الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
صاحب الذخائر وغيره من المصنفات له إثبات الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والكلام على مسألة الدور وغيرهما كان من أئمة الأصحاب وكبار الفقهاء وإليه ترجع الفتيا بديار مصر قال ابن القليوبي في كتاب العلم الظاهر سمعت الشيخ الحافظ زكي الدين عبد العظيم يقول عن الشيخ أبي المعالي مجلي إنه تفقه من غير شيخ قال وقال الشيخ يعني الحافظ عبد العظيم وكان يعني القاضي مجليا يمشي في جبانة القرافة وهو يطالع ويزور فإذا كان بعد العصر أسند ظهره إلى المقطم واستقبل البركة وأمر على خاطره ما طالعه في نهاره قال عبد العظيم وكان القاضي مجلي استعار كتاب البسيط عارية مؤقتة وهي مده قريبة جدا ولعلها لكل جزء يومان وكان يصلي الفرائض خاصة ويشتغل بالنسخ ويقال إنه بسبب هذه السرعة جاء في بعض المواضع من كتاب الذخائر خلل في النقل عن البسيط وكان جيد الحفظ حسن التعليق قال ابن القليوبي ورأيت هذه النسخة وابتيعت بثمن كثير لنسبتها إليه قال ابن القيلوبي وكان مجلي قبل القضاء يسكن قليوب قال وسمعت والدي يقول إنه لما ولى القضاء توجه إلى زيارته الشيخ أبو إسحاق وابن أبي الأشبال فوجداه وقد قدم له مركوب من جهة الخليفة على هيئة تخص الحكام وكان لحكام المصريين هيئة خاصة وكذلك لشهودهم فلما خرج نفض السرج بكمه وقبله وركب فلما رأيا ذلك منه رجعا ولم يجتمعا به فاتصل به ذلك عنهما فقال والله لم أدخل في الحكم إلا الضرورة ولقد بعد عهد أهلي باللحم فأخذت لهم منه فما هو إلا أن وضعوا أيديهم مرة ثم لم يضعوها ثانية يشير إلى كثرة العيال وقلة الطعام قال شيخنا الذهبي كانت ولايته قضاء مصر في سنة سبع وأربعين وخمسمائة بتفويض من العادل ابن السلار سلطان مصر ووزيرها ثم عزل قبل موته ومات في ذي القعدة سنة خمسين وخمسمائة
وقد رتب كتابه الذخائر على سلك لم يسبق إليه وباب التفليس فيه وباب الحجر بعد كتاب القضاء قال في الذخائر ومنه في كتاب التعزير نقلته وأما قدره يعني التعزير قال الشاشي في الحلية الناس على أربع رتب التعزير بالكلام ثم بالحبس ثم بالنفي ثم بالضرب ثم قال في التعزير بالحبس إن من الناس من يحبس يوما ومنهم من يحبس إلى غاية لا تقدر لكن بحسب تأدية الاجتهاد ويراد بها المصلحة وقال الزبيري من أصحابنا تقدر غايته بشهور الاستبراء والكشف وبستة أشهر للتأديب والتقويم والمرتبة الثالثة النفي اختلف في غايته ظاهر المذهب أن أكثره ما دون السنة انتهى وهذا منه ومن الشاشي قبله تصريح بجواز التعزير بالنفي والإخراج عن البلد وقد صنعه عمر رضي الله عنه ولا شك في جوازه وأشار إلى جوازه أيضا القاضي الحسين غير أنه وقع في عبارة الرافعي أما جنسه يعني التعزير من الحبس أو الضرب جلدا أو صفعا فهو إلى رأي الإمام ولم يصرح بالنفي فصار كثير من الطلبة يستغرب مسألة النفي ولا غرابة فيها والحق أن ولي الأمر إذا رآه مصلحة جاز له التعزير به وقد صرح به الشاشي ومجلي وهو واضح ثم رأيته مصرحا به أيضا في الحاوي للماوردي والبحر للروياني وكلهم صرحوا بأن ظاهر المذهب أن النفي ينقص عن سنة قال الماوردي في الحاوي حتى لا يصير مساويا للتغريب في الزنا قال في الذخائر بعد أن ذكر قبول رجل وامرأتين في المال في كتاب الشهادات ما نصه ويقبل الرجل والمرأتان مع وجود الرجلين ومع عدمهما وحكى في الحاوي أنه لا يقبل الرجل والمرأتان إلا مع عدم الرجلين والمذهب الأول انتهى والواقف على هذا يتوهم أن صاحب الحاوي حكاه عن مذهبنا لقوله والمذهب الأول وذلك غير معروف في مذهبنا ولا حكاه الماوردي عنه إنما حكاه عن مالك فقال في باب الأقضية واليمين مع الشاهد مدعي المال إذا قدر على إثبات حقه بالخيار بين ثلاثة أشياء إحداها أن يثبته بشاهدين وهو أقوالها فيحكم له المال والثاني أن يثبته بشاهد وامرأتين فيحكم له بالمال وإن قدر على الشاهدين وقال مالك لا يجوز أن يحكم له المال بالشاهد والمرأتين إلا مع عدم الشاهدين انتهى ونقل ابن المنذر الإجماع على عدم اشتراط فقدان الشاهدين قال في الذخائر في كتاب الشهادات ما يثبت بشاهد واحد هلال رمضان ليس سواه قال القاضي شهاب الدين بن شداد لقد عجبت من صاحب الذخائر في هذا الكلام وقد تقدم تقريره أنه إذا أقام شاهدا واحدا استحق الحيلولة والوقف به في صور متعددة وهو حق يثبت بالشاهد الواحد ولعله أراد بذلك أن هذه أمور تابعة لحقوق لا أنها مقصودة انتهى قلت لقد عجبت من ابن شداد في هذا الكلام فإن الشاهد الواحد على القول بالحيلولة والوقف به لا يثبت به الحق المدعى إنما هي حيولة ووقف عين وهذا لم ينفرد به صاحب الذخائر فإن كان ابن شداد ظن أنه تقدم من صاحب الذخائر الحكم بشاهد واحد في صور متعددة فليس كما ظن وإنما تقدم فيه الحيلولة بشاهد واحد وليس هو من الحكم بشيء وكلامه قويم وتعجب ابن شداد عجيب وما قاله مجلي قاله الناس كلهم ثم طريق الرد عليه ببيان صور يحكم فيها بشاهد واحد إما على الصحيح أو على رأي ضعيف وقد أوردناها في كتابنا التوشيح عند كلامنا على قول المنهاج لا يحكم بشاهد واحد إلا في هلال رمضان في الأظهر منها لو شهد عدل واحد بإسلام من عهدناه ذميا قبل موته فإنه لا يحكم بإسلامه بالنسبة إلى الميراث فلا يرث منه المسلم ولا يحرم منه الكافر وهل يثبت بالنسبة إلى وجوب الصلاة عليه وجهان بناهما المتولي على الخلاف في لزوم رمضان بواحد لتضمن ذلك إيجاب عبادة ومنها هلال ذي الحجة على وجه ومنها هلال شوال على قول أبي ثور وقال صاحب التقريب لو قلت به لم أكن مبعدا ورأى الإمام اتجاهه ومنها قال البغوي في التهذيب وتابعه غيره إن العيب يقبل فيه الرجل الواحد ويثبت به الرد لكن في التتمة خلافه ومنها إذا نذر صوم شعبان فشهد واحد باستهلال هلاله فوجهان عن البحر يبنيان على أن النذر يسلك به مسلك واجب الشرع أم جائزة ومنها العون إذا أخبر الحاكم بامتناع الغريم من الحضور اكتفى به في تأديبه ومنها إذا ادعى الخصم امتناعه فشهد به واحد فقد قيل يكتفى به والأشبه في المسألتين أن ذلك من باب الخبر لا الشهادة فلا يكون مما نحن فيه ومنها صورة أوردها الشيخ برهان الدين بن الفركاح في تعليقته على التنبيه وفي حواشيه على المنهاج ونقلها عن الحاوي فقال ذكر الماوردي في الباب الثاني من كتاب الشهادة في الكلام على ما يكون به عدلا ما لفظه والثالث أن يشهد ببلوغه شاهد عدل فيحكم ببلوغه وتكون شهادة لا خبرا انتهى وقد رأيته في الحاوي في النسخة التي نقل منها الشيخ برهان الدين وهي وقف المدرسة البادرائية ولفظه كما ذكره وها أنا أحكيه مع ما قبله وما بعده لوقوع الاضطراب فيه قال الماوردي ومن النسخة التي نقل منها ابن الفركاح نقلته في التوصل إلى معرفة البلوغ ما نصه علم الحاكم ببلوغه يكون من أحد أربعة أوجه أحدها أن تظهر عليه شواهد البلوغ بالإنبات إذا جعل الإنبات في المسلمين بلوغا والثاني أن يعرف الحاكم سنة فيحكم ببلوغه إذا استكمل سن البلوغ والثالث أن يشهد ببلوغه عنده شاهد عدل فيحكم ببلوغه ويكون شهادة لا خبرا والرابع أن يقول الغلام قد بلغت فيحكم ببلوغه بقوله لأنه قد يبلغ بالاحتلام الذي لا يعلم من جهته لأنه تتغلظ أحكامه بتوجه التكليف إليه فكان غير متهم فيه انتهى وقد ذكره الروياني في البحر كذلك إلا أنه قال شاهدا عدل فمن ثم جوزنا أن تكون الألف ساقطة من لفظ الحاوي لكوننا وجدناها ثابتة في لفظ البحر وهذا يكاد يحكي لفظه كثيرا وسقوط ألف واحدة هين لكن أوقفنا عن ذلك أن في الحاوي والبحر كليهما ويكون شهادة لا خبرا ومع قيام الشاهدين لا يحتاج إلى هذا الكلام وبالجملة في اللفظ اضطراب ولا يتأتى إيراد الشيخ برهان الدين إلا على تقدير سقوط الألف وفيه وقفة قال في الذخائر في أوائل باب تحمل الشهادة بعدما حكى الوجهين في أن تحملها في غير النكاح هل هو فرض كفاية أو سنة ما لفظه قال بعض أصحابنا ووجه التردد نشأ من الآية وهو قوله تعالى انتهى وقد يقول من يدعي تخصيصها بالأداء إن اسم الشاهد حقيقة لا يطلق على من لم يتحمل قال في الذخائر في مسح الخف أنه لا يجوز المسح على الخف التي أصابته نجاسة حتى يطهر لأنه لا تجوز الصلاة معه فلا يجوز المسح عليه وهذا أيضا ذكره النووي في شرح المهذب ولعله أخذه من الذخائر وهو شيء عجيب لا يساعده منقول ولا معقول وإنما الذي منعه الأصحاب المسح على نجس العين أم المتنجس فلا يمنع المسح عليه بل يصح ثم يصير المانع من الصلاة بوجود متنجس فيغسله ويصلي فيه وبذلك صرح الشيخ أبو محمد في التبصرة فقال وإذا كان الخف نجسا فلا تصح الصلاة معه لنجاسته والمسح عليه صحيح حتى إذا مسح عليه أولا ثم أراد حمل المصحف أومسه كان ذلك مباحا ولكن الصلاة لا تباح وعلى الخف نجاسة لأن النجاسة على البدن أو الثوب لا تتداعى إلى فساد الوضوء فكذلك الخف انتهى وليس في الرافعي إلا أن الخف من كلب أو ميتة قبل الدباغ لا يجوز المسح عليه وذلك مخصوص بنجس العين لا المتنجس بل لو قال قائل لا منافاة بين صحة المسح و النجاسة ولو عينيه فيصح المسح ثم تمنع الصلاة للنجاسة لساعدته عبارة التبصرة من أهل أصبهان ومن أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء ذوي الحشمة والجاه تفقه على أبي بكر الخجندي وعبد الوهاب بن محمد الفامي وسمع منهما الحديث ومن الإمام أبي المظفر السمعاني ومن خلق وحدث وأملى عدة مجالس روى عنه الحافظ ابن عساكر في معجم شيوخه توفي فجأة ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وخمسمائة قال ابن السمعاني إمام فاضل مفت مناظر أصولي حسن السيرة أفنى عمره في الوحدة والقنوع ونشر العلم وطلبه وتفقه على والدي وسمع الحديث من عبد الغفار الشيروي وغيره كتبت عنه شيئا يسيرا بمرو من أهل أصبهان وهو من الوعاظ الذين لهم القبول الزائد من العامة سمع مكى بن منصور بن علان وهبة الله بن الحصين وأبا العز بن كادش وغيرهم روى عنه ابن السمعاني ولد في رجب سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وتوفي في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بعد عوده من الحج صاحب الطريقة في الخلاف وهو أحد تلامذة محمد بن يحيى وكان ذا تفنن في العلوم وله في الوعظ اليد الطولى تفقه به جماعة بأصبهان توفي في شوال سنة خمس وثمانين وخمسمائة أبو القاسم بن أبي الفتح العراقي المجير البغدادي قرأ المذاهب والخلاف على أبي بكر الأرموي صاحب أبي إسحاق الشيرازي وعلي أبي منصور الرزاز وقرأ الأصول والكلام على أبي الفتوح الإسفرايني وعبد السيد بن علي بن الزيتوني حتى صار من أجلاء الأئمة قال ابن النجار برع في الأصول والفروع والخلاف والجدل وعلم الكلام وعلم المنطق حتى صار شيخ وقته وعلامة عصره يقصده الطلبة من البلاد البعيدة قال وصنف كتبا كثيرة في الأصول والجدل وغيرهما وعلق عنه الناس تعاليق كثيرة قال وأعاد بالنظامية وهو شاب في أيام أبي النجيب السهروردي ثم سافر إلى الشام وأقام بدمشق مدة يدرس في عدة مواضع ثم عاد إلى بغداد وخرج إلى بلاد فارس ونزل شيراز فأقام بها مدة يدرس بها سنين ثم قدم واسطا في آخر سنة سبع وثمانين وخمسمائة فأقام بها نحوا من أربع سنين يدرس ويحضر عنده الفقهاء ثم عاد إلى بغداد وتولى تدريس النظامية في شهر رمضان سنة اثنتين وتسعين ثم ندب إلى الخروج في رسالة من الديوان إلى خوارزمشاه وكان يؤمئذ بأصبهان فخرج من بغداد يوم الخميس الثالث والعشرين من شوال من السنة المذكورة وفي صحبته ولده وجماعة من الفقهاء فانتهى إلى همذان وقد مرض واشتد مرضه فأقام بها إلى أن توفي سمع من أبي القاسم هبة الله بن الحصين وأبي بكر محمد بن عبد الباقي وعبد الوهاب ابن الأنماطي وإسماعيل بن السمرقندي وعلي بن عبد السيد بن الصباغ وغيرهم وحدث باليسير ولد في رمضان سنة سبع عشرة وخمسمائة أخبرنا والدي رضي الله عنه قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا الحافظ أبو محمد الدمياطي أخبرنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي أخبرنا الإمام أبو القاسم محمود بن أبي الفتح المبارك بن أبي القاسم علي بن الحسن بن الحسين الواسطي الفقيه المعروف بالمجير قدم بغداد قراءة عليه وأنا أسمع بها قيل له حدثكم أبو القاسم هبة الله بن محمد ابن عبد الواحد الشيباني إملاء من لفظه وأنت تسمع أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قراءة عليه وأنا أسمع حدثنا إسماعيل بن سعيد المعدل حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن المقري حدثنا جدي حدثنا سفيان عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وقال مرة أخرى إنه حدث أن النبي قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب صاحب الكافي في الفقه من أهل خوارزم كان إماما في الفقه والتصوف فقيها محدثا مؤرخا له تاريخ خوارزم قال شيخنا الذهبي وقفت على الجزء الأول منه ولد بخوارزم في خامس عشر شهر رمضان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة سمع أباه وجده العباس بن أرسلان وإسماعيل بن أحمد البيهقي بخوارزم ومحمد بن عبد الله الحفصوي بمرو وأحمد بن عبد الواحد الفارسي بسمرقند ومحمد بن علي المطهري ببخارى وابن الطلاية ببغداد وتفقه على الحسن بن مسعود البغوي ودخل بغداد ووعظ بها بالنظامية وحدث سمع منه يوسف بن مقلد وأحمد بن طاروق قال ابن السمعاني كان فقيها عارفا بالمتفق والمختلف صوفيا حسن الظاهر والباطن قال أيضا وطلب الحديث بنفسه وعلق منه طرفا صالحا قال وبيته بيت العلم والصلاح قال وأقام بخوارزم يفيد الناس وينشر العلم قلت ووقفت على المجلد الأول من تاريخه وهو الذي وقف عليه شيخنا الذهبي وهو من قسمة ثمانية أجزاء ضخمة وفيه دلالة على أن الرجل كان متبحرا في صناعة الحديث يطلق عليه الحافظ المطلق ولا حرج وقد أكثر فيه من الأسانيد والفوائد والكلام على الحديث وابتدأ بعد ما ذكر أخبار خوارزم وهي التي وسمها في كتابه منصورة بالمحمدين وذكر في خطبته أن الحاكم أبا عبد الله سماها بهذا الاسم بحديث موضوع ورد فيها ساقه بإسناد في المجلد الأول جمع المحمدين وأكثر فيه الحديث عن زاهر بن طاهر بالإجازة وإذا ذكر أبا سعد بن السمعاني أو شهردار بن شيرويه قال أخبرنا وكثيرا ما يروي عن أبي سعد بالإجازة توفي في شهر رمضان سنة ثمان وستين وخمسمائة وله بخوارزم عقب علماء محدثون
ذكر في مقدمة تاريخ خوارزم أن خوارزم كانت مدينة تسمى المنصورة لحديث ورد كما ذكرناه وأن الوادي حطمها وأخذها قال وسمعت عدة من المشايخ يقولون كان بمنصورة اثنا عشر ألف مسجد فإن فيها اثنى عشر ألف سكة في كل سكة مسجد وفيها ألف ومائتا حمام ثم حولت إلى المدينة التي هي اليوم كائنة وذكر من تعظيمها وتعظيم أهلها الشيء الكثير وحكى من سعادتهم الأمر العجيب وذكر منهم أبا نصر منصور بن علي بن عراق الجعدي وأنه كان مقيما بقرية على باب البلد وله بها قصر مشيد وأن جماعة جاءوا من البلد فمروا يضيعته فأبصروه فنزلوا عند دوابهم وجاءوا يسلمون عليه فأمر وكيله أن ينزلهم في موضع يليق بهم وأمره بضيافتهم وتعهد دوابهم وكانوا عصارين دهانين من منصورة أي زياتين خرجوا يطلبون شراء سمسم وكانوا تسعمائة نفس سوى من يتبعهم من أشياعهم فلما أصبحوا ركب جماعة منهم لينتشروا في القرى فأخبر أبو نصر بذلك فقال إن لم يكن عندنا ما يكفيهم فليطلبوا حينئذ من غيرنا فجلس المستوفى والوزان والنقاد يوزن عنهم ما كان من النقد عندهم والمستوفى يثبت في الجريدة ما يؤدي كل واحد منهم باسمه فلما فرغوا من أخذ ما كان معهم من النقد والمتاع أمر أبو نصر بفتح باب الآبار والكيل لهم حتى وفاهم بالتمام وقد فضل عنده سمسم كثير وأمر أن يكتال عليهم ما اشتروه و أمر لهم بعجلان لتحمل معهم فوصل الطرف الأول منها إلى وسط البلدة والطرف الآخر إلى دار الوقف لا يخرج من القرية قال صاحب الكافي وكان ذلك في آخر أيام المنصورة حتى لم يبق منها بالإضافة إلى ما كانت إلا شيء يسير يخرج منها تسعمائة عصار سوى من تأخر في البلد قال وأبو نصر هذا هو الذي نزل عنده السلطان أبو القاسم محمود حين دخل خوارزم في ضيعته هذه فأضافه وأضاف جنده ولم يحتج في ضيافتهم إلى إحضار شيء من موضع آخر قال وسمعت الثقات أنه أخرج لكل فرس كان معهم وقت العشاء مخلاة بالشعير وغراران جديدان قال غير أن السلطان اتهمه بسوء الاعتقاد فإنه لم ير في ضيعته مسجدا فلما دخل الجرجانية أمر بصلبه فصلب مع من صلب من المتهمين بسوء الاعتقاد في سنة ثمان وأربعمائة وأطال صاحب الكافي في ذكر مناقب خوارزم وهي جرجانية المدينة الموجودة اليوم وهما بلدان عظيمان من بلاد المسلمين حولا عن مكانهما خوارزم كانت تسمى المنصورة فحولت لما حطمها الوادي إلى قريب منها يسمى الجرجانية ونيسابور لما هدمتها الزلازل وكانت من إحدى قواعد بلاد خراسان حولت إلى قريب منها هو الآن يسمى بنيسابور أيضا كذا قرأت نسبة بخطه على كتابه المسمى فقه القلوب وهذا الكتاب عندي بخط مصنفه هذا الرجل وهو غريب النوع مبوب على أبواب الفقه يفتتح الباب بذكر مسائله الفقهية ثم يذكر بعدها أقوال الصوفية على ذلك النحو قال في خطبته وقد أجزت في هذا الكتاب وأمرت به ولولا الأمر لما أفصحت به قال وقد صنف شيخا أبو طالب المكي قوت القلوب وصنف شيخنا أبو القاسم القشيري نحو القلوب وهذا فقه القلوب إن شاء الله والمذكور لم يدرك الشيخين المذكورين ولكنه يقول شيخنا إشارة إلى الطريقة كما يقول متقدم الأشاعرة ومتأخرهم شيخنا أبو الحسن ويعنون شيخ الطريقة وهذا الكتاب حسن في نوعه وهو مجلد ضخم ومصنفه هذا يكنى أبا القاسم ويعرف بابن المشرف من أهل أصبهان قال ابن النجار كان من أعيان مشايخ الصوفية موصوفا بالزهد والعبادة والفضل والعلم وحسن السمت وجميل السيرة قال وله قدم في الطريقة وكلام حسن على مذهب أهل الحقيقة وقد صنف عدة كتب في التصوف وسمع الكثير من زاهر بن طاهر وأبي غالب أحمد بن الحسن بن البناء وأبي القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي وأبي القاسم علي بن عبد السيد بن الصباغ وأبي الفضل محمد بن عمر الأرموي وخلق كثير وحدث بيسير من مروياته ومصنفاته سمع منه القاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي ومحمد بن بقاء السرسفي قلت وخلق آخرون سمعوا عليه كتاب فقه القلوب في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة كتب إلي أحمد بن أبي طالب من الشام قال كتب إلي محمود بن محمد عن محمود ابن محمد بن عبد الواحد بن ماشادة قراءة عليه قال حدثنا أبو القاسم صدقة بن محمد بن الحسين أخبرنا أبو علي إسماعيل بن أحمد بن الحسين أخبرنا أبو علي إسماعيل بن أحمد بن أبي الحسن البيهقي قدم علينا أخبرنا أبي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين قال بينما رسول في سفره وامرأة من الأنصار على ناقة لها فضجرت فلعنتها فقال رسول الله ( خلوا عنها وعروها فإنها ملعونة ) قال وكان لا يأويها أحد من أهل مرو ولد آخر يوم من جمادى الآخرة سنة ست وستين وأربعمائة وتفقه على أبي المظفر ابن السمعاني ثم خرج إلى ما وارء النهر ولقي الأئمة قال أبو سعد وكان مناظرا فحلا فقيها مدققا نظر في علوم الأوائل واشتغل بتحصيل تلك العلوم مع كثرة الصلاة والصدقة والمواظبة على الجمعة والجماعات وحضور مجالس الذكر ثم ترقت حاله إلى الوزارة وهو مع النظر في الوزارة يناظر الخصوم ويظهر كلامه عليهم لدقة نظره وحسن إيراده ثم عزل عن الوزارة وانزوي مدة ثم فوض إليه الاستيفاء مدة والإشراف مدة ثم قبض عليه بنيسابور وحمل إلى مرو ومنها إلى المحبس وحبس في قلعة بنواحي جيحون ويقال لها بانكر وقتل بها سمع بمرو أبا المظفر السمعاني وببخارى القاضي أبا اليسر محمد بن محمد بن الحسن البزدوي وغيره روى عنه أبو سعد وقال مات أو خنق في شهر رمضان سنة ثلاثين وخمسمائة ودفن على باب قلعة بانكر من أهل تفليس تفقه ببغداد على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وسمع الحديث منه ومن أبي يعلى بن الفراء وأبي الحسين بن المهتدي وأبي الغنائم بن المأمون وغيرهم روى عنه الطيب بن محمد الغضائري قال ابن السمعاني توفي بعد سنة خمسين وخمسمائة يكنى أبا عبد الله ورد بغداد وتفقه على الغزالي والشاشي وسمع من طراد الزينبي ورزق الله التميمي وغيرهما ثم عاد إلى بلده واتصل بالملك زنكي بن آق سنقر صاحب الموصل وصار وزيرا له وحدث روى عنه الحافظ ابن عساكر وغيره توفي بعد سنة أربعين وخمسمائة من أهل نيسابور قال فيه ابن السمعاني الإمام بن الإمام فقيه مناظر عاقل ذو رأي حسن وتدبير صائب أحد مدرسي المدرسة النظامية بنيسابور سمع أسعد بن مسعود العتبي وعبد الغفار الشيروي وغيرهما روى عنه ابن السمعاني وقال سألته عن مولده فقال في ذي الحجة سنة أربع وثمانين وأربعمائة قلت تفقه على إمام الحرمين ومات بخواف في شوال سنة ست وخمسين وخمسمائة ولد ببامئين في سابع ذي الحجة سنة ثمان وسبعين وأربعمائة وتفقه بمرو الروذ على البغوي ومات في رابع شعبان سنة نيف وأربعين وخمسمائة الوزير نظام الملك المتأخر وزير السلطان خوارزمشاه وأحد المتعصبين للشافعية وقد بنى لهم جامعا بمرو شرفا على جامع الحنفية فتعصبوا وأحرقوه ونمت فتنة هائلة وكادت بها الجماجم تطير عن الغلاصم ونظام الملك هذا هو الذي بنى المدرسة النظامية بخوارزم وقد اشترك نظام الملك هذا ونظام الملك المتقدم ذكره الذي هو سيد الوزراء اشتركا في اللقب والوزارة والتعصب للشافعية وبناء المدارس وأنهما قتلهما جميعا الملاحدة وقد قتلت الملاحدة هذا في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين وخمسمائة وتأسف عليه السلطان خوارزمشاه واستوزر ولده وهو صبي فأشير على الصبي بالاستعفاء فقال له خوارزمشاه لست أعفيك وأنا وزيرك لكن راجعني في الأمور ولنظام الملك هذا آثار حسنة ولكن هو بعيد من ذلك المتقدم رحمهما الله صاحب كتاب الهادي المختصر المشهور في الفقه كان إماما في المذهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ أديبا مناظرا مولده في رجب سنة خمس وخمسمائة وتفقه على والده وعلى محمد بن يحيى وعمر السلطان وإبراهيم المروروذي ورأى الأستاذ أبا نصر بن الأستاذ أبي القاسم القشيري وسمع الحديث من هبة الله السيدي وعبد الجبار البيهقي وغيرهما حدث عنه أبو المواهب بن صصرى وأبو القاسم بن صصرى وتاج الدين عبد الله ابن حمويه وآخرون وتخرجت به الأصحاب وعظم شأنه قال ابن النجار وكان يقال إنه بلغ حد الإمامة على صغر سنة ودرس بنظامية نيسابور ثم ورد بغداد وحصل له بها القبول التام ثم جاء إلى دمشق وسكنها مدة ودرس بالمدرسة المجاهدية مدة ثم بالزاوية الغزالية بعد موت أبي الفتح نصر الله المصيصي ثم خرج إلى حلب وولى بها تدريس المدرستين اللتين بناهما نور الدين وأسد الدين ثم سافر إلى بغداد ومنها إلى همذان وولي التدريس بهمذان وأقام بها مدة ثم عاد إلى دمشق واستوطنها ودرس بالغزالية والجاروخية وتفرد برئاسة الشافعية وسافر إلى بغداد رسولا إلى ديوان الخلافة ثم عاد وكان معروفا بالفصاحة والبلاغة وتعليم المناظرة توفي بدمشق في شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ودفن بتربة أنشأها غربي مقابر الصوفية وبنى مسجدا على الصخرات التي بمقبرة طاحون الميدان ووقف كتبها ومقرها بخزانة كتب المدرسة العادلية الكبرى بدمشق
حكة في الهادي طريقة في ولاية الفاسق في النكاح غير الطرق المشهورة وهي أنه إن كان غيورا فيلى وإلا فلا من أهل مرو وكان يعرف بالأمير كان من أحسن الناس كلاما في الوعظ وأرشقهم عبارة وقد سمع من نصر الله بن أحمد الخشنامي وإسماعيل بن عبد الغافر الفارسي وعبد الغفار الشيروي وزاهر بن طاهر وعبد المنعم بن القشيري وغيرهم وقدم بغداد رسولا من جهة السلطان سنجر فسمع منه أبو محمد الأخضر وغيره ومن كلامه لا تظنوا أن حيات تجيء إلى القبور من خارج إنما أفعالكم أفعى لكم وحياتكم ما أكلتم من الحرام أيام حياتكم قال أبو سعد فيه له اليد الباسطة في الوعظ والتذكير والعبارة الرائقة الرشيقة وكان نشؤة من صغره إلى أن ترعرع في هذا الفن إلى أن صار ممن يضرب به المثل في حسن الصنعة وإيراد الكلام وهو حلو العبارة فصيح اللهجة لطيف الإشارة مليح الاستعارة شهد له الكل بأنه حاز قصب السبق في هذا النوع انتهى وقال أيضا سألته عن مولده فقال في رمضان سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ومات في سلخ ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وخمسمائة بعسكر مكرم كان قد توجه إليها رسولا من أهل بروجرد تفقه ببغداد على السيد أبي القاسم الدبوسي وسمع قاضي القضاة أبا بكر الشامي وأبا نصر الزينبي وغيرهما كتب عنه ابن السمعاني وقال سألته عن مولده فقال في عاشر جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وأربعمائة قال وتوفي بعد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة ولد بإربل ونشأ بالموصل وتفقه ببغداد على أبي إسحاق الشيرازي ورجع إلى الموصل ثم ولى قضاء سنجار على كبر سنه وسكنها وكان قد أضر وسمع أبا نصر الزينبي وأبا إسحاق الشيرازي وغيرهما روى عنه ابن السمعاني مولده سنة سبع وخمسين وأربعمائة ولم أعلم تاريخ وفاته وقال شيخنا الذهبي توفي تقريبا سنة ست وثلاثين وخمسمائة تفقه ببغداد على أبي منصور الرزاز وبدمشق على أبي الحسن السلمي ودرس في دمشق ومات في شعبان سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة من أهل قزوين وربما سمى نفسه عبد الله كان من أئمة المذهب تفقه على محي السنة البغوي وكان من جلة المتورعين قال ابن السمعاني مفت ورع حسن السيرة سمع بنيسابور أبا بكر بن خلف وبهراة أبا عطاء المليحي وبأصبهان أبا علي الحداد وببغداد البانياسي كتب لي بجميع مسموعاته وسمعت أبا الحسن علي بن محمد بن جعفر الكاتب يقول كان إذا أراد أن يكتب الفتوى استخار الله تعالى وقرأ آيات من القرآن وسأل الإصابة هذا كلام ابن السمعاني وابن النجار أخل بذكره في الذيل وقد ذكره الإمام الرافعي في كتابه الأمالي بعد أن أسند رواية والده عنه وقال إمام خطير قنوع ملازم لسيره السلف الصالحين وهديهم وأفتى بقزوين سنين على الصواب وقال كان يكتب في كل صفحة على الحاشية العليا رب يسر لا يغفل ذلك على كثرة ما كتب على تعاليقه من الأصول والفروع مذهبا وخلافا ومن كتب الحديث واللغة وغيرها ومات ابنه محمد بن ملكداد في عنفوان الشباب وهو فاضل حسن المنظر والمخبر قال فبلغني من قوة الشيخ وتسليمه أنه حضر الجامع بكرة على عادته لإلقاء الدروس فأتته زليخا بنت القاضي أبي سعد الطالقاني وهي جدتي أم أبي وكانت تحته حينئذ فأخبرته بوفاته فأمرها بتجهيزه ولم يذكر الحال للحاضرين حتى فرغ من درسه ثم قال إن محمدا قد دعي فأجاب فمن أراد فليحضر الصلاة عليه وذكر الرافعي أيضا أن الشيخ ملكداد علق عن صاحب التهذيب مجموعة بعبارة أكثر مما يوجد في التصنيف وبزيادة فروع ومسائل قال وتفقه أيضا على القاضي أبي سعد الهروي قال وكان محصلا طول عمره حافظا كثير البركة تخرج به جماعة من أهل البلد وغيرهم ومدحه محمد بن أبي الربيع الغرناطى بقصيده قال فيها إذا قرأ التنزيل أذعن حاسد ** لخير إمام لا ينوه بالدعوى وإن أسند الأخبار عن سيد الورى ** يقول له الإسلام فخرا كذا يروى وإن قام في محرابه بادي الضنا ** وطول قلت الغصن جف فما يلوى يمد يديه شاكيا سوء ماجنى ** إلى خير مرفوع إليه يد الشكوى يقول إلهي هب لي الآن زلتي ** وما استدرج الشيطان منى وما استهوى فذاك الفتى كل الفتى ليس عنده ** يسود لدى التحصيل إلا فتى التقوى توفي سنة خمس وثلاثين وخمسمائة وكان والدي يديم ذكره والثناء عليه ويقول رباني كما يربي الوالد الشفيق ولده وكان أستاذه في الأدب وجميع السير في الأخلاق كما كان أستاذه في الفقه والحديث ولم يسافر مدة حياته احتراما له وتبركا بأنفاسه هذا كله كلام الرافعي قال ابن السمعاني كان فقيها متورعا حسن السيرة ظهر له القبول التام بالجبال وبنى بهمذان ونواحيها خانقاهات وكثر عليه المريدون وازدحم عليه الناس تفقه بمرو على الإمام أبي المظفر السمعاني وقتل فتكا على باب الخانقاه يوم الاثنين وقت الإسفار رابع عشر شوال سنة اثنتين وخمسمائة بهمذان من أهل البوازيج بفتح الباء المنقوطة بواحدة وفتح الواو وكسر الزاي بعد الألف وبعدها الياء الساكنة المنقوطة باثنتين من تحتها وبعدها الجيم بلدة قديمة على دجلة فوق بغداد وهذا الشيخ بجلي ينسب إلى جرير بن عبد الله البجلي وكان فقيها فاضلا تفقه على الشيخ أبي إسحاق وكان خصيصا به وسمع أبا الحسين ابن المهتدي وغيره وتولى قضاء البوازيج وتوفي بعد استهلال سنة إحدى وخمسمائة نزيل بغداد ومعيد النظامية ومدرس المدرسة الثقتية بها إمام مناظر عارف بالمذهب توفي في رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة ولد بآمل طبرستان ونشأ بمرو وتفقه على الإمام أبي الحسن علي بن محمد المروزي وبنيسابور علي محمد بن يحيى وكان مليح الكلام في المناظرة وأقبل على الوعظ والتصوف وسمع من زاهر بن طاهر وعبد الجبار بن محمد الخواري وعلي محمد المروزي سمع منه الحافظ أبو بكر الحازمي ويوسف بن خليل الحافظ وأخوه إبراهيم وطائفة مولده سنة خمس عشرة وخمسمائة ومات بدمشق في ثامن عشر شهر ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وخمسمائة من أهل مرو قال ابن السمعاني كان أحد الفضلاء المبرزين وأحد الزهاد الأجلاء قرأ الأدب وبرع فيه وكان حسن الخط كثير المحفوظ مليح الشعر والنثر يعظ في عشيات الثلاثاء اقتداء بوالده وكان من المختصين بعمى الإمام رحمه الله انتهى سمع بمرو أبا المظفر بن السمعاني وغيره وبنيسابور عبد الغفار الشيروي وغيره روى عنه ابن السمعاني وغيره مولده بمرو في منتصف رجب سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وتوفي بساوة في رجب سنة خمس وخمسين وخمسمائة نزيل مرو تفقه على الإمام أبي المظفر بن السمعاني وسمع منه ومن الفضل بن أحمد بن متويه الصوفي وإسماعيل بن الحسين العلوي وغيرهم روى عنه الحافظ أبو القاسم بن عساكر والحافظ أبو سعد بن السمعاني توفي في رمضان سنة تسع وعشرين وخمسمائة بنواحي أبيورد الفقيه المناظر الرئيس مولده سنة أربع وأربعين وأربعمائة في شهر ربيع الأول بمدينة هراة وسمع بها من جده لأمه أبي العلاء صاعد حفيد أبي منصور الأزدي وغيره وبنيسابور من أبي القاسم القشيري وغيره وحدث روى عنه ابن ناصر والسلفي ويحيى بن بوش قال ابن السمعاني كان جليل القدر عظيم المنزلة فقيها مناظر أحد الدهاة الأذكياء حسن الكلام مليح المحاورة وذكره الحافظ أبو محمد الجرجاني وعظمه وقال فيه رئيس العلماء بهراة وقد مات الجرجاني قبله بقريب من أربعين سنة وكان أبو القاسم ذا مال وثروة قال شيخنا الذهبي يقال كان له ثلاثمائة وستون طاحونه توفي بهراة في شهر رمضان سنة سبع وعشرين وخمسمائة من أهل مرو قال ابن السمعاني كان فقيها زاهدا ورعا واعظا حسن الوعظ عفيفا حسن السيرة سمع جدي أبا المظفر وأبا القاسم عبد الرحمن بن محمد بن ثابت الخرقي وغيرهما كتب عنه ابن السمعاني وقال في التحبير توفي ليلة الأحد ودفن يوم الأحد الرابع والعشرين من شعبان سنة تسع وعشرين وخمسمائة أحد أعيان الحديث وأثباته واسع الرحلة كثير الكتابة حسن الحفظ زاهد ورع ولد في صفر سنة خمس وأربعين وأربعمائة وسمع أبا الحسين بن النقور وعبد العزيز بن علي الأنماطي وأبا القاسم بن البسري وأبا نصر الزينبي وإسماعيل بن مسعدة وأبا بكر الخطيب وأبا عمرو عبد الوهاب بن منده وأبا بكر بن خلف وأبا إسماعيل الأنصاري وخلقا ببلاد كثيرة روى عنه سعد الخير الأنصاري وأبو الفضل بن ناصر وأبو طاهر السلفي وأبو بكرا بن السمعاني وآخرون قال ابن عساكر سمعت أبا الوقت عبد الأول يقول كان الإمام عبد الله بن محمد الأنصاري يقول لا يمكن أحدا أن يكذب على رسول الله مادام هذا حيا وسئل السلفي عنه فقال حافظ متقن لم أر أحسن قراءة منه للحديث قلت كتب الشامل عن ابن الصباغ بخطه وتفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وكان الشيخ أبو إسحاق يداعبه ويقول وشيخنا الشيخ أبو نصر ** لا زال في عز وفي نصر توفي في صفر سنة سبع وخمسمائة ببغداد وأغمات آخر مدينة بالمغرب بينها وبين بحر الظلمات مسيرة ثلاثة أيام رحل موسى من بلاده إلى ديار مصر والحجاز والعراق والجبال وخراسان إلى أن ورد بلاد ما وراء النهر قال ابن السمعاني وكان إماما فاضلا مناظرا أقام بنيسابور مدة تفقه على أبي نصر القشيري وذكره أبو حفص السمرقندي في كتاب القند وقال قدم علينا سنة ست عشرة وخمسمائة وهو شاب فاضل فقيه مناظر بليغ شاعر محدث محاضر وذكر أنه قال فيه هذا لقد طلع الشمس من غربها ** على خافقيها وأوساطها فقلنا القيامة قد أقبلت ** فقد جاء أول أشراطها ومن شعر موسى هذا لعمر الهوى إني وإن شطت النوى ** لذو كبد حرى وذو مدمع سكب فإن كنت في أقصى خراسان نازحا ** فجسمي في شرق وقلبي في غرب قال ابن باطيش درس بهاوأفتى وحكم مدة قال وله اختيارات في المذهب وترجيحات مات بماكسين في حدود سنة ستين وخمسمائة
قال القاضي أبو عمران الماكسيني فيما جمع من كلامه حادثة ذهب السيد الأجل كمال الدين حرس الله علوة فيهاإلى مقالة ووافقه عليها جميع فقهاء الموصل وتاج الإسلام وتاج الدين والشيخ الإمام جمال الإسلام أبو القاسم بن البزري وهو الباز الأشهب في علم المذهب وصورتها رجل أقر بأن جميع ما في يده ملك لزيد فلا خلاف في صحة الإقرار وإنما الكلام في انتزاع ما في يد المقر من غير رجوع إلى تفسيره وذلك نبوة الحسام وكبوة الجواد وزلة العالم وقلت في الجواب لا يجوز انتزاع ما في يده حتى الخاتم الذي في إصبعه إلا إذا أقر بذلك والعلة في ذلك أنه أقر بمجهول غير معين ولا معلوم والدليل على أنه مجهول مسائل أربعة لا تسمع دعواه باستحقاق جميع ما في يده لأن الدعوى لا تسمع بمجهول ولو وكله في الإبراء لم يجز حتى يبين الجنس الذي يبرئ منه والقدر نص على هذه صاحب المذهب ونص الغزالي في الوجيز أن التوكيل في الإبراء يستدعي علم الموكل بمبلغ الدين المبرأ منه لا علم الوكيل ولا علم من عليه الحق الرابع إذا قال أبرأتك من ديني وقدره وصفته هذا من حيث الحكم ومن حيث المعنى إن قوله جميع ما في يدي شامل لجميع ما في يده من ملكه وملك غيره فمراده جميع ما في يدي غير ملكي وملكه من ملك غيره لا يعلم إلا من جهته فهو مجهول
وهي أن اليد متردد بين اليد الحسية والحكمية فاليد الحسية إن أرادها فما اشتملت عليه يده الحقيقية واحتوت عليه راحته ملك للمقر وكان معلوما للمقر وإن قال أردت الحكمية فهو مجهول لأنها تشتمل على حاضر وغائب فدل ذلك على الجهالة ووجب الرجوع إليه في تفسيره انتهى قلت السيد الأجل كمال الدين وتاج الإسلام وتاج الدين لم أعرفهم وخطر لي أن كمال الدين هو ابن يونس ولكن يعارض هذا أن كمال الدين بن يونس كان صغيرا في زمان القاضي الماكسيني ثم خطر لي أن يكون هذا كلام موسى بن محمد بن موسى بن حمود حفيد موسى ابن حمود وسيأتي في الطبقة السادسة ولكن هذا إنما هو من جمع موسى بن حمود نفسه وذكر ابن البزري فيه دليل على ذلك فإن ابن البزري مات سنة ستين وخمسمائة ثم أقول هذا الذي أفتى القاضي الماكسيني به يؤيده قول الأصحاب إذا قرأ بجميع ما في يده صح قالوا ثم إذا قال ليس لي مما في يدى إلا الألف صح وعمل بمقتضاه لكن قد ينازع فيه أن الصواب عند النووي والشيخ الإمام رحمه الله في مسألة القاضي أبي سعد عدم القبول وهي ما إذا أقر أنه لا دعوى له على زيد ولا طلبة ثم قال إنما أردت في عمامته أو قميصه لا في ذكره ونسائه وأقول الحق أنها أربع مسائل إحداها أن يقول لم أرد بما في يدي إلا كيت وكيت وهي مسألة القاضي أبي سعد التي رجح فيها القبول والصواب خلافه لأنه خروج عن ظاهر اللفظ بلا دليل الثاني أن يقول أردت الكل ولم تكن هذه العين في يدي وقت الإقرار فالقول قوله وبه جزم الرافعي والنووي وغيرهما وقدمنا عن القاضي الحسين في ترجمته ما ينازع فيه والثالثة أن يقول الذي في يدي ليس منه إلا ألف فينصرف الإقرار إليها دون غيرها وكأنه في الحقيقة ادعى أن اللفظ وإن شمل شيئا فالشرع لم يساعده بالنسبة إليه لأنه لا ينصرف في مال الغير بالإقرار وهنا وقفة وهي أن إطلاق الرافعي وغيره فيما إذا قال ليس لي مما في يدي إلا ألف أنه يصح ويعمل بمقتضاه فظهر منه في بادىء الرأي أنه يصح الإقرار بالألف دون غيرها وفيه إشكال من جهة أن الإقرار لا يصادف مملوكا للمقر وإنما هو إخبار عن حق سابق فلا بد أن يكون المقر به غير مملوك وقت الإقرار فكيف يصح في الألف دون غيرها والذي ينبغي أن يقال ويحمل عليه كلام الرافعي وغيرها أنه يصح في غيرها دونها وتقع هي مستثناه من المقر به لأن المقر به مقصور عليها فليتأمل ذلك والصورة الرابعة أن يقر بما في يده ولا يدعى بعد ذلك شيئا بل يسكت أو يموت فهل يقدم على انتزاع ما في يده أو يتوقف إلى أن يفسر بما يشاء هذه مسألة القاضي الماكسيني والذي يظهر فيه الخلاف قوله وأنه ينتزع نعم إن تنازع المقر له والورثة في شيء هل كان في يده وقت الإقرار فيها خلاف بين القاضي الحسين والبغوي قدمناه في ترجمة القاضي وقوله إنه أقر بمجهول ممنوع إنما هذا اللفظ عام لا جهالة فيه واستشهاده بأنه لا تصح الدعوى باستحقاق جميع ما في يده ممنوع أيضا ولكنه بناه على ما في ذهنه من أن هو إقرار بمجهول وليس كذلك هو معلوم في نفسه مدلول عليه بلفظ عام ويصح الإقرار به والدعوى به وقوله لا تسمع الدعوى بمجهول إلا في الوصية قلنا أولا هذا ليس بمجهول وثانيا هذا اقتصار على عبارة التنبيه والصحيح سماع الدعوى بالمجهول إذا أقر به بتاتا لمجهول صحيح وهو المذهب وقد صرحوا باستثناء الإقرار بالمجهول ومسائل أخر عن الوصية من قولهم الدعوى بمجهول لا تسمع ونص الأصحاب على أنه لو قال جميع ما لي صدقة صار جميعه صدقة ولو نذر التصدق بجميع ماله لزمه كله وأما قوله لو وكله في الإبراء لم يجز حتى يبين ونظير مسألتنا أن يقول وكلتك في الإبراء من ديوني والمذهب صحة الوكالة وأما قوله إذا قال أبرأتك من ديني أو من جميع ديوني لم يصح ما لم يعين جنس الدين وقدره وصفته فالفرق أن ذلك عقد تمليك وكذلك يقول في وهبتك جميع ما في يدي وعقد التمليك يشترط فيه ما يشترط في البيع من العلم بخلاف الإقرار ونحوه ولد بأصبهان ونشأ ببغداد قال ابن السمعاني وكان واعظا مليح الوعظ حسن العبارة سمع ببغداد ابن البطر والحسين بن أحمد بن طلحة النعالي وشجاع بن فارس الذهلي وغيرهم ولد سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة قال ابن السمعاني خسف بجنزه في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وهلك فيها عالم كثير وخلق من المسلمين منهم المهدي بن محمد بن إسماعيل من أهل قزوين قال ابن السمعاني إمام فاضل ورع متدين دائم العبادة كثير التلاوة قوال بالحق داع إليه مبالغ في الوضوء والنظافة تفقه ببغداد على أسعد الميهني وعلق بالبصرة التعليقة عن القاضي عبد السلام ابن الفضل الجيلي وقرأ المقامات على منشئها أبي محمد الحريري قال وورد علينا خراسان فتفقه على شيخنا عمر بن علي الشيرزي ثم ترك مخالطة الفقهاء وانزوى عند الإمام يوسف بن أيوب الهمذاني قال وكتبت عنه حديثا واحدا عن الحسين بن مسعود الفراء البغوي توفي في شعبان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة تفقه على البغوي صاحب التهذيب وعلى أبي بكر بن أبي المظفر بن السمعاني وقرأ الخلاف ببخارى على أبي بكر الطبري قال ابن السمعاني كان فقيها فاضلا ورعا زاهدا متواضعا لم أر في أهل العلم مثله خلقا وسيرة وكان إذا جلس بين الخواص والعوام لا يعرف به أحد من العلماء وكان يصوم أكثر أيامه فإذا دخل إليه من يزوره يقدم إليه ما حضر من مأكول ويوافقه ويأكل ولا يرى أنه كان صائما قال وكان يحفظ المذهب كتبت عنه شيئا يسيرا بخرق وتوفي بها يوم الخميس الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين وخمسمائة وهو أخو الإمام قطب الدين النيسابوري تفقه بخراسان ثم وفد على أخيه بدمشق ثم خرج إلى ناحية الموصل وجلس يوما على نهر يتوضا فغرق وذلك في سنة أربع وخمسين وخمسمائة أرخه ابن باطيش من أهل الشاش ولادته فيما يظن ابن السمعاني قبل الأربعين والأربعمائة وسكن مرو إلى حين وفاته وكان تفقه ببخارى على أبي الخطاب الطبري وعلي فقيه الشاش أبي بكر محمد بن علي الشاشي بغزنة وسمع الرئيس أبا عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الرقي وأبا يعقوب يوسف ابن منصور السياري الحافظ وأبا عبد الله إبراهيم بن علي الطبري والد أبي الخطاب وأبا محمد عبد العزيز بن محمد النخشبي الحافظ وأبا المظفر بن السمعاني وغيرهم وتوفي بمرو ليلة الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة سبع عشرة وخمسمائة وكان من الصالحين أرباب العبادات والمجاهدات مقيما في رباط يعقوب الصوفي بمرو يقصده الناس للتبرك به مولده سنة تسع وثمانين وأربعمائة سمع أباه وأبا الحسن المديني المؤذن والفضل بن عبد الواحد التاجر وغيرهم روى عنه أبو سعد بن السمعاني وولده عبد الرحيم بن أبي سعد قال أبو سعد كان إماما مناظرا بارعا في الكلام حاز قصب السبق فيه على أقرانه وصار في عصره أوحد ميدانه وصنف التصانيف وترسل من جهة السلطان سنجر إلى الملوك وكان صاحب أوقاف الممالك وكان لا يتورع عن مال الوقف مات في جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة بمرو شيخ الطائفة البيانية المنسوبة إليه بدمشق سمع أبا الحسن علي بن الموازيني وأبا الحسن علي بن أحمد بن قبيس المالكي وغيرهما روى عنه يوسف بن عبد الواحد بن وفاء السلمي والقاضي أسعد بن المنجا والفقيه أحمد العراقي وعبد الرحمن بن الحسين بن عبدان وغيرهم وكان إماما عالما عابدا قانتا زاهدا ورعا يعرف اللغة والفقه والشعر له نظم كثير ومجاميع حسان وتصانيف مفيدة وله ذكر حسن يذكر إلى الآن في الرباط المنسوب إليه بدمشق ومناقبه كثيرة وفضائله مشهورة وبركاته معروفة وعن الشيخ عبد الله البطائحي قال رأيت الشيخ أبا البيان والشيخ رسلان مجتمعين بجامع دمشق فسألت الله أن يحجبني عنهما حتى لا يشغلا بي وتتبعتهما حتى صعدا إلى أعلى مغارة الدم وقعدا يتحدثان فإذا بشخص قد أتى كأنه طائر في الهواء فجلسا بين يديه كالتلميذين وسألاه عن أشياء من جملتها أعلى وجه الأرض بلد ما رأيته فقال لا فقالا هل رأيت مثل دمشق قال ما رأيت مثلها وكانا يخاطبانه يا أبا العباس فعلمت أنه الخضر توفي الشيخ أبو البيان وقت الظهر يوم الثلاثاء في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ودفن بباب الصغير وقبره هناك يزار وهذا الرباط الذي ينسب إليه إنما أنشىء بعد موته بأربع سنين اجتمع أصحابه على بنائه ويحكى أنهم لما اجتمعوا لذلك أرسل إليهم الملك نور الدين الشهيد يمنعهم فلما جاء رسوله خرج إليه واحد يقال له الشيخ نصر فقال له أنت رسول محمود تمنع الفقراء من البناء قال نعم قال ارجع إليه وقل له بعلامة ما قمت في جوف الليل وسألت الله في باطنك أن يرزقك ولدا ذكرا من فلانة لا تتعرض إلى جماعة الشيخ ولا تمنعهم فعاد الرسول إلى نور الدين وحكى له ذلك فقال والله العظيم ما تفوهت بهذا لمخلوق ثم أمر بعشرة الآف درهم ومائة حمل خشب فبنى بها الرباط ووقف عليه مكانا بحرين ووقفت من مصنفاته على قصيد نظم فيها الصاد والضاد وعلى قصيدة عزز فيها بيتي الحريري اللذين أولهما سم سمة بأبيات أخر وذكر فيها أن الحامل له على ذلك تجري الحريري ومبالغته في الدعوى وشرحها شرحا مطولا منها لا فمه زينه بائن ** ولا حجاه إن يقل لا فمه لا عمه يملكه أو هدى ** فقل من الدنيا لمن لاع مه ثم ذكر أبياتا في استحسان هذين وتفضيلهما على بيتي الحريري ثم قال بل سمه منك عن المكر محمود ** ولو مع سمه بلسمه سمع أبا القاسم علي بن أحمد بن البسري وأبا الحسين عاصم بن الحسن العاصمي والوزير نظام الملك وغيرهم مولده في منتصف المحرم سنة ست وستين وأربعمائة وتوفي في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة مولده سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ونشأ بصور وسمع بها من أبي بكر الخطيب وعمر بن أحمد العطار الآمدي والفقيه نصر المقدسي وتفقه عليه وسمع بدمشق أبا القاسم بن أبي العلاء وغيره وببغداد عاصم بن الحسن ورزق الله بن عبد الوهاب وبأصبهان نظام الملك الوزير وغيره وبالأنبار أبا الحسن علي بن محمد بن محمد بن الأخضر روى عنه الحافظ أبو القاسم وولده القاسم بن عساكر وابن السمعاني ومكي ابن علي العراقي والخطيب أبو القاسم الدولعي والخضر بن كامل المعبر وأبو القاسم عبد الصمد بن الحرستاني وهبة الله بن الخضر بن طاوس وجماعة آخرهم أبو المحاسن بن أبي لقمة وقرأ بصور علم الكلام على أبي عبد الله محمد بن عتيق القيرواني ثم سكن دمشق ودرس بالزاوية الغربية وهي الغزالية بعد وفاة شيخه الفقيه نصر وبه كثرت أوقافها لأن كثيرا من الناس وقفوا عليه ثم بعده عليها ومنهم من وقف عليها ابتداء بواسطته وهو أيضا وقف شيئا جيدا وكان هذا الشيخ يلقب بالكمال قال ابن السمعاني كان فقيها صالحا مستورا تفقه ببغداد على أبي حامد الغزالي وانتقل إلى خراسان وسكن نيسابور ثم مرو ثم بلخ إلى أن توفي بها سمع بنيسابور أبا الحسن علي بن أحمد المديني وأبا بكر أحمد بن سهل السراج وعبد الواحد القشيري وغيرهم وحدث ببلخ كتب عنه أبو سعد بن السمعاني وانتخب عليه جزأين وقال مات ببلخ في أواخر رمضان سنة ست وأربعين وخمسمائة الشيخ أبو القاسم ابن فضلان وربما قيل في اسمه يحيى وذلك أنه غير اسمه في آخر الأمر بيحيى وابن النجار أورده فيمن اسمه يحيى وأورده ابن باطيش والحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي في معجمه كما أوردناه كان من أئمة الفقهاء وأعلام العلماء وفرسان الجدل سمع إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي ومحمد بن ناصر وأبا الكرم بن الشهرزوري وغيرهم روى عنه يوسف بن خليل وغيره وتفقه ببغداد على أبي منصور بن الرزاز ثم بخراسان على محمد بن يحيى وأقام عنده بنيسابور مدة يتفقه عليه وكان محمد بن يحيى يعجبه كلامه ويستحسن إيراده مولده في سنة سبع عشرة وخمسمائة وتوفي في شعبان سنة خمس وتسعين وخمسمائة قال ابن السمعاني فقيه فاضل عالم تفقه على الإمام أبي المعالي الجويني وسمع ببغداد ابن البطر وبمكة الحسين بن علي الطبري وبنيسابور أبا بكر بن خلف وبآمل أبا المحاسن الروياني وغيرهم ولد بعد الخمسين وأربعمائة بأبيورد وتوفي في الخامس من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة بأبيورد إمام جامع دمشق سمع أباه ونصر المقدسي وجماعة بدمشق وسافر فسمع رزق الله والبانياسي وغيرهما بالعراق وأصبهان وكان قد خرج من دمشق إلى العراق وأصبهان صحبه أبيه والفقيه نصر الله في رسالة من تاج الدولة تتش إلى السلطان ملك شاه روى عنه الحافظ ابن عساكر والسلفي وابن السمعاني وغيرهم وكان مولده في صفر سنة إحدى وستين وأربعمائة وقرأ القرآن بالروايات وسمع أبا القاسم النسيب وأبا طاهر الحنائي وأبا الحسن ابن الموازيني وأبا علي بن المهدي وأبا الغنائم المهتدي بالله وأبا طالب الزينبي وخلقا ووجد له سماع من أبي الحسن بن أبي الخير والراوي عن أبي الحسن ابن السمسار فلم يحدث به ورعا وقال لا أحق هذا الشيخ روى عنه أخوه الحافظ أبو القاسم وابنه القاسم بن أبي القاسم وأبو سعد بن بن الأمناء الحسن وشيخ الشافعية فخر الدين وتاج الأمناء أحمد وأبو نصر عبد الرحيم وأبو القاسم بن صصرى وآخرون تفقه بدمشق على أبي الحسن بن المسلم وعلى الفقيه نصر الله بن محمد وعلق ببغداد الخلاف علي أسعد الميهني وأخذ الأصول عن أبي الفتح بن برهان وأعاد بالأمينية لشيخه أبا الحسن السلمي ودرس بالغزالية وأفتى وكتب الكثير وعرضت عليه الخطابة وغيرها فامتنع وكان خاله أبو المعالي ابن الزكي يجتهد في أن ينوب عنه في القضاء فلا يفعل وكان إماما ثقة ثبتا دينا ورعا وله شعر كثير توفي في شعبان سنة ثلاث وستين وخمسمائة سبط أبي المحاسن الروياني صاحب البحر من أهل آمل طبرستان سمع جده أبا المحاسن وأبا علي الحسن بن أحمد الحداد وغيرهما سمع منه أبو بكر المبارك بن كامل الخفاف وأخرج عنه معجمه ودرس بالنظامية التي بآمل ولد سنة سبعين وأربعمائة وتوفي سنة سبع وأربعين وخمسمائة قال أبو الفوارس سمعت جدي أبا المحاسن الروياني يقول الشهرة آفة وكل يتحراها والخمول راحة وكل يتوقاها المعروف بالسيدي نسبة إلى السيد أبي الحسن محمد بن علي الهمذاني المعروف بالوصي كان هبة الله حفيده ينسب إليه وكان هبة الله يكنى أبا محمد وكان ختن إمام الحرمين على ابنته ولد في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة قال ابن السمعاني فقيه عالم خير كثير العبادة والتهجد لكنه عسر الرواية لصعوبة خلقه سمع أبا حفص عمر بن مسرور وأبا الحسين عبد الغافر الفارسي وأبا عثمان البحيري وأبا سعد الكنجروذي وأبو سعيد محمد بن علي بن محمد الخشاب وأبا بكر البيهقي وأبا يعلى إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني وأبا القاسم القشيري وجده أبا المعالي عمر بن محمد البسطامي وغيرهم روى عنه الحافظان ابن عساكر وابن السمعاني والمؤيد الطوسي وغيرهم وأجاز لأبي القاسم بن الحرستاني وغيره توفي بنيسابور وقت الصبح يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من صفر سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة ودفن بالحيرة أبو المظفر ابن عم قاضي القضاة أبي طالب فقيه متكلم ولاه أمير المؤمنين الناصر لدين الله نيابة الوزارة مات سنة ثمانين وخمسمائة تفقه بدمشق على ابن أبي عصرون وببغداد على أبي طالب صاحب بن الخل ودرس بالإسكندرية بمدرسة السلفي مدة توفي سنة تسع وتسعين وخمسمائة وبورة بليدة صغيرة بقرب دمياط ينسب إليها السمك البوري تفقه على القاضي أبي علي الفارقي وسمع أبا بكر الأنصاري وغيره وكان فقيها مناظرا بارعا في المذهب والفرائض والخلاف وحدث ببغداد روى عنه ابن الأخضر وغيره قال فيه ابن السمعاني كان إماما فاضلا سديد الفتاوي قيما بمذهب الشافعي متدينا كثير العبادة صام أربعين سنة دائما مولده في جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وتوفي في ذي القعدة سنة إحدى وسبعين وخمسمائة بواسط قال ابن السمعاني خطيب نيسابور ومقدم القشيرية بها أحضر على جده أبي القاسم وسمع أباه وعميه أبا منصور عبد الرحمن وأبا سعد عبد الله وأبا صالح المؤذن وجدته فاطمة بنت الدقاق وطائفة روى عنه السمعاني وابنه أبو المظفر عبد الرحيم بن السمعاني والحافظ ابن عساكر والمؤيد بن محمد الطوسي وآخرون مولده في العشرين من جمادى الأولى سنة ستين وأربعمائة وكان أسند من بقي بخراسان في زمانه توفي في ثالث عشر شوال سنة ست وأربعين وخمسمائة تفقه على أسعد الميهني وسمع أبا الخطاب بن البطر روى عنه ابن السمعاني توفي في ثامن شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ولد بطنزة بليدة صغيرة بديار بكر ونشأ بحصن كيفا فنسب إليها دخل بغداد وتفقه بها وقرأ الأدب على الخطيب التبريزي ثم رجع إلى بلاده واستوطن ميافارقين وولى الخطابة بها وأفتى الناس وشغلهم بالعلم وصنف عمدة الاقتصاد في النحو وغيرها ذكره العماد الكاتب فقال كان علامة عصره ومعرى العصر في نظمه ونثره وله الترصيع البديع والتجنيس النفيس وعدد من محاسنه ومن شعره أشكو إلى الله من نارين واحدة ** في وجنتيه وأخرى منه في كبدي ومن سقامين سقم قد أحل دمي ** من الجفون وسقم حل في جسدي ومن نمومين دمعي حين أذكره ** يذيع سرى وواش فيه بالرصد ومن ضعيفين صبري حين أندبه ** ووده ويراه الناس طوع يدي مهفهف رق حتى قلت من عجب ** أخصره خنصرى أم جلده جلدي وقال جامعا أسماء القراء السبعة في بيت والأئمة الستة في بيت جمعت لك القراء لما أردتهم ** ببيت تراه للأئمة جامعا أبو عمرو عبد الله حمزة عاصم ** على ولا تنس المديني نافعا وإن شئت أركان الشريعة فاستمع ** لتعرفهم واحفظ إذا كنت سامعا محمد والنعمان مالك أحمد ** وسفيان واذكر بعد داود تابعا ولد يوم الجمعة ثاني عشر شهر رجب سنة خمس وتسعين وأربعمائة قال ابن باطيش وتفقه وبرع في الفقه ومات ليلة الإثنين تاسع عشر شهر رمضان سنة ست وخمسين وخمسمائة وربما قيل في اسم والده بندار كان من أئمة الفقهاء قرأ المذهب والخلاف والأصول على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وصنف كتابا سماه التلويح في المذهب وولى حسبة بغداد ثم عزل عنها وولى تدريس النظامية وسمع الحديث من أبي جعفر بن المسلمة وأبي الحسين بن النقور وأبي الخطاب بن البطر وشيخه أبي إسحاق وغيرهم روى عنه ابن السمعاني وغيره وكان مولده في ذي الحجة سنة خمسين أو إحدى وخمسين وأربعمائة وأرسله أمير المؤمنين المسترشد بالله إلى الخاقان محمد بن سليمان صاحبها ما وراء النهر ليفيض عليه الخلع فتوفي هناك بسمرقند في شهر رمضان سنة عشرين وخمسمائة انتهى ومن شعره مررت بخباز أحاول حاجة ** مدلا عليه أي بأني عالم فلما رآني قال أهلا ومرحبا ** ظفرت بما تهوى فأين الدراهم فقلت معي كيس ونقص وخاطري ** يجيش فصولا كلهن لوازم فقال ومن هذي الذخائر عنده ** يحاول عندي حاجة ويساوم لعمرك لو بعت الجميع بلقمة ** لما كنت ممن في الشراء يخاصم قاضي دمشق ويعرف بابن الصائغ ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة ذكره في تبينيه الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر وذكر أنه تفقه بدمشق على القاضي المروزي وصحب الفقيه نصر المقدسي ثم تفقه ببغداد على أبي بكر الشاشي وسمع عبد العزيز الكتاني وحيدرة بن علي وأبا القاسم بن أبي العلاء وعبد العزيز بن طاهر التميمي وغيرهم روى عنه القاسم بن الحافظ وعبد الخالق بن أسد وجماعة كان فقيها كبيرا وله مصنف في الفقه وكان ورعا كثير العبادة سمع أبا جعفر بن المسلمة وأبا الحسين بن النقور وغيرهما روى عنه جماعة جاور بمكة وتوفى بها في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة شيخ الشافعيين بإقليم اليمن صاحب البيان وغيره من المصنفات الشهيرة ساق ابن سمرة في تاريخ اليمنيين نسبة إلى آدم عليه السلام ولد سنة تسع وثمانين وأربعمائة تفقه على جماعات منهم خالة الإمام أبو الفتوح بن عثمان العمراني ومنهم الإمام زيد ابن عبد الله اليفاعي وسمع الحديث من جماعة من أهل اليمن وكان إمام زاهدا ورعا عالما خيرا مشهور الاسم بعيد الصيت عارفا بالفقه والأصول والكلام والنحو أعرف أهل الأرض بتصانيف أبي إسحاق الشيرازي الفقه والأصول والخلاف يحفظ المهذب عن ظهر قلب وقيل كان يقرؤه في ليلة واحدة قال ابن سمرة وكان ورده في الليلة أكثر من مائة ركعة بسبع من القرآن العظيم وانتقل إلى ذي أشرق في سنة سبع عشرة وخمسمائة وتزوج بها أم ولده القاضي طاهر وابتدأ بتصنيف البيان في سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وفرغ من تصنيفه سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وابتدأ بتصنيف الزوائد في سنة سبع عشرة وخمسمائة فمكث فيها أربع سنين إلا قليلا وكان ذلك منه بإشارة شيخه زيد اليفاعي وحج من ذي أشرق وناظر بمكة الشريف محمد بن أحمد العثماني في مسائل من علمي الفقه والكلام ثم زار قبر النبي ثم عاد إلى اليمن وهذا الشريف العثماني نقل عنه في البيان في مواضع وهي غريبة وأقام بذي أشرق يدرس المذهب وينشر العلم إلى سنة تسع وأربعين وخمسمائة وكان من أحسن العلماء تعليما قيل كان يقرر للطالب الفصل من المهذب ثم يعيده هو على الطالب حفظا ثم ينبهه على خلاف مالك وأبي حنيفة خاصة وقد يذكر معهما غيرهما ثم يذكر احترازات المهذب ثم يذكر الأدلة ويقرر الأقيسة بأوضح عبارة ويكررها بعبارات مختلفة إلى أن ترسخ في ذهن الطالب ثم في أخر سنة تسع وأربعين تعذر سكناه بالبلدة التي كان فيها أظن أن اسمها سير لفتن وحروب اتفقت هناك وانتقل إلى ذي السفال ثم إلى ذي أشرق فأقام بذي أشرق سبع سنين قال ابن سمرة فجرى في السنة الرابعة من هذه السبع بين الفقهاء تباغض وتحاسد وتكفير من فقهاء ذي أشرق لفقهاء زبيد حكى ابن سمرة بعضها ثم ذكر أن صاحب البيان انتقل إلى ذي السفال فمات بها مبطونا شهيدا في ربيع الآخر قبل الفجر من ليلة الأحد سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ولم يترك صلاة في مرض موته وكان نزعه ليلتين ويوما بينهما يسأل عن كل وقت صلاة ويصلي بالإيماء وفيه يقول بعضهم لله شيخ من بني عمران ** قد سادنا بالعلم بالأركان يحيى لقد أحيا الشريعة هاديا ** بفوائد وغرائب وبيان هو درة اليمن الذي ما مثله ** من أول في عمرنا أو ثاني ومن تصانيفه البيان والزوائد والاحترازات وغرائب الوسيط ومختصر الإحياء وله في علم الكلام كتاب الانتصار في الرد على القدرية صاحب أبي الحسن بن الخل قال ابن النجار كان من أئمة أصحاب الشافعي ومن العلماء العاملين بعلمهم وممن يقتدى به في الزهد والورع وحسن الطريقة تفقه على ابن الخل وسمع أبا القاسم إسماعيل بن عمر بن أحمد السمرقندي وأبا القاسم نصر بن نصر بن العكبري وأبا بكر محمد ابن عبيد الله بن نصر بن الزاغواني وغيرهم روى عنه القاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي قال وتوفي في ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ودوين بضم الدال وكسر الواو بعدها آخر الحروف ساكنة ثم نون بطرف أذربيجان من جهة أران أهلها أكراد وهو السلطان الملك الناصر التقى النقي العالم الذكي العادل الزكي فاتح الفتوح بركة أهل زمانه صلاح الدين المظفر ابن الأمير الملك الأفضل نجم الدين ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة بتكريت إذ أبوه واليها وسمع الحديث من الحافظ أبي طاهر السلفي وأبي طاهر بن عوف والشيخ قطب الدين النيسابوري وعبد الله بن بري النحوي وجماعة روى عنه يونس بن محمد الفارقي والعماد الكاتب وغيرهما وكان فقيها يقال إنه كان يحفظ القرآن والتنبيه في الفقه والحماسة في الشعر وملك البلاد ودانت له العباد وأحبه الخلق ونصر الإسلام وغزا الفرنج وكسرهم مرات وفتح المدن الكبار وأقام في السلطنة أربعا وعشرين سنة يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله وكان ملكا عظيما شجاعا مهيبا عادلا يملأ العيون روعة والقلوب محبة قريبا بعيدا عابدا قانتا لله لا تأخذه لومة لائم مجلسه يجمع الفضلاء والفقراء وأصحابه كأنما هم على قلب رجل واحد محبة فيه واعتقادا وطواعية ولقد صنف في سيرته القاضي ابن شداد كتابا مستقلا وصنف ابن واصل كتابا في سيرته وسيرة أهل بيته وصنف أبو شامة في سيرته وسيرة الملك نور الدين وصنف العماد الكاتب في فتوحاته وصنف آخرون في شأنه وما عسى الذي نورده بعد ما أطال هؤلاء ثم اعترفوا بالقصور والتقصير في حق هذا السيد الكبير ولنأت بما فيه مقنع وبلاغ
قدم به أبوه إلى دمشق وهو رضيع فناب أبو ببعلبك لما أخذها أتابك زنكي في سنة ثلاث وثلاثين وقيل إن أباه خرج من تكريت في الليلة التي ولد فيها صلاح الدين فتطيروا به وقال بعضهم لعل فيه الخيرة وأنتم لا تعلمون فكان كذلك ثم اتصل والده نجم الدين أيوب بالملك نور الدين الشهيد فخدمه هو وولده صلاح الدين هذا خدمة بالغة وكان أسد الدين شيركوه أخو نجم الدين عند نور الدين قبلهما وكان أرفع عنده منهما منزلة فإنه كان مقدم جيوشه فلما تخلخل حال المصريين الفاطميين وضعفوا عن مقاواة الفرنج وكادت الفرنج تملك القاهرة وملكوا بلبيس وصيروا لهم بالقاهرة شحنة يحكم وضعف أمر الإسلام بديار مصر جدا وكان الفاطميون قد بلغوا في سوء السيرة إلى الحد المعروف وأفتى علماء الإسلام بإباحة دمائهم ووجوب قتالهم لما هم عليه من الزندقة والإلحاد ووصل شاور وزير العاضد خليفة مصر إلى دمشق إلى نور الدين يستنجده ثم عاد إلى مصر فجهز نور الدين إليهم عسكرا أمر عليهم أسد الدين شيركوه وجهز معه أخاه نجم الدين وابن أخيه صلاح الدين فدخلو مصر آمنين وقتلوا شاور وولى شيركوه وزارة الخليفة العاضد إلى أن مات بعد نيف وسبعين يوما فولى بعده صلاح الدين الوزارة وهي في ذلك الوقت كالسلطنة فاستقل بسلطنة مصر ولقب بالملك الناصر لقبه بذلك الخليفة العاضد في سنة أربع وستين وصار للعاضد معه الاسم فقط وصار صلاح الدين هو السلطان فاستمر إلى أول سنة سبع وستين فقطع صلاح الدين الخطبة للعاضد وخطب للمستضيء خليفة بغداد واستقل بالملك ومات العاضد وقبض صلاح الدين على الفاطميين بأسرهم واستولى على القصر وخزائنه وهي أموال لا تحصى ولا تعرف لملك قبل الفاطميين وكان صلاح الدين من حين اتصل بخدمة نور الدين قد طلق اللذات وكان محببا إليه خفيفا على قلبه ولما افتتح مع عمه مصر ثم استقل بالوزارة عظمت سطوته واتفقت له وقعة مع السودان سنة بضع وستين وكانوا نحو مئتي ألف فنصر عليهم وقتل أكثرهم وهرب الباقون وابنتي سور مصر والقاهرة على يد قراقوش واستفحل أمره جدا إلى أن أباد بيت الفاطميين وأهان الرفض وغيرهم من بدع المبتدعين
وقد كان لما قبض على الفاطميين أخذ في نصرة السنة وإشاعة الحق وإهانة المبتدعة والقبض على الفاطمية والانتقام من الروافض وكانوا بمصر كثيرين ثم تجردت همته إلى الفرنج وغزوهم وكان من أمره معهم ما ضاقت به التواريخ وكان من أول فتوحاته برقة ونفوسة افتتحها على يد أخيه شمس الدولة في سنة ثمان وستين ثم في سنة تسع افتتح اليمن وقبض على المتغلب عليها عبد النبي بن مهدي ثم في سنة سبعين سار من مصر إلى دمشق بعد وفاة نور الدين مظهرا أنه يقيم نفسه أتابكا لولد نور الدين لكونه صبيا فدخلها يلاطفه ونزل بالبلد بدار أبيه المعروفة بدار العقيقي التي هي اليوم المدرسة الظاهرية ثم تسلم القلعة وصعد إليها وأخرج الصبي من الملك وصار هو سلطان مصر والشام واليمن والحجاز ثم سار قاصدا حماة و حمص ولم يشتغل بأخذ قلعتها ثم نازل حلب وهي الوقعة الأولى وفيها سير السلطان غازي بن مودود أخاه عز الدين مسعودا في جيش كبير لحربه وكان بها ولد نور الدين فترحل عن حلب ونزل على قلعة حمص فأخذها وهو مع ذلك يظهر حسن المقاصد وأنه قاصد إعزاز الدين وإنقاد البلاد من الفرنج وتسهيل أمور المسلمين وجاء عز الدين مسعود فأخذ معه عسكر حلب وصار إلى قرون حماة وأخذ صلاح الدين يراسلهم دواما للصلح كيلا يقع سيف بين المسلمين وهم يراسلونه وهو يظنون أنه يطلب الصلح لضعفه عنهم وهم لا يعرفون ما عليه الرجل من حسن النية وحقق عندهم ما ظنوه كثرة عساكرهم وقلة من كان مع صلاح الدين من العسكر في ذلك الوقت فلما أبوا إلا المشاجرة معتقدين أن المصاف معهم يحصل غرضهم وأعجبتهم كثرتهم لاقاهم صلاح الدين فكانت الهزيمة عليهم وأسر صلاح الدين منهم خلقا ثم ساق وراءهم ونزل على حلب ثانيا فصالحوه وأعطوه المعرة وكفر طاب وبارين وجاء صاحب الموصل غازي فحاصر أخاه عماد الدين زنكي صاحب سنجار لكونه انتمى إلى صلاح الدين ثم صالحه لما بلغ غازي كسر أخيه مسعود ونزل بنصيبين وجمع العساكر وأنفق الأموال وعبر الفرات وقدم حلب فخرج إلى تلقيه ابن عمه الصالح إسماعيل بن نور الدين وأقام على حلب مدة ثم كانت وقعة تل السلطان وهي منزلة بين حلب وحماة جرت بين صلاح الدين وصاحب الموصل في سنة إحدى وسبعين فنصر صلاح الدين ورجع غازي وعدي الفرات بعدما استأصل صلاح الدين كثيرا من خيامه وأمواله وفرقها في جماعته ثم سار صلاح الدين فتسلم منبح وحاصر قلعة أعزاز ثم نازل حلب ثالثا وأقام عليها مدة فأخرجوا ابنة صغيرة لنور الدين إلى صلاح الدين فسألته أعزاز فوهبها لها ثم عاد إلى الديار المصرية واستناب بدمشق أخاه شمس الدولة تورانشاه وكان قد عاد من اليمن وكانت هذه السفرة منه إلى الشام مما نقم عليه ظاهرا للإساءة فيها إلى ولد نور الدين وهو ابن مخدومه الذي انشأه وأحسن إليه وقيامه على بيت الملك والعز قبله وهما صاحب الموصل وأخوه غير أن الحال بالآخرة تبين أن الله تعالى قد أراد إعزاز دينه على يد هذا الرجل وأنه لا يتم للمسلمين أمر بدون سلطان قاهر قادر على استئصال شأفة الفرنج في ذلك الوقت يجتمع عليه المسلمون ولا تتفرق عنه كلمتهم ويكون هو في نفسه جديرا بذلك وأبى الله أن يكون في ذلك العصر إلا صلاح الدين فلما وصل إلى القاهرة عائدا من الشام بعد ما فعل ما رأيت مجمله دون مفصله وفي تفاصيله شرح كبير أحلناك على كتبه خرج إلى الفرنج في سنة ثلاث والتقاهم على الرملة فانكسر المسلمون يومئذ وثبت صلاح الدين وتحيز بمن معه ثم دخل إلى مصر ولم شعث العسكر ثم عاد إلى الشام وملك حلب وغيرها من البلاد وعظمت الشوكة ثم توجه لمحاصرة الفرنج بالكرك وجاء أخوه العادل من مصر وكان قد استنابه عليها فسير صلاح الدين تقي الدين عمر ابن أخيه ليحفظ مصر وأعطى أخاه العادل حلب بعد أن كان بها ولده الظاهر بن صلاح الدين وقدم الظاهر من حلب ثم أعاد العادل إلى مصر والظاهر إلى حلب ثم نزل على الموصل وترددت الرسل بينه وبين صاحبها عز الدين ثم مرض صلاح الدين فرجع إلى حران واشتد مرضه بحيث أيسوا منه وحلفوا لأولاده بإمرة والله يريد حياته ليتم إعزاز دينه فعوفي ومر بحمص وقد مات بها ابن عمه محمد بن شيركوه فأقطعها لولده شيركوه ثم استعرض التركة فأخذ أكثرها وكان عمر شيركوه اثنتي عشرة سنة ثم إن شيركوه هذا الشاب حضر بعد سنة عند صلاح الدين فقال له أين بلغت في القرآن فقال إلى قوله تعالى وفي سنة ثلاث وثمانين افتتح صلاح الدين بلاد الفرنج وأسر ملوكهم وكسرهم على حطين وتوالت عليه الفتوحات وأنقذ البيت المقدس منهم وافتتحه وأعز الدين ومما اقتلعه من يد الفرنج طبرية وقتل وأسر في ذلك اليوم أكثر من أربعين ألفا وتسلم قلعتها وأحضر إليه صليب الصلبوب وضرب بين يديه في مخيمه أعناق مائتي فارس من عظماء الفرنج ثم افتتح مدينة عكا وكانت من أعظم حصونهم وأكثر مدنهم وأقام بها الخطبة الإسلامية ثم افتتح البيت المقدس وغيره وأخلى ما بين الشام ومصر من الفرنج وهذا عداد ما يحضرنا من فتوحاته من أيدي الفرنج قلعة أيلة طبرية عكا القدس الخليل الكرك الشوبك نابلس عسقلان بيروت صيدا غزة لد حيفا صفورية الفولة معليا الطور إسكندرونة قلنسوة يافا أرسوف قيسارية جبلة يبني صرفند عفربلاد اللجون نجدقاقون مجدل يابا تل الصافية بيت نوبا النطرون الجيب البيرة بيت لحم ديخاوزاوا حصن الدير دمرا قلقيلية هريث الزيب الوعيرة الهرمز بعلب العازرية نقوع الكرمل مجدل الطار المعبر في جبل عاملة والشقيف سبسطية ويقال بها قبر زكريا وجبيل وكوكب وأنطرطوس واللاذقية وبكسرائيل وصهيون وحبلة وقلعة العيد وقلعة الجماهرية وبلاطنس والشغر وبكاس وسرمانية وبرزية ودربساك وبغراس وكانا كالجناحين لأنطاكية ومدينة صفد وكل هذه مدائن منيعة وأكثرها اليوم قرى كبار ومنها مدائن كثيرة باقية إلى الآن ونازل صور مدة ولم يقدر له فتحها وله مصافات يطول شرحها وافتتح كثيرا من بلاد النوبة من يد النصارى ومن تأمل الرسائل الفاضلية رأى العجب من تأثيرات هذه الرجل في الإسلام ومن شدة بأسه وشجاعته وكانت مملكته من الغرب إلى تخوم العراق ومعها اليمن والحجاز فملك ديار مصر بأسرها مع ما انضم إليها من بلاد المغرب والشام بأسرها مع حلب وما والاها وأكثر ديار ربيعة وبكر والحجاز بأسره واليمن بأسره ونشر العدل في الرعية وحكم بالقسط بين البرية مع الدين المتين والورع والزهد والعلم كان يحفظ القرآن والتنبيه والحماسة قال الموفق عبد اللطيف رأيت السلطان صلاح الدين على القدس فرأيت ملكا عظيما يملأ القلوب روعة والعيون محبة قريبا وبعيدا سهلا محببا وأصحابه يتشبهون به يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى وقد وثبت عليه الإسماعيلية مرة فجرحوه وسلمه الله وهو الذي ابتنى قلعة القاهرة على جبل المقطم وفتح من بلاد المسلمين حران وسروج والرها والرقة والبيرة وسنجار ونصيبين وآمد وملك حلب والبوازيج وشهرزور وحاصر الموصل إلى أن هادنه صاحبها عز الدين مسعود ودخل في طاعته وكانت هذه عادته إذا دخل أحد في طاعته لا يقابله إلا بالإحسان وفتح أيضا من بلاد الشرق خلاط على يد ابن عمه تقي الدين فهذا ما افتتحه من بلاد الشرق واستولى أيضا على طائفة وفتح عسكره مدينة طرابلس الغرب وكسر عسكر تونس وخطب بها لبني العباس وافتتح بلاد اليمن قيل ولو لم يقع الخلف بين عسكره الذين جهزهم إلى الغرب لملك الغرب بأسره ولم يختلف عليه مع طول مدته أحد عسكره على كثرتهم وكان الناس يأمنون ظلمه لعدله ويرجون رفده لكثرته ولم يكن لمبطل ولا لصاحب هزل عنده نصيب وكان إذا قال صدق و إذا وعد وفى وإذا عاهد لم يخن وإذا نازل بلدا وأشرف على أخذه ثم يطلب أهله الأمان يؤمنهم وكان جيشه يتألمون لذلك لفوات حظهم ولا يسعهم إلا وفاقه وامتثال أمره وكان رقيق القلب جدا وربما حلق على مدينة وأحاط بها فسمع بكاء الحريم فتركها وإنما يفعل ذلك مع المسلمين فمن كتاب فاضلي في فتوح حمص لما أحدقت العساكر المنصورة بالسور العاصم إحداق السوار بالمعاصم وطارت السهام إلى أوكارها من الضلوع وبرقت الأسنة وكأنها زبد بحار الدموع حصحص الحق واتسع الخرق وعلم أن ما أراده الخالق لا يرده الخلق فارتفع الضجيج وعلا تحت العجاج العجيج وأدركتنا رقة رفضت من أيدينا الرقاق وخشية عنت لنا أعنة الفساق فرفعنا على الأسوار أعلاما منشورة بالكف والإمساك مأمورة ووضعت الحرب أوزارها وحلت الأمنة أزرارها وشفعنا الوجوه المستورة بالخفر من نسوانها في الوجوه المكشوفة بالمعصية من فرسانها وربما حاصر قوما ولم يمنع الميرة عنهم وجرى معهم على كذبهم ليأخذهم بالسهولة ثم يتبين له غدرهم وكذبهم وهو مع ذلك يحلم عنهم ويراعي مصلحة الدين كما اتفق له في حمص وقد افتتح المدينة وعصت عليه القلعة ولم يمنع الميرة عن أهلها ثم لما تبين له حالهم لم يبادر إلى الهدم مع ما فيه من سرعة نصرته خشية على القلعة لكونها من حصون المسلمين وطاول بهم الأمر إلى أن تيسر له فتحها فمن كتاب فاضلي عن السلطان وهو محاصر قلعة حمص وقد بلغه أن أهلها استنجدوا عليه بالفرنج وأمرنا في القلعة بأن لا يضيق لها خناق ولا يضعف لأهلها أرماق ولا يمنع البيع والشراء والانتقال ويفتح لها ما لا يفسح فيه من يريد تثقيل وطأة الحصار وكان من استدعائهم الفرنج ما كان وهان بفضل الله تعالى من أمرهم ماهان ثم أخذ يصف القلعة المشار إليها بكونها نجما في سحاب وعقابا في عقاب وهامة لها الغمامة عمامة وأنملة إذا خضبها الأصيل كان الهلال منها قلامة عاقدة حبوة صالحها الدهر على أن لا يحلها بفزعه عاقدة عصمة صافحها الزمن على أن لا يروعها بخلعة فاكتنفت بها عقارب لا تطبع طبع حمص في العقارب وضربتها بالحجارة فأظهرت العداوة المعلومة بين الأقارب ولم تكن غير ثالثه من الجد إلا وقد أثرت فيها جدريا بضربها ولم نصل إلى السابع إلا والبحر أتى ينذر بنقبها واتسع الخرق على الراقع وسقط سعدها عن الطالع إلى مولد من هو إليها طالع وفتحت الأبراج فكانت أبوابا وسيرت الجبال منها فكانت سرابا فهنالك بدت نقوب يرى قائم من دونها ما وراءها **
كتب في النهي عن الخوض في الحرف والصوت وسأل النواب القبض على مخالفي هذا الخطاب وبسط العذاب ولا يسمع لمتفقه في ذلك تحرير جواب ولا يقبل عن هذا الذنب متاب ومن رجع إلى هذا الإيراد بعد الإعلان وليس الخبر كالعيان رجع أخسر من صفقة أبي غشبان وليعلن بقراءة هذا الأمر على المنابر ليعلم به الحاضر البادي ويستوي فيه البادي الحاضر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل قلت لا أشك أن هذا الفصل من كلام القاضي الفاضل
من ابتداء دخوله إلى مصر قبل أن يتسلطن و إلى أن استأثر الله بروحه الطاهرة مختصرة مقتصرا فيها على عيون الأخبار في سنة أربع وستين وخمسمائة كان مسير أسد الدين شركوه عم السلطان صلاح الدين إلى مصر المسير الثالث وذلك أن الفرنج قصدت الديار المصرية في جموع كثيرة وكان الملك نور الدين من جهة الشمال ونواحي العراق فطلعوا من عسقلان وأتوا إلى بلبيس فحاصروها وملكوها واستباحوها ثم نزلوا على القاهرة فحاصروها فأحرق شاور مصر خوفا من الفرنج وبقيت النار فيها أربعة وخمسين يوما فلما ضايقوا القاهرة وضعف المسلمون عنهم بعث إلى ملكهم يطلب الصلح على ألف ألف دينار يعجل له بعضها فأجابه ملك الفرنج واسمه مري إلى ذلك وحلف له فحمل إليه شاور مائة ألف دينار وماطله بالباقي وكاتب في ذلك الملك العادل نور الدين يستنجد به وسود كتابه وجعل في طيه ذوائب النساء وواصل كتبه يستحثه وكان بحلب فساق أسد الدين من حمص إلى حلب في ليلة قال القاضي بهاء الدين ابن شداد قال لي السلطان صلاح الدين كنت أكره الناس للخروج إلى مصر هذه المرة وهذا معنى قوله وقال ابن الأثير إن صلاح الدين قال لما وردت الكتب من مصر إلى نور الدين أحضرني وأعلمني الحال وقال تمضي إلى عمك أسد الدين بحمص مع رسول إليه تحثونه على الحضور ففعلت فلما سرنا عن حلب ميلا لقيناه قادما فقال له نور الدين تجهز فامتنع للخوف من غدرهم أولا وعدم ما ينفقه في العساكر آخرا فأعطاه نور الدين الأموال والرجال وقال له إن تأخرت عن مصر سرت أنا بنفسي فإنها إن ملكها الفرنج لا يبقى معهم بالشام مقام فالتفت إلى عمي وقال تجهز يا يوسف فكأنما ضرب قلبي بسكين فقلت والله لو أعطيت ملك مصر ما سرت إليها فلقد قاسيت بالإسكندرية من المشاق مالا أنساه فقال عمي لنور الدين لا بد من مسيره معي وارسم له فأمرني نور الدين وأنا أستقيله فانفض المجلس ثم قال نور الدين لا بد من مسيرك مع عمك فشكوت الضائقة فأعطاني ما تجهزت به وكأنما أساق إلى الموت وكان نور الدين رجلا مهيبا فسرت مع عمي فلما توفي أعطاني الله من الملك ما لا كنت أتوقعه انتهى فجمع أسد الدين الجيوش وسار إلى دمشق وعرض بها الجيش وتوجه إلى مصر في جيش عرمرم فقيل كانوا سبعين ألف فارس وراجل فتقهقر الفرنج لمجيئه ودخل القاهرة في سابع ربيع الآخر وجلس في الدست وخلع عليه العاضد خلع السلطنة وولاه وزارته وقام شاور بضيافته عسكره وتردد إلى خدمته فطلب منه أسد الدين مالا ينفقه على جيشه فماطله فبعث إليه الفقيه ضياء الدين عيسى بن محمد الهكاري يقول إن الجيش طلبوا نفقتهم وقد ما ظلتهم بها وقد تغيرت قلوبهم فإذا أتيتني فكن على حذر منهم فلم يؤثر هذا عند شاور وركب على عادته وأتى أسد الدين مسترسلا وقيل إنه تمارض فجاء شاور يعوده فاعترضه صلاح الدين وجماعة من الأمراء النورية فقبضوا عليه فجاءهم رسول العاضد يطلب رأس شاور فذبح وحمل إليه في سابع عشر ربيع الآخر ثم لم يلبث أسد الدين أن حضرته المنية بعد خمسة وستين يوما فقلد العاضد السلطان الملك الناصر صلاح الدين بن يوسف السلطنة ولقب الملك الناصر وكتب بتقليده القاضي الفاضل بعد ما كان وقع خلف كبير عند الفراغ من عزاء أسد الدين فيمن يكون سلطانا ثم اتفقت كلمة الأمراء النورية على صلاح الدين قال العماد الكاتب وألزموا صاحب القصر يعني العاضد بتوليته وقال القاضي كانت الوصية إلى صلاح الدين من عمه فلبس خلعة السلطنة بالقصر بين يدي العاضد وقبل يده وجاء إلى دار الوزارة وإن شئت قلت دار السلطنة فإن الوزارة عند الفاطميين هي السلطنة اسما ومعنى وجلس في دست الملك وشرع في تركيب السلطنة وترتيبها فأول ما دهمه أمر الخادم الخصي الذي كان يلقب مؤتمن الخلافة فإنه شق العصا باطنا وائتمر وتنمر وانضمت إليه طوائف من أخبث الروافض وكاتبوا الفرنج خفية فاتفق أن تركمانيا عبر بالبئر البيضاء فرأى نعلين جديدين مع إنسان فأخذهما وجاء بهما إلى صلاح الدين فوجد في البطانة خرقة مكتوب فيها إلى الفرنج من القصر فقال دلوني على كاتب هذا الخط فدل على يهودي فلما حضر تلفظ بالشهادتين واعترف أنه كتب ذلك بأمر الطواشي المشار إليه واستشعر الطواشي الخبر فلزم القصر وأعرض عنه صلاح الدين إلى أن خرج إلى قرية له فأنهض له السلطان صلاح الدين من أخذ رأسه في ذي القعدة وقرر مكانه بهاء الدين قراقوش فصار مختوما على القصر لا يدخل القصر شيء ويخرج إلا بمرأى منه ومسمع فلما قتل الخادم غار السودان وثاروا وكانوا أكثر من خمسين ألف مقاتلة وقد قدمنا أنهم كانوا نحو مائة ألف وكل قاله المؤرخون ولعل الجمع بينهما أن الخمسين ألفا كانوا مقاتلة فرسانا والباقون كانوا رجالة لا يضمهم ديوان وأقبلوا كقطع الليل المظلم فخرج إليهم من عسكر صلاح الدين الأمير أبو الهيجاء واتصل الحرب بين القصرين ودأب الحرب بينهم يومين ثم كانت الدائرة على السودان وأخرجوا إلى الجيزة وكانت لهم محلة تسمى المنصورة فخربت وحرقت ثم بلغ نور الدين نبأ هذه الأخبار الطيبة فانشرح صدره وأمد صلاح الدين بأخيه شمس الدولة تورانشاه
وفيها نزل الفرنج على دمياط في صفر وحاصروها أحدا وخمسين يوما ثم رحلوا خائبين لأن نور الدين وصلاح الدين أجلبا عليهم برا وبحرا وأنفق صلاح الدين أموالا كثيرة وقال ما رأيت أكرم من العاضد أرسل لي مدة مقام الفرنج على دمياط ألف ألف دينار مصرية سوى الثياب وغيرها وفيها دخل نجم الدين أيوب أبو صلاح الدين مصر فخرج العاضد بنفسه إلى لقائه وتأدب ابنه صلاح الدين معه وعرض عليه منصبه
وفيها عمل صلاح الدين بمصر مدرستين للشافعية والمالكية وخرج بجيوشه فأغار على الرملة وعسقلان وهجم على ربض غزة ورجع إلى مصر وجهز بعض جنده إلى قلعة أيلة فغزوها في المراكب وافتتحوها واستباحوا الفرنج فيها قتلا وسبيا وكان فتح هذه القلعة واستعادتها من الفرنج أعظم النعم على المسلمين فإنها كانت قلعة منيعة وكانت الفرنج قد اتخذوها هي والكرك سبيلا إلى الإحاطة بالحرمين الشريفين فقدر الله فتحهما على يد هذا السلطان رحمه الله ومن كتاب فاضلي من السلطان إلى الخليفة يعدد فيه ما للسلطان من الفتوحات ومن جهاد الفرنج ومنها قلعة بثغر أيلة بناها العدو في البحر ومنها المسلك إلى الحرمين الشريفين بحيث كادت القبلة يستولي على أصلها والمشاعر يسكنها غير أهلها ومضجع الرسول يتطرق إليه الكفار في كلمات قالها
فاستفتح السلطان الخطبة في الجمعة الأولى منها بجامع مصر لبني العباس وأقيمت الخطبة العباسية في الجمعة الثانية بالقاهرة وأعقب ذلك موت العاضد في يوم عاشوراء بالقصر وجلس السلطان للعزاء وأغرب في الحزن والبكاء وانقرضت دولة الفاطميين وكان لها أكثر من مائتي سنة وتسلم السلطان القصر بما فيه من خزائنه وذخائره واحتاط على آل القصر فجعلهم في مكان برسمهم وقررت لهم المؤونة وجمعت رجالهم واحترز عليهم ومنعوا من النساء لئلا يتناسلوا وذكر المؤرخون من نفائس القصر وذخائره مالا نطيل بذكره وانتقل الملك العادل سيف الدين أبو بكر إلى القصر بمرسوم أخيه فاستقر في نيابة السلطان وكتبت الكتب إلى بغداد بالبشارة وأعاد الجواب والخلعة الفائقة العباسية إلى السلطان صلاح الدين وفيها قال ابن الأثير حدث ما أوجب نفرة نور الدين عن صلاح الدين وذلك أن نور الدين أرسل إليه يأمر بجمع الجيش والمسير لمنازلة الكرك ليجيء هو بجيشه ويحاصرانها فكتب إلى نور الدين يعرفه أنه قادم فرحل على قصد الكرك وأتاها وانتظر وصوله فأتاه كتابه يعتذر باختلال البلاد فلم يقبل عذره وكان خواص صلاح الدين خوفوه من الاجتماع به وهم نور الدين بالدخول إلى مصر وإخراج صلاح الدين عنها فبلغ ذلك صلاح الدين فجمع أهله وأباه وخاله الأمير شهاب الدين الحارمي وسائر الأمراء وأطلعهم على نية نور الدين واستشارهم فسكتوا فقال ابن أخيه تقي الدين عمر إذا جاء قاتلناه ووافقه غيره من أهله فشتمهم نجم الدين أيوب واحتد وكان ذا رأي ومكر وقال لتقي الدين اسكت وزبره وقال لصلاح الدين أنا أبوك وهذا خالك أتظن أن في هؤلاء من يريد لك الخير مثلنا فقال لا فقال والله لو رأيت أنا وهذا نور الدين لم يمكنا إلا أن ننزل ونقبل الأرض ولو أمرنا بضرب عنقك لفعلنا فما ظنك بغيرنا فكل من تراه من الأمراء لو رأى نور الدين لما وسعه إلا الترجل وهذه البلاد له وإن أراد عزلك فأي حاجة له إلى المجيء بل يطلبك بكتاب وتفرقوا وكتب أكثر الأمراء لنور الدين بمأتم ولما خلا بولده قال أنت جاهل تجمع هذا الجمع وتطلعهم على سرك ولو قصدك نور الدين لم تر أحدا منهم ثم كتب إلى نور الدين بإشارة والده نجم الدين يخضع له ففتر عنه
فأرسل السلطان فيها قراقوش مملوك ولد أخيه تقي الدين عمر إلى جبال نفوسه ومعه طائفة من الأتراك فلما وصل إلى الجبال استصحب معه منها بعض المتقدمين ونزل على طرابلس الغرب فحاصرها ثم فتحت فاستولى عليها قراقوش وسكنها وكثرت عساكره وفيها جهز السلطان شمس الدولة إلى برقة فافتتحها على يد غلام له تركي ثم بلغ السلطان أمر ابن مهدي الخارج باليمن وما هو عليه من اختلال العقيدة فجهز أخاه شمس الدولة فافتتح اليمن وتملكها ثم سار السلطان بنفسه من مصر يريد اقتلاع مدينة الكرك من الفرنج وبدأ بها لقربها إليه وكان من الوهن في الإسلام والعظمة في الدين استيلاء الملاعين على الكرك وعلى قلعة أيلة فإنهم يمنعون الحاج وأشد من ذلك ما يخشى على الحرمين الشريفين منهم إذ لم يكن بينهم وبينهما حاجز غير لطف الله وقصدوهما مرات ثم يندفعون بمشيئة الله من غير دفاع من البشر وكانت الكرك تزيد على قلعة أيلة بمنع القوافل السائرة بين الشام ومصر فإنها كانت الدرب وأما غزة والرملة وما حواليهما فكان الفرنج لا يمكنون مسلما أن يمر بهما فورد عليهما وحاصرهما وقاتل الفرنج ولم يفتحهما في هذه السنة ورجع إلى مصر
قال ابن الأثير جهز السلطان أخاه توران شاه إلى بلاد النوبة فافتتح منها ما شاء الله فلما عاد جهزه إلى اليمن بقصد عبد النبي صاحب زبيد فطرده عن اليمن وملك زبيد وأسر عبد النبي وزوجته الحرة وكانت صالحة كثيرة الصدقة وعذب عبد النبي واستخرجت منه أمواله ثم سار توران شاه إلى عدن وملكها ياسر فأسر وهزم ثم سار فافتتح من حصون اليمن قلعة تعرف بقلعة الجند قال أبو المظفر بن الجوزي يقال افتتح ثمانين حصنا ومدينة باليمن وما حواليها وقد تقدم في السنة قبلها إرسال تورانشاه وهو شمس الدولة إلى اليمن ووقعة النوبة فقتل والله أعلم في أي السنتين كان إرساله وفي هذه السنة وصل الموفق ابن القيسراني إلى مصر رسولا من الملك نور الدين يطالب السلطان صلاح الدين بحساب جميع ما حصله من أرياع البلاد ولم يعلم نور الدين بتفاصيل علو شأن صلاح الدين وأنه مستول على أعظم ما في يد نور الدين فصعب ذلك على صلاح الدين وقيل إنه أراد شق العصا ثم ذكر لنور الدين حقوقه وإحسانه وأمر النواب بالحساب وعرضه على ابن القيسراني وأراه جرائد العساكر بالإقطاعات وأعاده إلى نور الدين ومعه الفقيه عيسى وهدية عظيمة وهي ختمة بخط ابن البواب وختمه بخط مهلهل وختمه بخط الحاكم البغدادي وربعة مكتوبة بالذهب بخط فارسي وربعة عشرة أجزاء بخط راشد وثلاثة أحجار بلخش وستة قضبان زمرد وقطعة ياقوت وزن سبعة مثاقيل وحجر أزرق ستة مثاقيل ومائة عقد جوهر وزنها ثمانمائة وسبعة وخمسون مثقالاوخمسون قارورة دهن بلسان وعشرون قطعة بلور وأربع عشرة قطعة جزع وإبريق يشم وطشت يشم وصحون صيني وزبادي أربعون وكرتان عود قماري وزن إحداهما ثلاثون رطلا بالمصري والأخرى أحد وعشرون ومائة ثوب أطلس وأربعة وعشرون بقيارا مذهبة وخمسون ثوب حرير وحلة فلفي مذهب وحلة مرايش صفراء وغير ذلك من القماش الذي يكثر عده وقيمة القماش على ما ذكر مائتان وخمس وعشرون ألف مثقال ذهب ومن الخيل والبغال والجواري والسلاح شيء كثير ومن المال خمسة أحمال ولم يصل شيء من ذلك إلى نور الدين لأنه مات قبل وصوله ولما مات نور الدين طمعت الفرنج وتحركوا بالسواحل وسلطن الشاميون الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين وكان عمره نحو عشر سنين فاستنجد بالسلطان صلاح الدين صاحب مصر ونزل الفرنج على بانياس وصالحهم أمراء دمشق على مال وأسارى يطلقون فلما بلغ ذلك صلاح الدين انزعج له وكتب إلى الشاميين يوبخهم وكتب إلى شيخ الشافعية شرف الدين ابن أبي عصرون يخبره أنه لما أتاه كتاب الملك الصالح تجهز للجهاد وخرج وسار أربع مراحل فجاءه الخبر بالهدنة المؤذنة بذل الإسلام على يد من اقتلعها من دفع القطيعة والأسارى وسيدنا الشيخ أول من جرد لسانه الذي تغمد له السيوف وتجرد ولما بالغ صلاح الدين في توبيخ الأمراء وكان ابن المقدم أكبر أمراء دمشق خشى من قدوم صلاح الدين إلى الشام وأشاع أن صلاح الدين يريد انتزاع دمشق من ولد مخدومه نور الدين وكتب إلى صلاح الدين لا يقال عنك إنك طمعت في بيت من غرسك ورباك وأسسك وفي دست ملك مصر أجلسك ثم تعطف له وترفق ويقول وما يليق بحالك غير فضلك واتصالك فكتب إليه صلاح الدين إنا لا نؤثر للإسلام وأهله إلا ما جمع شملهم وألف كلمتهم ولا نختار للبيت الأتابكي أعلاه الله إلا ما حفظ أصله وفرعه فالوفاء إنما يكون بعد الوفاة ونحن في واد والظانون بنا سوء الظن في واد
وقد تزايد طمع الفرنج في دمشق بموت نور الدين فرأى صلاح الدين من الحزم جمع المسلمين على سلطان واحد يقيم الملة وينصر الشريعة وإنه ذلك الواحد الذي تعقد عليه الخناصر وأن الإسلام محتاج إليه وصار الحاسدون والجاهلون بأحكام الشريعة يعيبون منه قصده لأخذ دمشق ويقولون كيف يسلب ولد أستاذه نعمته وينزع ملكه وهم كما قال في واد فإنه فيما يغلب على الظنون الصادقة إنما قصد لم شعث الإسلام وقيام الدين وظهر ذلك على يده من بعد فخرج من مصر بجيوش لا يحصى عددها واستخلف أخاه الملك العادل بها ووصل إلى بصرى رابع عشري ربيع الآخر فخرج إليه صاحبها منقادا لخدمته ثم تتابع عسكر الشام ملاقين مستبشرين ونزل بجسر الخشب في الثامن والعشرين وقد تكاثرت العساكر وازدحم الملاقون وأصبح لدخول دمشق فعارضه عدد من الرجال فدعستهم عساكره المنصورة وصدمتهم خيوله وعزماته المأمورة ودخل البلد وملكها بلا قتال ونادى من ساعته بإطابة النفوس وإزالة المكوس وكانت الولاية في دمشق قد ساءت والمكوس التي رفعها نور الدين قد أعيدت فأعاد صلاح الدين الحق إلى نصابه وصارت دمشق مثل مصر وكلاهما في مملكته ثم خرج إلى حمص فنازلها ونصب المجانيق على قلعتها ولم يملكها وترحل عنها إلى حماة فملكها في جمادى الآخرة ثم سار إلى حلب وحاصرها إلى آخر الشهر وبها الصالح إسماعيل ولد نور الدين واشتد بها الحصار وهذه هي الفعلة التي نقمت على صلاح الدين فالله أعلم بنيته وأنه أساء العشرة في حق الصالح ابن نور الدين بحيث استعان الصالح عليه بالباطنية ووعدهم بالأموال فقتلوا من أمراء صلاح الدين الأمير خمارتكين وخلقا وجرحوا صلاح الدين ثم أمسكهم وقتلهم عن آخرهم ورجع إلى حمص فحاصرها بقية رجب وتسلمها بالأمان في شعبان ثم عطف إلى بعلبك فاستلمها ثم رد إلى حمص وقد اجتمع عسكر حلب وكتبوا إلى صاحب الموصل يستعينون به على صلاح الدين فجهز إليهم جيشه وأمدهم بأخيه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي فأقبل الكل إلى حماة وقد استقرت لصلاح الدين فحاصروها فسار إليهم صلاح الدين فالتقاهم على قرون حماه فكسرهم أقبح كسرة ثم سار إلى حلب فوقع الصلح بينه وبين ابن زنكي على أن يكون له آخر بلد حماة والمعرة وأن يكون لولد نور الدين حلب وجميع أعمالها وتحالفوا ورد إلى حماة وجاءته رسل الخليفة المستضيء بالخلع والهدايا والتهنئة بالملك ثم سار إلى حصن بارين فحاصره ثم تسلمه
وفيها كان وقعة تل السلطان بنواحي حلب وذلك أن عسكر الموصل نكثوا أيمانهم ووافوا تل السلطان في جموع كثيرة وعليهم السلطان سيف الدين غازي ابن مودود بن زنكي فالتقاهم السلطان صلاح الدين في جمع قليل فهزمهم وأسر كثيرا منهم وحقن الدماء ثم أحضر الأمراء الذين أسرهم فمن عليهم وأطلقهم ثم سار صلاح الدين إلى منبج وأخذها في شوال من ينال بن حسان المنبجي وكان نور الدين قد أعطاها لينال عندما انتزعها من أخيه غازي بن حسان وصعد الحصن وجلس يستعرض أموال ابن حسان صاحبها وذخائر فكانت ثلاثمائة ألف دينار ومن أواني الذهب والفضة والذخائر والأسلحة ما يناهز ألفي ألف دينار ورأى على بعض الأكياس والآنية مكتوبا يوسف فسأل عن هذا الاسم فقيل ولد له يحبه اسمه يوسف وكان يدخر له هذه الأموال فقال السلطان أنا يوسف وقد أخذت ما خبئ لي ثم سار إلى عزاز فنازل قلعتها ثمانية وثلاثين يوما وقفز عليه وهو محاصرها قوم من الفداوية وجرح في فخذه وأخذوا فقتلوا ثم افتتح عزاز ومن كتاب منه إلى أخيه العادل ولم ينلني من الحشيشي الملعون إلا خدش قطرت منه دم قطرات خفيفة انقطعت لوقتها واندملت لسعاعتها ثم سار من عزاز فنازل مدينة حلب كرة أخرى في نصف ذي الحجة وقامت القلعة في حفظها بكل ممكن وصابرها صلاح الدين شهرا
وفيها ترددت الرسل في الصلح بين السلطان صلاح الدين والملك الصالح إسماعيل ابن نور الدين فرحل صلاح الدين عن حلب وأبقاها لابن نور الدين ورد عليه عزاز وتوجه إلى مصياف بلد الباطنية فنصب عليها المجانيق وأباح قتلهم وخرب بلادهم فتشفعوا بصاحب حماة شهاب الدين خال السلطان فسأل السلطان الصفح عنهم وتوجه عائدا إلى مصر فوصلها وأمر ببناء السور الأعظم المحيط بمصر والقاهرة وجعل على بنايته الأمير قراقوش ولم يزل العمل فيه إلى أن مات صلاح الدين وصرفت عليه أموال جزيلة وفيها أمر بإنشاء قلعة الجبل المقطم التي هي الآن دار سلاطين مصر وجعل على بنائها أيضا قراقوش ولم يكن السلاطين قبلها يسكنون إلا دار الوزارة بالقاهرة ثم سافر إلى الإسكندرية وتردد إلى السلفي فسمع منه الحديث ثم عاد إلى مصر وبنى تربة الشافعي رضي الله عنه
وفيها كانت وقعة الرملة سار السلطان من القاهرة إلى عسقلان فسبى من الفرنج كثيرا وغنم وسار إلى الرملة وقد تجمعت عليه الفرنج وحملوا على المسلمين فانهزموا وثبت السلطان وابن أخيه تقي الدين عمر ودخل الليل واحتوى الفرنج على أثقال المسلمين واستشهد من المسلمين جماعة منهم أحمد ولد تقي الدين عمر ولم يبق للمسلمين قدرة على ماء ولا زاد وتعسفوا الرمال راجعين إلى مصر وفي هذه الواقعة أسر الفقيه عيسى الهكاري أكبر الأمراء فافتداه السلطان بستين ألف دينار ودخل السلطان القاهرة بعد ثلاثة عشر يوما وتواصلت خلفه العساكر ثم عاد السلطان إلى الشام
وفيها اجتمعت الفرنج عند حصن الأكراد فسار إليهم السلطان ولم يقع قتال ثم أغاروا على أعمال دمشق وجهز لحربهم فرخشاه ابن أخي السلطان فالتقاهم وكسرهم وقتل من مقدميهم جماعة منهم هنفري قال ابن الأثير وما أدراك ما هنفري به كان يضرب المثل في الشجاعة
وفيها ضربت الطبول ببغداد وزفت البشائر بانتصار السلطان صلاح الدين على الفرنج وأسره لصاحب الرملة وصاحب طبرية الكافرين وهي وقعة مرج العيون ومن حديثها أن صلاح الدين كان نازلا تل بانياس ببيت بسراياه فلما استهل المحرم ركب فرأى راعيا فسأله عن الفرنج فأخبره بقربهم فعاد إلى مخيمه وأمر الجيش بالركوب فركبوا وسار بهم حتى أشرف على الفرنج وهم في ألف قنطارية وعشرة آلاف مقاتل فارس وراجل فحملوا على المسلمين فثبتوا لهم وحملت المسلمون عليهم فولوا الأدبار فقتل أكثرهم وأسر منهم مائتان وسبعون أسيرا منهم بادين وأود مقدم الداوية وابن القومصة وأخوا صاحب جبيل وابن صاحب مرقية وصاحب طبرية فأما بادين بن بيرزان فاستفك نفسه بمبلغ وبألف أسير من المسلمين واستفك الآخر نفسه بجملة وأما أود فجن في حبس قلعة دمشق وانهزم من الوقعة ملكهم مجروحا وأبلى في هذه الوقعة عز الدين فرخشاه بلاء حسنا واتفق أنه في يوم الوقعة ظفر أسطول مصر ببطستين وأسروا ألف نفس فلله الحمد على نصره وكان قليج أرسلان سلطان الروم طلب حصن رعبان وزعم أنه من بلاده وإنما أخذه منه نور الدين على خلاف مراده وأن ولده الصالح إسماعيل قد أنعم به عليه فلم يفعل السلطان فأرسل قليج عشرين ألفا لحصار الحصن فالتقاهم تقي الدين عمر صاحب حماة ومعه سيف الدين علي المشطوب في ألف فارس فهزمهم لأنه حمل عليهم بغتة وهم على غير تعبية فضربت كوساته وعمل عسكره كراديس فلما سمعت الروم الضجة ظنوا أنهم قد دهمهم جيش عظيم فركبوا خيولهم عريا وطلبوا النجاة وتركوا الخيام بما فيها وأسر منهم عددا ثم من عليهم بأموالهم وسرحهم ولم يزل تقي الدين يدل بهذه النصرة ولا ريب أنها عظيمة وورد بغداد رسول صلاح الدين وهو مبارز الدين كشطغاي وجلس له ظهير الدين أبو بكر ابن العطار وبين يديه أرباب الدولة فجاء وبين يديه اثنا عشر أميرا عليهم الخوذ والزرديات ومع كل واحد قنطارية وعلى كتفه طارقة ملك الفرنج على القنطاريات سعف الفرنج وبين يديه أيضا من التحف والنفائس من ذلك صنم حجر طويل ذراعين فيه صناعة عجيبة قد جعل سبابته على شفته كالمتبسم عجبا ومن ذلك صينية ملآنة جواهر وضلع آدمي نحو سبعة أشبار في عرض أربع أصابع وضلع سمكة طوله عشرة أذرع في عرض ذراعين وفيها جهز السلطان القاضي أبا الفضائل بن الشهرزوري إلى الخليفة ببغداد أيضا بجواهر مثمنة وعشرة أسرى من الفرنج
وفيها توجه السلطان قاصدا بلاد الأرمن وبلاد الروم ليحارب قليج أرسلان بن مسعود ابن قليج أرسلان عندما استجار محمد بن أرسلان بن داود صاحب حصن كيفا بالسلطان على حموة قليج المذكور ثم صلح الحال بينهما فنزل السلطان على حصن من بلاد الأرمن فأخذه وهدمه ثم رجع فعند وصوله إلى حمص جاءه التقليد والخلع من الخليفة الناصر فركب بها بحمص وكان يوما مشهودا وجاء إلى دمشق وولى عز الدين فرخشاه نيابة السلطنة بالشام وهو ابن أخيه ثم توجه السلطان إلى مصر وتوجه منها إلى الإسكندرية وشاهد ما تجدد بها من السور وسمع بها الموطأ على أبي الطاهر ابن عوف
وفيها قصد نائب الشام عز الدين فرخشاه بمرسوم السلطان بلاد الكرك بالعساكر فخربها وذلك عندما بلغ السطان أن اللعين صاحب الكرك سولت له نفسه قصد المدينة الشريفة ليتملكها فما نهبت بلاده عاد بالخيبة وفيها ظهرت الوحشة بين الخليفة الناصر والسلطان وذلك أن السلطان لما اشتهر اسمه بالعدل وشدة الوطأة وخافته النفوس الفاجرة واستبشرت به الأرواح الطاهرة وحسده ملوك الأطراف وأحبوا أن يوقعوا بينه وبين الخليفة سولوا للخليفة أمورا أوجبت أن يكتب للسلطان يأخذ عليه في أشياء منها تسميته بالملك الناصر مع علمه أن الإمام اختار هذه التسمية لنفسه وهذه الواحدة على ندورتها مدفوعة بأن السلطان لقب بالناصر من أيام الخليفة المستضيء قبل أن يلي الناصر الخلافة فكتب له السلطان جوابا فاضليا منه والخادم ولله الحمد يعدد سوابق في الإسلام والدولة العباسية لا يعدها أولية أبي مسلم لأنه والي ثم وارى ولا آخرية طغرلبك لأنه نصر ثم حجر والخادم بحمد الله خلع من كان ينازع الخلافة رداءها وأساغ الغصة التي ذخر الله للإساغة في سيفه ماءها فرجل الأسماء الكاذبة الراكبة على المنابر وأعز بتأييد إبراهيمي فكسر الأصنام الباطنة بسيفه الظاهر لا الساتر وفعل وما فعل للدنيا ولا معنى للاعتداد بما هو متوقع الجزاء عنه في اليوم الآخر
فيها افتتح السلطان حران وسروج وسنجار ونصيبين والرقة والبيرة وآمد ونازل الموصل وحاصرها وبهره ما رأى من حصانتها وجاءه شيخ الشيوخ صدر الدين من قبل الخليفة يتشفع في صاحب الموصل فرحل عنها وفيها بعث السلطان أخاه سيف الإسلام طغتكين على نيابة السلطنة بإقليم اليمن بأسره وأمره بإخراج نواب أخيه توران شاه بها فرحل إليها وقبض على متولي زبيد حطان بن منقذ وأخذ منه أموالا جزيلة وسكن سيف الإسلام في اليمن وفيها مات عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه ابن أيوب نائب الشام فبعث السلطان على نيابة دمشق شمس الدين محمد بن المقدم وفيها خرج السلطان بنفسه من مصر غازيا وما تهيأ له العود إليها وقد عاش بعد ذلك اثنتى عشرة سنة
ورسل الخليفة في كل سنة تجيء غير مرة بالتودد ظاهرا واستعلام أخبار السلطان باطنا فلا يرون إلا إماما عادلا لا يصطلى له بنار وغضنفرا باسلا لا يقوم لغضبه إلا الواحد القهار وكتب له السلطان كتابا فاضليا فيه من أخبار الفرنج كان الفرنج قد ركبوا من الأمر نكرا وافتضوا من البحر بكراذ وعمروا مراكب حربية شحنوها بالمقاتلة والأسلحة آخر الطبقة الخامسة
|