الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
الفاضل الذكي الذي كان يقال إنه إذا سمع قصيدة حفظها ويحكى عنه في هذا النوع عجائب مولده سنة ثمان وعشرين وستمائة سمع الحديث من ابن الجميزي وكان معيدا بالمدرسة الظاهرية توفي بالقاهرة سنة ست وثمانين وستمائة الفقيه الأديب والد شيخنا شمس الدين محمد بن أحمد بن القماح سمع الحديث من ابن الجميزي والحافظ المنذري وغيرهما وكان يدرس بمدرسة ابن زين التجار بمصر ومن شعره رفقا بها فشوقها قد ساقها ** يا حبذا الوادي الذي قد شاقها حجازها من حبها قد شاقها ** وفي هوى نجد حدت عراقها توفي سنة خمس وتسعين وستمائة ولد بواسط في ذي القعدة سنة أربع عشرة وستمائة وقرأ القرآن على والده وعلى الحسين بن أبي الحسن بن ثابت الطيبي وسمع ببغداد من عمر بن كرم الدينوري والشيخ شهاب الدين السهروردي وأبي الحسن القطيعي وأبي علي الحسن بن الزبيدي وأبي المنجا بن اللتي والأنجب بن أبي السعادات وأبي الحسن بن روزبة وخلق وبواسط من أبي العباس أحمد بن أبي الفتح بن المندآئي والمرجي بن شقير وبأصبهان من الحسين بن محمود الصالحاني وبدمشق من إسماعيل بن أبي اليسر وغيره وحدث بالحرمين والعراق ودمشق وكان فقيها مقرئا عابدا زاهدا صاحب أوراد قدم دمشق من الحجاز بعد مجاورة مدة سنة تسعين تولى مشيخة الحديث بالظاهرية وإعادة الناصرية وتدريس النجيبية ثم ولي خطابة الجامع ثم عزل منها فسافر إلى واسط وبها توفي وقيل له لما قدمها كيف تركت الأرض المقدسة فقال رأيت النبي يقول تحول إلى واسط لتموت بها وتدفن عند والدك توفي في مستهل ذي الحجة سنة أربع وتسعين وستمائة أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه قال حكى لنا صاحبنا ابن يونس الواسطي المقري أن الشيخ عز الدين أظهر أنه يريد سفرا وطلب الأصحاب وبقي يقول قد عرض لنا سفر فاجعلونا في حل فيتعجبون وقال لهم أريد السفر إلى شيراز يوم الثلاثاء وأظنني أموت ذلك اليوم فمات يومئذ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أن علاء الدين الكندي ذكر له أن الشيخ عز الدين الفاروثي شاهد بالعراق رجلا مكث سنين لا يأكل ولا يشرب قال شيخنا أبو عبد الله وقد حدثني عدد أثق بهم أن امرأة كانت بالأندلس بقيت نحوا من عشرين سنة لا تأكل شيئا وأمرها مشهور ذكر شيخنا ذلك في ترجمة أبي العباس عيسى بن محمد بن عيسى الطهماني اللغوي وقد أورد ما ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في تاريخ نيسابور من أنه سمع أبا زكريا العنبري يقول سمعت أبا العباس فذكر قصة المرأة التي لا تأكل ولا تشرب قلت وأنا مورد هذه القصة لغرابتها من تاريخ الحاكم وآت بها على الصورة التي ذكرها فأقول قال الحاكم سمعت أبا زكرياء يحيى بن محمد العنبري يقول سمعت أبا العباس عيسى بن محمد بن عيسى الطهماني المروزي يقول إن الله سبحانه وتعالى يظهر إذا شاء ما شاء من الآيات والعبر في بريته فيزيد الإسلام بها عزا وقوة ويؤيد ما أنزل من الهدى والبينات وينشر أعلام النبوة ويوضح دلائل الرسالة ويوثق عرى الإسلام ويثبت حقائق الإيمان منا منه على أوليائه وزيادة في البرهان بهم وحجة على من عند عن طاعته وألحد في دينه وإن مما أدركناه عيانا وشاهدناه في زماننا وأحطنا علما به فزادنا يقينا في ديننا وتصديقا لما جاء به نبينا محمد ودعا إليه من الحق فرغَب فيه من الجهاد من فضيلة الشهداء وبلغ عن الله عز وجل فيهم إذ يقول جل ثناؤه قال المسمى عبد الله بن عبد الرحمن أنا أسمع حديثها منذ أيام الحداثة ونشأت والناس يتفاوضون في خبرها وقد فرغت بالي لها وشغلت نفسي للاستقصاء عليها فلم أر إلا سترا وعفافا ولم أعثر منها على كذب في دعواها ولا حيلة في التلبيس وذكر أن من كان يلي خوارزم من العمال كانوا فيما خلا يستخصونها ويحضرونها الشهر والشهرين والأكثر في بيت يغلقونه عليها ويوكلون بها من يراعيها فلا يرونها تأكل ولا تشرب ولا يجدون لها أثر بول ولا غائط فيبرونها ويكسونها ويخلون سبيلها فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها استقصصتها عن حديثها وسألتها عن اسمها وشأنها كله فذكرت أن اسمها رحمة بنت إبراهيم وأنه كان لها زوج نجار فقير معيشته من عمل يده يأتيه رزقه يوما ويوما لا فضل في كسبه عن قوت أهله وأنها ولدت منه عدة أولاد وجاء الأقطع ملك الترك إلى القرية فعبر الوادي عند جموده إلينا في زهاء ثلاثة آلاف فارس وأهل خوارزم يدعونه كسرة وقال أبو العباس والأقطع هذا فإنه كان كافرا عاتيا شديد العداوة للمسلمين قد أثر على أهل الثُغور والح على أهل خوارزم بالسبي والقتل والغارات وكانت ولاة خراسان يتألفونه وأنسابه من عظماء الأعاجم ليكفوا غارتهم عن الرعية ويحقنوا دماء المسلمين فيبعثون إلى كل واحد منهم بأموال وألطاف كثيرة وأنواع من فاخر الثياب وأن هذا الكافر انساب في بعض السنين على السلطان ولا أدري لم ذاك أستبطأ المبار عن وقتها أم استقل ما بعث إليه في جنب ما بعث إلى نظرائه من ملوك الجريجية والثغرغدية فأقبل في جنوده وتورد الثغر واستعرض الطرق فعاث وأفسد وقتل ومثل فعجزت عنه خيول خوارزم وبلغ خبره أبا العباس عبد الله بن طاهر رحمه الله فأنهض إليهم أربعة من القواد طاهر بن إبراهيم بن مدرك ويعقوب بن منصور بن طلحة وميكال مولى طاهر وهارون القباض وشحن البلد بالعساكر والأسلحة ورتبهم في أرباع البلد كل في ربع فحموا الحريم بإذن الله تعالى ثم إن وادي جيحون وهو الذي في نهر بلخ جمد لما اشتد البرد وهو واد عظيم شديد الطغيان كثير الآفات وإذا امتد كان عرضه نحوا من فرسخ وإذا جمد انطبق فلم يوصل منه إلى شيء حتى يحفر فيه كما تحفر الآبار في الصخور وقد رأيت كثيف الجمد عشرة أشبار وأخبرت أنه كان فيما مضى يزيد على عشرين شبرا وإذا هو انطبق صار الجمد جسرا لأهل البلد تسير عليه العساكر والعجل والقوافل فينطم ما بين الشاطئين وربما دام الجمد مائة وعشرين يوما وإذا قل البرد في عام بقي سبعين يوما إلى نحو ثلاثة أشهر قالت المرأة فعبر الكافر في خيله إلى باب الحصن وقد تحصن الناس وضموا أمتعتهم فضجوا بالمسلمين وخربوهم فحصر من ذلك أهل الناحية وأرادوا الخروج فمنعهم العامل دون أن تتوافى عساكر السلطان وتتلاحق المطوعة فشد طائفة من شبان الناس وأحداثهم فتقاربوا من السور بما أطاقوا حمله من السلاح وحملوا على الكفرة فتهارج الكفرة واستجروهم من بين الأبنية والحيطان فلما أصحروا كر الترك عليهم وصار المسلمون في مثل الحرجة فتخلصوا واتخذوا دارة يحاربون من ورائها وانقطع ما بينهم وبين الخصم وبعدت المؤنة عنهم فحاربوا كأشد حرب وثبتوا حتى تقطعت الأوتار والقسي وأدركهم التعب ومسهم الجوع والعطش وقتل عامتهم وأثخن الباقون بالجراحات ولما جن عليهم الليل تحاجز الفريقان قالت المرأة ورفعت النار على المناظر ساعة عبور الكافر فاتصلت بالجرجانية وهي مدينة عظيمة في قاصية خوارزم وكان ميكال مولى طاهر من أبياتها في عسكر فحث في الطلب هيبة للأمير أبي العباس عبد الله بن طاهر رحمه الله وركض إلى هزاراسب في يوم وليلة أربعين فرسخا بفراسخ خوارزم وفيها فضل كثير على فراسخ خراسان وعد الترك الفراغ من أمر أولئك النفر فبينما هم كذلك إذ ارتفعت لهم الأعلام السود وسمعوا أصوات الطبول فأفرجوا عن القوم ووافى ميكال موضع المعركة فوارى القتلى وحمل الجرحى قالت المرأة وأدخل الحصن علينا عشية ذلك أربعمائة جنازة فلم تبق دار إلا حمل إليها قتيل وعمت المصيبة وارتجَت الناحية بالبكاء قالت ووضع زوجي بين يدي قتيلا فأدركني من الجزع والهلع علية ما يدرك المرأة الشابة على زوج أبي الأولاد وكانت لنا عيال قالت فاجتمع النساء من قراباتي والجيران يسعدنني على البكاء وجاء الصبيان وهم أطفال لا يعقلون من الأمر شيئا يطلبون الخبز وليس عندي ما أعطيهم فضقت صدرا بأمري ثم إني سمعت أذان المغرب ففزعت إلى الصلاة فصليت ما قضى لي ربي ثم سجدت أدعو وأتضرع إلى الله وأسأله الصبر بأن يجبر يتم صبياني قالت فذهب بي النوم في سجودي فرأيت في منامي كأني في أرض حسناء ذات حجارة وأنا أطلب زوجي فناداني رجل إلى أين أيتها الحرة قلت أطلب زوجي فقال خذي ذات اليمين قالت فأخذت ذات اليمين فرفع لي أرض سهلة طيبة الري ظاهرة العشب وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها أو لم أر مثلها وإذا أنهار تجري على وجه الأرض عبر أخاديد ليست لها حافات فانتهيت إلى قوم جلوس حلقا حلقا عليهم ثياب خضر قد علاهم النور فإذا هم الذين قتلوا في المعركة يأكلون على موائد بين أيديهم فجعلت أتخللهم وأتصفح وجوههم أبغي زوجي لكي ينظرني فناداني يا رحمة يا رحمة فيممت الصوت فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء وجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه فقال لأصحابه إن هذه البائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون لي أن أناولها شيئا تأكله فأذنوا له فناولني كسرة خبز قالت وأنا أعلم حينئذ أنه خبز ولكن لا أدري كيف يخبز هو أشد بياضا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن فأكلته فلما استقر في جوفي قال اذهبي كفاك الله مؤنة الطعام والشراب ما حييت الدنيا فانتبهت من نومي شبعى ريا لا أحتاج إلى طعام ولا شراب وما ذقتهما منذ ذلك اليوم إلى يومي هذا ولا شيئا يأكله الناس قال أبو العباس وكانت تحضرنا وكنا نأكل فتتنحى وتأخذ على أنفها تزعم أنها تتأذى من رائحة الطعام فسألتها هل تتغذى بشيء أو تشرب شيئا غير الماء فقالت لا فسألتها هل يخرج منها ريح أو أذى كما يخرج من الناس فقالت لا عهد لي بالأذى منذ ذلك الزمان قلت والحيض و أظنها قالت انقطع بانقطاع الطعم قلت فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال قالت أما تستحيي مني تسألني عن مثل هذا قلت إني لعلي أحدثُ الناس عنك ولا بد أن استقصي قالت لا أحتاج قلت فتنامين قالت نعم أطيب نوم قلت فما ترين في منامك قالت مثل ما ترون قلت فتجدين لفقد الطعام وهنا في نفسك قالت ما أحسست بجوع منذ طعمت ذلك الطعام وكانت تقبل الصدقة فقلت لها ما تصنعين بها قالت أكتسي وأكسو ولدي قلت فهل تجدين البرد وتتأذين بالحر قالت نعم قلت فهل تدرين كلل اللغوب والإعياء إذا مشيت قالت نعم ألست من البشر قلت فتتوضئين للصلاة قالت نعم قلت لم قالت أمرني بذلك الفقهاء فقلت إنهم أفتوها على حديث لا وضوء إلا من حدث أو نوم وذكرت لي أن بطنها لاصق بظهرها فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها كما وصفت وإذا قد اتخذت كيسا فضمت القطن وشدته على بطنها كي لا ينقصف ظهرها إذا مشت ثم لم أزل أختلف إلى هزاراسب بين السنتين والثلاث فتحضرني فأعيد مسألتها فلا تزيد ولا تنقص وعرضت كلامها على عبد الله بن عبد الرحمن الفقيه فقال أنا أسمع هذا الكلام منذ نشأت فلا أجد من يدفعه أو يزعم أنه سمع أنها تأكل أو تشرب أو تتغوط قال شيخنا الذهبي كان إماما فقيها محققا متقنا للمذهب والأصول والعربية حاد الذهن سريع الفهم بديع الكتابة قال وناب في الحكم عن ابن الخويي وأجاز له الفتح بن عبد السلام وأبو علي الجواليقي وأبو حفص السهروردي وسمع من ابن الصلاح والسخاوي وغيرهما وصنف كتابا في أصول الفقه جمع فيه بين طريقتي الإمام فخر الدين والآمدي وتفقه على ابن عبد السلام بالقاهرة توفي في شهر رمضان سنة أربع وتسعين وستمائة ولد في شوال سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ودخل إلى خراسان وقرأ بها الكلام والأصول على الإمام فخر الدين الرازي فيما قاله بعضهم وقيل إنما قرأ على القطب المصري تلميذ الإمام وقرأ الفقه على الرافعي وعلم الجدل على علاء الدين الطاووسي وسمع هناك من المؤيد الطوسي وسمع بدمشق من ابن الزبيدي وابن الصلاح وغيرهما سمع منه تاج الدين بن أبي جعفر وأبو عمرو بن الحاجب والجمال محمد بن الصابوني وولده قاضي القضاة شهاب الدين محمد بن قاضي القضاة شمس الدين وغيرهم وكان فقيها أصوليا متكلما مناظرا دينا ورعا ذا همة عالية حفظ القرآن على كبر وكان وهو قاضي القضاة يجيء إلى الجامع بدمشق وربما كان بالطيلسان يتلقن على من يقرئه القرآن كما يتلقن الأطفال ولي قضاء القضاة بالشام فحدث بسيبويه وفيه يقول الشيخ شهاب الدين أبو شامة وقد وقف على مصنف له في العروض أحمد بن الخليل أرشده الله ** لما أرشد الخليل بن أحمد ذاك مستخرج العروض وهذا ** مظهر السر منه والعود أحمد وللقاضي شمس الدين مصنفات كثيرة ونظم كثير توفي في سابع شعبان سنة سبع وثلاثين وستمائة بدمشق ودفن بسفح قاسيون الشيخ كمال الدين بن القاضي زين الدين بن المحدث أبي محمد بن الأستاذ شارح الوسيط كان فقيها حافظا للمذهب ولد سنة إحدى عشرة وستمائة سمع جده وثابت بن مشرف وابن روزبة وسمع حضورا من الافتخار الهاشمي ومن غيرهم روى عنه الحافظ أبو محمد الدمياطي قال شيخنا الذهبي وكاني يدعو له لما أولاه من الإحسان ولي القضاء بحلب بعد عمه وكان وافر الحرمة عند الناصر صاحب الشام فلما أخذت حلب توجه بنفسه إلى مصر بعد ما أخذ ماله وأصيب في أهله ودرس هناك بمنازل العز والكهارية ثم تولى قضاء حلب فسار إليها وأقام بها أشهرا وتوفي في نصف شوال سنة اثنتين وستين وستمائة عن نيف وخمسين سنة وله حواش على فتاوى ابن الصلاح هي عندي بخطه على نسخة على فتاوي ابن الصلاح فيها فوائد وكلامه يدله على فضل كبير واستحضار للمذهب جيد شيخ الحرم وحافظ الحجاز بلا مدافعة مولده سنة خمس عشرة وستمائة في جمادى الآخرة سمع ابن المقير وابن الجميزي وغيرهما روى عنه البرزالي وغيره وتفقه بقوص على الشيخ مجد الدين القشيري والد شيخ الإسلام تقي الدين وصنف التصانيف الجيدة منها في الحديث الأحكام الكتاب المشهور المبسوط دل على فضل كبير وله مختصر في الحديث أيضا رتبه على أبواب التنبيه وله كتاب في فضل مكة حافل وله شرح على التنبيه مبسوط فيه علم كثير استدعاه المظفر صاحب اليمن ليسمع عليه الحديث فتوجه إليه من مكة وأقام عنده مدة وفي تلك المدة نظم قصيدة يتشوَق إلى مكة منها مريضك من صدودك لا يعاد ** به ألم لغيرك لا يعاد وقد ألف التداوي بالتداني ** فهل أيام وصلكم تعاد لحا الله العواذل كم يلحوا ** وكم عذلوا فما أصغى وعادوا ولو لمحوا من الأحباب معنى ** لما أبدوا هناك ولا أعادوا ومنها أريد وصالها وتريد بعدي ** فما أشقى مريدا لا يراد وهي طويلة خمسها بعض الأدباء لاستحسانه لها
ذكر في شرح التنبيه أنه يجوز قطع ما يتغذى به من نبات الحرم غير الإذخر كالبقلة المسماة عند أهل مصر بالرجلة ونحوه لأنه في معنى الزرع كان إماما عالما فقيها أصوليا زاهدا ورعا ولد سنة خمس عشرة وستمائة بدشنا من صعيد مصر وسمع الحديث من الفقيه بهاء الدين ابن الجميزي والحافظ عبد العظيم المنذري والشيخ مجد الدين القشيري والشيخ عز الدين بن عبد السلام تفقه وتأصل وقرأ الأصول على الشيخ شمس الدين الأصفهاني شارح المحصول حين كان حاكما بقوص وقرأ النحو على الشيخ شرف الدين المرسي وحدث سمع منه شيخنا شمس الدين بن القماح وغيره وانتهت إليه رياسة المذهب بمدينة قوص وتفقه عليه خلائق وحكي أن النصير بن الطباخ المشهور بالفقيه قال للشيخ عز الدين بن عبد السلام ما أظن في الصعيد مثل هذين الشابين يعني الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد والشيخ جلال الدين الدشناوي فقال له ابن عبد السلام ولا في المدينتين وصنف الشيخ جلال الدين شرحا على التنبيه وصل فيه إلى الصيام ومناسك ومقدمة في النحو وله شعر متوسط منه هذا يا لائمي كف عن ملامي ** عن انعزالي عن الأنام إن نذيري الذي نهاني ** يخبر حالي على التمام رأى مشيبي ووهن عظمي ** قد أدنياني من الحمام وكان يقال إنه من الأبدال لشدة ورعه وتقواه توفي يوم الاثنين مستهل شهر رمضان سنة سبع وسبعين وستمائة بقوص
سئل عن عبد بيت المال إذا أراد أن يعتق ولا ولاء عليه فقال يشتري نفسه من وكيل بيت المال ففعل ذلك ثم رفعت القضية إلى قاضي قوص فلم يمض البيع وقال نص الفقهاء على أن ابتياع العبد نفسه عقد عتاقة وليس لوكيل بيت المال أن يعتق أرقاء بيت المال قلت وما ذكره الشيخ جلال الدين من جواز هذا العتق صحيح فإن هذا العتق واقع بعوض فلا يمنع على الوكيل فعله بل هو أولى من البيع لتشوف الشارع إلى العتق وحصوله بعوض لا يفوت على المسلمين شيئا وأما العتق على المسلمين مجانا فليس لوكيل بيت المال فعله لا لكون عبد بيت المال لا يعتق فإن للإمام عتق بيت المال كما له تمليك من شاء بالمصلحة وقد نص الشافعي في باب الهدنة على أن للإمام العتق ولكن لأن مجرد التوكيل لا يسوغ العتق فإن وكله الإمام في العتق كان له ذلك بالمصلحة كما هو للإمام وأما قول الشيخ جلال الدين إنه إذا اشترى نفسه من وكيل بيت المال فلا يثبت عليه ولاء ففيه نظر بل صرح الرافعي في باب الهدنة أن الولاء للمسلمين ويؤيده أن الأصح ثبوت الولاء على العبد ويشتري نفسه من مولاه والظاهر أن الخلاف يجري في عبد بيت المال حتى يكون الولاء للمسلمين كان فقيها أديبا رئيسا درس في القاهرة بالقطبية والكهارية وبدمشق بالظاهرية والقيمرية وله شعر كثير منه شارح التنبيه لقبه كمال الدين وكنيته أبو العباس وكان يكتب بخطه ابن العسقلاني وهو ولد الشيخ ضياء الدين كان كمال الدين هذا فقيها صالحا سليم الباطن حسن الاعتقاد كثير المصنفات أخذ عن والده وغيره وروى عن ابن الجميزي وعندي بخطه من مصنفاته نهج الوصول في علم الأصول مختصر صنفه في أصول الفقه والمقدمة الأحمدية في أصول العربية وكتاب طب القلب ووصل الصب تصوف وكتاب الجواهر السحابية في النكت المرجانية جمع فيه كلمات سمعها من أخيه في الله على ما ذكر الشيخ الجليل المقدار أبي عبد الله بن محمد بن المرجاني وكان اجتمع به بعد قفول ابن المرجاني من حجه سنة أربع وثمانين وستمائة وكتب عنه هذه الفوائد وكتاب العلم الظاهر في مناقب الفقيه أبي الطاهر جمع فيه مناقب شيخ والده أبي الطاهر خطيب مصر وكتبت من هذا الكتاب فوائد تتعلق بتراجم جماعة نقلتها عنه في هذا الكتاب وكتاب الحجة الرابضة لفرق الرافضة وكل هذه مختصرات عندي بخطه وولي قضاء المحلة مدة زمانية اجتمع بالحافظ زكي الدين المنذري وحدث عنه بفوائد وقال شيخنا الذهبي إنه توفي سنة تسع وثمانين وستمائة قلت وليس كذلك بل قد تأخَر عن هذا الوقت فقد رأيت طباق السماع عليه في العلم الظاهر مؤرخة بسنة إحدى وتسعين وستمائة بعضها في جمادى الأولى وبعضها في رجب وعليها خطه بالتصحيح وكان حاكما بمدينة المحلة إذ ذاك ولابن القليوبي شرح على التنبيه مبسوط وفيه يقول فيما رأيته منقولا عنه إنه استنبط من قوله تعالى أبو الجناب -بفتح الجيم ثم نون مشددة- الخيوقي الصوفي شيخ خوارزم والكبرى على صيغة فعلى كعظمى ومنهم من يمد فيقول الكبراء جمع كبير كان إماما زاهدا عالما طاف البلاد وسمع بها الحديث سمع بالإسكندرية أبا طاهر السلفي وبهمذان الحافظ أبا العلاء وبنيسابور أبا المعالي الفراوي روى عنه عبد العزيز بن هلالة وناصر بن منصور الفرضي والشيخ سيف الدين الباخرزي وآخرون قال ابن نقطة هو شافعي المذهب إما في السنة وقال ابن هلالة جلست عنده في الخلوة مرارا فوجدت من بركته شيئا عظيما وقال أبو عمرو بن الحاجب طاف البلاد وسمع بها الحديث واستوطن خوارزم وصار شيخ تلك الناحية وكان صاحب حديث وسنة وملجأً للغرباء عظيم الجاه لا يخاف في الله لومة لائم وقال غيره إنه فسر القرآن العظيم في اثنتي عشرة مجلدة واجتمع به الإمام فخر الدين الرازي نزيل دمشق ولد سنة خمس وعشرين وستمائة وأسره العدو ونجاه الله تعالى وأخذ عن شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام والكمال الضرير وغيرهما بالقاهرة ثم بدمشق عن ابن عبد الدائم وعمر الكرماني وابن أبي اليسر وخلق قال شيخنا الذهبي وأقبل على تجويد المتون وفهمها فتقدم في ذلك وكانت له حلقة إقراء في جامع دمشق يقرأ فيها فنون الحديث حضرت مجالسه وأخذت عنه ونعم الشيخ كان سكينة ووقارا وديانة واستحضارا مات بتربة أم الصالح في جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وستمائة أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن فرح وعدة قالوا أخبرنا ابن عبد الدائم ح وأخبرنا عن ابن عبد الدائم إجازة إن لم يكن سماعا أخبرنا يحيى بن محمود أخبرنا أبو علي الحداد حضورا أخبرنا أبو نعيم أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا أحمد بن الفرات حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله تجد من شرار الناس ذا الوجهين قال الأعمش الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه +حديث صحيح+ +أخرجه الترمذي+ أنشدنا الحافظ أبو العباس أحمد بن المظفر بن أبي محمد النابلسي بقراءتي عليه قلت له أنشدكم الشيخ الإمام الحافظ الزاهد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فرح لنفسه غرامي صحيح والرجا فيك معضل ** وحزني ودمعي مرسل ومسلسل وصبري عنكم يشهد العقل أنه ** ضعيف ومتروك وذلي أجمل ولا حسن إلا سماع حديثكم ** مشافهة يملى علي فأنق وأمري موقوف عليك وليس لي ** على أحد إلا عليك المعول ولو كان مرفوعا إليك لكنت لي ** على رغم عذالي ترق وتعدل وعذل عذولي منكر لا أسيغه ** وزور وتدليس يرد ويهمل أقضي زماني فيك متصل الأسى ** ومنقطعا عما به أتوصل وها أنا في أكفان هجرك مدرج ** تكلفني ما لا أطيق فأحمل وأجريت دمعي بالدماء مدبجا ** وما هي إلا مهجتي تتحلل فمتفق جفني وسهدي وعبرتي ** ومفترق صبري وقلبي المبلبل ومؤتلف شجوي ووجدي ولوعتي ** ومختلف حظي وما فيك آمل خذ الوجد عني مسندا ومعنعنا ** فغيري بموضوع الهوى يتجمل وذي نبذ من مبهم الحب فاعتبر ** وغامضه إن رمت شرحا أطول غريب يقاسي البعد عنك وما له ** وحقك عن دار القلى متحول عزيز بكم صب ذليل لعزكم ** ومشهور أوصاف المحب التذلل فرفقا بمقطوع الوسائل ما له ** إليك سبيل لا ولا عنك معدل ولا زلت في عز منيع ورفعة ** ولا زلت تعلو بالتجني وأنزل أوري بسعدى والرباب وزينب ** وأنت الذي تعنى وأنت المؤمل فخذ أولا من آخر ثم أولا ** من النصف منه فهو فيه مكمل أبر إذا أقسمت أني بحبه ** أهيم وقلبي بالصبابة مشعل وهذه القصيدة بليغة جامعة لغالب أنواع الحديث وخرفة بخاء معجمة ثم راء ساكنة ثم فاء مفتوحة من قرى نصيبين كان إماما عالما فقيها نحويا مقرئا يشغل الناس بالموصل وسنجار ودرس بهما مذهب الشافعي وله مصنفات كثيرة منها شرح الدريدية وشرح الملحة وكتاب خطب وكتاب في العروض انتقل بالآخرة إلى الجزيرة فتوفي بها في رجب سنة أربع وستين وستمائة بفتح الكاف وشين معجمة مفتوحة ثم ألف ساكنة ثم سين مهملة ثم باء موحدة ابن علي الدزماري بكسر الدال المهملة بعدها زاي ساكنة ثم ميم ثم ألف ثم راء مكسورة ثم ياء النسب الشيخ كمال الدين الفقيه الصوفي أبو العباس له شرح التنبيه وكتاب في الفروق قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة وهو أحد من قرأت عليه في صباي قال وهو الذي ذكره شيخنا أبو الحسن -يعني السخاوي- في خطبة التفسير وأثنى عليه كان يلازم حلقة الشيخ لسماع التفسير وفي وقت ختمات الطلبة توفي في سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة وحكى في شرح التنبيه وجهين في ضبط الصغير والكبير في ضبة الذهب والفضة أن الكبير قدر نصاب السرقة والصغير دونه وهو غريب بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر السين المهملة المشددة ابن ملي باللام أيضا الشيخ نجم الدين المعروف بابن ملي المشهور بحسن المناظرة والقادر على إبداء الحجة المسرعة وإلجام الخصوم والذهن المتوقد كشعلة نار والوثوب على النظراء في مجالس النظر كأنه صاحب ثار سمع من البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي والحسين بن الزبيدي وأبي المنجا بن اللتي وغيرهم وحدث بدمشق وحلب وقرأ بدمشق النحو على ابن الحاجب وتفقه على شيخ الإسلام ابن عبد السلام وأحكم الأصول والكلام والفلسفة وأفتى وناظر وشغل مدة ودخل مصر غير مرة وناظر وشهد له أهلها بالفضل وكان يقول في الدرس عينوا آية لنتكلم عليها فإذا عينوها تكلم بعبارة فصيحة وعلم غزير كأنما يقرأ من كتاب وكان قوي الحافظة تقرأ عليه الأوراق مرة واحدة فيعيدها بأكثر لفظها وإذا حضر عند أحد درسا سكت إلى أن يفرغ ذلك المدرس ويقول ما عنده مما بيته فيبتدىء ابن ملي ويقول ذكر مولانا كيت وكيت ويذكر جميع ما ذكره ثم يأخذ في الاعتراض والبحث وقد دخل بغداد وأعاد بالنظامية ولد ببعلبك في رمضان سنة سبع عشرة وستمائة وتوفي في جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وستمائة أخبرنا المسند عز الدين أبو الفضل محمد بن إسماعيل بن عمر بن المسلم الحموي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا الإمام العلامة الأصولي ذو الفنون نجم الدين أو العباس أحمد بن محسن بن ملي الشافعي البعلبكي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي أخبرنا أبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق ابن أحمد بن يوسف قراءة عليه أخبرنا أبو سعد بن عبد الملك بن عبد القاهر الأسدي أخبرنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن بشران حدثنا أبو محمد دعلج حدثنا معاذ بن المثنى حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال خطب مروان فقدم الخطبة قبل الصلاة -يعني يوم العيد- فقام رجل فقال خالفت السنة فقام أبو سعيد فقال أما هذا المتكلم فقد قضى ما عليه قال رسول الله من رأى منكم منكرا فلينكره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان تفقه على والده بمدينة إربل ثم انتقل بعد موت أبيه إلى الموصل وحضر دروس الإمام كمال الدين بن يونس ثم انتقل إلى حلب وأقام عند الشيخ بهاء الدين أبي المحاسن يوسف بن شداد وتفقه عليه وقرأ النحو على أبي البقاء يعيش بن علي النحوي ثم قدم دمشق واشتغل على ابن الصلاح ثم انتقل إلى القاهرة وناب في الحكم عن قاضي القضاة بدر الدين السنجاري ثم ولي قضاء المحلة ثم ولي قضاء القضاة بالشام ثم عزل ثم وليها ثانيا ثم عزل ومن مصنفاته كتاب وفيات الأعيان وهو كتاب جليل توفي بدمشق في سنة إحدى وثمانين وستمائة في شهر رجب وله في الأدب اليد الطولى وشعره أرق من أعطاف ذي الشمائل لعبت به الشمول وأعذب في الثُغور لعسا من ارتشاف الضرب وإنه لفوق ما نقول فمنه يا من كلفت به فعذب مهجتي ** رفقا على كلف الفؤاد معذَب إن فاته منك اللقاء فإنه ** يرضى بلقيا طيفك المتأوب قسما بوجدي في الهوى وبحرقتي ** وبحيرتي وتلهفي وتلهبي لو قلت لي جدلى بروحك لم أقف ** فبما أمرت وإن شككت فجرب مولاي هل من عطفة تصغي إلى ** قصصي وطول شكايتي وتعتبي قد كنت تلقاني بوجه باسم ** واليوم تلقاني بوجه مقطب ما كان لي ذنب إليك سوى الهوى ** فعلام تهجرني إذا لم أذنب قل لي بأي وسيلة أدلي بها ** إن كنت تبعدني لأجل تقربي وحياة وجهك وهو بدر طالع ** وجمال طرتك التي كالغيهب وفتور مقلتك التي قد أذعنت ** لكمال بهجتها عيوب المعتب وبيان مبسمك النقي الواضح العذب ** الشهي اللؤلئي الأشنب وبقامة لك كالقضيب ركبت من ** أخطارها في الحب أصعب مركب لو لم أكن في رتبة أرعى لها العهد ** القديم صيانة للمنصب لهتكت ستري في هواك ولذ لي ** خلع العذار ولج فيك مؤنبي قد خانني صبري وضاقت حيلتي ** وتقسمت فكري وعقلي قد سبي ولقد سمحت بمهجتي وحشاشتي ** وبحالتي ووجاهتي وبمنصبي حتى خشيت بأن يقول عواذلي ** قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي كان ورعا أخذ عن النووي وروى عن ابن عبد الدائم توفي في شعبان سنة تسع وتسعين وستمائة بدمشق كان من أصحاب الكرامات والأحوال والمقامات العاليات ويحكى عنه عجائب وغرائب وكان مقيما بمدينة قوص له بها رباط وعرف بالملثَم لأنه كان دائما بلثام وكان من المشايخ المعمرين بالغ فيه قوم حتى قالوا إنه من قوم يونس عليه السلام وقال آخرون إنه صلى خلف الشافعي رضي الله عنه وإنه رأى القاهرة أخصاصا قبل بنائها ومن أخص الناس بصحبته تلميذه الشيخ الصالح عبد الغفار بن نوح صاحب كتاب الوحيد في علم التوحيد وقد حكى في كتابه هذا كثيرا من كراماته وذكر أنه كان عادته إذا أراد أن يسأل أبا العباس شيئا أو اشتاق إليه حضر وإن كان غائبا ساعة مرور ذلك على خاطره قال وسألني يوما بعض الصالحين أن أسأله عما يقال إنه من قوم يونس ومن أنه رأى الشافعي قال فجاءني غلام عمي وقال لي الشيخ أبو العباس في البيت وقد طلبك وكنت غسلت ثوبي ولا ثوب لي غيره فقمت واشتملت بشيء ورحت إليه فوجدته متوجها فسلمت وجلست وسألته عما جرى بمكة وكنت أعتقد أنه يحج في كل سنة فإنه كان زمان الحج يغيب أياما يسيرة ويخبر بأخبارها فلما سألته أخبرني بما جرى بمكة ثم تفكرت ما سأله ذلك الرجل الصالح فحين خطر لي التفت إلي وقال لي يا فتى ما أنا من قوم يونس أنا شريف حسيني وأما الشافعي فمتى مات ما له من حين مات كثير نعم أنا صليت خلفه وكان جامع مصر سوقا للدواب وكانت القاهرة اخصاصا فأردت أن أحقق عليه فقلت صليت خلف الإمام الشافعي محمد بن إدريس فتبسم وقال في النوم يا فتى في النوم يا فتى وهو يضحك وكان يوم الجمعة فاشتغلنا بالحديث وكان حديثه يلذ بالمسامع فبينما نحن في الحديث والغلام يتوضأ فقال له الشيخ إلى أين يا مبارك فقال إلى الجامع فقال وحياتي صليت فخرج الغلام وجاء فوجد الناس خرجوا من الجامع قال عبد الغافر فخرجت فسألت الناس فقالوا كان الشيخ أبو العباس في الجامع والناس تسلم عليه قال عبد الغافر وفاتتني صلاة الجمعة ذلك اليوم قال ولعل قوله صليت من صفات البدلية فإنهم يكونون في مكان وشبههم في مكان آخر وقد تكون تلك الصفة الكشف الصوري الذي ترتفع فيه الجدران ويبقى الاستطراق فيصلي كيف كان ولا يحجبه الاستطراق قال عبد الغافر وكنت عزمت على الحجاز وحصل عندي قلق زائد فأنا أمشي في الليل في زقاق مظلم وإذا يد على صدري فزاد ما عندي من القلق فنظرت فوجدته الشيخ أبا العباس فقال يا مبارك القافلة التي أردت الرواح فيها تؤخذ والمركب الذي يسافر فيه الحجاج يغرق فكان الأمر كذلك قال وكان الشيخ أبو العباس لا يخلو عن عبادة يتلو القرآن نهارا ويصلي ليلا قال وكان أبوه ملكا بالمشرق قال وقلت له يوما يا سيدي أنت تقول فلان يموت اليوم الفلاني وهذه المراكب تغرق وأمثال ذلك والأنبياء عليهم السلام لا يقولون ولا يظهرون إلا ما أمروا به مع كمالهم وقوتهم ونور الأولياء إنما هو رشح من نور النبوة فلم تقول أنت هذه الأقوال فاستلقى على ظهره وجعل يضحك ويقول وحياتي وحياتك يا فتى ما هو باختياري توفي الشيخ أبو العباس يوم الثلاثاء رابع عشرين من شهر رجب سنة اثنتين وسبعين وستمائة وهو مدفون برباطه بمدينة قوص مقصود للبركة من أهل واسط درس الفقه على عمه أبي علي الحسن بن أحمد وعلى يحيى بن الربيع وأبي القاسم ابن فضلان وقرأ الأصول على المجير البغدادي والقراءات بالروايات على أبي بكر الباقلاني وسمع من أبي الفتح بن شاتيل وأبي الفرج بن كليب وطائفة وولي القضاء بالجانب الغربي ببغداد قال ابن النجار وكان فقيها فاضلا عالما عاملا حافظا لمذهب الشافعي سديد الفتاوى حسن الكلام في مسائل الخلاف له يد حسنة في الأصول والجدل ويقرأ القرآن قراءة حسنة ويفهم طرفا صالحا من الحديث والأدب وكتب بخطه كثيرا من كتب الفقه والحديث وغير ذلك ووصف بالخير كثيرا إلى أن قال ما رأيت أجمل طريقة منه ولا أحسن سيرة منه مولده في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وخمسمائة بواسط ومات ببغداد في شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وستمائة الشيخ شرف الدين ابن الشيخ كمال الدين بن يونس شارح التنبيه ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وتفقه على والده وبرع في المذهب واختصر كتاب الإحياء للغزالي مرتين وكان يلقي الإحياء دروسا من حفظه وكان كثير المحفوظ غزير المادة متفننا في العلوم وتخرج به خلق كثير توفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة ووقع في شرح التنبيه لابن يونس حكاية وجه أنه إذا خلط الطعام الموصى به بأجود منه لا يكون رجوعا وقد قال الرافعي لم يذكروا خلافا في أنه رجوع وفيه وجه أنه إذا وجب عليه في زكاة الفطر نوع فلا يجوز له العدول إلى أعلى منه وهكذا حكاه الماوردي في الحاوي والشاشي في الحلية وهو يرد على دعوى الرافعي الاتفاق على الجواز وفيه وجه أنه يشترط قبول الموصى له بعد الموت على الفور والذي جزم به الرافعي خلافه قال وإنما يشترط ذلك في العقود الناجزة التي يعتبر فيها ارتباط القبول بالإيجاب وفي وجه عن الشاشي فيما إذا مات الموصى له بعد موت الموصي أنه لا يقوم وارثه مقامه في القبول والرد بل تبطل الوصية قال وليس هو بشيء وهذا أيضا ليس في الرافعي وحكى وجهين في أنه هل يجب على الولي أن يعلم الصبي الطهارة والصلاة أو يستحب وكذلك حكاهما الدارمي في الاستذكار وغيره والمشهور عند الأئمة الوجوب وحكى وجها عن الخراسانيين أنه لا تجب الكفارة على السيد في قتل عبده وهو غريب وفي ابن يونس غرائب كثيرة ليست في الرافعي إلا أن ابن الرفعة جد واجتهد في ايداعها الكفاية فلم أر للتطويل بها مع وجدانها في الكفاية كبير معنى الإمام العالم العامل الولي الزاهد العارف صاحب الأحوال والكرامات ومما يؤثر من كراماته أن بعض الناس جاء إليه وفي يده سلعة فقال له ادع الله أن يزيل عني هذه السلعة وإلا ما بقيت أحسن ظني بأحد من الصالحين فقال له لا حول ولا قوة إلا بالله ومسح على يده وربط عليها بخرقة وقال له لا تفتحها حتى تصل إلى منزلك فخرج من عنده فلما كان في بعض الطريق أراد أن يتغدى ففتح يده ليأكل وكانت في كفه اليمنى فلم ير لها أثرا وذهبت عنه بالكلية وكأن الشيخ أراد ستر الكرامة بالخرقة لئلا تظهر في الحال ومن المشهور أن بعض فقهاء اليمن الصالحين من قرابة ابن العجيل هذا سمعه في قبره يقرأ سورة النور قاضي القضاة صدر الدين بن قاضي القضاة شمس الدين بن سني الدولة المفسر الرجل الصالح الزاهد الورع ذو الأحوال والكرامات المعروف بالكواشي ولد بكواشة وهي قلعة من أعمال الموصل سنة تسعين أو إحدى وتسعين وخمسمائة وقرأ القرآن على والده وسمع الحديث من أبي الحسن السخاوي وغيره ثم رجع إلى بلده ولازم الإقراء والعبادة والتصنيف صنف التفسير الكبير والتفسير الصغير وكان السلطان ومن دونه يزورونه ولا يعبأ بهم وكان لا يقبل من أحد شيئا وكان يقال إنه يعرف الاسم الأعظم ولازم جامع الموصل نيفا وأربعين سنة وقيل إنه كان ينفق من الغيب قال شيخنا الذهبي ولا أعتقد صحة ذلك ويحكى عنه من الكرامات ما يطول شرحه رئيس الشافعية ببخارى هو وأبوه وجده وجد جده كان عالم تلك البلاد وإمامها ومحققها وزاهدها وعابدها وقال فيه صاحبنا وشيخنا الشيخ الحافظ عفيف الدين المطري هو مجتهد زمانه وعلامة أقرانه لم تر العيون مثله وما رأى مثل نفسه انتهى قلت وهو مصنف كتاب الملخص وكتاب المصباح كلاهما في الفقه والمصباح أكبرهما حجما مات سنة أربع وستمائة ابن الميمون القيسي التوزري الشيخ قطب الدين بن القسطلاني الفقيه المحدث الأديب الصوفي العابد ولد في ذي الحجة سنة أربع عشرة وستمائة وسمع من والده ومن الشيخ شهاب الدين السهروردي ولبس منه خرقة التصوف وسمع الكثير بمصر ودمشق من أصحاب السلفي وأصحاب ابن عساكر وببغداد من جماعة ولي مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة وحدث كثيرا وأفاد ومن شعره إذا طاب أصل المرء طابت فروعه ** ومن غلط جاءت يد الشوك بالورد وقد يخبث الفرع الذي طاب أصله ** ليظهر صنع الله في العكس والطرد توفي في المحرم سنة ست وثمانين وستمائة والد القاضي شمس الدين صاحب الكفاية في الفقه نحو التنبيه أو دونه وله طريقة في الخلاف وشرح أحاديث المهذب وإيضاح الوجيز حدث عن عبد المنعم بن عبد الله الفراوي
حكى وجهين في جواز استئجار الرياحين للشم تفقه بحماة ثم توجه إلى القاهرة وولي خطابة الجامع العتيق بمصر والتدريس بمشهد الحسين توفي في ربيع الأول سنة خمس عشرة وستمائة صاحب التصانيف في التصوف توفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة فقيه الحرم الشريف أقام بمكة مدة يدرس ويفتي إلى أن توفي سنة تسع وستمائة ابن موسى العامري الحموي قاضي القضاة بالديار المصرية تقي الدين أبو عبد الله ولد سنة ثلاث وستمائة بحماة وحفظ من التنبيه في صغره جانبا صالحا ثم انتقل إلى الوسيط فحفظه كله وحفظ المفصل كله والمستصفى للغزالي كله وكتابي أبي عمرو بن الحاجب في الأصول والنحو وسافر إلى حلب فقرأ المفصل على موفق الدين ابن يعيش ثم قدم دمشق فلازم الشيخ تقي الدين ابن الصلاح وأخذ عنه وقرأ بالقراءات على السخاوي وسمع منهما ومن كريمة حدثنا عنه قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وحدث عنه آخرون وولي بدمشق إمامة دار الحديث الأشرفية ثم تدريس الشامية البرانية ثم وكالة بيت المال بدمشق ثم انتقل إلى القاهرة وأعاد بقبة الشافعي رضي الله عنه ثم درس بالظاهرية ثم ولي قضاء القضاة وتدريس الشافعي وامتنع أن يأخذ على القضاء معلوما وكان فقيها فاضلا حميد السيرة كثير العبادة حسن التحقيق مشاركا في علوم غير الفقه كثيرة مشارا إليه بالفتوى من النواحي البعيدة توفي في ثالث رجب سنة ثمانين وستمائة
كان يذهب إلى الوجه الذي حكاه صاحب التتمة أن الرشد صلاح المال فقط ويرتفع الحجر عمن بلغ رشيدا في ماله وإن بلغ سفيها في دينه قال ابن الرفعة سمعت قاضي القضاة تقي الدين في مجلس حكمه بمصر يصرح باختياره ويحكم بموجبه ويستدل له بإجماع المسلمين على جواز معاملة من تلقاه الغريب من أهل البلاد مع أن العلم محيط بأن الغالب على الناس عدم الرشد في الدين والرشد في المال ولو كان ذلك مانعا من نفوذ التصرفات لم تجر الأقلام عليه قلت كان قاضي القضاة بالديار المصرية إذا جمعوا بين قضاء القاهرة ومصر كما استقرت عليه القاعدة من الأيام الظاهرية يتوجهون يوم الاثنين ويوم الخميس إلى مصر فيجلسون بجامع عمرو بن العاص لفصل القضاء بين الناس ويحضر عندهم علماء مصر وكان ابن الرفعة يحضر عند قاضي القضاة تقي الدين مجلس حكمه إذا ورد عليهم مصر يوم الاثنين والخميس وابن الرفعة كان ساكنا بمصر وقاضي القضاة تقي الدين بالقاهرة الشيخ الفقيه الصالح الورع الزاهد أبو الطاهر المحلي خطيب جامع مصر العتيق وهو جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه قدم من المحلة إلى مصر وتفقه بها على الشيخ تاج الدين محمد بن هبة الله الحموي واختص بصحبته وعلى أبي إسحاق العراقي شارح المهذب وعلى ابن زين التجار هؤلاء الثلاثة أشياخه في الفقه وسمع الحديث من إبراهيم بن عمر الإسعردي وغيره وصحب الشيخ الجليل السيد الكبير أبا عبد الله القرشي واختص به وبرع في العلم ولزم طريقة السلف في التقشف والورع وكان يلقي على الطلبة كل يوم عدة دروس من الفقه والأصول ولا يقبل لأحد شيئا وكان أول أمره شرابيا يعمل الشراب ثم انتهت به الحال إلى أن صار شيخ الديار المصرية علما وعملا وسئل في ولاية القضاء فامتنع أشد الامتناع مولده سنة أربع وخمسين وخمسمائة بجوجر وقد نقل عنه ابن الرفعة في المطلب في باب الوكالة في الكلام على أن الوكيل بالبيع هل يملك التسليم والقبض فقال تفريعا على القول بأنه لا يملك إذا كان التوكيل في البيع والشراء في مصر غير المصر الذي فيه الموكل هل تجعل الغيبة مسلطة على التسليم حيث لا نقول يثبت ذلك في حالة كون الموكل في المصر الذي فيه الوكيل أو لا وكان بعض مشايخنا يحكي عن الشيخ العلامة الورع الفقيه الزاهد أبي الطاهر خطيب المسلمين بمصر الأول وتوجيهه ظاهر للعرف وعن صاحب التقريب ما يدل عليه بزيادة لأنه قال إذا دفع إليه قدرا من الإبريسم ليحمله إلى غريمه ليشتري به جارية ففعل لم يلزمه نقلها وقال الإمام إنها تحصل في يده في حكم الوديعة وللإمام احتمال في لزوم رد الجارية قال ولكن الأصل خلافه لأن من التزم رد مال إنسان ولم يستأجر عليه لا يلزمه الوفاء به انتهى قلت وأظنه يشير ببعض مشايخه إلى السديد التزمنتي فإنه شيخه وهو أعني السديد تلميذ الخطيب أبي الطاهر وكرامات الخطيب أبي الطاهر مشهورة وقد دخل دمشق رسولا أرسله الملك الكامل إلى أخيه الأشرف موسى في الصلح بينهما وله أصحاب كثيرون عمت عليهم بركاته وعندي بخط القاضي الفقيه كمال الدين أحمد بن عيسى بن رضوان العسقلاني صاحب شرح التنبيه وغيره من المصنفات وهو المعروف بابن القليوبي مصنف في مناقب أبي الطاهر سماه الظاهر في مناقب أبي الطاهر قال فيه إن الفقيه أبا الطاهر قصد مصر للاشتغال وكان على حالة من القلة ونزل المدرسة الصلاحية المجاورة للجامع العتيق ولم يحصل له بيت بل خزانة يضع فيها كتابه وثوبه وكوزا وإبريقا وكان معه شيء من العنبر قال فكنت أبخر ذلك الكوز وإذا جاء المعيد والتمس ماء أتيته بذلك الكوز تقربا إليه وخدمة له ثم حكى الكثير من قلة ذات يده وحكى أن الفقيه ضياء الدين ولد الشيخ أبي عبد الله القرطبي قال أرسلني والدي إلى الفقيه أبي الطاهر يوما فصادفته في المحراب فسلمت عليه فرد علي السلام ولم يقم وكان عادته غير ذلك فأبلغته الرسالة وبقي في نفسي شيء فلما رأيته في وقت آخر فسلك عادته في القيام فقلت له فقال أتيتني في موضع لا يقام فيه إلا لله تعالى وحكى أنه جاءه بعض خدم السلطان وهو في الميعاد وبين يديه شمعة يقرأ القارئ عليها الميعاد فتقدم الرسول ليقرأ الرسالة على الشمعة فاعترضه الشيخ بيده فانجمع ثم سكت ساعة وعاد ليقرأها ففعل الشيخ مثل ذلك فرجع ثم عاد فقال له الشيخ هذه الشمعة إنما أرصدت لقراءة الميعاد وحكى من ورعه أيضا أنه سمع الخطيب عز الدين عبد الباقي يذكر أنه دخل يوما إلى منزله وكان طعامهم إسفيدناج فسألهم هل غسل البيض أم لا فأجابوه أنه لم يغسل فاستدعى مملوكه حطلح وقال خذ هذا الطعام وألقه في مكان كذا فاحتمله إلى موضع أراد إلقاءه فيه فوجد فقيرا فقال له بالله عليك أنا أحق فقال أعرف الشيخ فأتى إليه فأخبره فقال هذا الطعام فيه لحم بكذا وبيض بكذا وحاجة بكذا وحسب جملة ما صرفه عليه فوزنها وأعطاها له وقال اطبخ بها غير هذا ولا تأكل هذا فإنه نجس قال ابن القليوبي هذا مع أن لأصحاب الشافعي وجهين في نجاسة البيض ينبني على الخلاف في رطوبة فرج المرأة قلت الصحيح الطهارة ولعل أبا الطاهر كان يرى النجاسة وإلا فكيف يذهب هذا المال ونحو هذا ما حكى عنه أيضا أنه رأى في دارة برنية شراب له فيه على وجهه وزغة صغيرة فأمر بإلقائه في البحر وحكى أنه لما توجه السلطان الملك الكامل لبعض أسفاره سأله الدعاء فقال وفق الله السلطان فشغله بالحديث ثم أعاد عليه القول فقال وفق الله السلطان ثم عند انفصاله منه سأله الدعاء فقال وفق الله السلطان فلما خلا السلطان بأصحابه تعجب منه فلما اتصل ذلك بالشيخ قال يريدني أدعو له بالنصر كأنه متوجه إلى غزو عدوه وحكى أن الشيخ خرج مع العسكر في غزو الفرنج على المنصورة وأنه لما حمي الوطيس نزل عن فرسه وقاتل معهم وأصيب بسهام كثيرة قال ولم يجرح بشيء منها وذكر أنه كان يسرد الصوم لا يفطر إلا العيدين وأيام التشريق وأنه كان يمكث الأيام الكثيرة لا يتناول فيها إلا اليسير من الماء للسنة وحكى من اهتمامه بحوائج الخلق أن شخصا سأله حاجة فقال ذكرناها البارحة سبعين مرة وأن قاضي القضاة شرف الدين ابن عين الدولة سأله أن يدعو له عند طلوعه المنبر وأنه بعد مدة طويلة رأى الشيخ ذاكرا لذلك الأمر قال فسئل الشيخ فقال لم أنسه في جمعة قط وحكى من كراماته الكثير فمن ذلك قال ابن القليوبي أخبرني شيخي -يعني والده- قال أخذت مرة كتابا من كتب الشيخ فأصاب ظاهر جلده نجاسة فخشيت أن يضع الشيخ يده عليها وبها رطوبة فيتنجس قال فصببت الماء على الجلد بحيث طهر ومررت بالكتاب بعد مدة فقال لي من أذن لك أن تغسل الجلد قال وأخبرني الشيخ عماد الدين بن سنان الدولة قال كانت لي نسخة من التنبيه يعني مليحة حفظتها خلا باب القراض وكان الشيخ تقدم إلى الجماعة أن يعرضوا في الغد وكان من عادة الشيخ أن يأخذ كتاب الطالب فيفتحه ويستقرئه منه وخطر لي أن أشرط الورقة من الكتاب فإذا فتحه لم ير ذلك الباب فلما أصبح واستعرض الجماعة وانتهت النوبة إلي تقدمت وناولته الكتاب فقال دعه معك اقرأ باب القراض فقلت والله يا سيدي أحفظ الكتاب كله خلا هذا الباب فقال ما حملك على قطع الورقة وإفساد المالية قال وكان إذا لحظَ شخصا انتفع بألحاظه وإذا أعرض عنه خيف عليه مغبة إعراضه وحكى أن بعض فقهاء المذهب -ممن ذكر له والده أنه كان إذا تحدث في الفقه كان يقول لغلامه اشتر كذا وكذا لسهولة الفقه عليه وخفته على لسانه جلس مع الشيخ في مجلس قال وكان الشيخ إذا حضر مجلسا أكثر من ذكر كرامات شيخه القرشي قال فاتفق حضورهما عند الفقيه شرف الدين ابن التلمساني شارح التنبيه فسلك الشيخ عادته في حكايات شيخه القرشي وغيره من الصالحين لينتفع بها سامعها وتشغله عن الغيبة فقال له ذلك الفقيه أخبرنا عن نفسك فقال له أخبركم عن نفسي مرضت مرضة أشرفت فيها على الموت فدخل علي الشيخ القرشي عائدا فذهب عني ما كنت أجد وصليت الصبح بسورتين طويلتين فأخذ ذلك الفقيه يتحدث فأعرض عنه الشيخ فقتل بعد أيام ببعض بساتين دمشق وحكى أن بعض طلبته نعس في الدرس فضرب الشيخ إحدى يديه على الأخرى فانتبه الشخص فقال له سالم سالم وإذا به قارب أن يحتلم فلما أيقظه الشيخ سلم قال وأخبرني شيخي قال كنت أصلي خلف الشيخ فأصابتني حقنة شديدة واشتد ألمي بسببها بحيث كنت مفكرا إذا خرجت من الصلاة أي الجهات أنتحيها لإزالتها وإذا بالشيخ عرض له حال بكاء شديد وأهوى إلى سجادته وأخذها وقد خرج من الصلاة وقدمني مكانه فلم يبق بي شيء مما كان بي وكأنه حمل عني ما كنت أجده فانتقل إليه وزال عني وأخبرني شيخ قال كان الشيخ مرة في الدرس في باب الهبة فانتهى إلى أنه يستحب لمن وهب لأولاده أن يسوي بينهم ثم أخذ يمثل بابني السطحي وهما أخوان طالبان في الدرس فقال كما لو وهب والد هذين لأحدهما دواة وترك الآخر فقال أحدهما والله يا سيدنا هكذا اتفق ثم حكى ابن القليوبي من اعتقاد أهل عصره فيه حتى اليهود والنصارى وتبركهم بخطه واستشفاء مرضاهم مما ينقلونه من خطه شيئا كثيرا وحكى أنه أريد على القضاء فامتنع فقيل له استخر فقال إنما يستخار في أمر خفيت مصلحته وجهات عاقبته وأن الطلبة اجتمعوا في البلد وكان قد شاع في أثناء المراددة بينه وبين السلطان أنه ولي فجاءهم وقال بنراي بنراي يشير إلى أنه على الحالة المعهودة منه وحكى أنه كان لا يحب مقامات الحريري ولم تكن في كتبه مع كثرتها لما فيها من الأحاديث المختلقة وأنه كان لا يرى نسخة من ملخص الإمام فخر الدين ابن الخطيب إلا اشتراها حتى لا تقع في أيدي الناس فقيل له هذا منه نسخ كثيرة فقال فيه تقليل للمفسدة وحكى أن كتبه كانت كثيرة وأنه كان يعيرها لمن يعرف ولمن لا يعرف سافر بها المستعير أم لم يسافر بها وكان يقول ما أعرت كتابا إلا ظننت أنه لا يرجع إلي فإذا عاد عددت ذلك نعمة جديدة ثم عدد ابن القليوبي جماعة من أصحاب الشيخ أبي الطاهر ابتدأ منهم بذكر والده الشيخ ضياء الدين أبي الروح عيسى بن رضوان توفي الفقيه أبو الطاهر سحر يوم الأحد سابع ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بمصر ودفن بسفح المقطم قال ابن القليوبي وقبره مشهور بإجابة الدعاء عنده والناس يقصدونه لذلك سمعت والدي يقول قبر الشيخ الدرياق المجرب وسمعت أنه لم يشهد بمصر جنازة كجنازته لكثرة العالم بها وكان الملكُ الكامل غائبا في الشام فحضر الجنازة ولده السلطان الملك العادل وصادف ذلك شدة حر فيقال إنه صحب الجنازة عدة إبل كثيرة لأجل الماء وقيل إنه لم يشهد بمصر بعد جنازة المزني صاحب الشافعي مثل جنازة الفقيه أبي الطاهر
قال الحافظ أبو الحسين يحيى بن العطار القرشي سمعت الفقيه أبا الطاهر محمد بن الحسين الأنصاري المحلي يقول سمعت الشيخ أبا عبد الله القرشي يعني محمد بن أحمد بن إبراهيم الأندلسي العارف يقول كنت ليلة عند الشيخ أبي إسحاق بن طريف فقدم لنا عند الإفطار ثريدة بحمص فلما اجتمعنا لنأكل أمسك عن الأكل واعتزل فلم يقدر أحد أن يمد يده إلى الطعام ثم قال يا محمد بلغني الآن أن حصن فلان قد أخذه العدوُّ وأسر من فيه وبلغ من حالهم أنهم مكتفون يأكلون الحشيش بأفواههم فاعتزلنا فلما كان بعد وقت قال لنا كلوا فقد فرج الله عنهم فلما كان بعد ذلك -يعني بحين- جاء الخبر بأن العدوَّ قد أخذ ذلك الحصن وأن أهله المسلمين بلغ من حالهم ما ذكره الشيخ أبو إسحاق وأن العدوَّ جاءتهم في تلك الليلة صيحة ظنوا أنهم أحيط بهم فانهزموا وفرج الله عن المسلمين وتخلصوا قلت القرشي هذا كان من كبار العارفين وهو صاحب القصيدة المسماة ب الفرج بعد الشدة المجربة لكشف الكروب وأولها اشتدي أزمة تنفرِجي ** قد آذن ليلك بالبلج وظلام الليل له سرج ** حتى يغشاه أبو السرج وسحاب الخيرِ لها مطر ** فإذا جاء الإبان تجي وفوائد مولانا جمل ** لسروح الأنفُس بالمهج ولها أرج محي أبدا ** فاقصد محيا ذاك الأرج ولربتما فاض المحيا ** ببحورِ الموج من اللجج والخلق جميعا في يده ** فذوو سعة وذوو حرج ونزولهم وطلوعهم ** فإلى دركِ وعلى درج ومعايشهم وعواقبهم ** ليست في المشي على عوَج حكَم نسجت بيد حكَمت ** ثم انتسجت بالمنتسج فإذا اقتصدت ثم انعرجت ** فبمقتصد وبمنعرِج شهدت بعجائبها حجج ** قامت بالأمر على الحجج ورضا بقضاء الله حجى ** فعلى مركوزته فعج وإذا انفتحت أبواب هدى ** فاعجل لخزائنها وَلج وإذا حاولت نهابتها ** فاحذر إذ ذاك من العرج لتكون من السباق إذا ** ما سرت إلى تلك الفُرج فهناك العيش وبهجته ** فَلمبتهج ولمنتهج فهج الأعمال إذا ركدت ** فإذا ما هجت إذا تهج ومعاصي الله سماجتها ** تزدان لذي الخلق السمج ولطاعته وصباحتها ** أنوار صباح منبلج من يخطب حور الخلد بها ** يظفَر بالحوُرِ وبالغُنج فكن المرضي لها بتقى ** ترضاه غدا وتكون نجي واتل القرآن بقلب ذي ** حزن وبصوت فيه شجي وصلاة الليل مسافتها ** فاذهب فيها بالفهم وجي وتأملها ومعانيها ** تأت الفِردوس وتنفرِج واشرب تسنيم مفَجرِها ** لا ممتزجا وبممتزج مدح العقل الآتيه هدى ** وهوى متول عنه هجي وكتاب الله رياضته ** لعقول الخلق بمندرِج وخيار الخلق هداتهم ** وسواهم من همج الهمج فإذا كنت المقدام فلا ** تجزعْ في الحرب من الرهج وإذا أبصرت منار هدى ** فاظهرفردا فوق الثبج وإذا اشتاقت نفس وجدت ** ألما بالشوق المعتلج وثنايا الحسنا ضاحكة ** وتمام الضحكِ على الفَلج وعياب الأسرارِ اجتمعت ** بأمانتها تحت الشرج والرِفق يدوم لصاحبه ** والخرق يصير إلى الهرج صلوات الله على المهدي ** الهادي الناس إلى النهج وأبي بكرِ في سيرته ** ولسان مقالته اللهج وأبي حفص وكرامته ** في قصة سارية الخلج وأبي عمروٍ ذي النورين المستحيي ** المستحيى البهج وأبي حسن في العلم إذا ** وافى بسحائبه الخلج ورأيت في كتاب الغرة اللائحة لأبي عبد الله محمد بن علي التوزري المعروف بابن المصري أن هذه القصيدة لأبي الفضل يوسف بن محمد النحوي التوزري قال وذلك أن بعض المتغلبين عدا على أمواله وأخذها فبلغه ذلك وكان بغير مدينة توزر فأنشأها فرأى ذلك الرجل في نومه تلك الليلة رجلا في يده حربة وقال له إن لم ترد على فلان أمواله وإلا قتلتك بهذه الحربة فاستيقظ مذعورا وأعاد عليه أمواله قلت وكثير من الناس يعتقد أن هذه القصيدة مشتملة على الاسم الأعظم وأنه ما دعا بها أحد إلا استجيب له وكنت أسمع الشيخ الوالد رحمه الله إذا أصابته أزمة ينشدها السلطان شهاب الدين صاحب غزنة أحد المشكورين من الملوك الموصوفين بمحبة العلماء وإحضارِهم للمناظرة عنده وهو الذي قال له الإِمام فخر الدين الرازي في موْعظة وَعظها له على المنْبر يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى ولا تلبيس الرازي يبقى ملك غزنة والهند وكثيرا من بلاد خراسان وكان شافعي المذهب أشعري العقيدة له بلاء حسن في الكُفّار قتلته الباطنية اغتيالا جهزهم الكفار عليه لشدة ما أنكى فيهم فإنه كان جاهد في الكفارِ وأَوْسعهم قتلا ونهبا وأسرا فجهَّزوا عليه الباطنية فقتلوه بعد عوده من لهاوُر في شعبان سنة اثنتين وستمائة الحافظ أبو عبد الله الواسطي ولد في رجب سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وسمع من أبي طالب محمد بن أحمد بن على الكَتاني وعلي بن المبارك الآمدي وأبي الفتح بن شاتيل وأبي الفرج محمد بن أحمد بن نبهان والحافظ أبي بكر محمد بن موسى الحازمي وخلق روى عنه ابن النجار وابن نقطة و الزكِىُّ البرزالي والخطيب عز الدين الفاروثي وتاج الدين أبو الحسن العراقي وآخرون رحل إلى بغداد وتفقه بها على الإِمام هبة الله بن البوقي وعلق الاصول والخلاف وعني بالحديث أتم عناية وصنف في تاريخ واسط و الذيل على ذيل ابن السمعاني وغيرهما قال ابن النجار هو أحد الحفاظ المكثرين ما رأت عيناي مثله في حفظ التواريخ والسير وأيام الناس وقال ابن نقطة له معرفة وحفظ قال ابن النجار أضر ابن الدبيثي بأَخرة وتوفي ببغداد في ثامن شهر ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة مصنف كتاب العقد الفريد ولد سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة تفقه وبرع في المذهب وسمع الحديث بنيسابور من المؤيد الطوسي وزينب الشعرية وحدث بحلب ودمشق روى عنه الحافظ الدمياطي ومجد الدين ابن العديم وكان من صدور الناس ولى الوزارة بدمشق يومين وتركها وخرج عما يملكة من ملبوس ومملوك وغيره وتزهد توفي ابن طلحة في سابع عشرين رجب سنة اثنتين وخمسين وستمائة ابن حفص الصفراوي الاسكندراني القاضي شرف الدين بن عين الدولة مولده في مستهل جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بالإسكندرية وتفقه بمصر على أبي إسحاق العراقي شارح المهذب وسمع الحديث من قاضي القضاة عبد الملك بن درباس وغيره وروى عنه الحافظان المنذري وابن مسدى وناب في الحكم بالقاهرة عن قاضي القضاة عماد الدين بن السكري وكان يوقع عنه فلما توفي ولي ابن عين الدولة قضاء القضاة بالقاهرة والوجه البحري وولي تاج الدين ابن الخراط مصر والوجه القبلي ثم لما صرف ابن الخراط جمع لابن عين الدولة العملان وذلك في سنة سبع عشرة وستمائة فلم يزل إلى أن عزل عن مصر والوجه القبلي بالقاضي بدر الدين ابن السنجاري في سنة تسع وثلاثين وبقي قاضيا بالقاهرة والوجه البحري فقط وكان فقيها فاضلا عارفاً بالشروط أديبا يحفظ كثيرا من الأشعار والحكايات مزوحا يحكى عنه نوادر كثيرة دينا مصمما وكانت نوادره لا يخرِجها إلا بسكون وناموس وفي زمنه اتفقت الحكاية التي اتفقت في زمن الإمام محمد بن جرير الطبري وهو أن أمرأة كادت زوجها فقالت له إن كنت تحبني فاحلف بطلاقي ثلاثا مهما قلت لك تقول مثله في ذلك المجلس فحلف فقالت له أنت طالق ثلاثا قل كما قلت لك فأمسك وارتفعا إلى ابن عين الدولة فقال خذ بعقصتها وقل أنت طالق ثلاثا إن طلقتك قلت وكأنهما ارتفعا إليه في المجلس وقد قدمنا المسألة في ترجمة ابن جرير في الطبقة الثانية مستوفاة ومن شعره وليت القضاء وليت القضاء ** لم يكُ شيئا توليته وقد ساقني للقضاء القضا ** وما كنت قدما تمنيته توفي بمصر في سابع عشر ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وستمائة ذكر الحكاية العجيبة المشهورة عنه في عجيبة وعجيبة مغنية كانت بمصر على عهد السلطان الملك الكامل بن أيوب ويذكَر أن الكامل كان مع تصميمه بالنسبة إلى أبناء جنسه تحضر إليه ليلا وتغنيه بالجنْك على الدف في مجلس بحضرة ابن شيخ الشيوخ وغيره وأولع الكامل بها جدا ثم اتفقت قضية شهد فيها الكامل عند ابن عين الدولة وهو في دست ملكه فقال ابن عين الدولة السلطان يأمر ولا يشهد فأعاد عليه السلطان الشهادة فأعاد القاضي القول فلما زاد الأمر وفهم السلطان أنه لا يقبل شهادته قال أنا أشهد تقبلني أم لا فقال القاضي لا ما أقبلك وكيف أقبلك وعجيبة تطلع إليك بجنكِها كل ليلة وتنزل ثاني يوم بكرة وهي تتمايل سكرا على أيدي الجواري وينزل ابن الشيخ من عندك أنجس مما نزلت فقال له السلطان يا كنواخ وهي كلمة شتم بالفارسية فقال ما في الشرع يا كنواخ اشهدوا علي أني قد عزلت نفسي ونهض فجاء ابن الشيخ إلى الملك الكامل وقال المصلحة إعادته لئلا يقال لأي شيء عزل القاضي نفسه وتطير الأخبار إلى بغداد ويشيع أمر عجيبة فقال له صدقت ونهض إلى القاضي وترضاه وعاد إلى القضاء قلت وهذه حكاية يستحسنها المؤرِخون لما فيها من تصميم القاضي غافلين عن وجهها الفقهي وقد يقال إن كان الفسق عند ابن عين الدولة مخرِجا للسلطان عن الأهلية فذلك يعود على ولايته القضاء التي وليها من قبله بالإبطال وجواب هذا أن الفِسق لا ينعزل به السلطان على الصحيح من المذهب ثم قال القاضي حسين وجماعات آخرهم الشيخ الإمام رحمه الله أما وإن لم يعزله فلا يصحح منه ما يمكن تصحيحه من غيره فلا يقضي ولا يزوِّج الأيامى لأن فيمن يقيمه من القضاة مغنيا عنه فيه بخلاف تولية القضاء وغيره مما لا يتهيأ إلا من الإمام ويبين مخالفته فيه فإنه يصح منه فعلى هذا القول لا على غيره تتخرج هذه الحكاية الأستاذ المقدم في النحو واللغة جمال الدين أبو عبد الله صاحب التصانيف السائرة ولد سنة ستمائة أو إحدى وستمائة وسمع بدمشق من أبي صادق الحسن بن صباح وأبي الحسن السخاوي وغيرهما حدثنا عنه شيخنا المسند محمد بن إسماعيل بن إبراهيم وأخذ العربية عن غير واحد وهو حبرها السائرة مصنفاته مسير الشمس ومقدمها الذي تصغي له الحواس الخمس وكان إماما في اللغة إماما في حفظ الشواهد وضبطها إماما في القراءات وعللها وله الدين المتين والتقوى الراسخة توفي في ثانى عشر شعبان سنة اثنتين وسبعين وستمائة أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز بقراءتي عليه أخبرنا الإمام جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك النحوي أخبرنا أبو الحسن على بن محمد بن عبد الصمد السخاوي أخبرنا الحافظ أبو طاهرالسلفي أخبرنا أبو العلاء محمد بن عبد الجبار بن محمد الفرساني بقراءتي عليه قلت له حدثكم أبو الحسن علي بن يحيى بن جعفر بن عبدكويه إملاء حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا حدثنا سلمة حدثنا أبو المغيرة حدثنا أبو بكر ابن أبي مريم حدثنا القاسم بن سعيد أن النبي قال إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر لخلقه كلهم غير المشرك والمشاحن وفيها يوحي الله إلى ملك الموت يقبض كل نفس يريد قبضها في تلك السنة أنشدنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أنشدنا أبو عبد الله بن أبي الفتح أنشدنا ابن مالك لنفسه في أسماء الذهب نضر نضير نضار زبرِج سيرا ** وزخرفٌ عسجد عقيان الذهب والتبر ما لم يذب وأشركوا ذهبا ** وفضة في نسيكٍ هكذا الغرب نسيك بفتح النون ثم سين مهملة مكسورة ثم آخر الحروف ثم كاف والغَرب بفتح الغين المعجمة والراء وهما من أسماء كل من الذهب والفضة ولد بمرسية سنة سبعين وخمسمائة وسمع الحديث بها ثم قدم بغداد وسمع من شيوخها ثم سافر إلى خراسان وسمع بنيسابور وهراة ومرو وعاد إلى بغداد ثم قدم دمشق ثم مصر ثم قوص ثم مكة ثم عاد إلى بغداد وحدث ب سنن البيهقي عن منصور الفُراوي وب صحيح مسلم عن المؤيد الطوسي وكان فقيها محدثا أصوليا نحويا أديبا زاهدا متعبدا صنف تفسيرا حسنا توفي بين العريش وغزة سنة خمس وخمسين وستمائة أنشدنا شيخنا أبو حيان النحوي إذنا أنشدنا أبو الهدى عيسى السبتي أنشدني ابن أبي الفضل لنفسه من كان يرغب في النجاة فما له ** غير اتباع المصطفى فيما أتى ذاك السبيل المستقيم وغيره ** سبل الضلالة والغِواية والردى فاتبع كتاب الله والسنن التي ** صحت فذاك إذا اتبعت هو الهدى ودع السؤال بكم وكيف فإنه ** باب يجر ذوي البصيرة للعمى الدين ما قال النبي وصحبه ** والتابعون ومن مناهجهم قفا أنشدنا أحمد بن أبي طالب إذنا عن الحافظ ابن النجار أن المرسي أنشده لنفسه بالمستنصرية قالوا فلان قد أزال بهاءه ** ذاك العذار وكان بدر تمام فأجبتهم بل زاد نور بهائه ** ولذا تزايد فيه فَرط غرامي استقصرت ألحاظُه فتكاتها ** فأتى العذار يمدها بسهام
قال النحاة في إعراب قوله تعالى واعترض صاحب المنتخب تقدير الخبر فقال إن كان لنا فيكون معنى قوله وأجاب أبو عبد الله المرسي في ري الظَمآن فقال هذا كلام من لا يعرف لسان العرب فإن {إِلَه} في موضع المبتدأ على قول سيبويه وعند غيره اسم {لَا} وعلى كلا التقديرين فلا بد من خبر للمبتدأ أو للا فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد وأما قوله إذا لم يضمر كان نفيا للماهية فليس بشيء لأن نفي الماهية هو نفي الوجود لأن الماهية لا تتصوّر عندنا إلا مع الوجود فلا فرق بين لا ماهية ولا وجود وهذا مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة فإنهم يثبتون الماهية عارية عن الوجود انتهى قلت ما ذكر صاحب المنتخب من عدم تقدير خبر يشبه ما يقوله الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في إعراب {الله} من قوله تعالى فإن قلت هب أنهم لا يثبتونه ولكن يقدرونه قلت إن سلمنا أنهم يقدرونه فذلك لجعلهم الاسم مبتدأ ومن لا يجعله مبتدأ لا يسلم التقدير ثم أقول المفهوم من كلام صاحب المنتخب رد هذين الإضمارين وهما إضمار لنا وإضمار في الوجود لا رد مطلق الإضمار فلو أضمر متصوَّرا ونحو ذلك من التقدير العام لم ينكِره ففهم المرسي عنه أنه لا يقدر الخبر فيه نظر وإنما الذي لا يقدره هذا الإضمار لا مطلق الخبر وأما قوله لا فرق بين نفي الماهية ونفي الوجود فصحيح لكن قول المرسي إن الماهية لا تتصوَّر عندنا إلا مع الوجود مستدرك فإن الماهية عندنا معاشر الأشاعرة نفس وجودها ولا نقول إنه لا تتصوَّر إلا مع وجودها وهذا مقرر في أصول الديانات قال ابن النجار كان حافظا للمذهب سديد الفتاوى ورِعا دينا كثير العبادة أريد على أن يلي القضاء بواسط فلم يجب توفي في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وستمائة كان يفتي مع شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام واختصر المذهب في مصنف سماه الهادي وفيه يقول فيمن سها وسلم ولم يسجد ما نصه فإن سلم فأحدث فعن له فسجد بطلت صلاته على الصحيح انتهى ومراده بعن له فتطهَّر وهذا غريب والمعروف أنا إذا قلنا يسجد عند قرب الفصل قول الإمام ولو سلم وأحدث ثم انغمس في ماء على قرب الزمان فالظاهر أن الحدث فاصل وإن لم يطل الزمان انتهى فأخذ منه صاحب الهادي أنه إذا تطهَّر وسجد صار عائدا ثم فرع عليه أنه إذا عاد بطلت لأنها صلاة تخللها حدث فتبطل على المذهب قاضي القضاة بالشام عز الدين ابن الصائغ ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة وسمع أبا المنجا ابن اللتي والحافظ يوسف بن خليل وغيرهما وحدثنا عنه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز ولازم القاضي كمال الدين التفليسي وصار من أعيان أصحابه ثم ولي تدريس الشامية البرانية مشاركا للقاضي شمس الدين ابن المقدسي ثم استقل بها ابن المقدسي وانفصل عز الدين ثم ولي وكالة بيت المال ثم قضاء القضاة فباشره مباشرة جيدة وحمدت سيرته ثم عزل وولي ابن خلكان ثم أعيد فاستمر إلى سنة اثنتين وثمانين فتضافرت عليه الأعداء وامتحن محنة شديدة وسجن في القلعة ثم أطلق من الحبس واستمر معزولا إلى أن مات في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وستمائة عن خمس وخمسين سنة مدرِس الأمينية سمع من الأمير أسامة بن منقذ روى عنه الحافظ الدمياطي وغيره وولي قضاء حمص وتوفي سنة تسع وأربعين وستمائة ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة بمدينة جي وسمع الحديث من أبي القاسم إسماعيل بن علي الحمَامي وأبي الوقت السجزي وأبي الخير محمد بن أحمد الباغباني وغيرِهم حدَث عنه الحافظ ضياء الدين المقدسي والحافظ ابن النجار وقال هو واعظٌ ثبت شافعي له معرفة بالحديث قتل بأصبهان شهيدا على يد التتر في رمضان سنة اثنتين وثلاثين وستمائة شيخ شيوخنا فقيه أصولي نحوي أديب توفي في المحرم سنة خمس وتسعين وستمائة حدثونا عنه ومن شعره إن شعري قد حط سعري حتى ** صار قدري كمثل قدرِ الهلال ذؤابة النعل ** ثم نحوي جر المكارم نحوى ** فاعتراني منها كلسع الهلال ضرب من الأفاعي ** وأصول الفروع حيث وصولي ** لمرامي فبعده كالهلال هلال السماء ** وأصول الكلام منها كِلامي ** فتخلفت في الورى كهلال هلال رايته ** ثم زجري قد جر رجزي حتى ** ربط الذل بي كربط الهلال ما يجمع حنْى الرحل ** وعروضي قد حط قدر عروضي ** فرماني صحبي كرمي الهلال قطعة من الرحى المكسورة ** ثم طبي لأجله زال طبي ** وأتاني بمثل طعن الهلال حربة لها شعبتان ** وبياني قد جب كسب بناني ** بعد صيدي به كصيد الهلال حديدة الصائد ** ثم نثري مثل النثار ومنه ** خفَّ رزقي عندي بمثل الهلال ما أطاف حول الإصبع ** علم الإنساب حاز الأسباب عني ** فأبى الدهر لي بطحن الهلال بالرحى المكسورة ** ثم خطي قد حطَ حظي حتى ** فاتني في الورى جميع الهلال الغبار والهبا ** وكذا الرمي أثقل الرمى مني ** وكساني ثوبا كمثل الهلال جمع هلة وهي المقرضة ** ونجومي تحت النجوم رمتني ** بعد وردي منها كوِرد الهلال سلخ الأفعى ** ولقد كنت أنشر العلم دهرا ** لست فيه مؤاخرا كالهلال بقية الماء في الحوض ** فتركت العلوم مما دهاني ** بعد سمعي كل الورى في الهلال مقاوَلة الأجير على الشهور ** وتصوّفت إذ سبقت البرايا ** بخشوعي دفعتهم في الهلال المماراة في رِقة السنح ** ثم إني زهدت في الدهرِ أيضا ** بعد أن كنت لاحقا بالهلال سفيان بن عيينة الهلالي ** أديب شاعر سمع ببغداد من ابن الزاغوني وحدث عنه المنذري وغيره ومن شعره أربعة من شكَّ في فضلهم ** فهو عن الإيمان في معزل فضل أبي بكر وتقديمه ** وصاحبيه وأخيهم علي فقل لهم عني كذا أخبر ** الثقات عنهم وكذا قيل لي وإن من أقبحها شنْعة ** تأخير من قدم في الأول ولد بالحلة سنة تسع وأربعين وخمسمائة وتوفي في ذي القعدة سنة اثنتين وقيل إحدى وأربعين وستمائة له كتاب قواعد الشرع وضوابط الأصل والفرع على الوجيز وله مصنفات غير ذلك سمع ببغداد من الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروَردي وبدمشق من أبي المنجا عبد الله بن عمر ابن اللتي وحدث وانتقل إلى القاهرة فولي قضاء الشارع بظاهرها توفي في شهر رمضان سنة خمس وسبعين وستمائة بالقاهرة ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وتفقّه بالموصل على أبي البركات ابن السروجي وببغداد على أبي المحاسن يوسف بن بندار وبرع في المذهب وسمع الحديث من الحسين بن المؤمل ومحمد بن علي بن ياسر الجياني وجماعة روى عنه الزكي البرزالي وغيره وله تعليقة في الفقه درس بالمدرسة التي أنشأها أبوه علوان بالموصل وبمدارس أخر مات بالموصل ثالث المحرم سنة خمس عشرة وستمائة إمام المتكلمين ذو الباع الواسع في تعليق العلوم والاجتماع بالشاسع من حقائق المنطوق والمفهوم والارتفاع قدرا على الرِفاق وهل يجري من الأقدار إلا الأمر المحتوم بحر ليس للبحر ما عنده من الجواهر وحبر سما على السماء وأين للسماء مثل ما له من الزواهر وروضة علم تستقل الرياض نفسها أن تحاكي ما لديه من الأزاهر انتظمت بقدرِه العظيم عقود الملة الإسلامية وابتسمت بدرِه النظيم ثغور الثغور المحمدية تنوّع في المباحث وفنونها وترفّع فلم يرض إلا بنكَت تسحر ببيونها وأتى بجنات طلعها هضيم وكلمات يقسم الدهر أن الملحد بعدها لا يقدر أن يضيم وله شعار أوى الأشعري من سننه إلى ركن شديد واعتزل المعتزلي علما أنه ما يلفِط من قول إلا لديه رقيب عتيد وخاض من العلوم في بحار عميقة وراض النفس في دفع أهل البدع وسلوك الطريقة أما الكلام فكل ساكت خلفَه وكيف لا وهو الإمام رد على طوائف المبتدعة وهد قواعدهم حين رفض النفس للرفض وشاع دمار الشيعة وجاء إلى المعتزلة فاغتال الغيلانية وأوصل الواصلية النقمات الواصبية وجعل العمرِية أعبدا لطلحة والزبير وقالت الهذلية لا تنتهي قدرة الله على خير وصبر وأيقنت النظامية بأنه أذاق بعضهم بأس بعض وفرق شملهم وصيرهم قطعا وعبست البشرية لما جعل معتزلهم سبعا وهشم الهشامية والبهشمية بالحجة الموضحة وقصم الكعبية فصارت تحت الأرجل مجرحة وعلمت الجبائية مذ قطعها أن الإسلام يجب ما قبله وانهزم جيش الأحيدية فما عاد منهم إلا من عاد إلى القبلة وعرج على الخوارِج فدخلوا تحت الطاعة وعلمت الأزارِقة منهم أن فتكات أبيضه المحمدية ونار أسمرِه الأحمدية لا قبل لهم بها ولا استطاعة وقالت الميمونية اليمن من الله والشر وخنست الأخنسية وما فيهم إلا من تحيز إلى فئة وفر والتفت إلى الروافض فقالت الزيدية ضرب عمرو وخالد وبكر زيدا وقالت الإمامية هذا الإمام ومن حاد عنه فقد جاء شيئا إدا وأيقنت السليمانية أن جنها حبس في القناني وقالت الأزلية هذا الذي قدر الله في الأزل أن يكون فردا وعوَّذه بالسَبع المثاني وقال المنتظرون هذا الإمام وهذا اليوم الموعود وجعلت الكيسانية في ظلال كيسه وسجل عليهم بالطاعة في يوم مشهود ونظر إلى الجبرية شزرا فمشى كل منهم على كُره الهوَينا كأنه جاء جبرا وعلمت النجارية أن صنعها لا يقابل هذا العظيم النجار ونادت الضرارية لا ضرر في الإسلام ولا ضرار وتطلع على القدرية فعبس كل منهم وبسر ثم أقبل واستصغر وكان من الذباب أقل وأحقر فقتل كيف قدر وانعطف إلى المرجئة وما أرجأهم وجعل العدمية منه خالدية في الهون وساءهم بنارهم ودعا الحلولية فحل عليهم ما هو أشد من المنية وأصبحت الباطنية تأخذ أقواله ولا تتعدى مذهب الظاهرية وأما الحشوية قبح الله صنعهم وفضح على رؤوس الأشهاد جمعهم فشرِبوا كأسا قطع أمعاءهم وهربوا فِرارا إلى خسي الأماكن حتى عدم الناس محشاهم وصار القائل بالجهة في أخس الجهات وعرِض عليه كل جسم وهو يضرِب بسيف الله الأشعري ويقول هذا ما يتعلق بعقائد العقائد وفرائد القلائد وأما علوم الحكماء فلقد تدرع بجلبابها وتلفَّع بأثوابها وتسرع في طلبها حتى دخل من كل أبوابها وأقسم الفيلسوف إنه لذو قدر عظيم وقال المنصف في كلامه هذا وأما الشَرعيات تفسيرا وفقها وأصولا وغيرها فكان بحرا لا يجارى وبدرا إلا أن هداه يشرق نهارا هذا هو العلم كيف يليق أن يتغافل المؤمن عن هذا وهذا هو دوا الذهن الذي كان أسرع إلى كل دقيق نفاذا وهذا هو الحجة الثابتة على قاضي العقل والشرع وهذه هي الحجة التي يثبت فيها الأصل ويتفرع الفَرع ما القاضي عنده إلا خصم هذا الجلل إن ماثله إلا ممن تلبس بما لم يعط ولم يقف عند حد له ولا رسم وما البصري إلا فاقد بصره وإن رام لحاق نظرِه فقد فقد نظر العين ولا أبو المعالي إلا ممن يقال له هذا الإمام المطلق إن كنت إمام الحرمين ولقد أجاد ابن عنين حيث يقول فيه ماتت به بدع تمادى عمرها ** دهرا وكاد ظلامها لا ينجلي وعلا به الإسلام أرفع هضبة ** ورسا سواه في الحضيض الأسفل غَلط امرؤٌ بأبى علي قاسه ** هيهات قصر عن هداه أبو على لو أن رسطاليس يسمع لفظة ** من لفظه لعرته هزة أفكَل ولحار بطليموس لو لاقاه من ** برهانه في كل شكل مشكِل ولو أنهم جمعوا لديه تيقنوا ** أن الفضيلة لم تكن للأول ولد الإمام سنة ثلاث وأربعين وقيل أربع وأربعين وخمسمائة واشتغل على والده الشيخ ضياء الدين عمر وكان من تلامذة محيى السنة أبي محمد البغوي وقرأ الحكمة على المجد الجيلي بمراغَة وتفقّه على الكمال السمناني ويقال إنه حفظ الشامل في علم الكلام لإمام الحرمين وكان أول أمره فقيرا ثم فتحت عليه الأرزاق وانتشر اسمه وبعد صيته وقصد من أقطار الأرض لطلب العلم وكانت له يد طولى في الوعظ بلسان العربي والفارسي ويلحقه فيه حال وكان من أهل الدين والتصوُّف وله يد فيه وتفسيره ينبىء عن ذلك وعبر إلى خوارزم بعد ما مهر في العلوم فجرى بينه وبين المعتزلة مناظرات أدت إلى خروجه منها ثم قصد ما وراء النهر فجرى له أشياء نحو ما جرى بخوارزم فعاد إلى الري ثم اتصل بالسلطان شهاب الدين الغوري وحظي عنده ثم بالسلطان الكبير علاء الدين خوارزمشاه محمد بن تكُش ونال عنده أسنى المراتب واستقر عنده بخراسان واشتهرت مصنفاته في الآفاق وأقبل الناس على الاشتغال بها ورفضوا كتب المتقدمين وأقام بهراة وكان يلقب بها شيخ الإسلام وكان كثير الإزراء بالكرامية فقيل إنهم وضعوا عليه من سقاه سما فمات وكان خوارزمشاه يأتي إليه وكان إذا ركب يمشي حوله نحو ثلاثمائة نفس من الفقهاء وغيرهم وكان شديد الحرص جدا في العلوم وأصحابه أكثر الخلق تعظيما له وتأدبا معه له عندهم المهابة الوافرة ومن تصانيفه التفسير والمطالب العالية ونهاية العقول والأربعين والمحصل والبيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان والمباحث العمادية والمحصول وعيون المسائل وإرشاد النظار وأجوبة المسائل البخارية والمعالم و تحصيل الحق والزبدة وشرح الإشارات وعيون الحكمة وشرح الأسماء الحسنى وقيل شرح مفصل الزمخشري في النحو ووجيز الغزالي في الفقه وسقط الزند لأبي العلاء وله طريقة في الخلاف و مصنف في مناقب الشافعي حسن وغير ذلك وأما كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم فلم يصح أنه له بل قيل إنه مختلق عليه حكى الأديب شرف الدين محمد بن عنين أنه حضر درسه مرة وهو شاب وقد وقع ثلج كبير فسقطت بالقرب منه حمامة وقد طردها بعض الجوارِح فلما وقعت رجع عنها الجارح فلم تقدر الحمامة على الطيران من الخوف والبرد فلما قام الإمام من الدرس وقف عليها ورق لها وأخذها قال ابن عنين فقلت في الحال يا ابن الكرام المطعمين إذا شتوا ** في كل مسغبة وثلج خاشف العاصمين إذا النفوس تطايرت ** بين الصوارِم والوشيج الراعفِ من أنبأ الورقاء أن محلكم ** حرم وأنك ملجأٌ للخائف وفدت إليك وقد تدانى حتفُها ** فحبوتها ببقائها المستأنفِ لو أنها تحبى بمال لانثنت ** من راحتيك بنائل متضاعفِ جاءت سليمان الزمان بشكوها ** والموت يلمع من جناحي خاطفِ قدم لواه الفَوت حتى ظله ** بإزائه يجري بقلب واجفِ واعلم أن شيخنا الذهبي ذكر الإمام في كتاب الميزان في الضعفاء وكتبت أنا على كتابه حاشية مضمونها أنه ليس لذكرِه في هذا المكان معنى ولا يجوز من وجوه عدة أعلاها أنه ثقة حبر من أحبار الأمة وأدناها أنه لا رواية له فذكره في كتب الرواة مجرد فضول وتعصب وتحامل تقشعر منه الجلود وقال في الميزان له كتاب أسرار النجوم سحر صريح قلت وقد عرفناك أن هذا الكتاب مختلق عليه وبتقدير صحة نسبته إليه ليس بسحر فليتأمله من يحسن السحر ويكفيك شاهدا على تعصب شيخنا عليه ذكره إياه في حرف الفاء حيث قال الفخر الرازي ولا يخفى أنه لا يعرف بهذا ولا هو اسمه أما اسمه فمحمد وأما ما اشتهر به فابن الخطيب والإمام فإذا نظرت أيها الطارح رِداء العصبية عن كتفيه الجانح إلى جعل الحق بمرأى عينيه إلى رجل عمد إلى إمام من أئمة المسلمين وأدخله في جماعة ليس هو منهم أعني رواة الحديث فإن الإمام لا رواية له ودعاه باسم لا يعرف به ثم نظرت إلى قوله في آخر الميزان إنه لم يتعمد في كتابه هوى نفس وأحسنت بالرجل الظن وأبعدته عن الكذب أوقعته في التعصب وقلت قد كرِهه لأمور ظنها مقتضية الكراهة ولو تأملها المسكين حق التأمل وأوتي رشده لأوجبت له حبا عظيما في هذا الإمام ولكنها الحاملة له على هذه العظيمة والمردية له في هذه المصيبة العميمة نسأل الله الستر والسلامة وذكِر أن الإمام وعظ يوما بحضرة السلطان شهاب الدين الغوري وحصلت له حال فاستغاث يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى ولا تلبيس الرارزي يبقى وبلغ من أمرِ الحشوية أن كتبوا له رِقاعا فيها أنواع السيئات وصاروا يضعونها على منبره فإذا جاء قرأها فقرأ يوما رقعة ثم استغاث في هذه الرقعة أن ابني يفعل كذا فإن صح هذا فهو شاب أرجو له التوبة وأن امرأتي تفعل كذا فإن صح هذا فهي امرأة لا أمانة لها وأن غلامي يفعل كذا وجدير بالغِلمان كل سوء إلا من حفِظ الله وليس في شيء من الرِقاع -ولله الحمد- أن ابني يقول إن الله جسم ولا يشبه به خلقه ولا أن زوجتي تعتقد ذلك ولا غلامي فأي الفريقين أوضح سبيلا قال أبو عبد الله الحسن الواسطي سمعت الإمام بهراة ينشد على المنبر عقيب كلام عاتب فيه أهل البلد المرء ما دام حيا يستهان به ** ويعظُم الرزء فيه حين يفتقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أخبرنا الكمال عمر بن إلياس بن يونس المراغي أخبرنا التقي يوسف بن أبي بكر النسائي بمصر أخبرنا الكمال محمود بن عمر الرازي قال سمعت الإمام فخر الدين يوصي بهذه الوصية لما احتضر لتلميذه إبراهيم بن أبي بكر الأصبهاني يقول العبد الراجي رحمة ربه الواثق بكرم مولاه محمد بن عمر بن الحسن الرازي وهو أول عهده بالآخرة وآخر عهده بالدنيا وهو الوقت الذي يلين فيه كل قاس ويتوجه إلى مولاه كل آبق أحمد الله بالمحامد التي ذكرها أعظم ملائكته في أشرفِ أوقات معارجهم ونطق بها أعظم أنبيائه في أكمل أوقات شهاداتهم وأحمده بالمحامد التي يستحقها عرفتها أو لم أعرفها لأنه لا مناسبة للتراب مع رب الأرباب وصلواته على ملائكته المقربين والأنبياء والمرسلين وجميع عباد الله الصالحين اعلموا أخلاَّئي في الدين وإخواني في طلب اليقين أن الناس يقولون إن الإنسان إذا مات انقطع عمله وتعلقه عن الخلق وهذا مخصص من وجهين الأول أنه إن بقي منه عمل صالح صار ذلك سببا للدعاء والدعاء له عند الله تعالى أثر الثاني ما يتعلق بالأولاد وأداء الجنايات أما الأول فاعلموا أني كنت رجلا محبا للعلم فكنت أكتب من كل شيء شيئا لأقفَ على كميته وكيفيته سواء كان حقا أو باطلا إلا أن الذي نطق به في الكتب المعتبرة أن العالم المخصوص تحت تدبير مدبره المنزه عن مماثلة التحيزات موصوفٌ بكمال القدرة والعلم والرحمة ولقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال لله ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات وما ذاك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك المضايق العميقة والمناهج الخفية فلهذا أقول كل ما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته وبراءته عن الشركاء كما في القدم والأزلية والتدبير والفعالية فذلك هو الذي أقول به وألقى الله به وأما ما ينتهي الأمر فيه إلى الدقة والغموض وكل ما ورد في القرآن والصحاح المتعين للمعنى الواحد فهو كما قال والذي لم يكن كذلك أقول يا إله العالمين إني أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فكل ما مده قلمي أو خطر ببالي فأستشهد وأقول إن علمت مني أني أردت به تحقيق باطل أو إبطال حقٍّ فافعل بي ما أنا أهله وإن علمت مني أني ما سعيت إلا في تقديس اعتقدت أنه الحق وتصوَّرت أنه الصدق فلتكُن رحمتك مع قصدي لا مع حاصلي فذاك جهد المقل وأنت أكرم من أن تضايق الضعيفَ الواقع في زلة فأغثني وارحمني واستر زلتي وامح حوبتي يا من لا يزيد ملكه عرفان العارفين ولا ينقص ملكُه بخطأ المجرمين وأقول ديني متابعة الرسول محمد وكتابي القرآن العظيم وتعويلي في طلب الدين عليهما اللهم يا سامع الأصوات ويا مجيب الدعوات ويا مقيل العثرات أنا كنت حسن الظن بك عظيم الرجاء في رحمتك وأنت قلت أنا عند ظن عبدي بي وأنت قلت وأما الكتب التي صنفتها واستكثرت فيها من إيراد السؤالات فليذكُرني من نظر فيها بصالح دعائه على سبيل التفضل والإنعام وإلا فليحذف القول السيء فإني ما أردت إلا تكثير البحث وشحذ الخاطر والاعتماد في الكل على الله الثاني وهو إصلاح أمر الأطفال فالاعتماد فيه على الله ثم إنه سرد وصيته في ذلك إلى أن قال وأمرت تلامذتي ومن لي عليه حقٌّ إذا أنا مت يبالغون في إخفاء موتي ويدفنوني على شرط الشرع فإذا دفنوني قرأوا علي ما قدروا عليه من القرآن ثم يقولون يا كريم جاءك الفقير المحتاج فأحسن إليه هذا آخر الوصية وقال الإمام في تفسيره وأظنه في سورة يوسف عليه السلام والذي جربته من طول عمري أن الإنسان كلما عوَّل في أمر من الأمور على غير الله صار ذلك سببا للبلاء والمحنة والشدة والرَزية وإذا عوَّل على الله ولم يرجع إلى أحد من الخلق حصل ذلك المطلوب على أحسن الوجوه فهذه التجربة قد استمرت لي من أول عمري إلى هذا الوقت الذي بلغت فيه إلى السابع والخمسين فعند هذا أسفر قلبي على أنه لا مصلحة للإنسان في التعويل على شيء سوى فضل الله وإحسانه انتهى قلت وما ذكره حقٌّ ومن حاسب نفسه وجد الأمر كذلك وإن فُرِض أحد عوَّل في أمر على غيرِ الله وحصل له فاعلم أنه لا يخلو عن أحد رجلين إما رجل ممكور به والعياذ بالله وإما رجل يطلب شرا وهو يحسب أنه خير لنفسه ويظهر له ذلك بعاقبة ذلك الأمر فما أسرع انقلابه في الدنيا قبل الآخرة إلى أسوأ الأحوال ومن شاء اعتبار ذلك فليحاسب نفسه واعلم أن هذه الجملة من كلام الإمام دالة على مراقبته طول وقته ومحاسبته لنفسه رضي الله عنه وقبح من يسبه أو يذكره بسوء حسدا وبغيا من عند نفسه توفي الإمام رحمه الله بهراة في يوم الاثنين يوم عيد الفطر سنة ست وستمائة
إذا باع صاعا من صبرة مجهولة الصيعان وجوَّزناه أو معلومة وقلنا إنه لا ينزل على الإشاعة فالخيرة في الجانب الذي يوجد منه الصاع الذي وقع عليه العقد إلى البائع قال ابن الرِفعة في المطلب في الجراح في الكلام على ما إذا كان رأس الشاج أكبر وفي المنتخب المعزى لابن الخطيب أنها للمشتري وقد نوقش فيه انتهى قلت وقد أجاد في قوله المعزى لابن الخطيب لأن كثيرا من الناس ذكروا أنه لبعض تلامذة الإمام لا للإمام اختار الإمام في التفسير في سورة الإسراء أن الجمادات وغير المكلف من البهائم أنها تسبح الله بلسان الحال ولا تسبح له بلسان المقال واحتج بما لم ينهض عندنا وفصل قوم فقالوا كل حي ونام يسبح دون ما عداه وعليه قول عكرِمة الشجرة تسبح والأسطوانة لا تسبح وقال يزيد الرقاشي للحسن وهما يأكلان طعاما وقد قدم الخوان أيسبح هذا الخوان أبا سعيد فقال قد كان يسبح ثمره يريد أن الشجرة في زمن ثمرِها واعتدالها ذات تسبيح وأما الآن فقد صار خوانا مدهونا ويستدل لهذا بما ثبت من حديث ابن عباس أن النبي مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وفيه أنه دعا بعسيب رطب وشقه باثنين وغرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا ثم قال لعله يخفَّفُ عنهما ما لم ييبسا فإن فيه إشارة إلى أنهما ما داما رطبين يسبحان وإذا يبسا صارا جمادا وذهب قوم إلى أن كل شيء من جماد وغيره يسبح بلسان المقال وهذا هو الأرجح عندنا لأنه لا استحالة فيه ويدل له كثير من النقول قال تعالى ذهب الإمام إلى أنه إذا قال لامرأتيه إحداكما طالق لا يقع الطلاق على واحدة منهما لأن الطلاق تعيين فيستدعى محلا معينا حكى الإمام في المناقب أن الحسين الفراء مال إلى مذهب أبي حنيفة في مسح الرأس في الوضوء فأوجب الربع وتعجب الإمام من البغوي في ذلك قلت وهذا أخذه من كلامه في التهذيب فإن فيه بعد ما حكى مذهب الشافعي وأبي حنيفة وجب أن لا يسقط الفرض عنه إذا مسح أقل من الناصية لأن ظاهر القرآن يوجب التعميم والسنة خصته بقدرِ الناصية انتهى وليس صريحا في مذهب أبي حنيفة بل في التقدير بقدر الناصية أما تقدير الناصية بالربع فذاك قول الحنفية فإن صح أنه يوافقهم على تقديرها بالربع فقد صحَ نقل الإمام وإلا فرأي البغوي خارج عن المذاهب الأربعة ومن شعر الإمام نهاية إقدام العقول عقال ** وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في غَفلة من جسومنا ** وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفِد من بحثنا طول عمرِنا ** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا وكم من جبال قد علت شرفُاتها ** رِجال فزالوا والجبال جبال وكم قد رأينا من رجال ودولة ** فبادوا جميعا مزعجين وزالوا شيخ الشيوخ صدر الدين أبو الحسن ابن شيخ الشيوخ عماد الدين الجوَيني الصوفي ولد بجوَين وتفقه على أبي طالب الأصبهاني صاحب التعليقة المشهورة وقدم الشام مع والده وتفقه على القطب النيسابوري وسمع من أبيه ويحيى الثقفي وولي المناصب الكبار وتخرج به جماعة ودرس وأفتى وزوَّجه القطب النيسابوري بابنته فأولدها الإخوة الأربعة الأمراء الصدور عمر ويوسف وأحمد وحسن وعظُم جاهه في الدولة الكاملية ودرس بقبة الشافعي ومشهد الحسين وغير ذلك وسيره الكامل رسولا إلى الخليفة يستنجده على الفِرنج في نوبة دمياط فمرِض بالموصل ومات سنة سبع عشرة وستمائة من أهل بنج ديه من أعمال مروَالروذ فقيه فاضل من بيت الفضل والتقدم مولده سنة سبع وستين وخمسمائة ببنج ديه قال ابن النجار بلغني أن بعض غِلمانه الهنود اغتاله فقتله وقتل ولده معه وكان من أجمل الشباب وأظرفِهم ولم يعين تاريخ وفاته شارح ألفية والده الشيخ جمال الدين نحوي خبير بالمعاني والبيان والمنطق ذكي توفي كهلا في المحرم سنة ست وثمانين وستمائة الحافظ الكبير الثقة محب الدين أبو عبد الله ابن النجار البغدادي مصنف تاريخ بغداد الذي ذيل به على تاريخ الخطيب فجاء في ثلاثين مجلدا دالاًّ على سعة حفظه وعلوِّ شأنه وله مصنف حافِل في مناقب الشافعي رضي الله عنه وتصانيفُ أخر كثيرة في السنن والأحكام وغيرها ولد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وسمع من عبد المنعم بن كُليب ويحيى بن بوش وذاكر بن كامل وأبي الفرج بن الجوزي وأصحاب ابن الحصين والقاضي أبي بكر فأكثر وأول سماعه وله عشر سنين وأول عنايته بالطلب وله خمس عشرة سنة وله الرِحلة الواسعة إلى الشام ومصر والحجاز وأصبهان ومرو وهراة ونيسابور لقي أبا روْح الهروي وعين الشمس الثقفية وزينب الشعرية والمؤيد الطوسي والحافظ أبا الحسن علي بن المفضل وأبا اليمن الكندي وأبا القاسم ابن الحرستاني فمن بعدهم قال ابن الساعي كانت رحلته سبعا وعشرين سنة واشتملت مشيخته على ثلاثة آلاف شيخ روى عنه الجمال محمد بن الصابوني والخطيب عز الدين الفاروثي وعلي بن أحمد الغرافي والقاضي تقي الدين سليمان وخلق وأجاز لأحمد بن أبي طالب بن الشحنة راوي الطحاوي شيخنا بالإجازة توفي ببغداد في خامس شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة قاضي البصرة أبو عبد الله تفقه بالنظامية ببغداد وتولَى قضاء البصرة وبها مات سنة خمس وستمائة
|