا وحكي أنه رجع عن الاعتزال وأشهد على نفسه بالرجوع ولد سنة أربع عشرة وأربعمائة وقيل سنة اثنتي عشرة ومات في رجب سنة اثنتين وخمسمائة أحد علماء الموصل قال ابن السمعاني إمام ورع عامل بعلمه تفقه على أبي حفص الباغوساني إمام الجزيرة وارتحل إلى بغداد وسمع من أبي نصر الزينبي وعلق التعليقة عن أبي حامد الغزالي حدث عنه جماعة توفي بالموصل سنة تسع وعشرين وخمسمائة وفرغليط من أعمال شقورة الحافظ الفقيه ولد قبل الخمسمائة بقريب وخرج من الأندلس بعد العشرين وخمسمائة ورحل إلى بغداد ودخل خراسان وسكن نيسابور مدة وتفقه على الإمام محمد بن يحيى صاحب الغزالي وسمع من أبي عبد الله الفراوي وهبة الله السيدي وأبي المظفر بن القشيري وجماعة روى عنه أبو القاسم بن عساكر وأبو القاسم بن الحرستاني وجماعة وصحب الشيخ عبد الرحمن الأكاف الزاهد وقدم دمشق بعد الأربعين وخمسمائة وفرح بقدومه رفيقه حافظ الدنيا أبو القاسم بن عساكر لما كان معه من مسموعاته وحدث بدمشق بالصحيحين قال ابن السمعاني كنت آنس به كثيرا وكان أحد عباد الله الصالحين خرجنا جملة إلى نوقان لسماع تفسير الثعلبي فلمحت منه أخلاقا وأحوالا قلما تجتمع في أحد من الورعين وقال الحافظ ابن عساكر ندب للتدريس بحماه فمضى إليها ثم ندب للتدريس بحلب فمضى ودرس بها المذهب بمدرسة ابن العجمي وكان ثبتا صلبا في السنة توفي بحلب في ذي الحجة سنة أربع وأربعين وخمسمائة وفيها توفي القاضي عياض والقاضي الأرجاني الشاعر قاضي واسط من كبار الشافعية توفي في ربيع الأول سنة ثلاث وستين وخمسمائة أصله من حديثة الموصل تفقه ببخارى على أبي سهل الأبيوردي وسمع منه الحديث ومن أبي عبد الله إبراهيم بن علي الطيوري وأبي القاسم بن ميمون بن علي بن ميمون الميموني وغيرهم حدث عنه أبو نصر المعمري محمد بن الحسين البيع وغيره قال ابن السمعاني كان إماما فاضلا متبحرا في العلم حسن السيرة كثير العبادة دائم التلاوة والذكر وظهرت بركاته على أصحابه وتخرج به جماعة من أهل العلم وقال يحيى بن عبد الوهاب بن مندة قدم أصبهان وهو أحد فقهاء الشافعيين صلب في مذهب الأشعري مات في شعبان سنةا ثنتين وخمسمائة قال ابن السمعاني إمام فاضل زاهد من بيت العلم تفقه على إمام الحرمين وكان يسكن صومعة بالحيرة حدث عن أبي إسحاق الشيرازي وأبي الحسن أحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي وجماعة سمعت منه أكثر سنن أبي داود مات سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وحدث عن عبد العزيز بن عثمان التونسي وأحمد بن الحطيئة وإسماعيل بن الحارث القاضي قال الحافظ عبد العظيم حدثونا عنه توفي في سنة خمس وثمانين وخمسمائة من فقهاء واسط أصله نيسابوري استوطن بغداد وكان فقيها عارفا بالمذهب كتب الخط المليح توفي في رجب سنة إحدي وسبعين وخمسمائة من أولاد المحدثين ولد ببغداد وتفقه بها على أبي القاسم بن فضلان وسمع الحديث من أبي الوقت وغيره وخرج من بغداد إلى بلاد الروم ثم عاد إلى بغداد وولاه الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين القضاء وخوطب بأقضى القضاة ولميزل على ذلك إلى أن توفي قاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني فقلد ابن البخاري قاضي القضاة وخلع عليه وقرىء عهده بالجوامع وناب في الوزارة توفي في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة قلت هذا كلام ابن النجار وهو يدل على أن اسم قاضي القضاة في الاصطلاح من ذلك الزمان أكبر من اسم أقضى القضاة كما هو اليوم وفي ذهن كثير من الناس أنه كان ينبغي أن يعكس هذا الاصطلاح فإن أقضى القضاة أبلغ من قاضي القضاة لما فيها من أفعل التفضيل وكتب أسمع الشيخ الإمام يخطىء من يقول هذا ويقول بل لفظ قاضي القضاة أبلغ فإن لفظ الأقضى وإن دل على كونه أشد قضاء ففي لفظ قاضي القضاة ما يدل على ذلك من جهة أنه قاض على كل قاض ولا كذلك أقضى القضاة إذ ليس فيه ما يدل على أنه قاض على كل قاض وإذا كان قاضيا على كل قاض كان أشد قضاء وزيادة أن له القضاء عليهم فوضح أن لفظ قاضي القضاة يدل على ما دل عليه أقضى القضاة وزيادة وأن مصطلح الناس هو الصواب الذي يدل له وضع اللفظ سمع ببغداد أبا غالب محمد بن الحسن الباقلاني وغيره وولى قضاء واسط ثم قضاء الموصل والبلاد الجزيرية والشامية توفي في شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة ورأيت في بعض المجاميع المكتوبة في حدود سنة تسعين وخمسمائة ما نصه إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق على سائر المذاهب فللكلام هذا أربعة احتمالات أحدها أن يقول أردت إيقاع الطلاق ناجزا في الحال وقولي على سائر المذاهب جرى على لساني من غير قصد أو قصدته ولكني أفهم منه تنجيز الطلاق والوقوع الثاني أن يقول أردت إيقاع الطلاق ناجزا وأردت بهذه الزيادة وقوع الطلاق على أي مذهب اقتضي وقوعه ففي هذين الاحتمالين يقع الطلاق ناجزا وتبين به وهو كما لو قال أنت طالق ثلاثا إن كلمت زيدا وقال لم أرد التعليق بالصيغة وإنما سبق إليه لساني من غير قصد فإنه يقع الثلاث كذلك هاهنا والثالث أن يقول قصدت إيقاع طلاق بوجه يتفق الناس على وقوعه أو على وجه لا يختلف الناس فيه وظاهر الصيغة اقتضى أن هذا القصد أقوى فإن أراد عند تلفظه بذلك امتنع وقوع الثلاث لأن قوله على سائر المذاهب فيه معنى الشرط لم يقع وإذا لم يوجد الشرط لم يقع والرابع أن يقول تلفظت بذلك مطلقا ولم يقترن لي به قصد إلى شيء لا إيقاعا في الحال ولا شرطا في الوقوع فما الذي يلزمه فيه فهنا يحتمل إيقاع الثلاث في الحال ويحتمل أن لا يقع الطلاق أصلا لأن الصيغة ظاهرة في تناول جميع المذاهب على اتفاق الوقوع ولم يوجد ذلك والله أعلم هذا تخريج الشيخ الإمام أبي الحسن علي بن المسلم الشهرزوري انتهى وعلي بن المسلم الشهرزوري لا أعرفه إنما هو علي بن القاسم هذا أو علي بن المسلم لا الشهرزوري وهو جمال الإسلام الآتي قريبا وهذه المسألة حدثت في زمان ابن الصباغ وله فيها كلام نقله عنه ابن أخيه أبو منصور وقد قدمناه والذي وجدته هنا وفي فتاوى ابن الصباغ أنت طالق على سائر المذاهب ولم يقل ثلاثا وكنت أظن سقوط لفظه ثلاثا من الناسخ فلما توافقت عليها الكتب تعجبت من ذلك وسأذكر ما عندي فيه وقد قدمنا أن القاضي أبا الطيب الطبري قال لا يقع وقال غيره يقع في الحال والمسألة في فتاوى الغزالي أيضا وهذه صورة ما في فتاويه السابقة به إذا قال لزوجته أنت طالق للسنة ثلاثا على سائر المذاهب وكانت في الحال طاهرا هل يقع الثلاث أو يقع في كل قرء طلقة لتوافق بعض الناس الجواب إن يكون للمطلق نية فيما يذكره فيها وإلا فالأولى أن يتفرق على الأقراء الثلاث لأنه لو وقع الثلاث لم تقع الثانية على سائر المذاهب إذا قال لها أنت طالق في سائر المذاهب هل يقع في الحال الثلاث فإن كان يقع فمن الناس من يقول إنه لا يقع إلا في كل قرء طلقة فهلا كان الحكم كذلك ليقع طلاقه بالإجماع الجواب أن هذا وإن كان أشبه المذكور بذكر السنة من وجه ولكن الفرق ظاهر لأنه إذا ترك السنة التي ينصرف إليها ذكر المذاهب فهم منه شدة العناية بالتخيير وقطع العلائق وحسم تأويلات المذاهب في رد الثلاث عنها ولا سيما والمذهب المحكي في أن الثلاث لا يتنجز في غاية البعد انتهى صحب الإمام أبا حامد الغزالي بطوس وتفقه عليه وروى الحديث عن عبد الغفار الشيروي سمع إسماعيل بن الحسين الفرائضي وغيره روى عنه ابن عساكر مات بعد سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة بنيسابور الإمام شمس الإسلام أبو الحسن إلكيا الهراسي الملقب عماد الدين أحد فحول العلماء ورءوس الأئمة فقها وأصولا وجدلا وحفظا لمتون أحاديث الأحكام ولد في خامس ذي القعدة سنة خمسين وأربعمائة وتفقه على إمام الحرمين وهو أجل تلامذته بعد الغزالي وحدث عن إمام الحرمين وأبي علي الحسن بن محمد الصفار وغيرهما روى عنه السلفي وسعد الخير بن محمد الأنصاري وآخرون قال فيه عبد الغافر الإمام البالغ في النظر مبلغ الفحول ورد نيسابور في شبابه وكان قد تفقه وكان حسن الوجه مليح الكلام فحصل طريقة إمام الحرمين وتخرج به فيها وصار من وجوه الأصحاب ورءوس المعيدين في الدرس وكان ثاني الغزالي بل أملح وأطيب في النظر والصوت وأبين في العبارة والتقرير منه و إن كان الغزالي أحد وأصوب خاطرا وأسرع بيانا وعبارة منه وهذا كان يعيد الدرس على جماعة حتى تخرجوا به وكان مواظبا على الإفادة والاشتغال انتهى وعن إلكيا قال كانت في مدرسة سرهنك بنيسابور قناة لها سبعون درجة وكنت إذا حفظت الدرس أنزل القناة وأعيد الدرس في كل درجة مرة في الصعود والنزول قال وكذا كنت أفعل في كل درس حفظته وفي بعض الكتب أنه كان يكرر الدرس على كل مرقاة من مراقي درج المدرسة النظامية بنيسابور سبع مرات وأن المراقي كانت سبعين مرقاة وكان يحفظ الحديث ويناظر فيه وهو القائل إذا جالت فرسان الأحاديث في ميادين الكفاح طارت رءوس المقاييس في مهاب الرياح ومن مصنفاته شفاء المسترشدين وهو من أجود كتب الخلافيات وله كتاب نقض مفردات الإمام أحمد وكتاب في أصول الفقه وغير ذلك ومن غريب ما اتفق له أنه أشيع أن إلكيا باطني يرى رأى الإسماعيلية فنمت له فتنة هائلة وهو برىء من ذلك ولكن وقع الإشتباه على الناقل فإن صاحب الألموت ابن الصباح الباطني الإسماعيلي كان يلقب بالكيا أيضا ثم ظهر الأمر وفرجت كربة شمس الإسلام رحمه الله وعلم أنه أتي من توافق اللقبين وكانت في إلكيا لطافة عند مناظرته ربما ناظر بعض علماء العراق فأنشده ارفق بعبدك إن فيه يبوسة ** جبلية ولك العراق وماؤه وذكر ابن النجار في أوائل تاريخه هذا البيت فجعل موضع يبوسة فهاهة وموضع ماؤه ماؤها وأرى الصواب ما أنشدته أنا وذكر ابن النجار أن ابن الجوزي ذكر أن إلكيا قد أنشد ذلك لأبي الوفاء بن عقيل الحنبلي في مناظرة بينهما
قال في كتابه شفاء المسترشدين في مسألة سجود التلاوة قد قيل لا يسجد يعني المصلي للتلاوة قبل الفاتحة إذ لا نص فيه للشافعي انتهى وهو مأخوذ من كلام إمامه إمام الحرمين فإنه قال في الأساليب في مسألة سجود السهو لو قرأ المنفرد آية سجدة قبل الفاتحة فالذي يظهر منعه من سجود التلاوة لكونه قرأ في غير أوانه ولو كان لا يحسن الفاتحة ويحسن بدلها آيات فيها سجود فهذه صورة لا نص فيها ولا يبعد منعه من سجود التلاوة فيها حتى لا ينقطع القيام المفروض انتهى مختصرا والذي دعاه إلى ذلك البحث مع الحنفية في وجوب سجدة التلاوة والمجزوم به في زيادات الروضة في المسألة الأولى مسألة إلكيا أنه يسجد وأما المسألة الثانية وهي سجود من لا يحسن إلا آيات فيها سجود فغريبة من أهل واسط تفقه ببغداد على إلكيا الهرسي وسمع الحديث من طراد الزينبي وغيره توفي سنة خمس وأربعين وخمسمائة قاضي دمشق سمع من هبة الله بن الأكفاني وعبد الكريم بن حمزة الحداد وأبي الحسن علي بن الحسن ابن الحسين السلمي وغيرهم ولد بدمشق سنة سبع وخمسمائة وكان قد استعفى من قضاء دمشق وحج ودخل بغداد ومات بها سنة أربع وستين وخمسمائة أحد مشايخ الشام الأعلام سمع أبا نصر بن طلاب وأبا الحسن بن أبي الحديد وعبد العزيز الكتاني وغانم بن أحمد ابن علي بن محمد المصيصي والفقيه نصر المقدسي وجماعة روى عنه الحافظ أبو القاسم بن عساكر وابنه القاسم والسلفي وإسماعيل الجنزوي وبركات الخشوعي وجماعة آخرهم وفاة القاضي عبد الصمد الحرستاني وتفقه جمال الإسلام أولا على القاضي أبي المظفر عبد الجليل بن عبد الجبار المروزي فلما قدم الفقيه نصر المقدسي انتقل إليه ولازمه ولزم الغزالي مدة مقامه بدمشق وهو الذي أمره بالتصدر بعد موت الفقيه نصر وكان يثني على علمه وفهمه وكان جمال الإسلام معيدا للفقه نصر وحكى أن الغزالي قال بعد خروجه من الشام خلفت بالشام شابا إن عاش كان له شأن يعني جمال الإسلام فكان كما قد تفرس فيه وكان جمال الإسلام مدرسا بالزاوية الغزالية بدمشق مدة ثم ولي تدريس الأمينية سنة أربع عشرة وخمسمائة وكان عالما بالمذهب والفرائض والتفسير والأصول إماما متقنا ثقة ثبتا ذكره الحافظ في التاريخ وفي كتاب التبيين وأحسن الثناء عليه وقال كان يحفظ كتاب تجريد التجريد لأبي حاتم القزويني وكان حسن الخط موفقا في الفتاوى كان على فتاويه عمدة أهل الشام وكان يكثر عيادة المرضى وشهود الجنائز ملازما للتدريس والإفادة حسن الأخلاق له مصنفات في الفقه والتفسير وكان يعقد مجلس التذكير ويظهر السنة ويرد على المخالفين ولم يخلف بعد مثله وقال في كتاب التبيين كان عالما بالفقه والتفسير والأصول والتذكير والفرائض والحساب وتعبير المنامات توفي ساجدا في صلاة الفجر في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة
له مصنف في أحكام الخناثي قال فيه إذا أقر الخنثي بالرجولية قبل إقراره وحكم به فلو شهد قبلناه فيما تقبل فيه شهادة الرجال ولو شهد بذلك قبل أن يقر بزوال الإشكال فردت شهادته ثم أقر بالرجولية قبل فلو أعاد الشهادة المردودة حال الإشكال لم تقبل لأنه متهم في الإقرار لترويج الشهادة كالفاسق يعيدها بعد العدالة ولو شهد فردت ثم زال الإشكال بعلامة تدل على رجوليته ثم أعادها قبلها لأنه غير متهم بالرد أولا كالعبد يعيدها بعد العتق وسواء كانت العلامة قطعية أم ظنية انتهى ولم يزد الرافعي والنووي على قولهما شهادة الخنثي كشهادة المرأة كان من تلامذة حجة الإسلام أبي حامد الغزالي وسمع الحديث من نصر بن البطر وطبقته روى عنه ابن عساكر توفي ليلا سابع عشرين من رمضان سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة من أهل المغرب قال ابن السمعاني إمام فاضل عالم بالمذهب ولد سنة تسع وثمانين وأربعمائة ومات بأسفراين في شعبان سنة خمس وخمسين وخمسمائة ولد بها في رمضان سنة ست وسبعين وأربعمائة قال ابن السمعاني إمام فاضل جامع لمذهب الشافعي مصيب في الفتاوى حسن السيرة كثير العبادة حاد الخاطر متصرف في الفقه اشتهر بذلك اجتمع عليه جماعة من الفقهاء البلديين والغرباء وتفقهوا عليه وظهرت بركته عليهم كتبت عنه كتاب الأربعين للحسن بن شعبان سمع أبا الحسن علي بن الحسن بن علي بن حمزة النوقاني قال وتوفي بمشهد الرضى ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين من رمضان سنة تسع وأربعين وخمسمائة ودفن هناك قيل إن مرارته انشقت من خوف الغز وأحاطتهم بالمشهد والد قاضي القضاة أبي طالب علي تفقه على أسعد الميهني وأبي منصور الرزاز وسمع الحديث من أبي القاسم بن بيان وأبي علي بن نبهان وطائفة ودخل بلاد الروم وولي القضاء بمدينة قونية مولده سنة سبع وتسعين وأربعمائة ومات بقونية وهو على قضائها في سنة خمس وستين وخمسمائة من أهل جرجان تفقه على عمر السلطان وتوفي بقرية بشق ليلة الجمعة الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة إحدى وستين وخمسمائة ذكره ابن باطيش قال النووي وأعاد بالنظامية ببغداد وله معرفة بفنون تفقه على الإمام أبي المحاسن يوسف الدمشقي مدرس النظامية توفي سنة تسع وسبعين وخمسمائة أخو الإمام فخر الإسلام أبي بكر محمد تفقه هو أيضا على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وسمع من أبي الحسين بن المهتدي وغيره توفي سنة خمسين وخمسمائة من أهل بلخ فقيه أصولي صوفي أدرك بغزنة أبا خلف السلمي الطبري وكان معيد المدرسة النظامية ببلخ توفي في شعبان سنة ست وثلاثين وخمسمائة واسم جده رأيته مكتوبا في بعض نسخ الذيل الليث وفي بعضها المسيب من أهل نيسابور كان ختن أبي نصر القشيري على ابنته قال ابن السمعاني إمام فاضل بارع مبرز من بيت العلم والحديث يفتي ويناظر وكان يكثر من الحديث كتبت عنه بنيسابور وسألته عن مولده فقال في ذي القعدة سنة سبع وسبعين وأربعمائة وقال ابن النجار سمع الكثير بإفادة جده لأمه إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي من أبي المظفر موسى بن عمران الأنصاري وأبي بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي وأبي تراب عبد الباقي بن يوسف المراغي وعبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم القشيري وغيرهم وقدم بغداد حاجا في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وحدث بها بكتاب التيسير في التفسير لأبي نصر بن القشيري وبحكايات الصوفية لابن باكويه وبغير ذلك من الأجزاء وألقى بها الدروس في المذهب والأصول سمع منه يوسف بن محمد الدمشقي وأحمد بن صالح بن شافع الجيلي وغيرهما هذا مختصر كلام ابن النجار توفي سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة بنيسابور يوم عيد الأضحى نزيل سمرقند إمام ورع متواضع سمع من جماعة روى عنه عبد الرحيم بن السمعاني مات سنة ست وخمسين وخمسمائة خطيب الري والد الإمام فخر الدين كان أحد أئمة الإسلام مقدما في علم الكلام له فيه كتاب غاية المرام في مجلدين وقفت عليه وهو من أنفس كتب أهل السنة وأسدها تحقيقا وقد عقد في آخره فصلا حسنا في فضائل أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه وأتباعه أخذ الإمام ضياء الدين علم الكلام عن ابن القاسم الأنصاري تلميذ إمام الحرمين وقال في آخر كتاب غاية المرام هو شيخي وأستاذي وأخذ الفقه عن صاحب التهذيب وكان فصيح اللسان قوى الجنان فقيها أصوليا متكلما صوفيا خطيبا محدثا أديبا له نثر في غاية الحسن يكاد يحكي ألفاظ مقامات الحريري من حسنة وحلاوته ورشاقة سجعه ومن نظر كتابه غاية المرام وجد برهان ذلك صاحب الأوقاف بحماه ومصر والفيوم وله بالفيوم مدرستان بناهما لما كانت الفيوم إقطاعا له وبنى بمدينة الرها مدرسة وكان رجلا فاضلا أديبا شجاعا سمع الحديث من الحافظ السلفي وأبي الطاهر بن عوف وغيرهما وفي الملك المظفر تقي الدين يقول الأسعد بن مماتي وافي سحر ** طيف سحر ثم نفر ** من الخفر فلا خبر ** ولا أثر ولو صبر ** نلت الوطر فيا قمر ** ليلي السقر طال السهر ** ولا سمر إلا الفكر ** فلم هجر ولم غدر ** هل من قدر ينجي الحذر ** شيبي ظهر لا من كبر ** بل من خطر ريم خطر ** ثم زجر هلا اغتفر ** لما اقتدر مثل عمر ** ابن الظفر نعم الوزر ** ليث زأر بحر زخر ** إذا اختصر أو اقتصر ** أعطى البدر مثل المطر ** ثم اعتذر ولو نظر ** إلى الحجر أبدى الزهر ** بل الثمر وإن شعر ** قلت الدرر وإن نثر ** خلت الحبر نهى أمر ** صم البشر كف الغير ** فكم أسر علجا كفر ** فلا مقر إلا سقر ** ذات الشرر ملك بهر ** إذا اعتكر ليل الغرر ** أو انهمر دم همر ** ساء وسر نفعا وضر ** خيرا وشر كم اعتبر ** منه النظر فضل السير ** إذا ظهر قال البشر ** كم لعمر يوم ** أغر وقد قيل أول من أبدع هذا المعنى فنظم قصيدة على حرف واحد أبو النجم حيث يقول طيف ألم ** بذى سلم بعد العتم ** يطوي الأكم جاد بفم ** وملتزم وتبعه الباخرزي فقال باري الديم ** بذي سلم وهنا ألم ** فلم ينم حتى التيم ** فيه ازدحم فلا جرم ** صافح ثم نعمى ** النعم وهي قصيدة طويلة وقيل بل أول من ابتدعه سلم الخاسر حيث يقول في الهادي موسى المطر ** غيث بكر ثم انهمر ** ألوى المرر كم اعتسر ** ثم ايتسر وكم قدر ** ثم غفر وهي أيضا طويلة فتبع الأسعد بن مماتي شاعر عصرنا ابن نباتة فقال يمدح صاحب حماة وأنشدنيه بقراءتي عليه إذ يقول أفدي قمر ** عقلي قمر ثم غدر ** لما قدر فلا وزر ** ولا مفر يا من شهر ** سيف الحور على البشر ** فما فتر حتى استعر ** وهج الفكر ولو أمر ** ذاك الخفر يحكي بدر ** ملك عمر بما نشر ** نشر الخبر من الخبر ** والمختبر لله در ** تلك السير كم من غرر ** ومن درر فيها سمر ** إلى السحر ولا ضجر ** ولا ضرر علم مهر ** فضل ظهر ثم انتشر ** فكم غفر وكم نصر ** على الغير جدا عثر ** وكم قهر من ذي بطر ** وذي أشر در الخمر ** يا من ستر أهل الحضر ** ممن شكر ثم عذر ** سد من حضر ومن عبر ** ولا تذر فيمن نذر ** من مفتخر إلا مضر ** وهو أخو الإمام أبي نصر الأرغياني وكان الأكبر قال ابن السمعاني كانت ولادته سنة نيف وأربعين وأربعمائة قال وكان فقيها صالحا سديدا كثير الخير ورد نيسابور وتفقه على إمام الحرمين وسمع الأستاذ أبا القاسم القشيري وأبا الحسن الواحدي وأبا حامد أحمد بن الحسن الأزهري وأبا بكر بن محمد بن القاسم الصفار وغيرهم روى عنه أبو سعد بن السمعاني قال ابن السمعاني توفي بنيسابور في ثامن عشر من شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وخمسمائة بنيسابور من أهل همذان تفقه على أسعد الميهني قال ابن السمعاني وكان ورعا صالحا متدينا سكن مرو وصحب يوسف الهمذاني وريض نفسه وداوم الصيام والتهجد وأكل الحلال وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مات سنة أربع وخمسين وخمسمائة بفتح النون والصاد المهملة أبو شجاع البسطامي ثم البلخي إمام مسجد راعوم فقيه محدث رفيق الحافظ الكبير أبي سعد بن السمعاني وصديقه ولد سنة خمس وسبعين وأربعمائة فسمع ببلخ أباه وأبا القاسم بن محمد الخليلي وإبراهيم بن محمد الأصبهاني وأبا جعفر محمد بن الحسين السمنجاني وعليه تفقه وأبا حامد أحمد بن محمد الشجاعي وأبا نصر محمد بن محمد الماهاني وجماعة روى عنه أبو سعد السمعاني وابنه عبد الرحيم وابن الجوزي والافتخار عبد المطلب الهاشمي والشيخ تاج الدين الكندي وأبو أحمد بن سكينة وأبو الفتح المندآئي وأبو روح عبد المعز الهروي وآخرون ذكره صاحبه ابن السمعاني فقال مجموع حسن وجملة مليحة مفت مناظر محدث مفسر واعظ أديب شاعر حاسب قال وكان مع هذه الفضائل حسن السيرة جميل الأمر مليح الأخلاق مأمون الصحبة نظيف الظاهر والباطن لطيف العشرة فصيح العبارة مليح الإشارة في وعظه كثير النكت والفوائد وكان على كبر السن حريصا على طلب الحديث والعلم مقتبسا من كل أحد ثم قال كتبت عنه الكثير بمرو وهراة وبخارى وسمرقند وكتب عني الكثير وحصل نسخة بهذا الكتاب يعني ذيل تاريخ بغداد وقال في موضع آخر لا نعرف للفضائل أجمع منه مع الورع التام وقال في الذيل كتب إلي من بلخ أبياتا وهي يا آل سمعان ما أنسى فضائلكم ** قد صرن في صحف الأيام عنوانا معاهدا ألفتها النازلون بها ** فما وهت بمرور الدهر أركانا حتى أتاها أبو سعد فشيدها ** وزادها بعلو الشأن تبيانا كانوا ملاذ بنى الآمال فانقرضوا ** مخلفين به مثل الذي كانا لولا مكان أبي سعد لما وجدوا ** على مفاخرهم للناس برهانا كانوا رياضا فأهدوا من خلائقه ** إلى طبائعنا روحا وريحانا في أبيات أخر يمتدح بها الذيل ذكرها أبو سعد وحكي أن كلا من أبي شجاع وأبي سعد كان يسأل الله أن لا يسمعه نعي صاحبه فماتا في شهرين أبو شجاع ببلخ وأبو سعد بمرو ولم يسمع أحدهما نعي الآخر توفي أبو شجاع ببلخ في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وخمسمائة وشيرز من أعمال سرخس ولد سنة خمسين وأربعمائة كذا في كتابي وفي تحبير ابن السمعاني سنة تسع وأربعين وأربعمائة بسرخس وتفقه على الإمام أبي المظفر بن السمعاني والشيخ أبي حامد الشجاعي وسمع بسرخس أبا الحسن محمد بن محمد بن زيد العلوي وبمرو أبا المظفر السمعاني وببلخ أبا علي الوخشي وسمع من آخرين بأصبهان وغيرها روى عنه ابن السمعاني وقال أستاذنا وشيخنا قال وكان على سيرة السلف من ترك الكلف والتواضع وكان فقيها محققا موفقا حسن السيرة كثير الدرس للقرآن وكان من وجوه تلامذة الجويني قال وصنف التصانيف في الخلاف والنظر مثل الاعتصار والاعتصام والأسولة وغيرها قال وصار في علم النظر بحيث يضرب به المثل قال وكان الشهاب الوزير يقول لو فصد عمر السرخسي لجرى منه الفقه مكان الدم قال وأقام بمرو إلى أن توفي بها في مستهل رمضان سنة تسع وعشرين وخمسمائة والبزر المنسوب إليه بفتح الباء الموحدة وسكون الزاي المنقوطة ثم راء مهملة اسم للدهن المستخرج من بزر الكتان به يستصبح أهل تلك البلاد إمام جزيرة ابن عمر ومفتيها ومدرسها مولده سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وتفقه على الغزالي والشاشي وأبي الغنائم الفارقي واختص بصحبة أبي الغنائم وكان ينعت بزين الدين جمال الإسلام وكان من أعلام المذهب وحفاظه قصده الطلبة من البلاد لعلمه الكثير ودينه وورعه وكان يقال إنه أحفظ أهل الأرض بمذهب الشافعي وصنف كتابا شرح فيه إشكالات المهذب وله فتاوى مشهورة توفي في ثالث عشرى ربيع الأول سنة ستين وخمسمائة
رأيت في فتاويه من أفطر في صوم الكفارة عامدا وهو جاهل بقطع التتابع لا ينقطع التتابع قال وهذا وقع لي ولا أحفظ فيه مسطورا الرجل يجامع زوجته ويتفكر وقت جماعها في غيرها ممن لا تحل له سئل ابن البزري عن ذلك هل يحرم أو يكره أجاب مانصه لا يأثم بجماع زوجته وجودا وعدما وفكره في امرأة أجنبية لا تحل له ممنوع فإن لم يحرم قطعا فلا شك في كراهته والمبالغة في اجتنابه والإعراض عنه انتهى قلت وقعت المسألة بدمشق في زمان الشيخ برهان الدين بن الفركاح فذكر في كتاب الشهادات من تعليقه أنه استفتى فيمن استحضر بقلبه وهو يواقع زوجته محاسن أجنبية يعرفها مثلها في قلبه واستحضر أنه يجامع الأجنبية هل يأثم أو يستحب لحديث إذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه قال الشيخ برهان الدين ولم أجد فيها نقلا مخصوصا قلت ولو اطلع على فتيا ابن البزري لذكرها ثم ذكر من كلام النووي مذهب القاضي أبي بكر في تأثيم من عزم على معصية وحديث إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل قلت ولمن يدعي التحريم أن يقول قد عمل فإن قوله أو تعمل أعم من ذلك العمل الذي يحدث به النفس أو غيره فهذا غير مقترن بعمل لكنه ليس العمل الذي عزم عليه وللشيخ الإمام في باب إحياء الموات نظير هذا البحث لكني لا أراه لأنه جاء في حديث آخر أو يعمل به استحباب إجابة المؤذنين للصلاة الواحدة وإن تعاقبوا سئل ابن البزري هل نجيب مؤذنا بعد مؤذن فأجاب جاء في رواية إذا سمعتم المؤذن والألف واللام إذا لم يكن عهد سابق للعموم وإجابة كل واحد قلت وبذلك أفتى شيخ الإسلام أبو محمد بن عبد السلام وفصل الرافعي بحثا لنفسه في كتابه أخطار الحجاز بين أن يكون صلى أولا وقد بسطنا المسألة في أصول الفقه في مسألة أن الأمر هل يقتضي التكرار إخصاء الحيوان المأكول لتطييب لحمه وقد أكثر الناس فعله في الديكة قال جمهور أصحابنا بأنه يجوز إذا كان صغيرا وحرم ذلك ابن المنذر وبه أفتى ابن البزري وقال لو جاز إخصاؤه للسمن لجاز لنا للتبتل والعبادة انتهى وليست الملازمة ألبتة ضرب الرجل زوجته على ترك الصلاة أفتى ابن البزري بأنه يجب على الرجل أمر زوجته بالصلاة في أوقاتها وأنه يجب عليه ضربها عليها إذا لم تفعل نزيل فاشان قال ابن السمعاني تفقه على الإمام أبي المظفر التميمي قال وكان فقيها ورعا كثير العبادة سمع بمرو أستاذه أبا الفضل التميمي وخلقا وبفوشنج أبا الحسن الداودي وغيره وببغداد والكوفة وغيرهما من جماعة روى عنه ابن السمعاني وقال توفي في أول يوم من شهر رمضان سنة سبع وعشرين وخمسمائة والسلطان لقب عليه سمع أبا بكر بن خلف وأبا تراب عبد الباقي المراغي والحسن بن أحمد السمرقندي الواعظ وأحمد بن محمد الشجاعي لقيه عبد الرحيم بن السمعاني بمرو سمع منه وكان إماما مناظرا عالما كبيرا توفي سنة تسع وأربعين وخمسمائة من مدينة شروان بفتح الشين المعجمة بعدها راء ثم واو ثم ألف ثم نون من بلاد دربند ينسب إلى كسرى أنو شروان وهو مصنف المعتبر في تعليل المختصر للجويني وقفت عليه توفي بعد الخمسين وخمسمائة أكبر أمراء الدولة الصلاحية تفقه بالجزيرة على الإمام أبي القاسم بن البزري ثم انتقل لحلب وسمع الحديث من الحافظين أبي طاهر السلفي وأبي القاسم ابن عساكر وحدث سمع منه القاضي محمد بن علي الأنصاري وغيره وكان من مبادي سعده أنه اتصل بخدمة الملك أسد الدين شيركوه وصار إمامه في الصلوات وتوجه معه إلى مصر وكان أحد الأسباب المعنية على سلطنة صلاح الدين بعد عمه فمن ثم رعى له السلطان هذه الخدمة وكان ذا شجاعه وشهامة فأمره أسد الدين ثم رفع صلاح الدين منزلته ونقله من إمرة إلى إمرة حتى صار أكبر أمراء الدولة وأسر مرة وخلص بستين ألف دينار توفي في ذي القعدة سنة خمس وثمانين وخمسمائة مات بمخيمة على حصار عكا وهو مجاهد للفرنج بضم الميم وسكون الواو وكسر الشين المعجمة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها اللام نسبة إلى مشيلا وهو كتاب للنصارى جد المذكور وكان نصرانيا وهو من أهل أرمية من بلاد أذربيجان قال ابن السمعاني فقيه فاضل ورع مفت مناظر ورد بغداد وأقام بها متفقها على أبي إسحاق الشيرازي وسمع ابن هزارمرد الصريفيني وتفقه بنيسابور على إمام الحرمين وقد ناظر أبا سعد المتولي وظهر كلامه فقال الشيخ أبو إسحاق لغانم كان كلامك أجود من كلام أبي سعد توفي بأرمية في حدود سنة خمس وعشرين وخمسمائة من أهل بعقوبا سافر إلى خراسان وأقام بنيسابور يتفقه على محمد بن يحيى قال ابن السمعاني علقت عنه أبياتا من الشعر قال وقتل بنيسابور سنة خمس وأربعين وخمسمائة وكان قد بات عند بعض التجار فوجده مقتولا تفقه على الشيخ أبي إسحاق ثم على أبي سعد المتولي مات ببلده في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة ابن المستظهر بالله أحمد بن المقتدى بأمر الله عبد الله بن محمد بن القائم بن القادر بن المقتدر ابن المعتضد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور أخي السفاح نسب كأن عليه من شمس الضحى ** نورا ومن فلق الصباح عمودا وهو الذي صنف له الشاشي كتاب العمدة وباسمه اشتهر الكتاب فإنه كان يلقب عمدة الدنيا والدين وعدة الإسلام والمسلمين بويع له بالخلافة ليلة الخميس الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة فأول من بايعه إخوته أبو عبد الله محمد وأبو طالب العباس وأبو إسحاق إبراهيم وأبو نصر محمد وأبو القاسم إسماعيل وأبو الفضل عيسى ثم تلاهم عمومته أبو جعفر موسى وأبو إسحاق وأبو أحمد وأبو علي أولاد المقتدي ثم جلس بكرة الخميس جلوسا عاما ودخل الناس لمبايعته وكان المتولي لأخذ البيعة قاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني فأول من بايع أبو القاسم الزينبي ثم أرباب الدولة ثم أسعد الميهني مدرس النظامية ثم الناس على طبقاتهم ثم أخرجت جنازة المستظهر فصلى عليها المسترشد وكان المسترشد وقت المبايعة له ابن سبع وعشرين سنة لأن مولده في يوم الأربعاء ثامن عشر شعبان سنة ست وثمانين وأربعمائة وخطب له أبوه بولاية العهد ونقش اسمه على السكة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وذكر أن المسترشد كان تنسك في أول زمنه ولبس الصوف وتفرد في بيت للعبادة وكان مليح الخط ما كتب أحد من الخلفاء قبله مثله يستدرك على كتابه ويصلح أغاليط في كتبهم وأما شهامته وهيبته وشجاعته وإقدامه فأمر أشهر من الشمس وقت الزوال وأوضح من البدر ليلة الكمال ولم تزل أيامه مكدرة بكثرة التشويش والمخالفين وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك إلى أن خرج الخرجة الأخيرة إلى العراق فكسر وأخذ ورزق الشهادة على يد الملاحدة وحكي أن الوزير علي بن طراد أشار إليه أن ينزل في منزل اختاره وقال إن ذلك يا أمير المؤمنين أصون للحريم الشريف فقال كف يا علي فوالله لأضربن بسيفي حتى يكل ساعدي ولألقين الشمس بوجهي حتى يشحب لوني وانشد وإذا لم يكن من الموت بد ** فمن العجز أن تكون جبانا وله الشعر الحسن فمنه قوله لما استؤسر ولا عجبا للأسد إن ظفرت بها ** كلاب الأعادي من فصيح وأعجم فحربه وحشي سقت حمزة الردى ** وموت علي من حسام ابن ملجم ومن شعره أنا الأشقر الموعود بي في الملاحم ** ومن يملك الدنيا بغير مزاحم ستبلغ أرض الروم خيلي وتنتضي ** بأقصى بلاد الصين بيض صوارمي قال ابن السمعاني كان ذا رأي وهيبة ومضاء وشجاعة أحيا رمائم الخلافة وشدر أركان الشريعة وضبط أمور الخلافة وردها ورتبها أحسن الترتيب والمسترشد أبلغ مما يوصف به وقد آل أمره إلى أن خرج في سنة تسع وعشرين وخمسمائة إلى همذان للإصلاح بين السلاطين السلجقية وكان معه كثير من الأتراك فغدر به أكثرهم ولحقوا بالسلطان مسعود بن محمد بن ملكشاة ثم التقى الجمعان فلم يلبثوا إلا قليلا وانهزموا عن المسترشد وذلك في شهر رمضان وقبض على المسترشد بالله وعلى خواص دولته وحملوا إلى قلعة هناك بقرب همذان فحبسوا فيها وبقي المسترشد مع السلطان مسعود إلى النصف من ذي القعدة من السنة وحمل معهم إلى مراغة من بلاد أذربيجان ثم إن الباطنية ألقوا عليه جماعة من الملاحدة وكان قد أنزل ناحية من العسكر فدخلوا عليه يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة وفتكوا به وبجماعة معه كانوا على باب خر كاهه وقتلوا جميعا ضربا بالسكاكين وحمل هو إلى مراغة ودفن هناك ويحكى أن المسترشد كان إذ ذاك صائما وقد صلى الظهر وهو يقرأ في المصحف فدخلوا عليه فقتلوه ثم أضرمت عليهم النار فبقيت يد أحدهم لم تحترق وهي خارجة من النار مضمومة كلما ألقوا النار عليها وهي لا تحترق ففتحوا يده وإذا فيها شعرات من كريمته فأخذها السلطان مسعود وجعلها في تعويذ ذهب ثم إن السلطان جلس للعزاء وخرج ومعه المصحف وعليه الدم إلى السلطان وخرج أهل المراغة وعليهم المسوح وعلى وجوههم الرماد وهم يستغيثون ودفن في مدرسة هناك وبقي العزاء في مراغة أياما فرضي الله عنه لقد عاش حميدا ومات شهيدا فقيدا وكانت مدة خلافته ثمان عشرة سنة وستة أشهر وحكي عن أبي المظفر محمد بن محمد بن قزمي الإسكافي إمام الوزير علي بن طراد الزينبي قال لما كنا مع الإمام المسترشد بالله يعني بالمعسكر بباب همذان كان معنا إنسان يعرف بفارس الإسلام وكان يقرب من خدمه الخليفة قال فجاء ليلة من الليالي قبل طلوع الفجر فدخل على الوزير فسلم عليه قال ما جاء بك في هذا الوقت قال منام رأيته الساعة وهو كأن خمسة نفر قد توجهوا للصلاة واحد يؤمهم فجئت فصليت معهم ثم قلت لواحد منهم من هذا الذي يصلي بنا فقال هذا رسول الله فقلت ومن أنت فقال أنا علي بن أبي طالب وهؤلاء أصحابه فقمت وقبلت يده الشريفة وقلت يا رسول الله ما تقول في هذا الجيش وعنيت عسكر الخليفة فقال هذا جيش مكسور مقهور وأريد أن تطالع الخليفة بهذا المنام فقال الوزير يا فارس الإسلام أنا أشرت على الخليفة لا يخرج من بغداد فقال لي يا علي أنت عاجز ارجع إلى بيتك وأقول له هذه الرؤيا فربما تطير بها ثم يقول قد جاءني بترهات قال أفلا أنهي ذلك إليه قال بلى تقول لابن طلحة صاحب المخزن فذاك منبسط وينهي مثل هذا قال فخرج من عند الوزير ثم دخل إلى صاحب المخزن فأورد عليه الرؤيا فقال ما أشتهي أن أنهي إليه ما يتطير به قال فيجوز أني أذكر هذا قال اكتب إليه واعرضها وأخل موضع مقهور قال فكتبتها وجئت إلى باب السرادق فوجدت مرتجا الخادم في الدهليز ورأيت الخليفة وقد صلى الفجر والمصحف على فخذه وهو يقرأ ومقابله ابن سكينة إمامه والشمعة بينهما فدخل وسلم الرقعة إليه وأنا أنظره فقرأها ثم رفع رأسه إلى الخادم ثم قرأها ثانيا ثم نظر إليه ثم قرأها ثالثا ثم قال من كتب هذه الرقعة فقال فارس الإسلام فقال وأين هو قال بباب السرادق قال فأحضره فجاء فقبض علي يدي فبقيت أرعد خيفة من تطيره فدخلت وقبلت الأرض فقال وعليكم السلام ثم قرأ الرقعة ثلاث مرات أخرى وهو ينظر إلي ثم قال من كتب هذه الرقعة فقلت أنا يا أمير المؤمنين فقال ويلك لم أخليت موضع الكلمة الأخرى فقلت هو ما رأيت يا أمير المؤمنين فقال ويلك هذا المنام أريته الساعة أنا فقلت يا مولانا لا يكون أصدق من رؤياك نرجع من حيث جئنا فقال ويلك ونكذب رسول الله لا والله ما بقي لنا رجعة ويقضي الله ما يشاء فلما كان اليوم الثاني أو الثالث وقع المصاف وتم ما تم وكسر وأسر وقتل وروى أنه رأى في نومه في الأسبوع الذي استشهد فيه كأن على يده حمامة مطوقة وأتاه آت وقال له خلاصك في هذا فلما أصبح قص على ابن سكينة الإمام ما رأى فقال يكون خيرا ثم قال ما أولته يا أمير المؤمنين قال ببيت أبي تمام حيث يقول هن الحمام فإن كسرت عيافه ** حاء الحمام فإنهن حمام وخلاصي في حمامي وليت من يأتي فيخلصني مما أنا فيه من الذل والحبس فقتل بعد أيام ومن شعره لما كسر وأشير عليه بالهزيمة قالوا تقيم وقد أحاط ** بك العدو ولا تفر فأجبتهم المرء ما ** لم يتعظ بالوعظ غر لا نلت خيرا ما حييت ** ولا عداني الدهر شر إن كنت أعلم أن غير ** الله ينفع أو يضر سمع المسترشد بالله الحديث من أبي القاسم علي بن احمد الرزاز ومن مؤدبه أبي البركات أحمد بن عبد الوهاب بن هبة الله بن السيبي وحدث وقد أسندنا حديثه كتب إلي أحمد بن أبي طالب عن محمد بن محمود أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب ابن علي بن علي بن عبيد الله قراءة عليه أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي قراءة عليه قال قرأت على السيد الأجل الرضا نقيب النقباء شرف الدين خالصة الخلافة وزير أمير المؤمنين أبي القاسم علي بن طراد بن محمد بن علي الزينبي أدام الله سعادته وتوفيقه قلت له قرئ على سيدنا ومولانا الإمام المسترشد بالله أمير المؤمنين أدام الله أيامه وأعانه على ما استرعاه وأيده بنصره وجنده وبلغه نهاية أمله في ولي عهده وجميع ولده بمنة وكرمه وأنت تسمع في يوم الأحد عاشر المحرم سنة سبع عشرة وخمسمائة في عودة من قتال المارقين مظفر منصورا قيل له أخبركم علي ابن أحمد بن محمد الرزاز أخبرنا محمد بن محمد بن الرزاز حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عبيس بن مرحوم الحديث الفضل بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الزيادي أبو محمد من أهل سرخس قال ابن السمعاني ولي القضاء بها مدة ثم صرف عنها قال وكان فقيها فاضلا حسن السيرة كثير العبادة متزهدا مولده في رجب سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وذكره أبو الفتح ناصر بن أحمد العاصمي في كتاب الرسالة فقال الشيخ الإمام الزاهد نجيب عجيب وللفتاوى في الحال مجيب أربى على أقرانه في الزهد والتورع قائم بالأسحار على قدم التذلل والتضرع قال ابن السمعاني توفي الزيادي بسرخس يوم الأربعاء سادس عشر شوال سنة خمسين وخمسمائة بفتح الدال المهملة وسكون اللام وفتح الغين المعجمة والطاء المهملة بين الألفين وفي آخرها النون نسبة إلى دلغاطان قرية من قرى مرو يكنى أبا نصر قال فيه ابن السمعاني صاحبنا وصديقنا قال وكان من أهل العلم والفضل راغبا في تحصيل العلم محبا له أفنى عمره في طلبه يعرف اللغة والأصول والفقه ورغب في طلب الحديث وبالغ فيه على كبر السن قال وكان يحثني على إتمام هذا الكتاب يعني الأنساب ولد بدلغاطان سنة تسع وثمانين وأربعمائة أو سنة تسعين قاله ظنا قلت مات بمرو في المحرم سنة سبع وخمسين وخمسمائة من أهل همذان كان يلقب بالناصح سمع من أبي الوقت وأبي زرعة وشهردار وأبي العلاء العطار وأبي موسى المديني وخلق ولد في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وتوفي في ذي الحجة سنة ثمان وتسعين وخمسمائة سكن بلخ وتفقه على أبي بكر السمعاني بمرو وعلى البرهان ببخارى ولد في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ومات ببلخ في سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة من أحفاد أبي بكر بن فورك ومن أسباط زين الإسلام أبي القاسم القشيري تفقه على أبي نصر القشيري قتل شهيدا ظهر يوم الجمعة سادس شوال سنة ست عشرة وخمسمائة من أهل الموصل من بيت مشهور بالفضل والتقدم توفي في رابع شوال سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة بالموصل صاحب المقامات من أهل البصرة ولد سنة ست وأربعين وأربعمائة وسمع الحديث من أبي تمام محمد بن الحسن بن موسى المقرى وأبي القاسم الفضل القصباني الأديب وأبي القاسم الحسين بن أحمد بن الحسين الباقلاني وغيرهم وحدث ببغداد بجزء من حديثه وبمقاماته التي أنشأها روى عنه أبو الفضل بن ناصر وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن النقور والوزير علي بن طراد وأبو المعمر المبارك بن أحمد الأزجي وأبو العباس المندائي وخلق وآخر من روى عنه بالإجازة بركات بن إبراهيم الخشوعي وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي وأبي نصر بن الصباغ وقرأ الفرائض والحساب على أبي الفضل الهمذاني وأبي حكيم الخبري وأخذ الأدب عن أبي الحسن علي بن فضال المجاشعي وأبي القاسم القصباني وكان من البلاغة والفصاحة بالمحل الرفيع الذي تشهد به مقاماته التي لانظير لها رشيق النظم والنثر حلو الألفاظ عذب العبارة إمام مقدم في الأدب وفنونه قال ابن السمعاني لو قلت إن مفتتح الإحسان في شعره كما أن مختتم الإبداع بنثره وأن مسير الحسن تحت لواء كلامه كما أن مخيم السحر عند أقلامه لما زلقت من شاهق الإنصاف إلى حضيض الاعتساف وقال أيضا فيه أحد الأئمة في الأدب واللغة ومن لم يكن له في فنه نظير في عصره فاق أهل زمانه بالذكاء والفصاحة وتنميق العبارة وتجنيسها وكان فيما يذكر غنيا كثير المال وكان من سبب إنشائه المقامات ما حكاه عن نفسه من أن أبا زيد السروجي واسمه فيما ذكر بعضهم المطهر بن سلار من أهل البصرة كان شيخا شحاذا أديبا بليغا فصيحا قال الحريري ورد علينا البصرة فوقف في مسجد بني حرام فسلم ثم سأل وكان بعض الولاة حاضرا والمسجد غاص بالفضلاء فأعجبتهم فصاحته وحسن كلامه وذكر اسر الروم ولده كما ذكرنا في المقامة الحرامية فاجتمع عندي عشية جماعة فحكيت ما شاهدت من ذلك السائل وما سمعت من ظرافته فحكي كل واحد عنه نحو ما حكيت فأنشات المقامة الحرامية ثم بنيت عليها سائر المقامات قيل وأما تسميه الراوي عنه بالحارث بن همام فإنما عني به نفسه لقوله ( كلكم حارث وكلكم همام ) فالحارث الكاسب والهمام الكثير الاهتمام وكل أحد كاسب ومهتم بأموره ثم انتشرت هذه المقامات في زمانه وكثرت النسخ بها وزاد إقبال الخلق عليها بحيث قال القاضي جابر بن هبة الله قرأت المقامات على الحريري في سنة أربع عشرة وكنت أظن أن قوله يا أهل ذا المغنى وقيتم شرا ** ولا لقيتم ما بقيتم ضرا قد دفع الليل الذي اكفهرا ** إلى ذراكم شعثا مغبرا فقرأت سغبا معترا ففكر ثم قال والله لقد أجدت في التصحيف وإنه لأجود فلرب شعث مغبر غير محتاج والسغب المعتر موضع الحاجة ولولا أني قد كتبت خطي إلى هذا اليوم على سبعمائة نسخة قرئت على لغيرته كما قلت ومن شعره لا تخطون إلى خطء ولا خطأ ** من بعد ما الشيب في فوديك قد وخطا وأي عذر لمن شابت ذوائبه ** إذا سعى في ميادين الصبا وخطا واقتصرت على ذكر هذين البيتين لأني لم له نظما ولا نثر إلا ونظمه ونثره في المقامات أحسن منه وله ديوان رسائل وشعر وله أيضا ملحة الإعراب ودرة الغواص وغير ذلك توفي في يوم الاثنين ثامن رجب سنة ست عشرة وخمسمائة
سأل يعيش النحوي زيد بن الحسن الكندي عن قول الحريري في المقامة العاشرة حتى إذا لألأ الأفق ذنب السرحان وآن انبلاج الفجر وحان ما يجوز في قوله الأفق ذنب السرحان من الإعراب وأشكل عليه الجواب حكي ذلك ابن خلكان وذكر أن البندهي جوز في شرح المقامات رفعهما ونصبهما ورفع الأول ونصب الثاني وعكسه قال ابن خلكان ولولا خوف الإطالة لأوردت ذلك قال والمختار نصب الأفق ورفع ذنب قلت وقال الشيخ جمال الدين ابن هشام رحمه الله ومن خطه نقلته كان يرفعهما على حذف مفعول لألأ وتقدير ذنب بدلا أي حتى إذا لألأ الوجود الأفق ذنب السرحان وهو بدل اشتمال ونظيره سرق زيد فرسه ويضعفه أو يرده عدم الضمير وقد يقال إن أل خلف عن الإضافة أي ذنب سرحانه ومثله ويكنى أيضا أبا محمد ومنهم من جعل كنيته أبا القاسم ولم يجعل له اسما سواها كذلك نقل أبو الحسن السخاوي والصحيح أن اسمه القاسم وله كنيتان أبو محمد وأبو القاسم ولد في آخر سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وقرأ القرآات بشاطبة على أبي عبد الله محمد بن علي بن أبي العاص النفزي المعروف بابن اللاية وارتحل إلى بلنسية فقرأ القراآت وعرض التفسير حفظا على أبي الحسن بن هذيل وسمع منه ومن أبي الحسن بن النعمة وأبي عبد الله بن سعادة وجماعة وارتحل ليحج فسمع من السلفي وغيره روى عنه أبو الحسن علي بن هبة الله بن الجميزي وأبو بكر بن وضاح وجماعة آخرهم أبو محمد عبد الله بن عبد الوارث المعروف بابن فار اللبن وقرأ عليه القرآات جماعات فإنه تصدر للإقراء بمصر وعظم شأنه وبعد صيته وانتهت إليه رياسة الإقراء وقصد من البلاد وألف القصيدة المباركة المشهورة المسماة بحرز الأماني وكان ذكي القريحة قوي الحافظة واسع المحفوظ كثير الفنون فقيها مقرئا محدثا نحويا زاهدا عابدا ناسكا يتوقد ذكاء وكان تصدر للإقراء بالمدرسة الفاضلية بالقاهرة قال السخاوي أقطع بأنه كان مكاشفا وأنه سأل الله كتمان حاله ما كان أحد يعلم أي شيء هو ومن شعره قل للأمير نصيحة ** لا تركنن إلى فقيه إن الفقيه إذا أتي ** أبو أبكم لا خير فيه توفي في ثامن عشرى جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة عن اثنتين وخمسين سنة وخلف بنتا وابنا عمر بعده تفقه ببغداد على يوسف الدمشقي ثم قدم الشام واتصل بخدمه السلطان صلاح الدين ونفذه مرارا رسولا إلى دار الخلافة المعظمة في الأيام المستضوية والناصرية فارتفع شأنه وحصلت له معرفة بالديوان المعظم وولي قضاء الشام ثم انتقل إلى الموصل وولي قضاءها وبقي على ذلك إلى أن ورد مرسوم الخليفة من بغداد بطلبه وقلد قضاء القضاة شرقا وغربا وفوض إليه النظر على أوقاف الشافعية والحنفية وقرىء عهده بجامع مدينة السلام ولم يزل على أكمل جاه إلى أن استعفى من القضاء وسأل العودة إلى بلاده فأجيب إلى ذلك فلما وصل إلى حماة ألزمه صاحبها المقام بها فأقام بها وولاه القضاء فلم يزل هناك إلى أن أدركه أجله وكان فقيها عادلا فاضلا مهيبا ذا ثروة ونعمة وله النثر والنظم قد سمع الحديث من أبي طاهر السلفي ومن شعره في كل يوم يرى للبين آثار ** وماله في التئام الشمل إيثار يسطو علينا بتفريق فواعجبا ** هل كان للبين فيما بيننا ثار ولد في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة ومات في منتصف رجب سنة تسع وتسعين وخمسمائة نزيل الإسكندرية سمع بمصر أبا طاهر محمد بن الحسين بن سعدون الموصلي في سنة سبع وأربعين وأربعمائة وكان كبير السن ذاك الوقت وسمع أيضا من القضاعي والشريف بن حمزة سمع منه أبو طاهر السلفي وعبد الله العثماني وعلي بن مهران القرميسني وغيرهم توفي في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وخمسمائة وقد جاوز المائة تفقه وناظر وتكلم في مسائل الخلاف وحدث عن أبي الفتح بن البطي وأبي القاسم ابن بيان وأبي علي بن نبهان وخلق توفي في تاسع عشر شعبان سنة ثمان وتسعين وخمسمائة كان أولا حنبليا ثم انتقل إلى مذهب الشافعي وتفقه على أسعد الميهني ثم على أبي منصور بن الرزاز وبرز في الفقه وسمع الحديث من أبي الغنائم النرسي وغيره ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة قال ابن السمعاني حسن السيرة جميل الظاهر والباطن يبالغ في الوضوء والطهارة كثير العبادة توفي في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة صاحب أبي الحسن بن الخل وأحد الأئمة قال فيه ابن النجار إمام وقته في العلم والدين والزهد والورع تفقه على أبي الحسن بن الخل ولازمه حتى برع في المذهب والخلاف وولي تدريس النظامية قال وكان أكتب أهل زمانه لطريقة ابن البواب علي بن هلال وأحسنهم خطا قال وكان ضنينا بخطه لا يسمح بشيء منه لأحد حتى إنه كان إذا شهد أو كتب جواب فتيا لأحد كسر القلم وكتب به خطا رديئا سمع من أبي القاسم بن الحصين وأبي بكر محمد بن عبد الباقي وحدث باليسير وقال الموفق عبد اللطيف رأيته يلقي الدروس فسمعت منه فصاحة فقلت ما أفصح هذا الرجل فقال شيخنا ابن عبيدة النحوي كان أبوه عوادا وكان هو معي في المكتب وضرب بالعود فأجاد وتحذق فيه حتى شهدوا له أنه في طبقة معبد ثم أنف واشتغل بالخط إلى أن شهدوا له أنه أكتب من ابن البواب ولا سيما في الطومار والثلث ثم أنف منه واشتغل بالفقه فصار كما ترى توفي في ذي القعدة سنة خمس وثمانين وخمسمائة المبارك بن محمد بن الحسين أبو العز الواعظ المعروف بالواسطي القصار ويعرف بالبصري أيضا وهو بغدادي وكان يلقب سيف السنة وقد دونت مجالس وعظة سمع من أبي الحسين بن النقور وأبي جعفر بن المسلمة وأبي الحسين بن المهتدي وغيرهم وحدث روى عنه جماعة مولده سنة أربع وأربعين وأربعمائة ولد بالجزيرة في سنة خمس وعشرين وخمسمائة ومات بالموصل في سنة سبع وثمانين وخمسمائة الإمام في الجبر والمقابلة والمساحة وقد سمع الحديث على أبي الوقت السجزي وغيره وله كتاب الفرائض على مذهب الشافعي ومالك مات في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وخمسمائة ذكر أبو حامد محمود التركي أنه كان فقيها وأديبا شاعرا وأنه من أزهد أهل عصره وأعلمهم تفقه على البغوي وهو من كبار تلامذته مات سنة ست وأربعين وخمسمائة
|