الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
ح وأخبرنا محمد بن إسماعيل بن عمر الحموي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عمر الفاروثي أخبرنا عمر بن كرم الدينوري أخبرنا نصر بن نصر العكبري أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص حدثنا يحيى حدثنا محمد بن ميمون الخياط المكي حدثنا سفيان عن سعيد ومسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال قال رسول الله بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت في بعض ألفاظ الحديث وأن محمدا عبده ورسوله وفي بعضها لم يذكر وأن محمدا والمعنى واحد لأن الشهادة هي قولنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله كما عرفت وقد أخرج الترمذي هذا الحديث من حديث حبيب بن أبي ثابت وهو في الصحيحين وغيرهما بألفاظ إن اختلفت فالمعنى متقارب وأخبرناه بلفظ آخر محمد بن إسماعيل بن إبراهيم المسند بقراءتي عليه أخبرنا أبو الغنايم المسلم بن محمد بن المسلم بن علان القيسي أخبرنا زيد بن الحسن الكندي أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد المقري أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن المخلص حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد حدثنا محمد بن زنبور حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن يزيد بن بشر السكسكي قال بعثني عبد الملك بن مروان بكسوة إلى الكعبة فخرجنا حتى نزلنا تيماء فأتانا سائل فقال تصدقوا فإن الصدقة تدفع سبعين بابا من الشر فقلت من أعلم أهل هذه القرية قالوا نسى فأتيته فأستأذنت على الباب فانطلقت إلى جارية فقلت هاهنا نسى قالت نعم قلت فاستأذنيه فذهبت ثم اطلعت فقالت ارق فرقيت فلما رآني أخذ يتوضأ فقلت مالك لما رأيتني أخذت تتوضأ قال إن الله عز وجل قال لموسى يا موسى توضأ فإن أصابك شيء وأنت على غير وضوء فلا تلومن إلا نفسك قلت رحمك الله إنه أتانا سائل فقال تصدقوا فإن الصدقة تدفع سبعين بابا من الشر قال صدق من هدة الجدار ومن الغرق وذكر أشياء من المنايا فخرجت حتى أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن عمر فسأله رجل من أهل العراق فقال يا أبا عبد الرحمن إنك تحج وتعتمر ولا تغزو فسكت عنه ثم أعادها فسكت عنه ثم أعادها فقال له ابن عمر إن الإسلام بني على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم شهر رمضان والجهاد والصدقة من العمل الصالح هكذا حدثنا رسول الله يزيد بن بشر مجهول ونسى الكندي الشامي والد عبادة بن نسي يروي عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء روى له أبو داود وابن ماجه وأخبرناه من طريق آخر محمود بن خليفة بن محمد بن خلف المنبجي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا إسحاق بن أبي بكر الأسدي أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ أخبرنا اللبان أخبرنا الحداد أخبرنا أبو نعيم أخبرنا ابن المحرم حدثنا إبراهيم بن عبد الله أبو مسلم أخبرنا حجاج بن منهال حدثنا همام بن يحيى عن محمد بن جحادة عن طلحة بن مصرف أنه حدثه قال قال ابن عمر بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت فقال رجل يا أبا عبد الرحمن والجهاد قال هكذا قال لنا نبينا بني الإسلام على خمس قال فسماهن قال والجهاد من العمل الصالح ليس لطلحة بن مصرف عن ابن عمر شيء في الكتب الستة وكلام ابن عمر رضي الله عنهما كالصريح في أن الجهاد ليس مما بني عليه الإسلام فكأن مسمى الإسلام عنده هذه الخمس لا كل الأعمال الصالحة والعمل الصالح أعم وإذا ضم إلى قول ابن عمر هذا القول بترادف الإيمان والإسلام كما يزعمه جماعة من المحدثين كان صريحا في أن الجهاد ليس من مسمى الإيمان بل من الأعمال الصالحة ويكون في ذلك دلالة على أن ابن عمر يوافق القائلين بإخراج بعض الطاعات عن مسمى الإيمان ونظير هذا الحديث حديث ضمام بن ثعلبة الذي أخبرناه صالح بن مختار الأشنوي بقراءة الشيخ الإمام رحمة الله عليه وأنا أسمع قال أخبرنا أبو العباس أحمد ابن عبد الدائم بن نعمة المقدسي سماعا وإبراهيم بن خليل الأدمي إجازة قالا أخبرنا أبو الفرج يحيى بن محمود بن سعد الثقفي أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن محمد ابن الفضل التيمي أخبرنا أحمد بن علي بن خلف بنيسابور أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني حدثنا أبو النضر ح وأخبرنا أحمد بن أبي طالب بن أبي المنعم بن نعمة المقدسي كتابة قال أخبرنا أبو المنجا عبد الله بن عمر بن علي بن اللتي أخبرنا أبو الوقت عبد الأول ابن عيسى بن شعيب السجزي أخبرنا أبو الحسين عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حموية السرخسي أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن خزيم الشاشي حدثنا أبو محمد عبد بن حميد الكشي الحافظ حدثنا هاشم بن القاسم قلت هو أبو النضر قال واللفظ لعبد بن حميد حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال كنا نهينا أن نسأل رسول الله عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق قال فمن فمن خلق السماء قال الله عز وجل قال فمن خلق الأرض قال الله عز وجل قال فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل قال الله عز وجل قال فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك قال نعم قال فزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال صدق قال ثم ولى فقال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن شيئا فقال النبي لئن صدق ليدخلن الجنة أخرجه مسلم عن عمرو بن محمد الناقد عن أبي النضر هاشم بن القاسم فوقع لنا بدلا عاليا ورواه أيضا عن عبد الله بن هاشم الطوسي عن بهز بن أسد العمي البصري
وأخرجه الترمذي عن محمد بن إسماعيل الترمذي عن علي بن عبد الحميد الكوفي ورواه النسائي عن محمد بن معمر عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي ثلاثتهم عن سليمان بن المغيرة به وأخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن يوسف التنيسي وأبو داود والنسائي وابن ماجه جميعا عن عيسى بن حماد زغبة كلاهما عن الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن شريك عن أنس وبين الروايتين اختلاف في اللفظ فلفظ البخاري فيما أخبرنا به أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه وأنا أسمع في شعبان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة أخبرنا يوسف ابن أبي نصر بن الشقاري وإسماعيل بن عبد الرحمن بن الفرا وعبد الله بن محمد بن قوام وأبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر ومحمد بن أبي العز بن مشرف وأحمد بن أبي طالب الحجار وست الوزرا بنت عمر بن أسعد بن المنجا سماعا عليهم والإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر إجازة قلت وأخبرني أحمد بن أبي طالب الحجار إجازة كتبها إلي من دمشق قالوا أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن المبارك الزبيدي أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الدوادي أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد ابن حمويه أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربري أخبرنا الإمام أبو عبد الله البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول قال بينما نحن جلوس مع النبي في المسجد إذ دخل رجل على جمل حتى أناخه في المسجد ثم عقله ثم قال أيكم محمد والنبي متكىء بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكىء فقال له الرجل ابن عبد المطلب فقال له النبي قد أجبتك فقال الرجل للنبي إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك قال سل عما بدا لك فقال أسألك بربك ورب من قبلك الله أرسلك إلى الناس كلهم قال اللهم نعم قال أنشدك بالله الله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله الله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها في فقرائنا فقال النبي اللهم نعم فقال الرجل آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر هذا لفظ رواية البخاري وأكمل الروايات لهذا الحديث رواية ابن عباس التي أخبرنا بها المسند أسد الدين أبو محمد عبد القادر بن الملك المغيث شهاب الدين عبد العزيز بن السلطان الملك المعظم شرف الدين عيسى بن السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد بن أيوب بن شاذي قراءة عليه وأنا حاضر أسمع في الخامسة بالقاهرة والمسند أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن بن داود الجزري الكردي سماعا عليه إما بقراءتي أو بقراءة غيري وغالب ظني أنه بهما جميعا في نوبتين بدمشق قالا أخبرنا خطيب مردا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل المقدسي قال الأول سماعا وقال الثاني حضورا أخبرنا صنيعة الملك أبو محمد هبة الله بن يحيى ابن حيدرة قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين الخلعي أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سعيد بن النحاس البزار أخبرنا أبو محمد عبد الله ابن جعفر بن الورد أخبرنا أبو سعيد عبد الرحيم بن عبد الله البرقي أخبرنا أبو محمد عبد الملك بن هشام النحوي المقري حدثنا زياد بن عبد الله البكائي أخبرنا محمد بن إسحاق المطلبي قال حدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب مولى عبد الله بن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بعثت بنو سعد ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله ثم دخل المسجد ورسول الله جالس في أصحابه وكان ضمام رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين فأقبل حتى وقف على رسول الله في أصحابه فقال أيكم ابن عبد المطلب قال فقال رسول الله أنا ابن عبد المطلب قال أمحمد قال نعم قال يا ابن عبد المطلب إني سائلك فمغلظ عليك في المسألة فلا تجدن في نفسك قال لا أجد في نفسي فسل عما بدا لك قال أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك الله بعثك إلينا رسولا قال اللهم نعم قال فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئا وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه قال اللهم نعم قال فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس قال نعم قال ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها ينشده عند كل فريضة كما ينشده في التي قبلها حتى إذا فرغ قال فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص ثم انصرف إلى بعيره راجعا قال فقال رسول الله إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة قال فأتي بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه وكان أول ما تكلم به أن قال ياست اللات والعزى قالوا معه يا ضمام اتق البرص اتق الجذام اتق الجنون قال ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا فاستنقذكم به مما كنتم فيه وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه قال فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما قال يقول عبد الله بن عباس فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة محمد بن إسحاق قال شعبة هو أمير المؤمنين في الحديث وقال أحمد بن حنبل حسن الحديث قلت والعمل على توثيقه وأنه إمام معتمد ولا اعتبار بخلاف ذلك وقد وقع في هذه الطرق كلها ذكر الحج ووقع في معجم الطبراني من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس التصريح بأنه قدم على رسول الله مكة فقال الطبراني حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا عمرو بن عون الواسطي أخبرنا خالد عن داود بن أبي هند عن عمرو بن سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلا من أزدشنوءة يقال له ضمام كان باليمن وكان يعالج من الأرواح فقدم مكة وسمعهم يقولون لمحمد ساحر وكاهن ومجنون فقال لو أتيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي فلقيه فقال يا محمد إن الله عز وجل يشفى على يدي وأنا اعالج من هذه الأرواح فقال الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فقال أعد علي فأعاد عليه ثلاث مرات فقال لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة والشعر فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات ولو بلغ قاموس البحر مد يديك أبايعك على الإسلام فمد يده فبايعه على الإسلام قال وعلى قومي فبايعه على قومه عدنا إلى الكلام على حديث بني الإسلام على خمس وقد وقع في أكثر الألفاظ تقديم الصوم على الحج حتى جاء في رواية في صحيح مسلم بني الإسلام على خمس على أن يوحد الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان والحج فقال رجل الحج وصيام رمضان قال ابن عمر لا صيام رمضان والحج كذا سمعته من رسول الله وجاء في لفظ تقديم الحج وقد أسندناه فيما مضى وخرج أبو عوانة في كتابه المخرج على صحيح مسلم ذلك مصرحا فيه بالعكس مما صرح به في صحيح مسلم وهو أن ابن عمر رواه بتقديم الحج على الصوم فأعاده رجل بتقديم الصيام على الحج فقال له ابن عمر لا اجعل صيام رمضان آخرهن هكذا سمعته من رسول الله وقضى بعض المحدثين بأن هذه الرواية غلط لمعارضتها لما في الصحيحين واحتمال كونهما واقعتين بعيد وهذا له نظير في حديث أذان ابن أم مكتوم وبلال ففي الصحيحين إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم وفي مسند الإمام أحمد وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان على العكس من ذلك فقيل كان الأذان بينهما نوبا وقيل بل هذه غلط فإن قلت هذا الحديث صريح في أن الإسلام عبارة عن الخمس فما تقولون فيمن فقد واحدا منها غير الشهادتين هل يخرج عن الإسلام قلت نقدم على جواب السؤال ما لا بد منه له فنقول لفظ الإيمان باتفاق المسلمين لا يخرج عن أعمال القلب والجوارح وما تركب منهما ثم اختلفوا على مذاهب أحدها أنه تصديق القلب بما علم مجيء الرسول به ودعاؤه الخلق إليه وحثه الأمة عليه وليس معنى هذا القول أن من صدق ولم يتلفظ بالشهادتين يكون مؤمنا إيمانا مقبولا بل الإيمان هو التصديق ولكن لقبوله شرط وهو التلفظ بالشهادتين وعدم الإتيان بما هو مكفر ولفوات هذا الشرط على أبي طالب لم يحكم بدخوله الجنة مع كونه كان معتقدا بدليل قوله ودعوتني وزعمت أنك صادق ** ولقد صدقت وكنت ثم أمينا وقوله لقد علموا أن ابننا لا مكذب ** لدينا ولا مرمى بقول الأباطل وقوله ولقد علمت بأن دين محمد ** من خير أديان البرية دينا ومن إن كانت زائدة فالبيت صريح فيما ندعيه وجوز زيادتها في الإثبات الكوفيون والأخفش واستدلوا بنحو قوله تعالى وخرج الكسائي على زيادتها إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ومن شواهدها في الشعر قول عمر بن أبي ربيعة وينمي لها حبها عندنا ** فما قال من كاشح لم يضر وقال أبو طالب أيضا ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا ** نبيا كموسى خط في أول الكتب وهذا البيت من قصيدة له أوردها ابن إسحاق في السيرة وذكر الحاكم في أثناء ترجمة سفيان الثوري في كتاب مزكى الأخبار أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الزاهد أخبرنا أبو السري موسى ابن الحسين بن عبادة قال قال لي محمد بن الصباح الدولابي يا أبا السري جاء عبد العزيز المكي فنزل هاهنا عندنا فكان يأتيه ناس فصار إليه فتيان من فتياننا فقلت إيش يحدثكم فقالوا يفسر القرآن بأحسن التفسير قلت من رأيه أو يأثره عن غيره قالوا برأيه قلت هذا شر قال فجاءني بعد سنة فسلم علي وقال يا أبا جعفر أنا والله إليك مشتاق قلت أنا في مسجدي ما علي حاجب فقال علمت يا أبا جعفر أني فكرت البارحة فرأيت سفيان الثوري قد مات على بدعتين لم يتب إلى الله منهما وذكر قول سفيان إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ورأيت فلانا يقول الإيمان قول قال فقلت أرى كلامك يدل على أن أبا طالب أصلب أهل الأرض إيمانا فإنه قد قال للنبي أنا أعلم أن ما تقول حق ولكن أكره أن تعيرني نساء قريش قلت وهذه الحكاية ناشئة عن أحد أمرين إما أن عبد العزيز المذكور وهو الكناني الذي ينسب إليه الحيدة وسنذكر ترجمته في الطبقة الأولى إن شاء الله تعالى كان يعتقد أن الإيمان هو المعرفة فقط كما سننقله عن جهم بن صفوان ولا يشترط النطق وتلك بدعة شنعاء لا أقبح منها نسأل الله السلامة في الدين أو أن الدولابي لم يفهم عنه ويكون إنما اعتقد أن الإيمان في القلب ولكن له شرط وهو النطق كما قلناه وهذا هو الذي يختلج في ذهني أنه معتقد عبد العزيز وقد رأيت أقواما يتعصبون على من يقول الإيمان التصديق بهذا ظنا منهم أن القائل بذلك لا يشترط النطق في الاعتداد به وهو تعصب صادر عن عدم المعرفة بمذهب القائلين بهذا القول ومن هؤلاء أبو محمد بن حزم الظاهري فإنه قال في كتابه الملل والنحل ذهب قوم إلى أن الإيمان إنما هو معرفة الله بالقلب فقط وإن أظهر اليهودية أو النصرانية أو سائر أنواع الكفر بلسانه وعبادته فإذا عرف الله بقلبه فهو مسلم من أهل الجنة وهذا قول جهم بن صفوان وأبي الحسن الأشعري البصري وأصحابهما انتهى وهذا ابن حزم رجل جرى بلسانه متسرع إلى النقل بمجرد ظنه هاجم على أئمة الإسلام بألفاظه وكتابه هذا الملل والنحل من شر الكتب وما برح المحققون من أصحابنا ينهون عن النظر فيه لما فيه من الإزراء بأهل السنة ونسبة الأقوال السخيفة إليهم من غير تثبت عنهم والتشنيع عليهم بما لم يقولوه وقد أفرط في كتابه هذا في الغض من شيخ السنة أبي الحسن الأشعري وكاد يصرح بتكفيره في غير موضع وصرح بنسبته إلى البدعة في كثير من المواضع وما هو عنده إلا كواحد من المبتدعة والذي تحققته بعد البحث الشديد أنه لا يعرفه ولا بلغه بالنقل الصحيح معتقده وإنما بلغته عنه أقوال نقلها الكاذبون عليه فصدقها بمجرد سماعه إياها ثم لم يكتف بالتصديق بمجرد السماع حتى أخذ يشنع
وقد قام أبو الوليد الباجي وغيره على ابن حزم بهذا السبب وغيره وأخرج من بلده وجرى له ما هو مشهور في الكتب من غسل كتبه وغيره ومما يعرفك ما قلت لك من جراءته وتسرعه هذا النقل الذي عزاه إلى الأشعري ولا خلاف عند الأشعري وأصحابه بل وسائر المسلمين أن من تلفظ بالكفر أو فعل أفعال الكفار أنه كافر بالله العظيم مخلد في النار وإن عرف بقلبه وأنه لا تنفعه المعرفة مع العناد ولا تغني عنه شيئا ولا يختلف مسلمان في ذلك وهل الفائت عليه نفس الإيمان لكون النطق ركنا منه أو شرطه فيه البحث المعروف للأشاعرة وسيأتي وأجمعوا علىأن الإسلام زائل عنه فقول ابن حزم في النقل عنهم إنه مسلم خطأ عليهم صادر عن أمرين عن عدم المعرفة بعقائدهم وعن عدم التفرقة بين الإيمان والإسلام وأما جهم فلا ندري ما مذهبه ونحن على قطع بأنه رجل مبتدع ومع ذلك لا أعتقد أنه ينتهي إلى القول بأن من عاند الله وأنبياءه ورسله وأظهر الكفر وتعبد به يكون مؤمنا لكونه عرف بقلبه فلعل الناقل عنه حمل اللفظ ما لا يطيقه أو جازف كما جازف في النقل عن غيره وما لنا ولجهم وهو عندنا من شر المبتدعة من قال بهذه المقالة فهو كافر لا حياه الله ولا بياه كائنا من كان والمسلمون مجمعون قاطبة على أن تلفظ القادر لا بد منه وأبو طالب إن سلم أنه اعتقد فلم يتلفظ بل رد فأخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم إذنا خاصا بالسند المتقدم قريبا إلى أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني رجل من الأنصار من أهل الفقه أنه سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه يذكر أن رجالا من أصحاب النبي حزنوا عليه حتى كاد بعضهم يوسوس قال عثمان فكنت منهم فبينا أنا جالس في ظل أطم من الآطام مر علي عمر فسلم علي فلم أشعر أنه سلم فانطلق عمر حتى دخل على أبي بكر فقال له ما يعجبك أني مررت على عثمان فسلمت عليه فلم يرد السلام وأقبل هو وأبو بكر في ولاية أبي بكر حتى سلما علي جميعا ثم قال أبو بكر جاءني أخوك عمر فذكر أنه مر عليك فسلم فلم ترد عليه السلام فما الذي حملك على ذلك قال فقلت له ما فعلت فقال عمر بلى والله لقد فعلت ولكنها عيبتكم يا بني أمية قال قلت والله ما شعرت أنك مررت ولا سلمت قال أبو بكر صدق عثمان وقد شغلك عن ذلك أمر فقلت أجل قال ما هو فقال عثمان توفى الله نبيه قبل أن أسأله عن نجاة هذا الأمر قال أبو بكر قد سألته عن ذلك قال فقمت إليه فقلت له بأبي أنت وأمي أنت أحق بها قال أبو بكر قلت يا رسول الله ما نجاة هذا الأمر فقال رسول الله من قبل مني الكلمة التي عرضت على عمي فردها علي فهي له نجاة وروى الإمام أحمد أيضا في المسند من حديث محمد بن جبير بن مطعم أن عثمان ابن عفان قال تمنيت أن أكون سألت رسول الله ماذا ينجينا مما يلقى الشيطان في أنفسنا فقال أبو بكر قد سألته عن ذلك فقال ينجيكم من ذلك أن تقول ماأمرت به عمي أن يقوله فلم يقله إسنادها صحيح وأما قوله من علم أن لا إله إلا الله دخل الجنة وذلك فيما أخبرنا به أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر أخبرنا أبو روح عبد المعز بن محمد الهروي إجازة أخبرنا زاهر بن طاهر أخبرنا أبو يعلى إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني أخبرنا أبو العباس أحمد ابن محمد بن أحمد البالوي أخبرنا أبو قريش محمد بن جمعة أخبرنا عبدة بن عبد الله الصفار حدثنا عبد الله بن حمدان حدثنا شعبة عن بنان بن بشر سمعت حمران يحدث عن عثمان رضي الله عنه قال قال رسول الله من علم أن لا إله إلا الله دخل الجنة رواه النسائي عن عبدة به ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب كلاهما عن إسماعيل ابن علية وعن محمد بن أبي بكر المقدمي عن بشر بن المفضل كلاهما عن خالد الحذاء عن أبي بشر الوليد بن مسلم عن حمران به فإنه مخصوص بمن علم ونطق عند الإمكان لقيام الإجماع على تكفير من لم ينطق عند القدرة وقد جاء في الفاظ كثيرة من قال موضع علم ولقائل أن يقول اللفظ باق على عمومه وأطلع الله نبيه على أن من علم فهو ينطق عند القدرة فصدق من علم دخل الجنة لوقوع العلم مقرونا بالنطق وهل التلفظ بالشهادتين شرط كما أطلقناه فيكون خارجا عن الماهية أو ركن فيه اختلاف أمره سهل والظاهر أنه شرط والمذهب الثاني أن الإيمان بالله تعالى معرفته فقط لا يشترط معه لفظ وهو رأي جهم بن صفوان وشيعته وهو مذهب مرذول محجوج بالإجماع لا يعبأ به ولا يلتفت إلى قائله وليس جهم ممن يعتد بقوله ولولا الوفاء بتعداد المذاهب لما ذكرنا هذا الرجل ولا مذهبه فإنه رجل ولاج خراج هجام على خرق حجاب الهيبة بعيد عن غور الشريعة يزعم أنه ذو تحقيقات باهرة وما هي إلا ترهات قاصرة ويدعى أنه له مثاقب في النظر وما هي إلا عقارب أو أضر وأفحش قولا منه ما حكى عن محمد بن زياد الجزري الكوفي أنه قال من آمن بالله وكذب برسوله فليس مؤمنا على الإطلاق ولا كافرا على الإطلاق ولكنه مؤمن كافر معا وهذا المذهب كفر ومع كونه كفرا ضرب من الهذيات ولا أعتقد أحدا ممن ينتمي إلى الإسلام ذهب إليه ولعل الآفة من الناقل عن هذا الرجل فلا ينبغي أن يعد هذا مذهبا والثالث أنه إقرار بالشهادتين وهو رأي الكرامية ومنزلة هذا المذهب في السقوط منزلة مقابله وقضيته أن المنافقين مؤمنون والقرآن ناطق بأنهم في الدرك الأسفل من النار وأنهم كاذبون في الدين يدعون أنهم يعتقدون واعلم أن جهما غاص في المعاني بزعمه وأعرض عن الظاهر فسقط على أم رأسه وقامت عليه حجج الشرع ومنعته عن سبيل الحق أي منع وابن كرام انسحب على الظواهر وأعرض عن ضمائر القلوب فوقع من حالق الحق إلى حضيض الباطل وخرج عن قضايا المعقول وتبرأ منه المنقول فلا هو على الحق ولا هؤلاء والرابع أنه كل طاعة فرضا كانت أم نفلا وهو رأي الخوارج وإليه ذهبت طائفة من المعتزلة منهم القاضي عبد الجبار بن أحمد الذي يلقبونه قاضي القضاة وكان رجلا محققا واسع النظر والخامس أنه الطاعة المفروضة دون النافلة وهو مذهب الشيخين أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم عبد السلام وكانا من أساطين الاعتزال ولهما الطامات الكبرى والفضائح في المذاهب السافلة ومعهما على هذا المذهب كثير من معتزلة البصرة والسادس أنه إقرار باللسان والمعرفة وهذا المذهب يعزى إلى عبد الله بن سعيد ابن كلاب وكان من أهل السنة على الجملة وله طول الذيل في علم الكلام وحسن النظر ولم يتضح لي بعد شدة البحث انفصال مذهبه عن مذهب القائلين بأنه التصديق فإن الإقرار باللسان والمعرفة يستدعي سبق المعرفة فإن قال أنا لا أسمي نفس المعرفة إيمانا وإنما أسمى الإقرار بها مع التلفظ إيمانا ولا بد مع ذلك من وجودها قلنا له أجهدت نفسك في غير عظيم وإن قال لم أقل إقرار بالمعرفة وإنما قلت نفس المعرفة مع إقرار اللسان بمضمونها قلنا له فهذا الآن مذهب الجماعة فبماذا تعرف وعلام تحوم فإن قال لفظ اللسان قد يكون إقرارا وقد يكون إنشاء قلنا هذا الإنشاء لا ينافى الإقرار فإنه إخبار في الحقيقة عما انطوى عليه الضمير بدليل أن الكاذب فيه غير معتد له به عند الله تعالى وينجر الكلام في ذلك إلى مسألة حقائق الإنشاء وهي من عمد أصول الفقه لا من مخاضات المتكلمين وأنت إذا تفهمت ماألقيته عليك من المذاهب عرفت اجتماع المذاهب والمأخذ في المسألة على أربعة أصناف الصنف الأول يقولون الإيمان يكون في القلب واللسان وسائر الجوارح وهم فرق أعظمها قدرا وأكثرها عددا وأعزها نفرا أصحاب الحديث ووافقهم الخوارج والزيدية والمعتزلة بيد أن المرام مختلف والمقصد متباعد ثم هؤلاء جميعا لا يفرقون بين الإيمان والإسلام والصنف الثاني يزعمون أن الإيمان إنما يكون في القلب واللسان دون سائر الأعضاء وهؤلاء منهم من يفرق بين الإيمان والإسلام فيجعل أعمال سائر الأعضاء إسلاما وهم كثير من الأشاعرة ومنهم من لا يفرق ولا يكون هذا أشعريا أبدا والصنف الثالث يزعمون أن الإيمان لا يكون إلا في القلب وحده دون سائر الجوارح وهؤلاء فريقان فريق قالوا الإسلام غير الإيمان وإن الإسلام يكون في الجوارح وإن النطق لا بد منه وإن القادر عليه بدونه كافر لا ينفعه معرفة القلب قال الأستاذ أبو منصور البغدادي وهم أصحاب شيخنا أبي الحسن الأشعري قال وهم أحسن الفريقين قولا وفريق لا يدري مذهبهم في الجوارح ما هو وهم الجهمية والبجلية أصحاب جهم بن صفوان والحسن بن الفضل البجلي والذي يغلب على الظن أنهم يقولون الإيمان معرفة القلب والإسلام النطق بالشهادتين وسائر الجوارح لا تسمى أعمالها إيمانا ولا إسلاما فخرج من هذا أن أحدا لا يقول إن القادر على النطق بالشهادتين مسامح بتركه ولو قال ذلك قائل لراغم الشريعة وجاء بالخطة الشنيعة وخرق إجماع المسلمين وقدح في دعوة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين والصنف الرابع يقولون إن الإيمان إنما يكون في اللسان دون سائر الأعضاء وهم الكرامية فإنهم أهملوا جانب الاعتقاد رأسا وقد عرفناك ما يلزمهم فإن قلت فإلى أي مذهب من هذه المذاهب تذهبون قلت لسنا إلى مذهب جهم والكرامية بذاهبين ولا على أقوالهم معرجين فإن قلت لم يطابق الجواب السؤال وغايته نفي بعض الأقوال لا إثبات ما يعتقد قلت القول بأن الإيمان تصديق القلب وأن النطق لا بد منه هو ما عليه قدوتنا في الكلام أبو الحسن الأشعري وقاضينا أبو بكر بن الباقلاني والأستاذ أبو إسحاق وأكثر الجهابذة البزل ثم اختلف جواب شيخنا أبي الحسن رضي الله عنه في معنى هذا التصديق فطورا قال هو المعرفة وطورا قال هو قول النفس المتضمن للمعرفة ثم يعبر عن ذلك باللسان فيسمى الإقرار باللسان تصديقا وكذلك العمل بالأركان بحكم دلالة الحال كما ان الإقرار تصديق بحكم دلالة المقال فالمعنى القائم في النفس هو الأصل المدلول عليه والإقرار والعمل دليلان وهذا يدانى مذهب ابن كلاب
فإن قلت فما تقولون فيما ينقل عن السلف من أنه إقرار باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان وهذا مستفيض فيما بينهم لا يجحده إلا المكابرون قلت تمهل قليلا واسمع ما نلقيه عليك وإن كان ثقيلا واعلم أن قولهم اعتقاد بالجنان لا إشكال فيه وقولهم إقرار باللسان هو النطق بالشهادتين ولعلهم جعلوا ذلك ركنا في الإيمان فيكون الإيمان مركبا من الاعتقاد والإقرار وهو أحد الروايتين في تفاريع المذهب الأول وليس بالبعيد وإن كان الأظهر جدلا خلافه وقولهم وعمل بالأركان يمكن أن يراد به الكف عن ما يصدر بالجوارح فيوقع في الكفر من السجود للأصنام وإلقاء المصحف في القاذورات فاضبط هذا فبه يجتمع لك كلام السلف والخلف ولا أدعي أنه حقيقة مراد القوم غير أني أجوز ذلك وأسند إلى لفظة الأركان وأنا وإن لم أقطع بأنه المراد فأقطع بأنه لا دلالة في العبارة على رد مذهب القائلين بأنه التصديق لما ذكرت من أن الأركان جائز أن يعني بها الكف عن المكفرات ودائما أقول عبارتان للقدماء مستفيضتان يتناقلهما المتأخرون معتقدين أن المراد بهما شيء واحد وعندي أن اللفظ لا يساعد على ذلك إحداهما هذه العبارة فإن الأركان أجزاء الماهية فلا يثبت على السلف أنهم يقولون بأن الطاعات المفروضة أو مطلق الطاعات إيمان كلها إلا أن يثبت عليهم أن كلها أركان ولم يثبت ذلك بعد بل لفظ الأركان صريح أو كالصريح في خلافه إذ ليس كل طاعة ينتفي الإيمان بانتفائها بل لم يقل ذلك في شيء من مباني الإسلام غير كلمتي الشهادتين إلا في الصلاة عند من يكفر بتركها ثم لم يقل بذلك على إطلاقه بل قال بكفر دون كفر وليستا الآن كذلك
والعبارة الثانية لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب غير مستحل يستدل به المتأخرون على أنهم لا يكفرون أرباب البدع والأهواء ووقع البحث في ذلك بيني وبين الشيخ الإمام رحمه الله فقلت له وقد حكى هذه العبارة عن الطحاوي الحنفي صاحب العقيدة وقال إنه مسبوق إليها أنا لا أستدل بذلك على أنهم لا يكفرون القائل بخلق القرآن مثلا حتى يثبت عندي أنهم يقولون إنه من أهل القبلة فالعبارة دالة على أن أهل القبلة لا يكفرون لا على أن هؤلاء من أهل القبلة ولا أحفظ الآن عن الشيخ الإمام جوابا عن كلامي هذا غير أني أظن أنه قال أهل القبلة من صلى لقبلتنا كذا أحسب أنه أجاب ولست على ثقة من ذلك وأقول مجيبا عن هذا الجواب أن قاله الشيخ الإمام أم كان مما هجس في الضمير وتصوره من كلمات ذلك الخبر ليس كل من صلى لقبلتنا من أهل القبلة ألا ترى أن المنافقين يصلون لقبلتنا وهم كفار بالإجماع عدنا إلى الكلام على أن قول السلف وعمل بالأركان لا يتعين أن يراد به جميع الطاعات ويجوز أن يعني به الكف عن ما وقع في المكفرات فإن قلت الكف فعل وليس بعمل قلت قولك فعل وليس بعمل مدخول فإن الكف فعل كما هو المختار وهو مقرر في أصول الفقه بما لا حاجة إلى الإطالة بذكره وأنا دائما أستهجن ممن يدعي التحقيق من العلماء إعادة ما ذكره الماضون إذا لم يضم إلى الإعادة تنكيتا عليهم أو زيادة قيد أهملوه أو تحقيق تركوه أو نحو ذلك مما هو مرام المحققين ومما أعتقد به عظمة الشيخ الإمام رحمه الله ان عامة تصانيفه اللطاف في مسائل نادرة الوقوع مولدة الاستخراج لم يسبق فيها للسابقين كلام وإن تكلم في آية أو حديث أو مسألة سبق إلى الكلام فيها اقتصر على ذكر ما عنده مما اسخرجته فكرته السليمة ووقعت عليه أعماله القويمة غير جامع كلمات السابقين كحاطب ليل يحب التشبع بما لم يعط حظه من التصانيف جمع كلام من مضى فإن ترقت رتبته وتعالت همته لخص ذلك الكلام وإن ضم إلى التلخيص أدنى بحث أو استدراك فذاك عند أهل الزمان الحبر المقدم والفارس المبجل وعندنا أنه منحاز عن مراتب العلماء البزل والأذكياء المهرة إنما الحبر من يملي عليه قلبه ودماغه وتبرز التحقيقات التي تشهد الفطر السليمة بأنها في أقصى غايات النظر مشحونة باستحضار مقالات العلماء مشارا فيها إلى ما يستند الكلام إليه من أدلة المنقول والمعقول يرمز إلى ذلك رمز الفارغ منه الذي هو عنده مقرر واضح لا تفيده إعادته إلا السآمة والملالة ولا يعيده إعادة الحاشد الجماعة الولاج الخراج المحب أن يحمد بما لم يفعل ولنعد إلى غرضنا فأقول لقد وقعت على ثلاثة أدلة تدل على أن الكف فعل لم أر أحدا عثر عليها أحدها قوله تعالى والحاصل أن الأخذ التناول والمهجور المتروك فصار المعنى تناولوه متروكا أي فعلوا تركه وهذا واضح على جعل اتخذ في الآية متعديا إلى اثنين ثانيهما مهجورا وهو الواقع فيها ولا يجوز أن يكون متعديا إلى واحد لئلا يختل المعنى إذ يلزم أن يكون القوم اتخذوا القرآن ويكون مهجورا حالا فيلزم أنهم اتخذوه في حال كونه مهجورا فهذا عكس المعنى فإنهم اتخذوا هجره ولم يتخذوا إقامته والعمل به أو يقال بعبارة أخرى ومعنى آخر الاتخاذ التناول والتناول لا يصادف المهجور لأنهم إذا تناولوه فقد خرج عن كونه مهجورا فتعين كون اتخذ هنا متعدية إلى اثنين وهو واضح متعين في هذه الآية وفي قوله تعالى وأنا أقول في الآية دليلان لمسألتين مسألة من علم الأصول وهي أن الترك فعل كما أوضحته لك ومسألة من علم النحو وهو الرد على الفراء في دعواه أن الثاني من مفعولي ظننت وأخواتها حال لا مفعول ثان وقد رد عليه النحاة بوقوعه مضمرا نحو ظننتكه ولو كان حالا لم يجز ذلك لأن المضمرات معارف والأحوال نكرات وفيما تلوت من الآيات الثلاث رد عليه فإنه يلزمه اختلال المعنى والثاني ما أخبرتنا به زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسية قراءة عليها وأنا أسمع قالت أخبرنا إبراهيم بن الخير ومحمد بن السيدي إجازة قالا أخبرتنا تجنى الوهبانية سماعا عليها قالت أخبرنا طراد الزينبي أخبرنا هلال الحفار حدثنا علي بن إشكاب حدثنا عمرو بن محمد النصري حدثنا زكريا بن سلام عن المنذر بن بلال عن أبي جحيفة قال قال رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل قال فسكتوا فلم يجبه أحد فقال هو حفظ اللسان ليس هذا الحديث من هذا الوجه في شيء من الكتب الستة والثالث قول قائل المسلمين من الأنصار والنبي يعمل بنفسه في بناء مسجده من شعر لئن قعدنا والنبي يعمل ** لذاك منا العمل المضلل ثم إنا نقول سلمنا تنزلا أن كل طاعة عند السلف إيمان كما فهمتم من قولهم وعمل بالأركان ولكنا نقول المنقول عن السلف أن الإيمان اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان ولكن لم يصح لنا أنهم جعلوا ذلك تعريفا للإيمان الصحيح فجاز أن يكون مرادهم الإيمان الكامل ولا يبعد عندي أمر ثالث وهو أن ناقل هذا عن السلف لم يفرق بين الإيمان والإسلام وأن يكون السلف إنما قالوا ذلك في الإسلام وهو صحيح وبه نطق قوله بني الإسلام على خمس الحديث فإن قلت وهل يفرقون بين الإيمان والإسلام قلت أجل وكيف لا والله تعالى يقول وأي مجمحة أشنع من ناكب عن صراط هذه الآية متحير في تأويلها على مراده متسكع بها في حنادس الفكر ولا أعني أصحاب الحديث فأني سأوضح عدم الاختلاف بينهم وبين الفريقين في المعنى وأن الخلاف بينهم إنما هو في اللفظ فقط وإنما أعني قدريا قال بترادف الإيمان والإسلام توصلا إلى منزلة بين المنزلتين وحكم بالخلود في النار على عارف بالله ناطق بالشهادتين محتجا بأن الإيمان هو الإسلام وأن الإسلام هو الأعمال التي منها ما فقده صاحب الكبيرة بما ارتكب وإن لم يشب اعتقاده زيغ ولا مين ولو أوتي هذا القائل رشده لتمم موافقته لأصحاب الحديث أو فرق بين البابين الإسلام والإيمان وجرى على ظاهر القرآن وتأيد بعصام السنة مطمئن الجنان منشرح الجؤجؤ بما أخبرنا به الشيخ الإمام أبي تغمده الله برحمته ورضوانه قراءة عليه وأنا أسمع قال أخبرنا شيخنا الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ أخبرنا أبو بكر غياث بن الحسن بن سعيد بن أحمد أخبرنا هبة الله بن محمد بن عبد الواحد الكاتب ح وأخبرنا محمد بن إسماعيل بن عمر بن الحموي ومحمد بن إسماعيل بن الخباز قراءة عليهما وأنا أسمع قال الأول أخبرنا ابن البخاري وزينب بنت مكي وقال الثاني أخبرنا أحمد بن أبي بكر الحموي وعلي بن محمد اليشكري قالوا أربعتهم أخبرنا ابن طبرزد سماعا عليه إلا أحمد بن أبي بكر فإنه قال حضورا أخبرنا هبة الله بن محمد أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي حدثنا محمد بن مسلمة الواسطي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا شريك عن الركين بن الربيع عن يحيى ابن يعمر وعن عطاء بن السائب عن ابن بريدة قالا حججنا ثم اعتمرنا فقدمنا المدينة فأتينا عبد الله بن عمر فسألناه فقلنا يا أبا عبد الرحمن إنا نغزو هذه الأرض فنلقى أقواما يقولون لا قدر فأعرض بوجهه عنا ثم قال إني أعتذر إليك قال فقال إذا لقيت اولئك فأعلمهم أن عبد الله بن عمر منهم بريء وأنكم منه برآء قال بينا نحن عند رسول الله إذ أتاه رجل حسن الوجه حسن الشارة طيب الريح فعجبنا من حسن وجهه وشارته وطيب ريحه قال فسلم علي النبي ثم قام فقال أدنو يا رسول الله قال نعم قال فدنا ثم قام فتعجبنا من توقيره رسول الله قال فدنا حتى وضع فخذه على فخذ رسول الله أو رجله على رجل رسول الله ثم قال يا رسول الله ما الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والبعث بعد الموت والحساب بعد القدر كله خيره وشره حلوه ومره قال صدقت قال فتعجبنا من قوله لرسول الله صدقت قال ثم قال يا رسول الله ما الإسلام قال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت وتغتسل من الجنابة قال صدقت قال فتعجبنا لتصديقه رسول الله ثم قال يا رسول الله ما الإحسان قال أن تخشى الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال صدقت قال فتعجبنا لتصديقه رسول الله قال ثم قال يا رسول الله فمتى الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال صدقت قال فتعجبنا من تصديقه لرسول الله قال ثم انكفأ راجعا فقال رسول الله على الرجل قال فطلبناه فلم نجده قال فقال رسول الله هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم وما أتاني في صورة إلا عرفته إلا في صورته هذه
وأخبرناه أبو الفرج عبد الرحمن بن شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي بقراءتي عليه قال أخبرتنا حرمية بنت تمام حضورا قالت أخبرنا عربشاه بن أحمد إجازة أخبرنا عبد الجبار بن محمد الخواري أخبرنا إمام الحرمين أبو المعالي الجويني أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن جمان الرازي أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أيوب بن يحيى البجلي حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا يحيى بن سعيد عن عثمان بن غياث حدثني عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن قالا لقينا عبد الله بن عمر فذكرنا له القدر وما يقولون فيه قال إذا رجعتم إليهم فقولوا لهم إن ابن عمر منكم بريء وأنتم منه برآء ثلاث مرات ثم قال أخبرني عمر بن الخطاب أنهم بينما هم جلوس عند رسول الله جاءه رجل حسن الوجه حسن الشعر عليه ثياب بياض فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا ما نعرف هذا ولا هذا بصاحب سفر ثم قال يا رسول الله آتيك قال نعم قال فجاء فوضع ركبتيه عند ركبتيه ويديه على فخذيه فقال ما الإسلام قال شهادة أن لا إله إلا الله وحده وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت قال فما الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته والجنة والنار والبعث بعد الموت والقدر كله قال فما الإحسان قال أن تعمل كأنك تراه فإن لا تكن تراه فإنه يراك قال فمتى الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فما أشراطها قال إذا العراة الحفاة العالة رعاء الشاء تطاولوا في البنيان وولدت الإماء أربابهن ثم قال علي بالرجل فطلبوه فلم يروا شيئا ثم لبث يومين أو ثلاثة ثم قال يا ابن الخطاب أتدري من السائل عن كذا وكذا قال الله ورسوله أعلم قال ذاك جبريل جاءكم يعلمكم دينكم قال وسأله رجل من جهينة أو مزينة فقال يا رسول الله فيم نعمل أو في شيء قد خلا أو مضى أو في شيء يستأنف الآن قال في شيء قد خلا أو مضى فقال له رجل أو بعض القوم يا رسول الله ففيم العمل إذا قال إن أهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة وإن أهل النار ميسرون لعمل أهل النار وأخبرنا صالح بن مختار بن صالح بن أبي الفوارس الأشنوي قراءة عليه وأنا أسمع في الخامسة بقبة الإمام الشافعي رضي الله عنه وأبو العباس أحمد بن علي بن الحسن بن داود الجزري قراءة عليه وأنا أسمع بدمشق قالا أخبرنا أحمد بن عبد الدايم بن نعمة زاد الجزري ومحمد بن إسماعيل خطيب مردا وإبراهيم بن خليل الدمشقي ومحمد بن عبد الهادي المقدسي قالوا أربعتهم أخبرنا يحيى الثقفي أخبرنا الحسن بن أحمد الحداد حضورا أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري حدثنا الفريابي حدثنا إسحاق بن راهوية أخبرنا النضر بن شميل حدثنا كهمس بن الحسن حدثنا عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في هذا القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو أتينا أحدا من أصحاب رسول الله فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوافقنا عبد الله بن عمر داخل المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن يساره فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا أناس يفسرون القرآن ويتقفرون العلم ويزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف قال فإذا لقيتموهم فأخبروهم أني منهم بريء وأنهم مني برآء والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو كان لأحدهم ملء الأرض ذهبا فأنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال حدثني عمر بن الخطاب قال بينما نحن عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد منا حتى جلس إلى نبي الله فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه ثم قال يا محمد أخبرني عن الإسلام وما الإسلام قال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له أنه يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره قال صدقت قال فعجبنا له أنه يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله عز وجل كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال عمر رضي الله عنه فلبثت ثلاثا ثم قال لي رسول الله يا عمر هل تدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم هذا الحديث من أعلا الأحاديث في درجات الصحة أخرجه مسلم عن زهير بن حرب عن وكيع وعن عبيد الله بن معاذ عن أبيه كلاهما عن كهمس بن الحسن وعن محمد بن عبيد بن حساب وأبي كامل الجحدري وأحمد بن عبدة الضبي ثلاثتهم عن حماد ابن زيد عن مطر الوراق وعن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد عن عثمان بن غياث ثلاثتهم عن عبد الله بن بريدة وعن حجاج بن يوسف عن يونس بن محمد المؤدب عن المعتمر بن سليمان عن أبيه كلاهما عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر وفي حديث عثمان بن غياث عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري كلاهما عن ابن عمر عن عمر به وأبو داود عن عبيد الله بن معاذ به وعن مسدد عن يحيى بن سعيد به وعن محمود بن خالد عن الفريابي عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن يحيى بن يعمر بهذا الحديث يزيد وينقص والترمذي عن أبي عمار الحسين بن حريث الخزاعي عن وكيع به وعن محمد بن المثنى عن معاذ بن معاذ به وعن أحمد بن محمد عن ابن المبارك عن كهمس به وقال حسن صحيح وابن ماجه عن علي بن محمد عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة به وقد روى من غير وجه وروى هذا الحديث عن ابن عمر عن النبي كما أسندناه أولا والصحيح عن ابن عمر عن عمر عن النبي ورواه عن عمر النسائي عن إسحاق بن إبراهيم عن النضر بن شميل عن كهمس به وابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع به
وربما اختلفت الألفاظ اختلافا لا يقيم له المحدث وزنا ويراه الفقيه النحرير أمرا إربا فلفظ مسلم أن يحيى بن يعمر قال كان اول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن يساره فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرأون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف فقال إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال حدثني أبي عمر بن الخطاب قال بينما نحن جلوس عند رسول الله ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ان استطعت إليه سبيلا قال صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أمارتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فلبث مليا ثم قال يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ولفظ الترمذي نحوه غير أن فيه تقديما وتأخيرا وفيه قال عمر فلقيني رسول الله بعد ثلاث ولفظ أبي داود نحوه وفيه فلبثت ثلاثا وفي لفظ آخر له قال فما الإسلام قال إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وفي لفظ ثالث له زيادة وسأله رجل من مزينة أو جهينة فقال يا رسول الله فيم نعمل في شيء خلا ومضى أو شيء يستأنف الآن قال في شيء خلا ومضى فقال الرجل أو بعض القوم ففيم العمل قال إن أهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة وإن أهل النار ميسرون لعمل أهل النار ولفظ النسائي كلفظ مسلم إلا أنه أسقط حديث يحيى بن يعمر وذكر معبد وما جرى له مع ابن عمر في ذكر القدر إلى قوله حتى يؤمن بالقدر وأول حديثه قال ابن عمر فحدثني أبي وسرد الحديث إلى قوله البنيان وفيه قال عمر فلبثت ثلاثا وزاد هو والترمذي وأبو داود بعد العراة العالة وزاد الترمذي بعد تعلمكم لفظ المعالم فصار هكذا يعلمكم المعالم ثم قال هذا حديث حسن صحيح وكذا جاء في لفظ رواية ابن ماجة ذاك جبريل أتاكم يعلمكم معالم دينكم وأما البخاري رحمه الله فلم يخرج هذا الحديث من هذا الوجه ولكن خرجه هو ومسلم وأبو داود والنسائي أيضا من حديث أبي هريرة وأبي ذر قالا كان رسول الله يوما بارزا للناس إذ أتاه رجل فقال يا رسول الله ما الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر قال يا رسول الله ما الإسلام قال الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال يا رسول الله ما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لا تراه فإنه يراك قال يا رسول الله متى الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ولكن سأحدثك أشراطها إذا ولدت الأمة ربها فذاك من أشراطها وإذا كانت الحفاة العراة رؤوس الناس فذاك من أشراطها وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلا رسول الله هذا لفظ عند البخاري وفي لفظ آخر أن رسول الله قال سلوني فهابوه أن يسألوه فجاء رجل فجلس عند ركبتيه فقال يا رسول الله ما الإسلام وذكر نحوه وزاد قوله في آخر كل جواب عن سؤاله صدقت وقال في الإحسان أن تخشى الله كأنك تراه وقد أسندناه نحن من طريق ابن عمر وقال فيه إذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها وفي آخره هذا جبريل أراد أن تعلموا إذا لم تسألوا هذا لفظ البخاري ومسلم جميعا عن أبي هريرة وحده وفي الفاظ أبي داود والنسائي بعض زيادة ونقص ففي لفظ لأبي داود عن أبي هريرة وأبي ذر جميعا أنه سلم من طرف السماط فقال السلام عليك يا محمد وفي أوله أنهم طلبوا من النبي أن يجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه قال فبنينا له دكانا من طين يجلس عليه وكنا نجلس بجنبيه وفي لفظ النسائي مثل ذلك وقال في سؤال الساعة فنكس فلم يجب شيئا ثم عاد فلم يجبه ثم عاد فلم يجبه شيئا ثم رفع رأسه فقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل إلى أن قال لا والذي بعث محمدا بالحق هاديا وبشيرا ما كنت بأعلم به من رجل منكم وإنه لجبريل نزل في صورة دحية الكلبي وأخرجه أبو داود الطيالسي من حديث عمر رضي الله عنه وفي لفظه زيادات حسنة مفيدة فلنورده قال إن عمر رضي الله عنه قال إنه كان عند رسول الله فجاءه رجل عليه ثوبان أبيضان مقوم حسن النحر والناحية فقال أدنو منك يا رسول الله قال ادن ثم قال أدنو منك يا رسول الله قال ادن فلم يزل يدنو حتى كانت ركبته عند ركبة رسول الله ثم قال أسألك قال سل قال أخبرني عن الإسلام قال شهادة أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان قال فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم قال رسول الله نعم قال له الرجل صدقت فجعلنا نعجب من قوله لرسول الله صدقت كأنه أعلم منه ثم قال أخبرني عن الإيمان ما الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والجنة والنار وتؤمن بالقدر خيره وشره قال فإذا فعلت ذلك فأنا مؤمن قال رسول الله نعم قال صدقت فجعلنا نعجب من قوله لرسول الله صدقت ثم قال أخبرني ما الإحسان قال أن تخشى الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك قال صدقت قال فأخبرني عن الساعة فقال رسول الله ما المسئول عنها بأعلم من السائل هن خمس لا يعملهن إلا الله وفي هذا اللفظ من الفوائد الرد على من حرف الكلم عن مواضعه ووقف على قوله في الروايات السابقة فإن لم تكن مشيرا إلى أن المصطفى أشار بذلك إلى مقام الفناء قائلا إن كان هنا تامة والمعنى أنك إذا فنيت عن نفسك فلم ترها شيئا شاهدت الله تعالى فإن النفس ورؤيتها حجاب دون الحق سبحانه وتعالى فمن نحى الحجاب شاهد الجناب كما قال بعض المشايخ رأيت رب العزة في النوم فقلت رب كيف الطريق إليك فقال خل نفسك وتعال هذا كلام من أشرنا إلى أنه حرف الكلم عن مواضعه ولسنا ننكر مقام الفناء ولا حق أهله وإنما ينكر على هذا القائل تحريفه لفظ الحديث وسوء فهمه فإنه لو كان الأمر كما زعم لجزم لفظ تراه على أنه جواب الشرط فإن تقدير فإن لم تكن عنده فإن فنيت وبذلك تم الشرط وصار الجواب تراه وجواب الشرط مجزوم فإن قال إن حرف العلة قد ثبت ونقدر الجزم فيه على حد ولا ترضاها من قول الراجز إذا العجوز غضبت فطلق ** ولا ترضاها ولا تلمق فالجواب أن ذلك إنما يجوز في الضرورة ثم تضيع قوله فإنه يراك ولا يصير بينه وبين ما قبله ارتباط والصواب أن فإنه يراك جواب الشرط لا يمترى في ذلك ذو فهم
وهذا اللفظ الذي أخرجه الطيالسي صريح في المراد حيث قال فإن كنت لا تراه فإنه يراك وما أخوفني ممن ساء فهمه أن يقف على لا ويقول المعنى فإن كنت عدما تراه كما صنع في الأول وليس إلى صلاح من هذا مبلغ فهمه سبيل ولكنه إذا انتهى إلى هنا وسلمنا له تنزلا ما تصوره فطريق الرد عليه أن نلجئه إلى ما لا قبل له به فنقول على هذا التقدير حديث فإن لم تكن معارض بحديث فإن كنت لا لأن المعلق عليه ثم عدم كونه وهنا كون عدمه وفرق هائل بين عدم الكون وكون العدم لسنا لتحقيقه الآن وليت شعري أي داع دعا هذا الرجل إلى هذا التأويل الذي لا يساعده عليه لسان عربي ولا فكر صحيح ومقام الفناء له طرق كافلة بتقريره قاضية بأنه حق وإن كان غيره أعلا منه وقد أخرج الدارقطني في كتابه هذا الحديث من حديث عمر أيضا من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يعمر وفيه في الإسلام وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وفي آخره فقال رسول الله علي بالرجل فطلبناه فلم نقدر عليه فقال رسول الله أتدرون من هذا هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم فخذوا عنه فوالذي نفسي بيده ما شبه علي مذ أتاني قبل مرتي هذه وما عرفته حتى ولى قال أبو الحسن الدارقطني هذا إسناد ثابت صحيح أخرجه مسلم بهذا الإسناد قلت مراده أن مسلما أخرج أصل الحديث بهذا الإسناد وأما بهذا المتن فلا وهون أمر المتن لما قدمته لك من أن المحدث لا يعظم الخطب عنده في الاختلاف على هذا الوجه وإن كان ربما رآه علة ولكن العلة هنا منتفية لأن الحديث باتفاق الجهابذة الفحول ثابت
وقد رأيت من خرجه من الحفاظ وكلهم لا يذكرون ابن عمر إلا راويا عن أبيه وعرفناك أنه روى عن ابن عمر عن النبي لم يذكر أباه وقلنا لك إن الصواب الصحيح توسط ذكر أبيه وأرى من أسقطه وهم من حديث بني الإسلام على خمس فإن ذاك من حديث ابن عمر نفسه وهو في الحقيقة بعض هذا الحديث وقد روى هذا الحديث أيضا من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فاخبرنا المسند أبو التقي الأشنوي مجاور تربة الإمام المطلبي رضي الله عنه قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو العباس المقدسي أخبرنا يحيى بن محمود أخبرنا أبو القاسم الجوزي بضم الجيم وإسكان الواو بعدها زاي أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب أخبرنا والدي أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي حدثنا أبو خالد يزيد بن محمد بن حماد العقيلي حدثنا عبد الرحيم بن حماد الثقفي حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أن ابن مسعود رضي الله عنه قال بينما نحن عند رسول الله وهو يحدثنا إذ أقبل رجل في هيئة أعرابي كأنه مسافر فقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليكم فرد رسول الله ورددنا عليه فقال أدنو منك يا رسول الله فقال له نعم فدنا رتوة أو رتوتين حتى وضع يده على ركبتي رسول الله ثم قال يا رسول الله أخبرني ما الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله قال صدقت فتعجبنا من قوله صدقت كأنه قد علم ذلك ثم قال فما الإسلام قال إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت إن استطعت إليه سبيلا وصيام شهر رمضان والاغتسال من الجنابة قال صدقت فتعجبنا من قوله صدقت كأنه قد علم ذلك قال فأخبرني عن الإحسان ما هو قال أن تعمل لله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال صدقت فتعجبنا من قوله صدقت قال فأخبرني متى الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال ثم انصرف الرجل ونحن نراه فقال النبي على بالرجل فثرنا في أثره فما حسسنا له أثرا وما رأينا شيئا فأعلمنا ذلك النبي قال ذاكم جبريل أتاكم يعلمكم دينكم وما اتاني في صورة قط إلا وأنا أعرفه بها قبل هذه الصورة وهذا حديث عظيم أصل من أصول الدين وعندي أن مدار الدين عليه وإلى ذلك الإشارة بقوله يعلمكم دينكم وعلوم الشريعة في الحقيقة ثلاثة الفقه وإليه الإشارة بالإسلام وأصول الدين وإليه الإشارة بالإيمان والتصوف وإليه الإشارة بالإحسان وما عدا هذه العلوم إما راجع إليها وإما خارج عن الشريعة فإن قلت علماء الشرع أصحاب التفسير والفقه والحديث فما بالك أهملت التفسير والحديث وذكرت بدلهما الأصول والتصوف وقد نص الفقهاء على خروج المتكلم من سمة العلماء قلت أما خروج المتكلم من اسم العلماء فقد أنكره الشيخ الإمام في شرح المنهاج وقال الصواب دخوله إذا كان متكلما على قوانين الشرع ودخول الصوفي إذا كان كذلك وهذا هو الرأي السديد عندنا وما أنا لم نعد أصحاب التفسير والحديث فما ذلك إخراجا لهم معاذ الله بل نقول التفسير والحديث مدار أصول الدين وفروعه وهما داخلان في العلمين فافهم ما نلقى إليك
وأنا على ثقة بأني لو أمليت على هذا الحديث العظيم الخطب الجليل الموقع ما يسمح به فكري من الاستنباط ويقع عليه نظري من كلام السابقين لوصلت به إلى سفر كامل ولم أكن خارجا عن طوره ولا متكثرا بغيره فالوجه إرخاء عنان الكلام عليه والعود إلى ما نحن بصدده فنقول الحديث وإن اختلفت طرقه وتباينت ألفاظه فلا نختلف في أن النبي فسر فيه الإيمان بخلاف ما فسر به الإسلام وقال الإيمان أن تؤمن بالله أي تصدق ومنه قوله تعالى فإن عارضتني بما أخبرنا به صالح بن مختار الأشنوي قراءة عليه بمحضر مني قال أخبرنا أحمد بن عبد الدايم أخبرنا أبو الفرج الثقفي أخبرنا الحسين بن أحمد الحداد حضورا أخبرنا الحافظ أبو نعيم أخبرنا أبو بكر الآجري حدثنا أبو العباس أحمد ابن عيسى بن سكين البلدي حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثني عبد السلام بن صالح الهروي ح وأخبرنا أبو العباس أحمد بن يوسف الخلاطي قراءة عليه وأنا أسمع بالقاهرة أخبرنا نفيس الدين عبد الرحمن بن عبد الكريم أخبرنا والدي عبد الكريم بن أبي القاسم أخبرنا أبو الفضل الطوسي أخبرنا ركن الإسلام أبو نصر عبد الرحيم بن الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم القشيري في المحرم سنة اثنتي عشرة وخمسمائة بداره بنيسابور أخبرنا الشيخ الإمام أبو سعد أحمد بن إبراهيم بن موسى بن أحمد بن منصور المقري أخبرنا القاضي أبو منصور محمد بن محمد الأزدي الهروي بها أخبرنا محمد بن إبراهيم الموصلي حدثنا محمد بن أيوب الرازي أخبرنا عبد السلام بن صالح الهروي حدثنا علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عن علي رضي الله عنهم قال قال رسول الله الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان أخرجه ابن ماجه عن سهل بن أبي سهل ومحمد بن إسماعيل كلاهما عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي ثم قال ابن ماجه قال أبو الصلت لو قرىء هذا الإسناد على مجنون لبرأ وقال أبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور حدثني علي بن محمد المذكر حدثنا محمد بن علي بن الحسين الفقيه الرازي حدثنا أبي حدثنا محمد بن معقل القرميسيني عن محمد بن عبد الله بن طاهر قال كنت واقفا على رأس أبي وعنده أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وأبو الصلت الهروي فقال أبي ليحدث كل رجل منكم بحديث فقال أبو الصلت حدثني علي بن موسى الرضا وكان والله رضا كما سمي عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي رضي الله عنهم قال قال رسول الله الإيمان قول وعمل فقال بعضهم ما هذا الإسناد فقال له أبي هذا سعوط المجانين إذا سعط به المجنون برأ فالجواب من ثلاثة أوجه أحدها أن مدار هذا الحديث على أبي الصلت وهو وإن كان موصوفا بكثرة العبادة غير محتج به عند المحدثين ومتهم بهذا الحديث بخصوصه قال الدارقطني رافضي خبيث متهم بوضع حديث الإيمان إقرار بالقول وقال العقيلي رافضي خبيث وقال أبو حاتم لم يكن عندي بصدوق وقال ابن عدي متهم وقال النسائي ليس بثقة ومع هذا الجرح لا يعتبر قول عباس الدوري إن يحيى كان يوثقه ولا قول ابن محرز إنه ليس ممن يكذب فإن قلت قد تابعه الهيثم بن عبد الله وداود بن سليمان القزويني وعلي بن الأزهر السرخسي فرووه عن علي بن موسى ورواه الحسن بن علي العدوي عن محمد بن صدقة ومحمد بن تميم عن موسى بن جعفر والد علي فيتقوى حديث عبد السلام بهذه المتابعة قلت الهيثم بن عبد الله مجهول وداود بن سليمان هو الجرجاني الغازي له نسخة موضوعة عن الرضا كذبه يحيى بن معين وغيره وعلي بن الأزهر ومحمد بن صدقة ومحمد بن تميم مجاهيل والحسن بن علي بن العدوي هو الحسن بن علي بن صالح أبو سعيد البصري الملقب بالذئب قال ابن عدي يضع الحديث وقال الدارقطني متروك
وقال ابن حبان لعله حدث عن الثقات بأشياء موضوعات ما يزيد على ألف حديث وبالجملة لا يفسد هذا الحديث من وجه يصح والوجه الثاني أنه معارض بما روى أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن زيد بن الحباب عن علي بن مسعدة حدثنا قتادة حدثنا أنس قال قال رسول الله الإسلام علانية والإيمان في القلب ثم يشير بيده إلى صدره التقوى هاهنا التقوى هاهنا قلت وهذا حديث جيد أقرب إلى الصحة من حديث أبي الصلت وعلي بن مسعدة وإن قيل إنه تفرد به فقد قال ابن معين صالح الحديث وقال أبو حاتم لا بأس به ووثقه أبو داود الطيالسي وروى عنه الأئمة يحيى بن سعيد وابن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي وأبو داود الطيالسي ومسلم بن إبراهيم وغيرهم فإن قلت قد قال البخاري فيه نظر وقال النسائي ليس بقوي وقال ابن عدي أحاديثه غير محفوظة قلت الأرجح توثيقه وحديثه هذا أرجح من حديث أبي الصلت على ما تقتضيه صناعة الحديث ومن مقوياته ما أخبرنا به عمر بن محمد بن أبي بكر الشحطبي جارنا قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو الحسن بن البخاري سماعا عليه أخبرنا عمر بن محمد بن طبرزد أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن السمرقندي أخبرنا عبد العزيز بن أحمد بن محمد التميمي الكتاني أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر أخبرنا أبو بكر أحمد بن سليمان بن زبان الكندي حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا ابن جابر قال سمعت شيخا ببيروت يكنى أبا عامر أظنه حدثني عن أبي الدرداء أن رجلا يقال له حرملة أتى النبي فقال الإيمان هاهنا وأشار إلى لسانه والنفاق هاهنا وأشار إلى قلبه ولا أذكر الله إلا قليلا فقال رسول الله اللهم اجعل له لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وارزقه حبي وحب من يحبني وصير أمره إلى خير قال يا رسول الله إنه كان لي صاحب من المنافقين وكنت رأسا فيهم أفلا آتيك بهم فقال من أتانا استغفرنا له ومن أصر على ذنبه فالله أولى به ولا تخرقن على أحد سترا قلت هذا الحديث دال على أنهم كانوا يعرفون أن محل الإيمان القلب وأن اللسان وحده لا عبرة به ولذلك شكى هذا الرجل المسمى حرملة إلى النبي أن الإيمان الواقع له كان على لسانه والوجه الثالث تأويل حديث أبي الصلت بالمعنى الذي قدمناه في كلام السلف جمعا بينه وبين ما يدل على مقابله فإن قلت فماذا تصنع في حديث وفد عبد القيس وذلك ما أخبرناه الشيخ الإمام الوالد رحمه الله بقراءتي عليه اخبرنا محمد بن علي البالسي أخبرنا عبد الحق بن خلف حضورا أخبرنا هبة الله بن أبي البركات محفوظ ابن الحسن بن صصري أخبرنا ياقوت بن عبد الله الرومي أخبرنا عبد الله بن محمد الصريفيني الخطيب ح وأخبرنا الشيخ الإمام رحمه الله أيضا قراءة عليه وأنا سمع أخبرنا محمد بن إبراهيم الرحبي وأبو الخير الصوفي قالا أخبرنا أبو العباس ابن عبد الدايم ح وأخبرنا صالح بن مختار الأشنوي قراءة عليه وأنا أسمع بالقاهرة قال أخبرنا ابن عبد الدايم أخبرنا يحيى بن محمود الثقفي أخبرنا جدي لأبي أبو القاسم إسماعيل ابن محمد بن الفضل ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا علي بن أحمد الغرافي أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد الحافظ ببغداد أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله قالا أخبرنا الشريف أبو نصر محمد بن محمد الزينبي قالا أخبرنا أبو طاهر المخلص حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال أخبرني أبو جمرة قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول قدم وفد عبد القيس على رسول الله فأمرهم بالإيمان بالله عز وجل قال أتدرون ما الإيمان قالوا الله ورسوله أعلم قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاةوإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا الخمس من المغنم
رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل فوقع لنا موافقة وبوب عليه البخاري باب أداء الخمس من الإيمان ثم رواه عن علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن أبي جمرة قال كنت أقعد مع ابن عباس فيجلسني على سريره فقال أقم عندي حتى أجعل لك سهما من مالي فأقمت معه شهرين ثم قال إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي قال من القوم أو من الوفد قالوا ربيعة قال مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى فقالوا يا رسول الله إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة وسألوه عن الأشربة فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع أمرهم بالإيمان بالله وحده قال أتدرون ما الإيمان بالله وحده قالوا الله ورسوله أعلم قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس ونهاهم عن أربع عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت وربما قال المقير وقال احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم هذا لفظ صحيح البخاري ورواه مسلم في صحيحه من طريقين بلفظ يقارب هذا
قلت إما أن يحمل الإيمان في لفظ هذا الحديث على الإيمان الكامل جمعا بين الحديثين أو يقال قوله وإقام الصلاة معطوف على قوله فأمرهم وهو من حكاية ابن عباس لا على تفصيل الإيمان والمعنى والعلم عند الله أمرهم بالإيمان وفسره لهم بالشهادتين وذلك تمام الإيمان وهو أحد الأربع المأمور بها ولذلك أن خلف بن هشام شيخ مسلم زاد في روايته شهادة أن لا إله إلا الله وعقد واحدة فدل على أن الأربع المعدودة وهي الشهادتان والصلاة والزكاة والخمس مأمور بها لا نقول إنها أجزاء الإيمان والإيمان هو الشهادتان فقط ومما يوضح ذلك أنه لم يذكر الحج في شيء من روايات الحديث ورواه عباد بن عباد عن أبي جمرة ولم يذكر الصوم وكذلك سليمان بن حرب وحجاج بن منهال كلاهما عن حماد بن زيد عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي ولم يذكر الصوم واتفقت الروايات على ذكر خمس المغنم وهو غير مذكور في حديث أركان الإسلام لا في حديث بني الإسلام على خمس ولا في حديث جبريل عليه السلام وعلى هذا يكون إقام الصلاة مجرورا بحرف العطف على قول ابن عباس أمرهم بالإيمان أي أمرهم بالإيمان وفسره بكذا وأمرهم بكذا وكذا إلى وأن يعطوا الخمس ويعطوا بالياء على الغيبة لكن في لفظ لمسلم آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع ثم فسرها لهم فقال إلي أن قال وأن تؤدوا خمس ما غنمتم وليس فيه ذكر الصيام وهذا يوجب التوقف فيما نحاوله
والإيمان بالله يجوز فيه الرفع والجر وإقام الصلاة تبع له في الإعراب لأنه معطوف عليه ومن تمام ما نحاوله أن قوله آمركم أو أمرهم بأربع يقتضي كونها متغايرة فلو كان إقام الصلاة وما بعده داخلا في مسمى الإيمان لكان المأمور به واحدا لا أربعا فافهم ذلك وهذا المكان مما أستخير الله تعالى فيه فإن ألفاظ الحديث مختلفة والإقدام على تأويل ألفاظ النبوة من غير برهان ظاهر صعب وبالله التوفيق وقد وجدت بعد ما سطرت هنا ما كتب الوالد رضي الله عنه تكلم على هذا الحديث في باب قسم الفيء والغنيمة وقال اختلف العلماء رحمهم الله في قوله عليه الصلاة والسلام وأن تؤدوا خمس ما غنمتم هل هو معطوف على الإيمان المذكور في الحديث بعد قوله آمركم بأربع أو على شهادة أن لا إله إلا الله التي هي من خصال الإيمان قال والصحيح الثاني وهو ما فهمه البخاري ثم قال وقد يقال في تفسير الإيمان بما ذكر بعده وهو الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم وإعطاء الخمس إن عطف الخمس على الإيمان خالف ما فهمه البخاري وإن عطف على الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم كان المأمور به خمسا أو ستا وهو قد قال آمركم بأربع والإيمان لا بد أن يكون من جملتها لأنه أول ما بدأ به في بيان الأربع ثم أجاب بأنه فهم أن المراد أن الإيمان قول وهو الشهادتان وعمل وهو الأربع الصلاة والزكاة والصوم وأداء الخمس وإبدال الإيمان وما بعده من الأربع بدل كل من كل وأن الإيمان الذي هو الأصل والعمود لم يحسب من الأربع وأن الأربع هي خصاله المقصودة بالأمر وأطال في هذا قلت وهو حسن لولا معارضة ما جاء في الحديث أنه عقد على شهادة أن لا إله إلا الله واحدة فإن قلت فهل الإيمان والإسلام متلازمان وهل بينهما عموم وخصوص قلت الذي دل عليه كلام المحققين من هذه الطائفة أن الإيمان التصديق الخاص والإسلام في اللغة الانقياد يقال أسلم إذا دخل في السلم وفي الشرع الانقياد الخاص وهو فعل الطاعات وهذا الانقياد الخاص نتيجة الإيمان فمتى صدق انقاد ثم إن الانقياد بالقلب والنطق والأعمال أعمال الجوارح والانقياد بالقلب لازم الإيمان والنطق شرط في صحة الإيمان أو ركن والأعمال الأخر ليست بشرط ولا ركن في صحة أصل الإيمان ولكنها من جملة الإسلام فحاصله أن الشارع شرط في اعتبار الإيمان بعض الإسلام وشرط في اعتبار كل إسلام الإيمان فلا يصح شيء من الإسلام إلا مع الإيمان ولا يعتد بالإيمان إلا إذا انقاد ونطق بالشهادتين وكف عما يوقع في الكفر من الأفعال وغيرها فمن صدق بقلبه ولم يفعل ذلك مع القدرة عليه فهو غير مؤمن إيمانا معتبرا وهل يطلق عليه أنه مؤمن بالحقيقة يشبه أن يتخرج على الخلاف في أن اللفظ الشرعي هل موضوع للصحيح فقط أو لما هو أعم من الصحيح والفاسد وكذلك من انقاد ظاهرا فهو مسلم لغة لحصول مطلق الانقياد له وهل يكون مسلما حقيقة شرعية يشبه تخرجه على الخلاف ويكون المنافقون مسلمين حقيقة إسلاما لا ينفعهم فيصح إطلاق الإسلام عليهم ولكنه إسلام غير معتبر لفقدان شرطه وهو الإيمان وربما نفعهم في الدنيا في الكف عن قتلهم ومن آمن بقلبه ولم ينطق بلسانه فقد قلنا إن إيمانه غير معتبر وأنه مؤمن لغة لوجدان التصديق وهل هو مؤمن شرعا يتخرج على الخلاف في الاسم الشرعي هل هو موضوع للصحيح فقط أو للأعم من الصحيح والفاسد وهل هذا اختلاف في التسمية لا يتعلق به غرض وهل يكون مسلما
كان أبي رحمه الله يتردد فيه ويقول يحتمل أن يقال لا لأن الانقياد إنما هو بالظاهر ويحتمل أن يقال نعم لأن التصديق نوع من الانقياد والأمر في هذا سهل بقي علينا أن من لم ينطق بلسانه مع القدرة قد نقلوا الإجماع على أنه غير مؤمن إيمانا معتبرا وقلنا إن هذا الإجماع يخصص حديث من علم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ويظهر أن يتوسط فيمن اعتقد ولم ينطق مع القدرة إن كان قد ترك النطق قصدا أو عرض عليه أن ينطق فأبى فالأمر كذلك وإن كان وقع له ترك النطق اتفاقا وعلم الله تعالى منه أنه لو عرض عليه لبادر إليه فهذا في جعله كافرا نظر فإن كان محل الإجماع القسم الأول حمل قوله من علم أن لا إله إلا الله دخل الجنة على من علم ونطق أو كان تركه النطق اتفاقا لا قصدا وهو أولى من التأويل السابق وإن وقع الإجماع في الصورتين فهو قاطع لا يصادم فلا وجه حينئذ إلا تخصيص العموم به أو غير ذلك لما سبق فإن قلت لو كان الإيمان التصديق لوجب الحكم بأن من يقتل نبيا أو يستخف به أو يسجد لوثن أو يكف عن النطق بالشهادتين ولو قاصدا معروضتين عليه أو يلقي المصحف في القاذورات يكون مؤمنا لأن هذه الأفعال لا تضاد عقائد القلوب وما هو مودع فيها من معرفة علام الغيوب قلت الجواب من وجهين أحدهما قاله إمام الحرمين وحاصله أنا لسنا ننكر في قضية العقل مجامعة هذه الفواحش للمعرفة على ما قلتم فإن أفعال الجوارح لا تناقض عقد القلوب ولكن أجمع المسلمون على أن من بدر منه شيء مما وصفتم فهو كافر فعلمنا بهذا الإجماع أن الله تعالى لا يقضي على أحد بشيء مما وصفتم إلا وقد نزع المعرفة منه
والثاني ما أقرره قائلا لو فرضنا بقاء المعرفة في قلبه فلله تعالى أن لا يعتد بإيمانه ولا يعتبره ما لم يكف عن هذه الأمور وله تعالى أن يجعل الإقدام على هذه الأمور مساويا للجهل به في الحكم بالتكفير المقتضى للخلود في النار وما يقوله القدرية في التعديل والتجوير عندنا باطل فإن قلت لقد لاح من كلامك عودا على بدء أن الإيمان التصديق فهل أنت مختار لذلك مخالف للسلف قلت أما السلف فلا يخالفون كيف وهم القدوة غير أنا قلنا إن كلامهم محتمل لأن يجمع بينه وبين من يقول بالتصديق بما تقدم أو أنهم إنما قالوا ذلك في الإسلام فإن ثبت ذلك فلا مخالفة بين الفريقين وإن لم يثبت وهو الأقرب عند الإنصاف فأقول أمر هذه المسئلة مع عظم موقعها سهل راجع إلى التسمية فإن من يقول الإيمان التصديق لا يعتبره ما لم يكن معه نطق إن أمكن ومتى حصل معه نطق فالسلف يسمونه إيمانا ويسمون المتصف به مؤمنا وإن ترك الصلاة والزكاة والصوم والحج ومسلما أيضا ويجعلون إيمانه صحيحا معتبرا وإن كان عاصيا بما فعل وبعض الأئمة منهم وإن قال بتكفير من ترك بعض هذه الأربعة كالصلاة فإن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه يكفر بتركها وهو وجه لبعض أصحابنا فلم يقل بتكفير تارك الزكاة والصوم والحج والسلف لا يسلكون مسلك المعتزلة القائلين بالمنزلة بين المنزلتين وأنه يخرج عن حد الإيمان ولا يدخل في حيز الكفران ولكنه عندهم عاص أمره تحت المشيئة إن شاء الله عاقبه وإن شاء عفا عنه والقائلون بأن الإيمان التصديق موافقون على هذا فلم يكن بينهم من الاختلاف إلا ما لا عظيم تحته نعم الخلاف بينهم وبين المعتزلة والموافقين للسلف أمره خطر لأن المعتزلة وافقوا السلف في أن الإيمان قول وعمل ونية ولكن أخرجوا العاصي عن الإيمان والسلف لا يخرجونه
والتحقيق أن هنا احتمالات أربعة أحدها أن تجعل الأعمال من مسمى الإيمان داخلة في مفهومه دخول الأجزاء المقومة حتى يلزم من عدمها عدمه وهذا هو مذهب المعتزلة ولم يقل به السلف والثاني أن تجعل أجزاء داخلة في مفهومه لكن لا يلزم من عدمها فإن الأجزاء على قسمين منها ما لا يلزم من عدمه عدم الذات كالشعر واليد والرجل للإنسان وكالأغصان للشجرة فاسم الشجرة صادق على الأصل وحده وعليه مع الأغصان ولا يزول بزوال الأغصان وهذا هو الذي يدل له كلام السلف ومن هذا قيل شعب الإيمان جعلت الأعمال للإيمان كالشعب للشجرة وقد مثل الله تعالى الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة وهو أصدق شاهد لذلك الثالث أن تجعل آثارا خارجة عن الإيمان لكنها بسببه فإذا أطلق عليها فبالمجاز من باب إطلاق اسم السبب على المسبب وهذا مذهب الخلف الذي نحاول تقريره الرابع أن يقال إنها خارجة بالكلية لا يطلق عليها حقيقة ولا مجازا وهذا باطل لا يمكن القول به قلت هذا ما كنا نسمعه من الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى وأقول في إثبات جزء يدخل في المسمى ولا يلزم من نفيه نفي المسمى صعوبة وكان الشيخ الإمام يختار الاحتمال الثاني الذي هو ظاهر كلام السلف وإلى مذهب السلف ذهب الإمام الشافعي ومالك وأحمد والبخاري وطوائف من أئمة المتقدمين والمتأخرين ومن الأشاعرة الشيخ أبو العباس القلانسي ومن محققيهم الأستاذ أبو منصور البغدادي والأستاذ أبو القاسم القشيري وهؤلاء يصرحون بزيادة الإيمان ونقصانه إلا الشافعي ومالكا أما الشافعي فلم يتحرر عنه فيهما نص ونقل جماعة ممن صنف في مناقبه عنه أنه يقول بأنه يزيد وينقص ولكن لم يثبت ذلك عندنا ثبوت بقية منصوصاته الموجودة في مذهبه وأما مالك فعنه القول بالزيادة والنقصان وعنه أنه يزيد ولا ينقص وهو عجيب واعتذر عنه بعضهم فقال إنما توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان خشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي من المؤمنين بالذنوب وأقول قد يقال على مساق هذا وإنما قال بالزيادة لأنه قد يتأول عليه من لا علم عنده أنه يقول إيمان الصديق رضي الله عنه مثل إيمان آحاد الناس فلا يكون في ذلك منه دليل على مذهب هؤلاء بل يكون قائلا بعدم التجزي كما هو المنقول عن أبي حنيفة رضي الله عنه وممن نقل عنه التصريح بالزيادة والنقصان وهما المعنى بالتجزي السفيانان والأوزاعي ومعمر بن راشد وابن جريج والحسن والنخعي وعطاء وطاوس ومجاهد وابن المبارك وعزى إلى ابن مسعود وأما من يقول الإيمان التصديق كما هو رأي أبي حنيفة والأشعري رضي الله عنهما ويقول مع ذلك إنه غير الإسلام فالمشهور من مذهبه أنه لا يقبل الزيادة والنقص وحاول قوم من أئمتنا القول بمقبوله للزيادة والنقص مع قولهم بأنه التصديق ليجمعوا بين كلام السلف والشيخ أبي الحسن وليجمعوا بين مدلوله في اللغة والمشهور عن السلف فقالوا قال السلف إنه يتجزى وما أنكروا أن يكون تصديقا وقال الشيخ أبو الحسن إنه التصديق وما أنكر أن يصح تجزئة فنحن نجمع بين الأمرين وعلى هذا من متكلمي الأشاعرة الآمدي فإنه صرح به في الأبكار في آخر المسئلة بعدما قرر مذهب الشيخ أبي الحسن فقال إن جميع ما عداه باطل وهذا نصه ومن فسره يعني الإيمان بخصلة واحدة فإنه يكون أيضا قابلا للزيادة والنقص على ما حققناه من قبل انتهى وعليه أيضا من محدثي الأشاعرة وفقهائهم النووي رحمه الله سيد المتأخرين فإنه قال في شرح مسلم ما نصه قال المحققون من أصحابنا المتكلمين نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته وهي الأعمال ونقصانها قالوا وفي هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة وأقاويل السلف وبين أصل وضعه في اللغة وما عليه المتكلمون وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهرا حسنا فالأظهر والله أعلم أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشبه ولا يتزلزل إيمانهم بعارض بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك فهذا مما لا يمكن إنكاره ولا يشك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر الصديق رضي الله عنه لا يساويه تصديق آحاد الناس ولهذا قال البخاري في صحيحه قال ابن أبي مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه ما فيهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل انتهى كلام النووي وعليه أيضا من متكلمي الأشاعرة المتأخرين الشيخ صفي الدين الهندي فقد صرح في كتاب الزبدة بأن الحق أنه قابل للزيادة والنقصان مطلقا يعني سواء قلنا إنه الطاعات كلها أم قلنا إنه التصديق بل القول بقبوله للزيادة والنقص منصوص الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه في كتاب الإبانة في الفصل الثابت منها عنه الذي نقله الحافظ الكبير الثقة الثبت أبو القاسم ابن عساكر في كتاب تبيين كذب المفتري وهو الكتاب الذي يعتمد على نقله الأشاعرة ونصه وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص انتهى نص الشيخ أبي الحسن الثابت بنقل ابن عساكر فبان بهذا ووضح أن القائل بالتصديق لا ينكر التجزي وأن من نسب النووي إلى أنه خرق الإجماع حيث جمع بين القول بالتصديق والتجزي فقد أخطأ وأن ما قاله النووي هو قول الأشعري نفسه وأقول قد صرح بالزيادة والنقص من أصحاب الأشعري الذين يرون تبديع من خالفه ثلاثة محدث ومتكلم وصوفي وهم البيهقي والأستاذ أبو منصور البغدادي وأبو القاسم القشيري وهؤلاء من عمد الأشاعرة وهؤلاء وإن لم يصرحوا بأن الإيمان مع قبوله للتجزي هو التصديق فهو ظاهر كلامهم واتباعهم لشيخهم وقد صرح به من جماعتهم الآمدي والنووي والهندي وأشار إليه الغزالي وصرح باختياره الشيخ الإمام الوالد لأنه في الحقيقة الاحتمال الثاني الذي اختاره من الاحتمالات الأربعة التي قدمناها عنه فإن قلت لا ريب في أنه متى أمكن القول بالتجزي مع القول بأنه التصديق فهو الأظهر لاجتماع مدلول اللغة وقول السلف وقول الخلف عليه ولكن الشأن في إمكان ذلك وقول قائله لا يشك عاقل في أن إيمان الصديق ليس كإيمان آحاد الناس حق ففرق بين إيمان ثبت ورسخ وصار لا يقبل تزلزلا وإيمان بخلافه لكن ذلك القدر الزائد على الاعتقاد الجازم من انشراح الصدر وطمأنينة القلب والرسوخ الذي لا يعتريه شك إن كان داخلا في مسمى الإيمان لزمكم تكفير من لم يصل إليه وإراقة دمه وهذا لا يقول به عاقل ولا كفر أحد من لم ينته إلى درجة الصديق في الإيمان بل اكتفى بالاعتقاد الجازم من الخلق وإن لم يصلوا إلى هذا الحد وإن لم يكن داخلا فهو خارج وذلك القدر الذي حصل به الإيمان وعصمة الدم لم يقبل تجزيا فلاح بهذا أنه لا يشك عاقل في أن كثيرا من المؤمنين وصلوا إلى حقيقة الإيمان وما وصلوا إلى درجة الصديق رضي الله عنه قلت هذا تشكيك قوي جدا وعنده يقف الذهن الصحيح ولعل الله يكشف لنا عن غطائه ويبين لنا وجه الصواب بجميل فضله وجزيل عطائه والذي كان منتهى قصدنا تبيين أن من قال بأنه التصديق لا نجزم عليه القول بإنكار التجزي ومخالفة السلف وما جزم القول بأن التصديق لا يقبل التجزي وباح به ولم يتكتمه إلا ابن حزم في كتابه الملل والنحل فقال التصديق بالتوحيد والنبوة لا يمكن أن يكون فيه زيادة ولا نقص البتة وأطال في ذلك ثم شنع بعد ذلك وقبله على الشيخ أبي الحسن الذي نزل كلام السلف أحسن تنزيل ورده إلى التحقيق بأدق سبيل وبينا أنه مع قوله بأنه التصديق يقول بالتجزي الذي دل عليه قوله تعالى فإن قلت صعوبة هذا السؤال معارضة بصعوبة قول السائلين لو لم يقبل التجزي لساوى إيمان الصديق آحاد البشر وهذا في النفس منه حسيكة لا يغسل درنها إلا صافي الأذهان قلت لا شك في أن في هذا تهويلا عظيما ومعاذ الله أن يجسر مسلم على القول باستواء الإيمانين غير أنا نقول لمن زعم أن الإيمان يزيد وينقص وأنه خصال كثيرة أليس أن التصديق مقدم هذه الخصال إذ لم يختلف أهل الحل والعقد من المسلمين في أن الاعتقاد الجازم المقرون بالتلفظ بالشهادتين لا بد منه وإنما اختلفوا في انضمام قدر زائد إليه من بقية الطاعات فهذا التصديق الذي هو بعض الإيمان عندك وكله عند آخرين هل يزيد وينقص أو لا إن قلتم لا وهو ما صرح به ابن حزم فالسؤال علينا وعليكم واحد إذ يقال كيف يكون تصديق آحاد الناس مثل تصديق الصديق وإن قلتم يزيد وينقص فقد اعترفتم بأن التصديق قابل للتجزي وهو ما قاله الآمدي والنووي والهندي ومن ذكرناه فتعين القول به وأن يفوض أمر هذا الإشكال الذي اعترض به في طريقه إلى الباري سبحانه وتعالى ونضرع إليه في حله فبإرشاده وهديه تتضح المشكلات وهو المسؤول أن يوفقنا لجميع الطاعات وما كان المقصود إلا تبيين تقارب مذهب الشيخ والسلف مع رجوع الخلاف في الحقيقة لفظيا كما بيناه وسهولة أمره في نفسه فإن قلت هل زعم السلف أن كل طاعة إيمان قلت هو ظاهر كلامهم ومن ثم قالوا إن الإيمان يزيد وينقص وقال البخاري باب أداء الخمس من الإيمان وذكر حديث وفد عبد القيس وكذلك اقتضاه كلامهم عند الكلام على حديث الإيمان بضع وسبعون شعبة وذلك فيما أخبرنا به أحمد بن علي الحنبلي بقراءتي عليه وفاطمة بنت إبراهيم بن عبد الله بن الشيخ أبي عمر قراءة عليها وأنا أسمع قالا أخبرنا إبراهيم بن خليل حضورا أخبرنا عبد الرحمن بن علي بن المسلم الخرقي أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن الموازيني أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن أبي الفراتي النيسابوري أخبرنا جدي الإمام الزاهد أبو عمر أحمد بن أبي أخبرنا أبو منصور ظفر أخبرنا أبو عبد الله بن محمد ابن علي بن محرز القاضي ببغداد حدثنا محمد بن يوسف بن الطباع حدثنا محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه قال قال رسول الله الإيمان بضع وسبعون خصلة أكبرها شهادة أن لا إله إلا الله وأصغرها إماطة الأذى عن الطريق وأخبرناه محمود بن خليفة المنبجي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم النحاس أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ غير مرة أخبرنا أبو المكارم أحمد بن محمد بن محمد اللبان أخبرنا أبو على الحسن بن أحمد الحداد أخبرنا أبو نعيم الأصبهاني الحافظ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن مخلد الجوهري المعروف بابن محرم حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد وهمام قالا عن سهيل بن أبي صالح ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن محمد بن الحسن بن نباتة المحدث بقراءتي عليهما قالا أخبرنا علي بن أحمد الغرافي أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي أخبرنا أبو الحسن محمد بن المبارك بن الخل أخبرنا الحسين بن علي بن أحمد بن البسري البندار أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري قريء على أبي علي إسماعيل بن محمد الصفار وأنا أسمع حدثنا عباس بن عبد الله الترقفي حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق أخرجه البخاري عن عبد الله بن محمد الجعفي عن أبي عامر العقدي عن سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار به ومسلم عن عبيد الله بن سعيد وعبد بن حميد كلاهما عن أبي عامر العقدي به وعن زهير بن حرب عن جرير عن سهيل عن عبد الله به وأبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن سهيل به والترمذي عن أبي كريب عن وكيع عن سفيان عن سهيل به وقال حسن صحيح والنسائي عن محمد بن عبد الله المخرمي عن أبي عامر العقدي به وعن أحمد بن سلمان عن أبي داود الحفري وأبي نعيم كلاهما عن سفيان به وعن يحيى بن حبيب بن عربي عن خالد بن الحارث عن ابن عجلان عنه بيعضه الحياء من الإيمان وابن ماجه عن علي بن محمد الطنافسي عن وكيع به وعن عمرو بن رافع عن جرير به وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن ابن عجلان نحوه فإن قلت فما معنى قوله بني الإسلام على خمس الحديث قلت كأنها اعظم الأركان وإلا فالجهاد من أفضل الطاعات وليس منها فإن قلت فما تقولون في قوله تعالى في سورة آل عمران قلت قد تدبرتهما حال التلاوة ولم أجد أحدا ذكرهما وهما مما قد يستأنس بهما القائل بأن الإيمان التصديق بالقلب وذلك لأنه لما كان الإيمان لا يطلع عليه إلا صاحبه ومن يكشف له أخبروا به عن أنفسهم ولما كان الإسلام يطلع عليه استشهدوا عليه بخلاف الإيمان إذ لا يمكن الشهادة على ما في الضمير ولو كان الإيمان للأفعال الظاهرة لقالوا واشهد بأنا مؤمنون
ونظير ذلك ما في سنن أبي داود وجامع الترمذي بإسناد صحيح من قوله (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان) فانظر كيف طلب في وقت الحياة وهو صالح للأعمال ما يناسبه من الإسلام وفي وقت الوفاة وهو لحظة الموت ما لا يتأتى معه اعمال الجوارح بل نفس الحضور والاعتقاد وهو الإيمان وتأمل مواقع كلام الله وكلام رسوله وما يشتمل عليه من الإشارة وكيف إصابتها للمفاصل
|